دخـان العنـبر
للفنان الأمريكي جون سنغر سارجنت، 1880
للفنان الأمريكي جون سنغر سارجنت، 1880
عُرف جون سنغر سارجنت بأسفاره الكثيرة والطويلة في بلدان القارّة الأوربّية. لكن في عام 1879، وجد الرسّام وقتا لزيارة مدينة طنجة في شمال أفريقيا. وكان الاستشراق وقتها موضوعا يحظى بشعبية كبيرة عند الأوربّيين.
وأثناء إقامته في المدينة المغربية، بدأ سارجنت رسم هذه اللوحة، ثم أكملها في مرسمه عندما عاد إلى باريس.
وفيها تظهر امرأة ترتدي جلبابا مغربيّا وتقف إلى جوار عمود مقوّس في مكان أشبه ما يكون بفناء بيت مستأجر، بينما تنشر غطاء رأسها فوق مبخرة فضّية تستقرّ على الأرضية وينبعث منها دخان العنبر. وهو مادّة شمعية تُستخرج من بطون الحيتان وتُستخدم في صناعة العطور وكمقوٍّ جنسيّ وطارد للأرواح الشرّيرة.
وجه المرأة لا يبين منه سوى القليل رغم أنها لا ترتدي حجابا، كما أن نظراتها منسحبة، وغموضها يحرّض الناظر على أن يحدّق أكثر في الصورة كي يكتشف عالمها. والخمار، إذ ترفعه، يتحوّل إلى ما يشبه المظلّة أو الخيمة، بما يسمح للبخور أن يتخلّل وجهها وملابسها.
وببدو أن اهتمامها منصبّ على البخور، وليس على الرسّام أو الناظر. كما يلاحَظ أنها تضع على وجهها مكياجا ثقيلا وتستخدم الكحل في عينيها وحاجبيها وتضع احمر شفاه وألوان أظافر وترتدي خاتمين في إصبع يدها الصغير.
والقفطان الذي ترتديه يتألّف من طبقات متعدّدة من الأبيض مقابل تدّرجات من الألوان النحاسية والموف على الجدران. والمرأة في طريقة وقوفها تبدو مثل عنصر معماريّ وعلى نحو يذكّر بالنساء المنحوتات في أعمدة المعابد اليونانية القديمة.
والضوء الآتي من فوق باتجاه السجّادة ذات الأنماط المزخرفة يوحي بأنها تقف عند طرف صالة واسعة أو فناء داخلي.
هويّة المرأة غير معروفة على وجه التحديد. لكن يمكن للمرء أن يفترض أنها إمّا امازيغية أو من يهود المغرب. كما لا يُعرف إن كانت هي التي كلّفت سارجنت برسمها أم انه هو الذي طلب إليها أن تقف أمامه ليرسمها.
استخدام الرسّام لألوان محدّدة يخلع على المنظر هالة من الغموض، كما انه يستثير الإحساس بالشرق. وسارجنت يمزج تأثيرات شتّى من أجزاء متعدّدة من الشرق، لذا يمكن القول أيضا أنه ربّما خلق المنظر من مخيّلته.
واستخدام الألوان بطريقة بارعة هو ما دفع بعض النقّاد للثناء على الرسّام، بالنظر إلى أن خلق تدرّجات من النسيج بألوان قليلة يتطلّب مهارة كبيرة. والبياض المتعدّد المستويات في اللوحة يعود في جزء منه إلى التوظيف المدهش للضوء الذي يغمر كلّ شيء بشعاع ساطع.
كان الروائيّ هنري جيمس صديقا لسارجنت، وقد استوقف الأوّل التأثير المشعّ للون الأبيض وامتدح اللوحة عموما واصفا المرأة بـ "الجميلة الخالدة" وبأنها تذكّر بالراهبات وبنساء الجيشا.
وسارجنت ينظر إلى ما هو ابعد من حدود الأبيض ليركّز على ظلال الشخصية التي تمتزج وتتباين بشكل رائع مع الموضوع. والجدران البيضاء للغرفة وطبقات القماش الذي تلفّ به المرأة نفسها، كلّ هذه العناصر تنال من الرسّام نفس المستوى من الاهتمام.
ومن خلال هذا المزج الرائع بين تفاصيل المكان والزيّ، بما فيه القلادة والمجوهرات، يتحوّل المشهد إلى بهجة للعين بألوانه البيضاء النقيّة والكريمية والفضّية والحليبية والبرتقالية واللؤلؤية. وبمعنى ما، تبدو هذه اللوحة بسيطة ومعقدّة في آنْ.
