تمـثـال المفـكـّـر
للفنان الفرنسي اوغست رُودان، 1880
للفنان الفرنسي اوغست رُودان، 1880
بعض النقّاد يلقّبون رودان بـ "موزارت النحت الحديث" ويعتبرونه احد الفنّانين النادرين الذين تتحدّث أعمالهم إلى أعماق النفس الإنسانية. والبعض الآخر يلقّبه بـ "فاغنر عالم النحت الحديث"، على أساس انه واحد من أولئك الفنّانين القلائل الذين تتحدّث أعمالهم إلى التطلّعات العميقة لمعظم الناس. والذين رأوا أعماله لاحظوا فيها عمق الرؤية والحرفية التي يصعب منافستها أو تقليدها.
وهناك من يرى انه يشكّل جسرا ما بين رومانسية القرن التاسع عشر وحداثة القرن العشرين، ما سمح للناس أن يروا الشوط البعيد الذي قطعه الفنّ. احد أعماله الأولى، وكان تمثالا نصفيا بعنوان "رجل بأنف مكسورة"، استلهمه من عامل عجوز كان في أنفه التواء، وصاغ التمثال على بعض ملامح التماثيل النصفية الإغريقية.
وربّما فعل ذلك انطلاقا من حقيقة أن كلّ التماثيل النصفية التي وصلت من الأزمنة القديمة كانت أنوفها مكسورة أو فقدت رؤوسها أو بعضا من أطرافها. وهناك من يقول إن الشاعر رينر ماريا ريلكا الذي عمل سكرتيرا لرودان لبعض الوقت قد يكون استلهم ذلك التمثال في كتابة إحدى أشهر قصائده.
وتمثال المفكّر هو بلا شك أشهر أعمال رودان. كما انه أفضل تحفة فنّية تعبّر عن عملية التفكير عند الإنسان وتجسّد قوّة العقل ودوره في إبداع الأفكار. وقد استغرق العمل على التمثال عشر سنوات. ومنذ ذلك الحين يُنظر إليه باعتباره أحد أفضل الأعمال النحتية على مرّ العصور.
ويكمن نجاح رودان في انه تمكّن من تمثيل عملية التفكير، وهي شيء لا يمكن رؤيته أو لمسه. والتمثال يُظهر رجلا ضخم الجثّة ومسندا رأسه إلى يده وهو مستغرق في التفكير العميق. بل إن أصابع قدميه منغرسة في الأرض من فرط تركيزه واستغراقه.
ويُعتقد انه يصوّر فيلسوفا مشهورا مثل أفلاطون أو حتى سوبرمان نيتشه. غير أن نيتشه لم يكن معروفا آنذاك بما فيه الكفاية. وحتى ملامح أفلاطون ليست قريبة من التمثال.
ولد رودان في باريس ونشأ فيها. ومنذ صغره كان يريد أن يصبح فنّانا. غير أن مدرسة الفنون في باريس رفضت قبوله كطالب، فعمل كحرفيّ وقاطع أحجار قبل أن يلتحق للعمل بأحد الأديرة.
وهناك لاحظ رئيس الدير ميله للنحت وشجّعه على أن يصبح نحّاتا. فتعلّم طريقة شقّ الحجر وصبّ الفولاذ في الفجوات وغيرها من المهارات الفنّية اللازمة في النحت.
ثم وجد ضالّته في معلّم يُدعى البير ارنست بيلوس الذي أخذه معه إلى بروكسل للمساعدة في بناء معالم عامّة أمرت بها الحكومة البلجيكية.
وفي عام 1875 ساهمت رحلة له إلى ايطاليا في فتح انجازات الماضي أمامه متمثّلة في أعمال ميكيل انجيلو ودوناتيللو. الذكور البطوليون والأنبياء الخطرون والشاعرات الغامضات والخاطئون المعذّبون والمرعوبون المتوجّهون إلى الجحيم ظلّوا هاجسا يؤرّق خيال رودان بقيّة حياته. وقد ألهب هو فنّ النحت الذي كان يقارب الموت في نهاية القرن التاسع عشر ووفّر مصدر إلهام لفنّاني القرن العشرين.
