عائـلـة الرسّـام
للفنان الأمريكي إدمونـد تاربِـل، 1899
يعتبر ادموند تاربل احد أشهر الرسّامين الانطباعيين الأمريكيين. وكان معاصرا لكلّ من فرانك بنسون وتشايلد هاسام اللذين يعتبران من أهمّ رموز الانطباعية الأمريكية خلال القرن العشرين.
كان تاربل يهوى رسم الديكورات الداخلية والمناظر المنزلية. وكانت زوجته وأطفاله الأربعة هم موديلاته المفضّلون. وتتسمّ أعماله بالمزج ما بين الانطباعية والأسلوب الأكاديمي في الرسم.
ويبدو الشخوص في لوحاته وهم منهمكون في أعمال وأنشطة منزلية أو جالسون خارج المنزل.
كان الرسّام ينتمي إلى مدرسة بوسطن للرسم والتي ازدهرت وذاع صيتها بدءا من السنوات الأولى من القرن العشرين.
وقد اشتهر رسّامو تلك المدرسة إجمالا بمناظرهم التي تصوّر العالم المنعزل لنساء الطبقة العليا اللاتي يظهرن بملابسهن الأنيقة وهيئاتهن الحديثة وهنّ يؤدين أعمالهن الروتينية اليومية.
في هذه اللوحة يرسم تاربل زوجته وشقيقتها وأبناءه الأربعة. وأوّل ما يلفت الاهتمام في المنظر سحر الألوان، وخاصّة هذا المزج المرهف ما بين اللونين الأصفر والأزرق واهتمام الرسّام بالتفاصيل والعناصر الصغيرة.
الألوان في اللوحة متقشّفة وباردة وذات لمسة ناعمة. والأسلوب الذي تعامل به الرسّام مع عنصري الضوء والظل هو أيضا ممّا يسترعي الانتباه.
أيضا هناك النافذة المفتوحة على منظر خارجي، وانعكاسات الضوء على الأرضية والجدران والملابس. كما أن مسارات الفرشاة الفضفاضة وذات النسيج الريشي الأملس على الملابس وملامح الوجوه تعطي إحساسا بالحيوية والتلقائية. وكل هذه سمات واضحة للرسم الانطباعي.
لزمن طويل كان الرسّامون كثيرا ما يستخدمون أفراد عائلاتهم كموديلات في لوحاتهم من اجل تجسيد حدث تاريخي أو موضوع أدبي أو للتعبير عن فكرة مجازية.
لكن اعتبارا من أواخر القرن التاسع عشر تغيّر ذلك التقليد مع مجيء المدرسة الانطباعية، حيث بدأ الفنانون يرسمون أفراد عائلاتهم في الطبيعة المفتوحة من اجل الإمساك بآنية وفورية الحياة المعاصرة وتصوير تبدّل حالات الضوء والظل أثناء ساعات النهار.
عاش ادموند تاربل معظم حياته في الولايات المتحدة. لكن لأنه اظهر موهبة غير عاديّة في الرسم منذ صغره فقد اُرسل إلى باريس حيث تعلّم فيها على يد كلّ من غوستاف بولانجير وجول لوفيفر.
وفي باريس أيضا تدرّب على أسس ومبادئ الرسم الأكاديمي وقام باستنساخ أعمال كبار الرسّامين الذين كان يرى لوحاتهم في اللوفر.
في تلك الأثناء كانت الانطباعية تعيش أوج صعودها. وقد أعجبته أعمال الانطباعيين وبدأ يدرس أساليبهم ويتأثر بمناظرهم.
وأثناء إقامته في فرنسا قرّر أن يذهب إلى ايطاليا ثم ألمانيا وبلجيكا. وبعد ذلك بعامين عاد إلى بوسطن حيث تزوّج وعمل رسّاما للبورتريه.
ومع مرور الأيام ترسّخ اسمه وأصبح مشهورا باعتباره رسّاما انطباعيا مرموقا.
ومن النقّاد من يعتبر لوحته "في البستان" نقطة تحوّل مهمّة عرّفت الجمهور أكثر بفنّه وموهبته. وقد صوّر في هذه اللوحة، شأنها شأن العديد من لوحاته الأخرى، زوجته وأطفاله وهم يجلسون ذات ظهيرة في حديقة منزلهم في الهواء الطلق.
وفي ما بعد اختير الرسّام للعمل أستاذا في المدرسة التابعة لمتحف بوسطن للفنون الجميلة.
ولوحات تاربل تتسم بثرائها اللوني الأخّاذ وبضربات الفرشاة السائلة وبلمعان الطبيعة والألوان الساطعة والمبهجة.
وهناك من النقّاد من يلقّبه بـ "شاعر المناظر المنزلية". كما أن هناك من يشير إلى تأثره بأسلوب الرسّام الهولندي يوهان فيرمير.
الجدير بالذكر أن ادموند تاربل رسم بورتريهات لبعض الشخصيات المهمّة في زمانه مثل الرئيسين الأمريكيين وودرو ويلسون وهيربرت هوفر.
وتتوزّع الكثير من لوحاته اليوم على أشهر المتاحف والمجموعات الفنّية الخاصّة في الولايات المتحدة.