قيل إن هذه الصورة تقدّم استعارة مثيرة لحالة الرسّام الذهنية. فقد كان، مثل المرأة الغامضة في اللوحة، يفتح عينيه على فكرة السُكْر والاستسلام، وحتى الغواية.
وهناك من النقّاد من أشاروا إلى إن هذه اللوحة هي عن فنّ الرسم وعن سحر الألوان، أكثر من كونها تصوّر امرأة في بيئة شرقية غامضة. وحتى سارجنت نفسه كتب إلى احد أصدقائه يقول إن الشيء الوحيد الذي اهتمّ به في الصورة كان الألوان.
لكن هناك شيئا ما أكثر أهميّة من عمل الفرشاة الرائع. انه جوّ العزلة والسكون الطقوسيّ الذي يلفّ عالم المرأة. وهناك أيضا التلميح إلى حياة ما خاصّة وإلى طبيعة البخور وتأثيراته الدينية والايروتيكية والمخدّرة.
وبحسب احد النقّاد، فإن الرسّام يتصرّف هنا كـ "خيميائيّ" ماهر بتحويله احد اغرب أشكال الطبيعة والكيمياء، أي العنبر، إلى عمل فنّي بديع.
خصائص العنبر معروفة منذ القدم، مع أن أصله غامض وما يزال محلّ نقاش. لكنه يُستخدم كعطر وكعلاج. ويمكن العثور عليه في أمعاء الحيتان الميّتة على الشواطئ أو طافيا فوق مياه البحر. لكن يتعيّن إبقاؤه في الشمس فترة طويلة قبل أن يتحوّل إلى المادّة التي تقدّرها صناعة العطور عالياً.
وعندما يُمزج العنبر مع أيّ عطر فإنه يمنحه ثباتا ويجعله أثقل ويدوم لمدّة أطول، كما انه يضيف رائحته المتميّزة إلى مزيج العطر. ويقال انه من الصعب وصف رائحة العنبر. لكن يمكن القول انه مزيج من رائحة الحيوانات والحظائر والتراب والجلد والبحر والتبغ والخشب القديم.
كما يقال أن له خاصّية إدمان، بمعنى أن الإنسان إذا شمّه مرّة فإنه يتوق إلى استنشاقه مرّات ومرّات. وكان العنبر ذات زمن أغلى من الذهب، وسعره اليوم يمكن أن يصل إلى أكثر من ألف دولار للأوقية.
وبسبب قيمته العالية، فإن هناك من اتّخذوا من البحث عنه وظيفة أساسية لهم في الحياة ومصدرا وحيدا للرزق، وخاصّة سكّان مناطق البحار الاستوائية في استراليا ونيوزيلندا.
وأثناء إقامته في المدينة المغربية، بدأ سارجنت رسم هذه اللوحة، ثم أكملها في مرسمه عندما عاد إلى باريس.
وفيها تظهر امرأة ترتدي جلبابا مغربيّا وتقف إلى جوار عمود مقوّس في مكان أشبه ما يكون بفناء بيت مستأجر، بينما تنشر غطاء رأسها فوق مبخرة فضّية تستقرّ على الأرضية وينبعث منها دخان العنبر. وهو مادّة شمعية تُستخرج من بطون الحيتان وتُستخدم في صناعة العطور وكمقوٍّ جنسيّ وطارد للأرواح الشرّيرة.
وجه المرأة لا يبين منه سوى القليل رغم أنها لا ترتدي حجابا، كما أن نظراتها منسحبة، وغموضها يحرّض الناظر على أن يحدّق أكثر في الصورة كي يكتشف عالمها. والخمار، إذ ترفعه، يتحوّل إلى ما يشبه المظلّة أو الخيمة، بما يسمح للبخور أن يتخلّل وجهها وملابسها.
وببدو أن اهتمامها منصبّ على البخور، وليس على الرسّام أو الناظر. كما يلاحَظ أنها تضع على وجهها مكياجا ثقيلا وتستخدم الكحل في عينيها وحاجبيها وتضع احمر شفاه وألوان أظافر وترتدي خاتمين في إصبع يدها الصغير.
والقفطان الذي ترتديه يتألّف من طبقات متعدّدة من الأبيض مقابل تدّرجات من الألوان النحاسية والموف على الجدران. والمرأة في طريقة وقوفها تبدو مثل عنصر معماريّ وعلى نحو يذكّر بالنساء المنحوتات في أعمدة المعابد اليونانية القديمة.
والضوء الآتي من فوق باتجاه السجّادة ذات الأنماط المزخرفة يوحي بأنها تقف عند طرف صالة واسعة أو فناء داخلي.
