في ذكرى الشاعرة برفين اعتصامي
للفنان الإيراني مرتضـى كاتوزيـان، 1985
يقال أحيانا أن الشعر يصبح مفهوما أكثر عندما يتحوّل إلى موسيقى أو إلى عمل تشكيلي.
والفنان، رسّاما كان أم شاعرا أم موسيقيا، اعتاد أن يرى العالم بعين أكثر حساسية وشمولا، فهو يلتقط التفاصيل ويلاحظ الحالات والظواهر المختلفة ويستمتع برصدها وتأمّلها وتصويرها.
في هذه اللوحة الجميلة يصوّر مرتضى كاتوزيان منظرا استوحاه من قصيدة للشاعرة الإيرانية الراحلة برفين اعتصامي تتحدّث فيه عن طفل يكسر آنية خزفية عن غير قصد ثم لا يجرؤ على العودة إلى البيت خوفا من غضب والده.
اعتصامي اشتهرت بمواقفها وأفكارها وقصائدها الجريئة الداعية لتحرير المرأة.
وقد تأثرت بأفكار والدها الذي كان هو الآخر مناصرا لحقوق النساء، كما عرف عنه ترجمته لكتاب الشيخ قاسم أمين "تحرير المرأة" إلى الفارسية.
وقد توفيت اعتصامي عن عمر لا يتجاوز الخامسة والثلاثين بعد تجربة زواج فاشل لم يدم أكثر من شهرين. وفي أخريات حياتها كتبت قصائد حزينة تتعاطف فيها مع الفئات المحرومة في المجتمع خاصة الأطفال الفقراء واليتامى.
في اللوحة نرى طفلا بملامح بريئة وملابس رثّة وهو جالس يغالب النعاس في زاوية بأحد الشوارع. والى جواره تبدو آنية فخار مكسورة.
المشهد يوحي بالفقر الشديد: الجدران في الخلفية وكذلك ملابس الطفل خصوصا البنطلون المهلهل والمرقّع بقطع حمراء وسوداء.
اللوحة يغلب عليها اللونان الأصفر والبنّي وظلالهما. وثمّة تناغم وتناسق واضح بين الألوان كما يبدو جليا أيضا إتقان الفنان رسم الأطراف. وإن كان يلاحظ أن القدم اليمنى للصبي تبدو اكبر قليلا من عمره المفترض.
هناك أيضا الظلال التي رسمت بعناية وبراعة لافتة. والمنظر بأكمله يدفع الناظر إلى التعاطف مع الحالة الإنسانية التي تجسّدها اللوحة.
مرتضى كاتوزيان يعتبر واحدا من أشهر الفنانين التشكيليين في إيران.
والبعض يصفه بأنه رسّام الفقراء والمهمّشين. وهو ينتمي للطبقة الوسطى وينحدر من عائلة تحبّ الرسم والفنون. ومعروف أن كاتوزيان لم يتتلمذ على يد احد بل علّم نفسه بنفسه إلى أن اخذ أسلوبه في الرسم في النضج والتبلور.
التأثير المتبادل بين الشعر والرسم أمر ليس بالطارئ ولا بالجديد. فـ يوهان فيرمير، مثلا، استوحى مواضيع بعض لوحاته من قصائد أو روايات.
في المقابل تحوّلت عناوين وأجواء بعض لوحات فان غوخ ورينيه ماغريت ووليام ووترهاوس وادفارد مونك إلى أعمال شعرية وروائية وموسيقية.
عنوان لوحة كاتوزيان ربّما يثير ملاحظة قد تبدو شكلية إلى حدّ ما، فهو يبدو طويلا بعض الشيء وقد يراه البعض مملا وغير مناسب. ولو أن الفنان اختار للوحة عنوانا مختصرا مثل "الإناء المكسور" أو "آنية الخزف المكسورة" لكان وقعه أفضل وأجمل. في حين يمكن وضع العنوان الطويل في حيّز فرعي وبين قوسين للتأكيد على فكرة اللوحة وتوضيح مناسبتها.
أما فكرة رسم طفل أو طفلة والى جواره آنية أو مزهرية مكسورة فهي فكرة قديمة في الفنّ وطالما استهوت العديد من الرسّامين.
لكن يمكن القول إن أشهر لوحات هذه الثيمة وأكثرها انتشارا ورواجا هي لوحة رسّام القرن التاسع عشر الفرنسي ايميل مونيير Emile Munier's The Broken Vase بعنوان المزهرية المكسورة.
موضوع ذو صلة: إطلالة على الموسيقى الإيرانية