تنسيق باللونين البنّي والأسود "بورتريه لأم الفنان"
للفنان الأمريكي جيمـس ويسلـر، 1871
هذه اللوحة الشهيرة لها اسم آخر أكثر اختصارا هو "والدة ويسلر". وقد أصبحت أيقونة ترمز للفنّ الأمريكي بعد أن طافت على عدد من متاحف العالم الكبيرة.
ولد جيمس ويسلر في الولايات المتّحدة، لكنه غادرها في سنّ الحادية والعشرين ليستقرّ في أوربا متنقلا ما بين لندن وباريس.
في لندن أصبح ويسلر صديقا للرسّام دانتي غابرييل روزيتي والكاتب الايرلندي اوسكار وايلد.
وفي باريس أقام علاقة طيّبة مع مانيه وديغا.
وعندما كان في لندن، كانت والدته آنا ما تزال تعيش في الولايات المتحدة. كانت آنذاك أرملة مسنّة وكان أبناؤها قد أصبحوا كبارا. في ذلك الوقت كانت الحرب الأهلية الأمريكية في ذروة استعارها. وقد اقنع الفنان والدته بالمجيء إلى لندن حيث أقامت معه حتى وفاتها.
وعندما رسمها كانت في سنّ السابعة والستين.
وقد حاول ويسلر في اللوحة نقل شخصية والدته البروتستانتية الوقورة. واختار أن يرسمها في وضع جانبي وهي ترتدي فستانا اسود وغطاء رأس ابيض بينما أمسكت بيدها منديلا حريريا ابيض.
ملامح المرأة جامدة وقد لا تعبّر عن انفعال محدّد.
ومما يلفت الانتباه في هذا العمل جمال ورقّة التباين بين الألوان الغالبة على اللوحة، خاصّة الأسود والرمادي والأبيض. ولم ينسَ الرسّام أن يضمّن اللوحة إحدى لوحاته المشهورة التي تبدو معلقة على الجدار.
كان ويسلر من المدافعين الأقوياء عن مدرسة الفنّ للفن، بدليل الاسم الطويل والغريب الذي أطلقه على اللوحة. وهو اسم يحمل تحدّيا واضحا لأسلوب التسميات التقليدية ويحاكي في نفس الوقت العناوين "اللونية" للسيمفونيات والمؤلفات الموسيقية التي وضعها مؤلفون موسيقيون ينتمون إلى هذه المدرسة.
وعندما عُرضت اللوحة في باريس استقبلت استقبالا حسنا ثم اشتراها متحف لوكسمبورغ بمبلغ ستمائة دولار.
لكنها انتقلت في ما بعد إلى متحف اورساي في باريس حيث ظلّت فيه إلى اليوم. وهي من اللوحات ذات الشعبية الكبيرة في أمريكا. حيث ظهرت على الطوابع البريدية وأصبحت رمزا مصاحبا لاحتفالات عيد الأم. كما ظهرت في العديد من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية.
وحتى اليوم ما يزال ُينظر إلى اللوحة في الولايات المتحدة باعتبارها رمزا للأمومة والتعاطف والرفق بالوالدين والقيم العائلية بشكل عام.
وقد اجتذبت اللوحة عددا كبيرا من الفنانين الذين قلّدوها ونسجوا على منوالها من حيث الألوان والخلفية وطريقة جلوس السيّدة.
عاصر ويسلر الانطباعية غير انه لم يتأثّر بها بل فضّل أن يختط لنفسه أسلوبا مستقلا.
وقد كان يتبنّى أفكارا تجديدية في اللون والتوليف تأثّر بها بعض معاصريه من الفنانين ومن أتوا بعده.
ويقال انه لم يتلقّ أبدا التقدير الذي يستحقّه. وفي بعض المرّات انتقدت لوحته هذه بسبب ما قيل عن انعدام العاطفة والدفء الإنساني فيها. وهو ما لا يتوقّعه الناس من فنّان يرسم أمّه، كما قال منتقدوه.
غير انه كان يردّ دائما بأن الجمهور لا يهتمّ عادة بهويّة الشخص المرسوم أو بطبيعته علاقته بالرسّام.
أثناء إقامة ويسلر في باريس كانت موديله المفضّلة جوانا هيفرنان التي ظهرت في بعض لوحاته الباريسية وأصبحت فيما بعد عشيقته.
لكنه تخلّى عنها بعد أن اكتشف أنها هي الموديل التي استخدمها غوستاف كوربيه في لوحته "أصل العالم" التي جلبت عليه غضب وسخط الكثيرين.
وقد قطع ويسلر علاقته بالاثنين في ما بعد. وقيل إن سبب نقمة ويسلر على هيفرنان انه صُدم بتحرّرها المبالغ فيه وربّما كان يتوقّع منها أن تكون بحشمة وورع أمّه.