مدينة الحمّامات وجامعها
للفنان السويسري بـول كلـي، 1914
للفنان السويسري بـول كلـي، 1914
يُعتبر بول كلي صاحب أكثر اللوحات موسيقيةً في القرن العشرين. الكثير من لوحاته تتضمّن صورا لموسيقيين وعازفي بيانو ومغنّين وضاربي دفوف. وكثيرا ما كان يمزج صوره بعناصر موسيقية مثل الصيغ والنوتات والتواقيع، وبعناصر البناء الموسيقيّ كالنغم والهارموني والبوليفوني والإيقاع التصويري وخلافه.
ومن خلال أشكاله ورموزه التجريدية، كان كلي يعبّر عن أكثر المواضيع تنوّعا والتي كان يرسمها من مخيّلته، وفي طليعتها الموسيقى والشعر والأدب وعلاقتها بالعالم.
كان الرسّام مفتونا بالكلمات والأنغام. والأسماء الشاعرية الجميلة التي كان يختارها للوحاته تشي بشغفه هذا الذي يعكس ميله لكلّ ما هو فانتازيّ وشاعريّ وتأمّليّ.
ورغم النجاح الذي حقّقه أثناء حياته، إلا انه اعتُبر فنّانا ثانويّا. وفقط بعد موته بدأ يحصل على ثناء النقّاد ومديحهم. ونظرة متفحّصة على نتاجه تشير إلى التأثيرات العظيمة التي تركها على كلّ مدارس الرسم تقريبا.
والمعروف أن كلي قضى حياته كلّها باحثا عن الاستعارات والرموز. وكان يملأ رسوماته بالأسهم والاتجاهات وبالحروف الغامضة وأحيانا الطافية في فضاء رمزيّ. كما كان يرفض أن يضع خطوطا فاصلة بين الفنّ والكتابة.
والكثيرون يشيرون إلى أن تجربته كانت خطوة مهمّة في تطوّر الحداثة، كما ترك أثرا كبيرا على أجيال عديدة من الرسّامين التجريديين الذين أتوا بعده.
وقد عُرف كلي باهتمامه الكبير بالثقافة العربية والذي استمرّ معه طوال حياته. وفي ابريل عام 1914، قام بزيارة إلى تونس كانت الأولى له لبلد خارج أوربّا. وكان بتلك الخطوة يقتفي خطى صديقه كاندينسكي الذي كان قد ذهب إلى تونس زائرا في عام 1904.
وقد أُعجب كلي بجمال ذلك البلد وبأضوائه وألوانه. وكان واضحا أن تجربته التونسية نفذت إلى أعماق روحه وظلّت تغذّي مخيّلته لزمن طويل. كما أثّرت فيه ألوان شمال أفريقيا بعمق، لدرجة أن ألوانه بعد تلك الزيارة بدت كما لو أنها ولدت من جديد.
ذهب الرسّام أوّلا إلى مدينة الحمّامات، وهي بلدة صغيرة تقع شمال غرب تونس على ضفاف البحر المتوسّط. وقد راقت له أصوات البشر والطبيعة فيها وبدا واضحا أنها حرّكت مشاعر الموسيقيّ بداخله وصبغت رسوماته بالمزيد من الحركة والإيقاع. وشيئا فشيئا بدأ يجرّد الألوان من أوصافها وخواصّها الفيزيائية ويستخدمها بشكل منفصل.
في هذه اللوحة، يرسم كلي الحمّامات وجامعها من مكان ما خارج أسوار المدينة. واللوحة تُظهر بدايات تحوّله إلى التجريد بعد أن قرّر أن يدير ظهره إلى الطبيعة. والصورة تتألّف من عناصر تجسيدية وأخرى تجريدية. الجزء العلويّ منها يُظهر الجامع محاطا ببرجين وحديقة، أما السفليّ فيتألّف من مناطق استخدم فيها ألوانا شفّافة ونقيّة مع تبايناتها.
وقد رسم كلي للحمّامات لوحة أخرى تَظهر فيها أشجار النخيل مع بعض الرموز والأنماط التي يمزج فيها بين الأساليب الشرقية والغربية.
