أغنـية الـراعـي
للفنان الفرنسي بييـر بوفـي دو شافـان، 1891
للفنان الفرنسي بييـر بوفـي دو شافـان، 1891
بعض الحركات الفنّية نشأت كمحصّلة لعقود من التغيير الثقافي، والبعض الآخر ظهرت نتيجة للاكتشافات الحديثة.
وقريباً من نهاية القرن التاسع عشر، نشأت حركات فنّية ابتدعها وقادها كتّاب وأدباء. ففي عام 1886، نشر الشاعر والناقد الفرنسيّ جان موريه في جريدة لوفيغارو ما عُرف بالبيان الرمزيّ.
في ذلك الوقت، كانت الرومانسية هي المهيمنة على الفنّ والأدب في أوربّا طوال ثمانين عاما. وقد دعا موريه في بيانه إلى التحوّل من التصوير الطبيعيّ للعالم إلى التعبير عن الأفكار الذاتيّة، أي أن يركّز الفنّانون على تصوير رؤاهم الخاصّة باستلهام عالم الأساطير الغامضة. ومن هنا ولدت الرمزية في الفنّ والأدب.
وقد اعتنق العديد من الرسّامين الفكرة الجديدة وطوّروا من خلالها أسلوب رسم مبتكرا ومبسّطا. وكان في طليعة هؤلاء كلّ من بول غوغان وبيير بوفي دو شافان اللذين حوّلا مشاهد الحياة اليومية إلى ما يشبه الطقوس.
ثم لم يلبث أن تبعهم آخرون مثل اوديلون ريدون الذي ساعده خياله الجامح على منح حياة جديدة لهذه الفكرة من خلال مخلوقاته المهجّنة والظلاميّة.
لكن غوستاف مورو يُعتبر بنظر الكثيرين الأب الروحيّ للرمزية. وقد تطوّرت هذه الحركة في ما بعد إلى نسخات جديدة، ومن عباءتها خرج رسّامون أصبحوا مشهورين جدّا مثل غوستاف كليمت وإدفارد مونك وغيرهما.
ويمكن القول اليوم أن الرمزية كانت محطّة انفعالية ومظلمة في تاريخ الرسم. لكنها أسهمت إلى درجة كبيرة في ظهور فنّ الحداثة والفنّ الرؤيويّ اللذين نعرفهما اليوم.
في هذه اللوحة، يرسم بيير بوفي دو شافان منظرا يمثّل أصل الفنون في الأزمنة القديمة. وفيه تظهر امرأتان مع رجل في منظر ريفيّ بسيط يذكّر بأركاديا. وبالقرب منهم يجلس راعٍ على منحدر وهو يعزف الناي برفقة قطيعه وكلبه.
وفي خلفية المنظر يلوح جزء من بحيرة أو غدير تحت سماء غائمة. والملاحظ أن الرسّام استمدّ وضعيات المرأتين والرجل، وحتى ملامح وجوههم، من التماثيل الكلاسيكية القديمة التي كان معجبا بها كثيرا.
كانت هذه اللوحة جزءا من سلسلة من الجداريات الزخرفية التي نفّذها الفنّان لصالح متحف الفنون الجميلة في مدينة ليون. وقد أراد منها أن تكون تجسيدات رمزية لأصول الفنّ.
وفي نفس تلك السنة تلقّى تكليفا برسم تسع جداريات لمكتبة بوسطن الأمريكية. وكانت تلك هي المرّة الوحيدة التي يتلقّى فيها عرضا بالعمل خارج فرنسا. واعتُبرت تلك الخطوة مؤشّرا على الاهتمام الذي أصبح يحظى به فنّ دو شافان خارج وطنه.
ترجمة الرسّام الشاعرية للمواضيع التاريخية والأسطورية، بالإضافة إلى توليفاته المبسّطة وألوانه الطباشيرية والشاحبة كانت مصدر إلهام للعديد من الفنّانين في ذلك الوقت الذين كانوا يتطلّعون إلى بديل عن الانطباعية، بمن فيهم غوغان وسورا.
