رقصــة الحيــاة
للفنان النرويجي إدفـارد مونـك، 1900
لوحة أخرى من لوحات ادفارد مونك "أو مونش كما يُنطق اسمه أحيانا" وفيها يحاول تصوير الطبيعة المتغيّرة للمرأة، بدءا من طور البراءة إلى النضوج الجنسي والعاطفي ومن ثمّ إلى مرحلة الشيخوخة التي تفقد المرأة خلالها الكثير من جاذبيّتها وفتنتها.
إلى يسار اللوحة تظهر شابّة جميلة بخدّين متورّدين وهي تخطو إلى الأمام بذراعين مفتوحين وقد تفتّحت إلى جوارها زهور الربيع، ربّما علامة التفاؤل والإقبال على الحياة.
وفي الوسط نرى رجلا يراقص امرأة وقد اتّحدا في ذوبان حميم وكأنهما جسد واحد. ويظهر أن ثوب المرأة الأحمر يثير الرجل ويؤجّج حماسه.
والى أقصى اليمين تبدو امرأة ترتدي فستانا اسود وهي تقف كتمثال صامت وقد شبكت يديها أمامها وعلت ملامحها نظرات باردة وكئيبة.
وفي الخلف أيضا هناك صور لأزواج آخرين من الرجال والنساء وهم منهمكون في الرقص.
بالنسبة لمونك، كان الرسم على الدوام وسيلة للتعبير عن مشاعر الحزن والألم.
وفي الواقع فإن كثيرا من رسوماته تعبّر عن المصاعب والآلام التي مرّ بها في طفولته وشبابه، كما أن مضمون لوحاته يجسّد إلى حدّ كبير صورة المجتمع المتديّن والقمعي الذي عاش في كنفه وتأثير ذلك على أفكاره ونظرته للحياة.
ومن بين السمات الأخرى لأعماله الحضور المتكرّر لأسطورة سقوط الإنسان بالإضافة إلى القلق الوجودي والمسحة التشاؤمية التي تغلب على عدد غير قليل من لوحاته.
ولد الفنان في النرويج ذات الطبيعة الباردة والمظلمة معظم أيام السنة. وعاش حياة بائسة فقد توفّيت والدته بمرض السّل وعمره لم يتجاوز الخامسة، وما لبثت شقيقته الوحيدة التي كان يعتبرها مصدر عزائه الوحيد بعد رحيل أمّه، لم تلبث أن واجهت نفس المصير.
ولكي يعوّض عن الحنان الذي افتقده برحيل والدته وأخته، أصبح ميّالا لمصاحبة النساء مع انه لم يتزوّج أبدا طيلة حياته.
في "رقصة الحياة" يمزج مونك بين تمثيل الطبيعة والأسلوب الرمزي. وغموض الفكرة يؤدّي إلى ربط الصورة بالحياة المدنية الحديثة من جهة وبالطقوس البدائية للفصول من جهة أخرى.
وقد عبّر الفنان ذات مرّة عن فهمه للعلاقة بين دوران الحياة وتعاقب الفصول بقوله: إننا نكرّر أنفسنا مثل حبّات الكريستال التي تذوب لتتشكّل من جديد".
وفي اللوحة، وكما هي عادة مونك في العديد من لوحاته، هناك المنظر المألوف لشمس أو قمر يلقي بضوئه الشاحب على المشهد.