وخلال زيارته تلك، ذهب أيضا إلى مدينة القيروان التاريخية التي كانت عاصمة لدولة الأغالبة. وقد فتنته أبواب هذه المدينة وقبابها ونوافذها المزخرفة الألوان والأشكال. كما أُعجب بالشاطئ والزوايا والزقاقات والحدائق الشرقية والبساتين المسوّرة. وطبعت كلّ هذه العناصر رسوماته بنَفَس جديد غير أوربّي.
كما زار كلي أيضا مدينة سيدي بوسعيد الجبلية وتأمّل ميادينها وأبوابها الزرقاء وبيوتها ذات الطابق الواحد وتوقّف أمام بوّابة إحدى حدائقها ليرسم لها اسكتشا حوّله في ما بعد إلى لوحة مائيّة.
زيارة كلي إلى تونس أثارت تأمّلاته وأفكاره ومنحته نموّا روحيّا وأصبحت ألوانه بعدها متحرّرة من أيّ قيود. واستمرّ ذلك البلد يوفّر له الإلهام وظلّ يرسمه من الذاكرة لسنوات طوال. وخلال إقامته هناك رسم أكثر من ثلاثين لوحة مائية.
كان كلي عندما زار تونس في الرابعة والثلاثين من عمره. وقد وصفه من رآه بأنه يشبه العرب لأن جذور والدته تعود إلى شمال أفريقيا. وربّما كانت ملامحه السمراء سببا في ازدياد حنق النازيين عليه، فقد هاجموا فنّه ووصفوه بـ "المنحلّ"، ثم أجبروه على الهجرة إلى سويسرا عام 1933.
الجدير بالذكر أن بول كلي زار مصر أيضا في عام 1929، مدفوعا على ما يبدو بموجة الشغف بمصر التي اكتسحت أوربّا عقب اكتشاف هاوارد كارتر لقبر الفرعون توت عنخ امون. وقد قضى في مصر شهرا زار خلاله الأقصر ووادي الملوك.
وأثناء إقامته هناك رسم عدّة لوحات عبّر من خلالها عن إعجابه وتقديره الكبير للحضارة المصرية القديمة. وقد دفعه إحساسه بالارتباط بتلك الأرض العريقة لأن يضفي على لوحاته تلك شعورا بالديمومة والخلود.
ومن خلال أشكاله ورموزه التجريدية، كان كلي يعبّر عن أكثر المواضيع تنوّعا والتي كان يرسمها من مخيّلته، وفي طليعتها الموسيقى والشعر والأدب وعلاقتها بالعالم.
كان الرسّام مفتونا بالكلمات والأنغام. والأسماء الشاعرية الجميلة التي كان يختارها للوحاته تشي بشغفه هذا الذي يعكس ميله لكلّ ما هو فانتازيّ وشاعريّ وتأمّليّ.
ورغم النجاح الذي حقّقه أثناء حياته، إلا انه اعتُبر فنّانا ثانويّا. وفقط بعد موته بدأ يحصل على ثناء النقّاد ومديحهم. ونظرة متفحّصة على نتاجه تشير إلى التأثيرات العظيمة التي تركها على كلّ مدارس الرسم تقريبا.
والمعروف أن كلي قضى حياته كلّها باحثا عن الاستعارات والرموز. وكان يملأ رسوماته بالأسهم والاتجاهات وبالحروف الغامضة وأحيانا الطافية في فضاء رمزيّ. كما كان يرفض أن يضع خطوطا فاصلة بين الفنّ والكتابة.
والكثيرون يشيرون إلى أن تجربته كانت خطوة مهمّة في تطوّر الحداثة، كما ترك أثرا كبيرا على أجيال عديدة من الرسّامين التجريديين الذين أتوا بعده.
وقد عُرف كلي باهتمامه الكبير بالثقافة العربية والذي استمرّ معه طوال حياته. وفي ابريل عام 1914، قام بزيارة إلى تونس كانت الأولى له لبلد خارج أوربّا. وكان بتلك الخطوة يقتفي خطى صديقه كاندينسكي الذي كان قد ذهب إلى تونس زائرا في عام 1904.