هويّة المرأة غير معروفة على وجه التحديد. لكن يمكن للمرء أن يفترض أنها إمّا امازيغية أو من يهود المغرب. كما لا يُعرف إن كانت هي التي كلّفت سارجنت برسمها أم انه هو الذي طلب إليها أن تقف أمامه ليرسمها.
استخدام الرسّام لألوان محدّدة يخلع على المنظر هالة من الغموض، كما انه يستثير الإحساس بالشرق. وسارجنت يمزج تأثيرات شتّى من أجزاء متعدّدة من الشرق، لذا يمكن القول أيضا أنه ربّما خلق المنظر من مخيّلته.
واستخدام الألوان بطريقة بارعة هو ما دفع بعض النقّاد للثناء على الرسّام، بالنظر إلى أن خلق تدرّجات من النسيج بألوان قليلة يتطلّب مهارة كبيرة. والبياض المتعدّد المستويات في اللوحة يعود في جزء منه إلى التوظيف المدهش للضوء الذي يغمر كلّ شيء بشعاع ساطع.
كان الروائيّ هنري جيمس صديقا لسارجنت، وقد استوقف الأوّل التأثير المشعّ للون الأبيض وامتدح اللوحة عموما واصفا المرأة بـ "الجميلة الخالدة" وبأنها تذكّر بالراهبات وبنساء الجيشا.
وسارجنت ينظر إلى ما هو ابعد من حدود الأبيض ليركّز على ظلال الشخصية التي تمتزج وتتباين بشكل رائع مع الموضوع. والجدران البيضاء للغرفة وطبقات القماش الذي تلفّ به المرأة نفسها، كلّ هذه العناصر تنال من الرسّام نفس المستوى من الاهتمام.
ومن خلال هذا المزج الرائع بين تفاصيل المكان والزيّ، بما فيه القلادة والمجوهرات، يتحوّل المشهد إلى بهجة للعين بألوانه البيضاء النقيّة والكريمية والفضّية والحليبية والبرتقالية واللؤلؤية. وبمعنى ما، تبدو هذه اللوحة بسيطة ومعقدّة في آنْ.
قيل إن هذه الصورة تقدّم استعارة مثيرة لحالة الرسّام الذهنية. فقد كان، مثل المرأة الغامضة في اللوحة، يفتح عينيه على فكرة السُكْر والاستسلام، وحتى الغواية.
وهناك من النقّاد من أشاروا إلى إن هذه اللوحة هي عن فنّ الرسم وعن سحر الألوان، أكثر من كونها تصوّر امرأة في بيئة شرقية غامضة. وحتى سارجنت نفسه كتب إلى احد أصدقائه يقول إن الشيء الوحيد الذي اهتمّ به في الصورة كان الألوان.
لكن هناك شيئا ما أكثر أهميّة من عمل الفرشاة الرائع. انه جوّ العزلة والسكون الطقوسيّ الذي يلفّ عالم المرأة. وهناك أيضا التلميح إلى حياة ما خاصّة وإلى طبيعة البخور وتأثيراته الدينية والايروتيكية والمخدّرة.
وبحسب احد النقّاد، فإن الرسّام يتصرّف هنا كـ "خيميائيّ" ماهر بتحويله احد اغرب أشكال الطبيعة والكيمياء، أي العنبر، إلى عمل فنّي بديع.
خصائص العنبر معروفة منذ القدم، مع أن أصله غامض وما يزال محلّ نقاش. لكنه يُستخدم كعطر وكعلاج. ويمكن العثور عليه في أمعاء الحيتان الميّتة على الشواطئ أو طافيا فوق مياه البحر. لكن يتعيّن إبقاؤه في الشمس فترة طويلة قبل أن يتحوّل إلى المادّة التي تقدّرها صناعة العطور عالياً.
وعندما يُمزج العنبر مع أيّ عطر فإنه يمنحه ثباتا ويجعله أثقل ويدوم لمدّة أطول، كما انه يضيف رائحته المتميّزة إلى مزيج العطر. ويقال انه من الصعب وصف رائحة العنبر. لكن يمكن القول انه مزيج من رائحة الحيوانات والحظائر والتراب والجلد والبحر والتبغ والخشب القديم.
كما يقال أن له خاصّية إدمان، بمعنى أن الإنسان إذا شمّه مرّة فإنه يتوق إلى استنشاقه مرّات ومرّات. وكان العنبر ذات زمن أغلى من الذهب، وسعره اليوم يمكن أن يصل إلى أكثر من ألف دولار للأوقية.
وبسبب قيمته العالية، فإن هناك من اتّخذوا من البحث عنه وظيفة أساسية لهم في الحياة ومصدرا وحيدا للرزق، وخاصّة سكّان مناطق البحار الاستوائية في استراليا ونيوزيلندا.