في رحلته إلى لندن عام 1882، اكتشف رودان أعمال معاصريه البريطانيين ومن كانوا يُسمّون بالرسّامين ما قبل الرافائيليين. وكان هؤلاء قد رسموا مناظر من الكوميديا الإلهية متأثّرين في ذلك بوليام بليك وغيره من رسّامي تلك الحقبة.
ويقال انه عندما نحت "المفكّر" كان في ذهنه دانتي أمام بوّابات الجحيم وهو يتأمّل قصيدته العظيمة. غير أن تصوير دانتي كرجل عارٍ بدا أمرا سخيفا في نظر الناس في ذلك العصر.
وتساءل الكثيرون وقتها عن السبب في أن رودان صوّر المفكّر بتلك الهيئة. وهناك نظرية تقول انه أراده شخصا بطوليّا على منوال شخوص ميكيل انجيلو بحيث يجسّد التفكير والجمال معا.
كانت الكوميديا الإلهية تُعتبر اكبر مزاوجة بين الشعر الأوربّي والفلسفة. ولم تكن تنافسها في الشهرة سوى إلياذة هوميروس. ومن المعروف أن رودان كان مفتونا على وجه الخصوص برحلة دانتي إلى الجحيم. وقد أصبح تصوير شخصيات ذلك الجزء من القصيدة الملحمية همّه الأول. ويبدو أن ملحمة دانتي ورسومات بليك ومثال ميكيل انجيلو كانت المزيج الذي أشعل موهبة رودان طوال الأربعة عقود التالية.
رودان نفسه كتب في ما بعد يقول: "المفكّر" له قصّة، فمنذ زمن طويل كنت أفكّر في بوّابات الجحيم وأتخيّل دانتي جالسا على صخرة وهو يُعمل عقله في بناء قصيدته. لكن خطر لي أن تصوير دانتي الزاهد الهزيل معزولا عن كلّ شيء سيكون بلا معنى. وفكّرت في شخص آخر عارٍ يجلس على الصخرة ويضع كفّه تحت ذقنه ويحلم. في الواقع هو ليس حالما بل هو مبدع وخالق".
"مفكّر" رودان كان له صدى في التطلّعات العظيمة للقرن التاسع عشر، عصر ماركس وداروين وفاغنر. لكن في معادلته عن المفكّر الشاعر الخالق، كان رودان بمعنى ما سابقا لعصره.
الشعبية الكبيرة لـ "المفكّر" تُعزى إلى الشعور الذي يجسّده، أي الرجل المُسهَد المتجمّد الحركة لاستغراقه في التفكير. وحسب رودان فإن المفكّر لا يفكّر بعقله ولا بحاجبيه المقطبين ولا بشفتيه المطبقتين، وإنّما بكلّ عضلة في ذراعه وظهره وساقه.
وقد أنجز رودان عشر نسخ من التمثال. وعند وفاته عام 1917 كان حقّ استنساخه قد مُنح للشعب الفرنسيّ. ومنذ ذلك الوقت ازداد عدد تماثيل المفكّر إلى حوالي عشرين تمثالا. وبعض النسخ منه تنتشر اليوم في ملبورن وجنيف وواشنطن وغيرها.
والمعروف انه لا توجد حتى اليوم أيّة سيرة وافية عن حياة رودان. والسبب هو انه يستحيل الوصول إلى الأرشيف الضخم الذي يضمّه متحفه. كما انه ليس من المتيّسر الحصول على معلومات حتى عن مسائل أساسية، مثل مجموعته من التحف القديمة، وهو المعروف بشغفه بشراء قطع الفنّ الكلاسيكي.
لكن يُعرف انه ولد عام 1840، وكان معاصرا لمونيه ورينوار. وقد شارك مع الأوّل في معارض وجَمَع أعمالهما التي كان يضعها في مكتبه. كما كان من أوائل من اعترفوا بموهبة فان غوخ الذي اشترى له ثلاث لوحات. وكان شارل بودلير من اقرب أصدقاء رودان. كما كان يستمتع بالموسيقى، وعُرف عنه خاصّة حبّه لفنون الشرق الأدنى وعشقه لأوبرا غلوك وإعجابه بالرسّام إل غريكو.
وعندما ازدادت شعبيّته اجتذب المزيد من الشخصيات الأدبية والفنّية مثل الشاعر الألماني ماريا ريلكا والكاتب الأمريكي اوسكار وايلد. وقد صاحبه ريلكا سنتين وأنجز له أعمالا إدارية.