ومن الواضح أن اللوحة تفتقر للعنصر السرديّ، وهذا هو بالضبط ما كانت تدعو إليه الرمزية، أي رفض السرد والتركيز على التجسيد الذاتيّ للأفكار والمشاعر.
كان للحركة الرمزية معارضون. وهؤلاء كانوا يأخذون على الرمزيين خلوّ أعمالهم من السرد والسيكولوجي لمصلحة الشعر الحزين غالبا والأجواء التي لا تثير سوى الكآبة والمأساة والصمت.
وكان هؤلاء المعترضون يشيرون إلى انه بدلا من رسم الماضي والاحتفاء بالأفكار المثالية عن التأمّل والجمال، يجب على الرسّامين أن يصوّروا العالم المضطرب من حولهم والحياة اليومية بكلّ متاعبها وتناقضاتها.
ولد بيير بوفي دو شافان في ليون في سبتمبر عام 1824. وتلقّى تعليمه الأوّليّ في مدرسة ليون وتتلمذ على يد اوجين ديلاكروا وتوما كوتور، كما كان معجبا بثيودور شازيريو.
وأثناء حياته كان دو شافان مشهورا. وحتى بعد وفاته ظلّ معروفا في أوربّا وأمريكا لبعض الوقت. لكن اسمه توارى عن الأنظار بعد أفول نجم الرمزية بسبب طغيان الانطباعية.
لكنْ هذه الأيّام لم يعد اسمه يعكس أهمّيّة أو مكانة ما، لأنه لا يشبه فان غوخ او مونيه أو سيزان وغيرهم ممّن يُغرم بهم الجمهور وأعمالهم تُعرض في كلّ مكان وتُباع بأغلى الأسعار.
بعد الحرب العالمية الأولى نسي الناس اسم دو شافان تماما تقريبا، رغم ظهور بعض الكتب التي تمجّد فنّه هنا وهناك. والمفارقة أن أسماء بعض أتباعه مثل ماتيس وبونار وفويار كانت تنتشر بسرعة وتنال، وما تزال، ثناء النقّاد والجمهور.
توفّي بيير دو شافان في باريس في أكتوبر عام 1898 عن ثلاثة وسبعين عاما. ولوحاته موجودة اليوم في بعض الكنائس والمباني العامّة وفي عدد من أفضل المتاحف في فرنسا.
وقريباً من نهاية القرن التاسع عشر، نشأت حركات فنّية ابتدعها وقادها كتّاب وأدباء. ففي عام 1886، نشر الشاعر والناقد الفرنسيّ جان موريه في جريدة لوفيغارو ما عُرف بالبيان الرمزيّ.
في ذلك الوقت، كانت الرومانسية هي المهيمنة على الفنّ والأدب في أوربّا طوال ثمانين عاما. وقد دعا موريه في بيانه إلى التحوّل من التصوير الطبيعيّ للعالم إلى التعبير عن الأفكار الذاتيّة، أي أن يركّز الفنّانون على تصوير رؤاهم الخاصّة باستلهام عالم الأساطير الغامضة. ومن هنا ولدت الرمزية في الفنّ والأدب.
وقد اعتنق العديد من الرسّامين الفكرة الجديدة وطوّروا من خلالها أسلوب رسم مبتكرا ومبسّطا. وكان في طليعة هؤلاء كلّ من بول غوغان وبيير بوفي دو شافان اللذين حوّلا مشاهد الحياة اليومية إلى ما يشبه الطقوس.
ثم لم يلبث أن تبعهم آخرون مثل اوديلون ريدون الذي ساعده خياله الجامح على منح حياة جديدة لهذه الفكرة من خلال مخلوقاته المهجّنة والظلاميّة.
لكن غوستاف مورو يُعتبر بنظر الكثيرين الأب الروحيّ للرمزية. وقد تطوّرت هذه الحركة في ما بعد إلى نسخات جديدة، ومن عباءتها خرج رسّامون أصبحوا مشهورين جدّا مثل غوستاف كليمت وإدفارد مونك وغيرهما.
ويمكن القول اليوم أن الرمزية كانت محطّة انفعالية ومظلمة في تاريخ الرسم. لكنها أسهمت إلى درجة كبيرة في ظهور فنّ الحداثة والفنّ الرؤيويّ اللذين نعرفهما اليوم.
