شابّ يجلس على صخرة أمام شاطئ البحر
للفنان الفرنسـي إيبـوليت فـلانـدران، 1855
في هذه اللوحة، المألوفة إلى حدّ ما والمثيرة للمشاعر، نرى شابّا يجلس فوق صخرة على شاطئ البحر وقد نكّس رأسه إلى أسفل وأسلم نفسه لنوبة تفكير عميق.
الجوّ العام للمشهد يعطي شعورا بالوحدة واليأس والحزن العميق.
ولا بدّ وأن الشاب أتى إلى هذا المكان المنعزل والهادئ بنفس مثقلة بالهموم والآلام والتحدّيات.
إنه هنا في مواجهة مع نفسه وليس أمامه سوى البحر والأفق الممتدّ .. والصمت.
هناك أيضا الهدوء الغامض والحالة التأمّلية التي تطبع المشهد.
لكن أهمّ ما يلفت الانتباه في اللوحة هو أن الشاب يبدو عاريا. غير أن العري هنا جزئي ومحسوب بدقّة بحيث لا يحمل أية إيحاءات ايروتيكية أو حسّية قد تصرف ذهن المتلقي بعيدا عن الموضوع الأساس.
ولهذا السبب عمد الرسّام إلى حجب المناطق الحسّاسة في جسد الشاب وركّز على تمثيل الرأس واليدين والقدمين بأسلوب شديد الواقعية.
ثم هناك وضعية الجلوس في اللوحة. فالشّاب يجلس بهيئة قريبة من هيئة جلوس الجنين في بطن أمّه.
هل لهذه الجزئية مغزى ما؟
قد يكون الفنّان اختار هذه الوضعية لكي يؤكّد على حالة اليأس التي تتملّك الشاب وتوقه اللاإرادي للعودة إلى طور التكوين الأوّل، بعد أن عجز عن مواجهة مشاكل الحياة وهمومها الكثيرة.
إن الانفعالات التي تثيرها اللوحة بالغة النقاء والشفافية ولا تخلو من دلالات نفسية وروحية عميقة، رغم أن مشهد العُري في حدّ ذاته قد يفاجئنا وربّما يثير امتعاضنا لأوّل وهلة.
إن الإنسان لا يمكن أن يواجه مصاعب الحياة بمفرده، بل لا بدّ له من سند ومعين يؤازره ويقف إلى جانبه ويخفّف عنه بعضا من همومه.
هذا هو أحد الدروس المهمّة التي تقدّمها اللوحة.
من جهة أخرى وعلى مستوى الشكل تحديدا، يمكن النظر إلى هذه اللوحة باعتبارها دراسة تحليلية للجسد الذكوري الذي تعامل معه الفنّان كموضوع جمالي وصوّره بطريقة لا تخلو من الرقّة والشاعرية.
وهذا لا يقلل من أهمية المضامين الداخلية، الروحية والسيكولوجية، التي تنطوي عليها اللوحة.
لم يكن إيبوليت فلاندران من الفنانين الذين يميلون إلى رسم المناظر الايروتيكية أو العارية. فقد كان شخصا شديد التقى والتديّن وكانت تغلب على لوحاته المواضيع الدينية والأسطورية.
ورسوماته بشكل عام تتّسم بالصفاء النفسي والنفحة الروحية المشوبة بقدر من التأمّل والغموض الحالم.
موضوع ذو صلة: جماليات الحزن