قبيل وفاته، عقد رودان اتفاقا مع الحكومة الفرنسية بأن يترك جميع منحوتاته ورسوماته وصوره للدولة، شرط أن يتحوّل فندق بيرون الذي كان يتردّد عليه ويعمل فيه إلى متحف يحمل اسمه ويؤوي أعماله.
ومن هنا ولد متحف رودان الذي يضمّ اليوم أكثر من ستّة آلاف قطعة نحتية وأكثر من سبعة آلاف عملٍ على الورق. كما يضمّ المتحف لوحات لمونيه وفان غوخ كان قد اشتراها لتكون شاهدا على انه كان على وئام مع الانطباعيين ومن أتى بعدهم.
لم يكن رودان يحبّذ فكرة الزواج، بل كان يعتقد أن العيش مع نساء يمكن أن يكون فخّاً. وقد قال ذات مرّة إن الرجال كثيرا ما يضحّون بأنفسهم من اجل نساء يمكن أن يكنّ سببا في المعاناة والشقاء. كان يرى أن المرأة يمكن أن تسيطر عليه وأن تعيق فنّه.
لكن هذا لم يمنعه من المغامرة، وإحدى أشهر تجاربه النسائية كانت مع كميل كلوديل التي كانت هي أيضا نحّاتة معروفة. وقد حملت له بولدين، لكن قصّتها انتهت نهاية مأساوية، إذ استقرّ بها المطاف في مشفى للأمراض العقلية. وإحدى طالباته، وهي الايرلندية نوالا اودونيل، قتلت نفسها بسبب لا مبالاته بها.
وفي عام 1917 تزوّج رودان من روز بيوريه، المرأة التي كان يعرفها منذ ثلاثة وخمسين عاما. لكنّها توفّيت بعد الزواج بأسبوعين. وفي نفس تلك السنة توفّي رودان نفسه بعد إصابته بالإنفلونزا، وكان في السابعة والسبعين من عمره. وقبيل وفاته أوصى بأن توضع نسخة مصغّرة من "المفكّر" على قبره كشاهد.
في زمانه، كان رودان يقارن بميكيل انجيلو، لكن خلال نصف القرن الأخير ضعفت شعبيّته مع تغيّر الأذواق والقيم الجمالية. لكن في كلّ الأحوال، ما يزال الكثيرون يعتبرونه أشهر نحّات معاصر في العالم الحديث.
وهناك من يرى انه يشكّل جسرا ما بين رومانسية القرن التاسع عشر وحداثة القرن العشرين، ما سمح للناس أن يروا الشوط البعيد الذي قطعه الفنّ. احد أعماله الأولى، وكان تمثالا نصفيا بعنوان "رجل بأنف مكسورة"، استلهمه من عامل عجوز كان في أنفه التواء، وصاغ التمثال على بعض ملامح التماثيل النصفية الإغريقية.
وربّما فعل ذلك انطلاقا من حقيقة أن كلّ التماثيل النصفية التي وصلت من الأزمنة القديمة كانت أنوفها مكسورة أو فقدت رؤوسها أو بعضا من أطرافها. وهناك من يقول إن الشاعر رينر ماريا ريلكا الذي عمل سكرتيرا لرودان لبعض الوقت قد يكون استلهم ذلك التمثال في كتابة إحدى أشهر قصائده.
وتمثال المفكّر هو بلا شك أشهر أعمال رودان. كما انه أفضل تحفة فنّية تعبّر عن عملية التفكير عند الإنسان وتجسّد قوّة العقل ودوره في إبداع الأفكار. وقد استغرق العمل على التمثال عشر سنوات. ومنذ ذلك الحين يُنظر إليه باعتباره أحد أفضل الأعمال النحتية على مرّ العصور.
ويكمن نجاح رودان في انه تمكّن من تمثيل عملية التفكير، وهي شيء لا يمكن رؤيته أو لمسه. والتمثال يُظهر رجلا ضخم الجثّة ومسندا رأسه إلى يده وهو مستغرق في التفكير العميق. بل إن أصابع قدميه منغرسة في الأرض من فرط تركيزه واستغراقه.
