Monday, January 01, 2018

لوحات عالميـة – 438

زوجـة التـاجـر
للفنان الروسي بوريـس كستـودييـف، 1918

يُعتبر بوريس كستودييف احد أشهر الرسّامين الروس في القرن العشرين. كان مهتمّا بإبراز الجمال الروسيّ، رغم انه رسم معظم لوحاته بعد الثورة البلشفية مع ما رافقها من أحداث واضطرابات سياسية واجتماعية كبيرة.
موتيفات الرسّام ومواضيعه كانت تذكيرا بحياة كانت معالمها قد اختفت وأصبحت جزءا من الماضي، لكن روائحها ونكهاتها لم تكن قد تلاشت بعد من الذاكرة.
وبعض لوحات كستودييف المستمدّة من الأساطير السلافية ساحرة بعوالمها وألوانها ومواضيعها. لكن لوحاته التي رسمها لطبقة التجّار في بلدته استراكان هي التي ما تزال تذكّر الناس به إلى اليوم.
وقد خَبِر الفنّان طريقة حياة التجّار منذ سنّ مبكّرة. فبعد أن توفّي والده، انتقلت أمّه مع بقيّة أبنائها للسكن في جزء من منزل فاره يملكه احد التجّار في بلدتهم. وبعد مرور سنوات، استدعى كستودييف ذكرياته عن تلك المرحلة عندما كان صبيّا وترجمها إلى لوحات باستخدام الألوان الزيتية والمائية.
كان الرسّام سعيدا بالعيش قريبا من التاجر وزوجته. وقد كتب في ما بعد يقول انه كان يسكن مملكة ساحرة من الذكريات والأحلام وأن ما رآه في ذلك المنزل كان أشبه ما يكون بأجواء القصص الخيالية.
وصوّر كستودييف جزءا من ذكرياته تلك عن الصباحات والأمسيات السعيدة التي كان يقضيها برفقة التاجر وزوجته.
في هذه اللوحة، يرسم الزوجة وهي تجلس في شرفة منزلهم وتتناول إفطارها مستمتعةً بالشمس وبصحبة قطّتها، مع طقوس الشاي والإيقاع المستمرّ للحياة في تلك البلدة الريفية.
البيئة المرفّهة والديكورات الجميلة والسماء الساطعة والأشجار في الخلفية تملأ اللوحة بالألوان والأضواء الرائعة.
وهناك تفاصيل أخرى معبّرة في اللوحة كالحياة الساكنة على المائدة والسماور الضخم والعنب والبطّيخ والتفّاح والخبز وغطاء المائدة الملوّن والآنية المزخرفة، وغير ذلك من تفاصيل استوحاها الرسّام من التقاليد المحلية الروسية.
وفي خلفية الصورة، يظهر جزء من طبيعة استراكان الجميلة مع أبراج الكاثدرائية ذات الألوان البيضاء والخضراء والمشيّدة فوق احد التلال.
بالنسبة لكستودييف، كانت حياة التاجر وزوجته مريحة ومثيرة. وقد رسم لوحتين أخريين للزوجة في وضعين مختلفين. وافتتان الفنّان بجمال نساء بلدته تطوّر في ما بعد عندما رسم لوحته المسمّاة فينوس الروسية.
"زوجة التاجر" تُعتبر من الصور الايقونية للفنّان، وقد ظهرت على أغلفة بعض المجلات بعد أن كانت بحوزة مالك مجهول. وبقيت اللوحة بعيدة عن الأنظار حتى عام 1998، عندما بيعت في مزاد بلندن بمبلغ ثلاثة ملايين دولار.
وبعض النقّاد رأوا في اللوحة رمزية خاصّة، إذ أنها تستثير الحنين إلى المجتمع الأبويّ الروسيّ الذي كان فاعلا حتى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات العشرين. كما أنها ترمز لروسيا في مستهلّ القرن الماضي عندما كان سكّان الأقاليم يعيشون حياة بساطة ووفرة وألفة.
ولد بوريس كستودييف في مارس من عام 1878 في بلدة استراكان الواقعة على ضفاف نهر الفولغا لعائلة من الطبقة الوسطى. كان والده يعمل أستاذا للفلسفة، وقد توفّي قبل بلوغ الرسّام سنّ الثانية من عمره. وتولّت أمّه المسئولية عن تربيته وإخوته.
درس الرسّام الكهنوت في أوّل شبابه، ثم تلقّى دروسا في الرسم على يد فاسيلي بيروف، ثم التحق بمحترف ايليا ريبين في أكاديمية سانت بطرسبورغ للفنون. وقد امتدحه الأخير وأثنى على موهبته.
وفي عام 1904، ذهب لدراسة الرسم في فرنسا واسبانيا وحضر دروسا في الرسم في باريس على يد رينيه مينار. ثم ذهب إلى ايطاليا فالنمسا وألمانيا. وأينما حلّ كان دائما يشعر بحنين لا يقاوم لوطنه الأمّ.
المعروف أن كستودييف وضع الرسوم الإيضاحية لعدد من الأعمال الأدبية من أهمّها كتاب "أرواح ميّتة" لغوغول، بالإضافة إلى ديواني "العربة" و"المعطف" للشاعر ليرمونتوف. وفي مرحلة تالية رسم إحدى المجموعات القصصية لليو تولستوي.
في عام 1909، أصيب الرسّام بالسلّ، فذهب إلى سويسرا للعلاج حيث قضى هناك عاما في أحد المصحّات الخاصّة. وبحلول 1916، كان قد أصبح مقيّدا إلى كرسيّ بسبب تدهور صحّته، لكنه استمرّ يرسم حتى بعد أن أعاقه المرض وجرّده من قدرته على أن يتحرّك بحرّية. وتوفّي في ليننغراد في مايو من عام 1927.