وقد أُعجب كلي بجمال ذلك البلد وبأضوائه وألوانه. وكان واضحا أن تجربته التونسية نفذت إلى أعماق روحه وظلّت تغذّي مخيّلته لزمن طويل. كما أثّرت فيه ألوان شمال أفريقيا بعمق، لدرجة أن ألوانه بعد تلك الزيارة بدت كما لو أنها ولدت من جديد.
ذهب الرسّام أوّلا إلى مدينة الحمّامات، وهي بلدة صغيرة تقع شمال غرب تونس على ضفاف البحر المتوسّط. وقد راقت له أصوات البشر والطبيعة فيها وبدا واضحا أنها حرّكت مشاعر الموسيقيّ بداخله وصبغت رسوماته بالمزيد من الحركة والإيقاع. وشيئا فشيئا بدأ يجرّد الألوان من أوصافها وخواصّها الفيزيائية ويستخدمها بشكل منفصل.
في هذه اللوحة، يرسم كلي الحمّامات وجامعها من مكان ما خارج أسوار المدينة. واللوحة تُظهر بدايات تحوّله إلى التجريد بعد أن قرّر أن يدير ظهره إلى الطبيعة. والصورة تتألّف من عناصر تجسيدية وأخرى تجريدية. الجزء العلويّ منها يُظهر الجامع محاطا ببرجين وحديقة، أما السفليّ فيتألّف من مناطق استخدم فيها ألوانا شفّافة ونقيّة مع تبايناتها.
وقد رسم كلي للحمّامات لوحة أخرى تَظهر فيها أشجار النخيل مع بعض الرموز والأنماط التي يمزج فيها بين الأساليب الشرقية والغربية.
وخلال زيارته تلك، ذهب أيضا إلى مدينة القيروان التاريخية التي كانت عاصمة لدولة الأغالبة. وقد فتنته أبواب هذه المدينة وقبابها ونوافذها المزخرفة الألوان والأشكال. كما أُعجب بالشاطئ والزوايا والزقاقات والحدائق الشرقية والبساتين المسوّرة. وطبعت كلّ هذه العناصر رسوماته بنَفَس جديد غير أوربّي.
كما زار كلي أيضا مدينة سيدي بوسعيد الجبلية وتأمّل ميادينها وأبوابها الزرقاء وبيوتها ذات الطابق الواحد وتوقّف أمام بوّابة إحدى حدائقها ليرسم لها اسكتشا حوّله في ما بعد إلى لوحة مائيّة.
زيارة كلي إلى تونس أثارت تأمّلاته وأفكاره ومنحته نموّا روحيّا وأصبحت ألوانه بعدها متحرّرة من أيّ قيود. واستمرّ ذلك البلد يوفّر له الإلهام وظلّ يرسمه من الذاكرة لسنوات طوال. وخلال إقامته هناك رسم أكثر من ثلاثين لوحة مائية.
كان كلي عندما زار تونس في الرابعة والثلاثين من عمره. وقد وصفه من رآه بأنه يشبه العرب لأن جذور والدته تعود إلى شمال أفريقيا. وربّما كانت ملامحه السمراء سببا في ازدياد حنق النازيين عليه، فقد هاجموا فنّه ووصفوه بـ "المنحلّ"، ثم أجبروه على الهجرة إلى سويسرا عام 1933.
الجدير بالذكر أن بول كلي زار مصر أيضا في عام 1929، مدفوعا على ما يبدو بموجة الشغف بمصر التي اكتسحت أوربّا عقب اكتشاف هاوارد كارتر لقبر الفرعون توت عنخ امون. وقد قضى في مصر شهرا زار خلاله الأقصر ووادي الملوك.
وأثناء إقامته هناك رسم عدّة لوحات عبّر من خلالها عن إعجابه وتقديره الكبير للحضارة المصرية القديمة. وقد دفعه إحساسه بالارتباط بتلك الأرض العريقة لأن يضفي على لوحاته تلك شعورا بالديمومة والخلود.