ويُعتقد انه يصوّر فيلسوفا مشهورا مثل أفلاطون أو حتى سوبرمان نيتشه. غير أن نيتشه لم يكن معروفا آنذاك بما فيه الكفاية. وحتى ملامح أفلاطون ليست قريبة من التمثال.
ولد رودان في باريس ونشأ فيها. ومنذ صغره كان يريد أن يصبح فنّانا. غير أن مدرسة الفنون في باريس رفضت قبوله كطالب، فعمل كحرفيّ وقاطع أحجار قبل أن يلتحق للعمل بأحد الأديرة.
وهناك لاحظ رئيس الدير ميله للنحت وشجّعه على أن يصبح نحّاتا. فتعلّم طريقة شقّ الحجر وصبّ الفولاذ في الفجوات وغيرها من المهارات الفنّية اللازمة في النحت.
ثم وجد ضالّته في معلّم يُدعى البير ارنست بيلوس الذي أخذه معه إلى بروكسل للمساعدة في بناء معالم عامّة أمرت بها الحكومة البلجيكية.
وفي عام 1875 ساهمت رحلة له إلى ايطاليا في فتح انجازات الماضي أمامه متمثّلة في أعمال ميكيل انجيلو ودوناتيللو. الذكور البطوليون والأنبياء الخطرون والشاعرات الغامضات والخاطئون المعذّبون والمرعوبون المتوجّهون إلى الجحيم ظلّوا هاجسا يؤرّق خيال رودان بقيّة حياته. وقد ألهب هو فنّ النحت الذي كان يقارب الموت في نهاية القرن التاسع عشر ووفّر مصدر إلهام لفنّاني القرن العشرين.
في رحلته إلى لندن عام 1882، اكتشف رودان أعمال معاصريه البريطانيين ومن كانوا يُسمّون بالرسّامين ما قبل الرافائيليين. وكان هؤلاء قد رسموا مناظر من الكوميديا الإلهية متأثّرين في ذلك بوليام بليك وغيره من رسّامي تلك الحقبة.
ويقال انه عندما نحت "المفكّر" كان في ذهنه دانتي أمام بوّابات الجحيم وهو يتأمّل قصيدته العظيمة. غير أن تصوير دانتي كرجل عارٍ بدا أمرا سخيفا في نظر الناس في ذلك العصر.
وتساءل الكثيرون وقتها عن السبب في أن رودان صوّر المفكّر بتلك الهيئة. وهناك نظرية تقول انه أراده شخصا بطوليّا على منوال شخوص ميكيل انجيلو بحيث يجسّد التفكير والجمال معا.
كانت الكوميديا الإلهية تُعتبر اكبر مزاوجة بين الشعر الأوربّي والفلسفة. ولم تكن تنافسها في الشهرة سوى إلياذة هوميروس. ومن المعروف أن رودان كان مفتونا على وجه الخصوص برحلة دانتي إلى الجحيم. وقد أصبح تصوير شخصيات ذلك الجزء من القصيدة الملحمية همّه الأول. ويبدو أن ملحمة دانتي ورسومات بليك ومثال ميكيل انجيلو كانت المزيج الذي أشعل موهبة رودان طوال الأربعة عقود التالية.
رودان نفسه كتب في ما بعد يقول: "المفكّر" له قصّة، فمنذ زمن طويل كنت أفكّر في بوّابات الجحيم وأتخيّل دانتي جالسا على صخرة وهو يُعمل عقله في بناء قصيدته. لكن خطر لي أن تصوير دانتي الزاهد الهزيل معزولا عن كلّ شيء سيكون بلا معنى. وفكّرت في شخص آخر عارٍ يجلس على الصخرة ويضع كفّه تحت ذقنه ويحلم. في الواقع هو ليس حالما بل هو مبدع وخالق".
"مفكّر" رودان كان له صدى في التطلّعات العظيمة للقرن التاسع عشر، عصر ماركس وداروين وفاغنر. لكن في معادلته عن المفكّر الشاعر الخالق، كان رودان بمعنى ما سابقا لعصره.
الشعبية الكبيرة لـ "المفكّر" تُعزى إلى الشعور الذي يجسّده، أي الرجل المُسهَد المتجمّد الحركة لاستغراقه في التفكير. وحسب رودان فإن المفكّر لا يفكّر بعقله ولا بحاجبيه المقطبين ولا بشفتيه المطبقتين، وإنّما بكلّ عضلة في ذراعه وظهره وساقه.