في هذه اللوحة، يرسم بيير بوفي دو شافان منظرا يمثّل أصل الفنون في الأزمنة القديمة. وفيه تظهر امرأتان مع رجل في منظر ريفيّ بسيط يذكّر بأركاديا. وبالقرب منهم يجلس راعٍ على منحدر وهو يعزف الناي برفقة قطيعه وكلبه.
وفي خلفية المنظر يلوح جزء من بحيرة أو غدير تحت سماء غائمة. والملاحظ أن الرسّام استمدّ وضعيات المرأتين والرجل، وحتى ملامح وجوههم، من التماثيل الكلاسيكية القديمة التي كان معجبا بها كثيرا.
كانت هذه اللوحة جزءا من سلسلة من الجداريات الزخرفية التي نفّذها الفنّان لصالح متحف الفنون الجميلة في مدينة ليون. وقد أراد منها أن تكون تجسيدات رمزية لأصول الفنّ.
وفي نفس تلك السنة تلقّى تكليفا برسم تسع جداريات لمكتبة بوسطن الأمريكية. وكانت تلك هي المرّة الوحيدة التي يتلقّى فيها عرضا بالعمل خارج فرنسا. واعتُبرت تلك الخطوة مؤشّرا على الاهتمام الذي أصبح يحظى به فنّ دو شافان خارج وطنه.
ترجمة الرسّام الشاعرية للمواضيع التاريخية والأسطورية، بالإضافة إلى توليفاته المبسّطة وألوانه الطباشيرية والشاحبة كانت مصدر إلهام للعديد من الفنّانين في ذلك الوقت الذين كانوا يتطلّعون إلى بديل عن الانطباعية، بمن فيهم غوغان وسورا.
ومن الواضح أن اللوحة تفتقر للعنصر السرديّ، وهذا هو بالضبط ما كانت تدعو إليه الرمزية، أي رفض السرد والتركيز على التجسيد الذاتيّ للأفكار والمشاعر.
كان للحركة الرمزية معارضون. وهؤلاء كانوا يأخذون على الرمزيين خلوّ أعمالهم من السرد والسيكولوجي لمصلحة الشعر الحزين غالبا والأجواء التي لا تثير سوى الكآبة والمأساة والصمت.
وكان هؤلاء المعترضون يشيرون إلى انه بدلا من رسم الماضي والاحتفاء بالأفكار المثالية عن التأمّل والجمال، يجب على الرسّامين أن يصوّروا العالم المضطرب من حولهم والحياة اليومية بكلّ متاعبها وتناقضاتها.
ولد بيير بوفي دو شافان في ليون في سبتمبر عام 1824. وتلقّى تعليمه الأوّليّ في مدرسة ليون وتتلمذ على يد اوجين ديلاكروا وتوما كوتور، كما كان معجبا بثيودور شازيريو.
وأثناء حياته كان دو شافان مشهورا. وحتى بعد وفاته ظلّ معروفا في أوربّا وأمريكا لبعض الوقت. لكن اسمه توارى عن الأنظار بعد أفول نجم الرمزية بسبب طغيان الانطباعية.
لكنْ هذه الأيّام لم يعد اسمه يعكس أهمّيّة أو مكانة ما، لأنه لا يشبه فان غوخ او مونيه أو سيزان وغيرهم ممّن يُغرم بهم الجمهور وأعمالهم تُعرض في كلّ مكان وتُباع بأغلى الأسعار.
بعد الحرب العالمية الأولى نسي الناس اسم دو شافان تماما تقريبا، رغم ظهور بعض الكتب التي تمجّد فنّه هنا وهناك. والمفارقة أن أسماء بعض أتباعه مثل ماتيس وبونار وفويار كانت تنتشر بسرعة وتنال، وما تزال، ثناء النقّاد والجمهور.
توفّي بيير دو شافان في باريس في أكتوبر عام 1898 عن ثلاثة وسبعين عاما. ولوحاته موجودة اليوم في بعض الكنائس والمباني العامّة وفي عدد من أفضل المتاحف في فرنسا.