Tuesday, February 13, 2018

لوحات عالميـة – 448

قابليـة للانقسـام إلى مـا لا نهايـة
للفنان الفرنسي إيـف تـانغـي، 1942

أسلوب إيف تانغي متفرّد جدّا لدرجة انه يمكن التعرّف على صوره من النظرة الأولى. وفي لوحاته غرابة وشاعرية، إذ تكثر فيها السموات الواسعة والسهول الممتدّة بلا انتهاء ودون خطّ أفق أو حدّ يفصل السماء عن الأرض.
تأثّر تانغي في بداياته بخوان ميرو وجان آرب، واستلهم في لوحاته الحجارة الغريبة وتشكيلات الصخور التي رآها في مقاطعة بريتاني التي كان يتردّد عليها وهو صغير بمعيّة أمّه.
وعناوين لوحات الرسّام مأخوذة غالبا من علم النفس ولها علاقة بانشغال السورياليين بفكرة العوالم الأخرى التي يصعب فهمها. وفي بعضها إحساس بالفناء يعبّر عنه بخواء السهول وبالنباتات الوحيدة والدخان. ولطالما ردّد انه يرى الأشياء في خياله ويتصوّرها طويلا قبل أن يرسمها.
وقد وجد تانغي أسلوبه الخاصّ ابتداءً من نهاية عشرينات القرن الماضي، ثم اكتسب مهارات مدهشة. ومنذ ذلك الحين ركّز على نفس مواضيعه الحالمة عن طبيعة متخيّلة مهجورة وعوالم صخرية فانتازية مرسومة بكلّ دقّة وبراعة.
كان سبب انجذاب الفنّان للرسم هو رؤيته وهو صغير لوحة للرسّام الميتافيزيقيّ جورجيو دي تشيريكو في حد المعارض. وبعد ذلك بعام، قابل اندريه بريتون وأصبحا صديقين. ثم بدأ يرسم طبيعة تجريدية تكثر فيها الأشكال المتحوّلة التي تشبه النباتات وتفاصيل البيئة البحرية مع عناصر طافية.
وفي عام 1930، نضج أسلوبه أكثر وبدأ يرسم شواطئ مع أفق بعيد يخفيه الضباب وأشكالا موضوعة على أرضية ومكدّسة فوق بعضها البعض. وقد أعجب بريتون والسورياليون بتلك الصور وصفّقوا لها كثيرا.
ثم بدأ تانغي يرسم أشكالا بأسطح معدنية، وأضاف لها خطوطا وأشكالا هندسية. لكن صديقه بريتون أصبح ينفر من شهرته ومن لوحاته التي كان يرى أنها لا تعكس العقل الباطن بما فيه الكفاية. ثم لم يلبث بريتون أن وصف تانغي بالبورجوازيّ، وطلب من زملائه أن يقاطعوه، ما أدّى بتانغي لأن يثور عليه. وتلا ذلك حالة من العداء بين الشخصين استمرّت سنوات.
في هذه اللوحة، يضع تانغي عدّة أشياء ثم يحوّلها إلى شكل إنسان فوق ما يشبه رقعة الرسم. وهذه الأشياء ذات السمات الخرسانية مصطفّة فوق ما يبدو وكأنه شاطئ بحر أزرق. والشكل الغريب، الذي يشبه بناءً طويلا يستقرّ فوق قمّته ما يبدو وكأنه إنسان بلونين أصفر وأخضر، يبدو مائلا كما لو انه يمكن أن ينهار في أيّة لحظة.
بعض النقّاد ذهبوا إلى أن الفراغ الأزرق في اللوحة يمثّل حالة انعدام اليقين لدى الرسّام حول كنه العالم وممّ يتألّف، وهل هناك فرق بين هيئاتنا الإنسانية والأشياء التي نصنعها أم أن كلّ شيء متخيّل؟ وثمّة من قال أن اللون البرتقاليّ في بعض الأجسام يمثّل السعادة والعاطفة.
ولد إيف تانغي في باريس في يناير من عام 1900 لأب كان يعمل بحّارا. وقضى بعض سنوات طفولته في بريتاني في منزل كان يملكه والده.
وقد توقّع منه أبوه أن يلتحق بالبحرية، لكنه لم يفعل وعمل مع بعض سفن الشحن التي تعمل ما بين أمريكا وأفريقيا. وفي عام 1920، جُنّد في الجيش الفرنسيّ، ثم ملّ من المجتمع التقليديّ وتبنّى أسلوب حياة بوهيميّاً في باريس.
ويمكن القول أن تانغي علّم نفسه بنفسه إلى حدّ كبير. وفي مرحلة تالية، قابل اندريه بريتون وحضر معه أوّل معرض للسورياليين.
وفي تلك الأثناء، ارتبط تانغي بعلاقة حبّ مع بيغي غوغنهايم التي اشترت بعض لوحاته وضمّتها إلى مجموعتها الخاصّة. واستمرّت علاقتهما إلى أن التقى في عام 1939 الرسّامة السوريالية الأمريكية كي بيج. وعندما غادرت بيج فرنسا إلى أمريكا إثر نشوب الحرب العالمية الأولى، قرّر أن يتبعها إلى هناك وتزوّجا في السنة التالية وعاشا في نيويورك بالقرب من مجتمع السورياليين في المدينة.
وقد تأثّر تانغي بأضواء أمريكا وفضاءاتها الشاسعة، وأصبح الضوء في صوره أكثر سطوعا وصفاءً ومزْج الألوان أكثر تعقيدا. كما أصبحت أشكاله النباتية تأخذ سمة معدنية، مع بقايا من حجارة عصور ما قبل التاريخ وعظام متحجّرة قام بتنعيمها وصقلها قبل أن يضمّنها لوحاته.
وفي يناير من عام 1955، توفّي تانغي بعد إصابته بجلطة قاتلة، وكان قبل ذلك قد أوصى بأن يُحرق جثمانه. ونفذّت زوجته الوصيّة واحتفظت برماده إلى حين وفاتها عام 1963. وبناءً على وصيّتها، تمّ إحراق جثّتها وجُمع رمادهما معا واُلقي على شاطئ بريتاني حيث عاش الرسّام طفولته الأولى.