وقد أنجز رودان عشر نسخ من التمثال. وعند وفاته عام 1917 كان حقّ استنساخه قد مُنح للشعب الفرنسيّ. ومنذ ذلك الوقت ازداد عدد تماثيل المفكّر إلى حوالي عشرين تمثالا. وبعض النسخ منه تنتشر اليوم في ملبورن وجنيف وواشنطن وغيرها.
والمعروف انه لا توجد حتى اليوم أيّة سيرة وافية عن حياة رودان. والسبب هو انه يستحيل الوصول إلى الأرشيف الضخم الذي يضمّه متحفه. كما انه ليس من المتيّسر الحصول على معلومات حتى عن مسائل أساسية، مثل مجموعته من التحف القديمة، وهو المعروف بشغفه بشراء قطع الفنّ الكلاسيكي.
لكن يُعرف انه ولد عام 1840، وكان معاصرا لمونيه ورينوار. وقد شارك مع الأوّل في معارض وجَمَع أعمالهما التي كان يضعها في مكتبه. كما كان من أوائل من اعترفوا بموهبة فان غوخ الذي اشترى له ثلاث لوحات. وكان شارل بودلير من اقرب أصدقاء رودان. كما كان يستمتع بالموسيقى، وعُرف عنه خاصّة حبّه لفنون الشرق الأدنى وعشقه لأوبرا غلوك وإعجابه بالرسّام إل غريكو.
وعندما ازدادت شعبيّته اجتذب المزيد من الشخصيات الأدبية والفنّية مثل الشاعر الألماني ماريا ريلكا والكاتب الأمريكي اوسكار وايلد. وقد صاحبه ريلكا سنتين وأنجز له أعمالا إدارية.
قبيل وفاته، عقد رودان اتفاقا مع الحكومة الفرنسية بأن يترك جميع منحوتاته ورسوماته وصوره للدولة، شرط أن يتحوّل فندق بيرون الذي كان يتردّد عليه ويعمل فيه إلى متحف يحمل اسمه ويؤوي أعماله.
ومن هنا ولد متحف رودان الذي يضمّ اليوم أكثر من ستّة آلاف قطعة نحتية وأكثر من سبعة آلاف عملٍ على الورق. كما يضمّ المتحف لوحات لمونيه وفان غوخ كان قد اشتراها لتكون شاهدا على انه كان على وئام مع الانطباعيين ومن أتى بعدهم.
لم يكن رودان يحبّذ فكرة الزواج، بل كان يعتقد أن العيش مع نساء يمكن أن يكون فخّاً. وقد قال ذات مرّة إن الرجال كثيرا ما يضحّون بأنفسهم من اجل نساء يمكن أن يكنّ سببا في المعاناة والشقاء. كان يرى أن المرأة يمكن أن تسيطر عليه وأن تعيق فنّه.
لكن هذا لم يمنعه من المغامرة، وإحدى أشهر تجاربه النسائية كانت مع كميل كلوديل التي كانت هي أيضا نحّاتة معروفة. وقد حملت له بولدين، لكن قصّتها انتهت نهاية مأساوية، إذ استقرّ بها المطاف في مشفى للأمراض العقلية. وإحدى طالباته، وهي الايرلندية نوالا اودونيل، قتلت نفسها بسبب لا مبالاته بها.
وفي عام 1917 تزوّج رودان من روز بيوريه، المرأة التي كان يعرفها منذ ثلاثة وخمسين عاما. لكنّها توفّيت بعد الزواج بأسبوعين. وفي نفس تلك السنة توفّي رودان نفسه بعد إصابته بالإنفلونزا، وكان في السابعة والسبعين من عمره. وقبيل وفاته أوصى بأن توضع نسخة مصغّرة من "المفكّر" على قبره كشاهد.
في زمانه، كان رودان يقارن بميكيل انجيلو، لكن خلال نصف القرن الأخير ضعفت شعبيّته مع تغيّر الأذواق والقيم الجمالية. لكن في كلّ الأحوال، ما يزال الكثيرون يعتبرونه أشهر نحّات معاصر في العالم الحديث.