Wednesday, September 14, 2005

لوحـات عالميـة – 48


وســـام الفــارس
للفنان البريطاني ادموند بلير ليتون، 1901

تُعتبر هذه اللوحة أحد أشهر الأعمال الفنّية التي تتناول تقليدا يعود أصله إلى القرون الوسطى.
وفيها تظهر ملكة، انجليزية على الأرجح، ترتدي فستانا ابيض مزيّنا بالذهب وتقف عند أسفل عرشها لتمنح مرتبة الفروسية لأحد فرسانها العائد منتصرا من معركة.
الصورة ربّما تكون مثالية وعاطفية أكثر من اللازم. لكنها مدهشة من حيث أنها تنقل الناظر إلى العصور الخوالي أو أزمنة الفرسان والفروسية.
ومن الواضح أنها رُسمت أثناء الفترة الادواردية والفيكتورية. لكنها تتضمّن حنينا إلى ماض غابر، والناس عادة يحبّون مثل هذا النوع من الصور.
الفارس، الذي يرتدي سترة حمراء عليها علامة نسر اسود وهلال، يظهر في الصورة وهو ينحني على أريكة جلدية بعد أن نحّى خوذته الحديدية جانبا.
وعند الباب يقف حشد صغير من الناس يتابعون هذه المراسم، بينهم رجل عجوز وراهب وصبيّ يمسك بترسه.
طبقا لتاريخ الفروسية في أوربّا، كان الشباب يُمنحون مرتبة الفروسيّة في سنّ الحادية والعشرين. وكانت مناسبات منح رتبة الفارس تأخذ شكلا احتفاليا معيّنا.
فبعد حمام التطهير الذي يخضع له المرشّح لنيل لقب الفارس، يُطلب منه أن يقضي الليل في الصلاة أمام المذبح الذي يضع عليه عدّته الحربية.
وفي الصباح تقام بعض الطقوس الدينية من بينها خطبة للكاهن عن واجب الفارس في حماية الضعيف وتقويم الخطأ واحترام النساء.
وبحضور الفرسان والأعيان والسيّدات يقوم الفارس بارتداء حلّته القتالية قطعة قطعة، قبل أن يجثو على ركبتيه لتلقّي وسام الفروسية.
والوسام هنا ذو معنى مجازيّ، إذ أنه ليس أكثر من ضربة خفيفة بباطن السيف على الكتف يقوم بها رجل أو سيّدة. وبعد أن ُيخلع على المرشّح لقب الفارس يصبح له مطلق الحرّية في أن يذهب حيثما شاء، باحثا عن المغامرة وحاملا معه سيفه ورمحه وترسه.
اسم الرسّام ادموند بلير ليتون ليس معروفا كثيرا. لكن لوحاته كانت مشهورة في عصره. وهو كان متخصّصا في المناظر الملوكية ومواضيع القرون الوسطى. وقد لعب دورا مهمّا في توعية الناس بأهميّة مواضيع الرسم المرتبطة بالأزمنة القديمة.
ولوحاته إجمالا تتميّز بزخارفها الجميلة ومضامينها الرومانسية التي أكسبته بعض الشعبية، رغم أنها لا تتحدّث عن أشخاص أو مناسبات أو أحداث بعينها.
تلقّى ليتون تعليمه في مدرسة الفنون قبل أن يلتحق بمدارس الأكاديمية الملكية. وكان يعرض لوحاته سنويا في الأكاديمية من عام 1878 إلى 1920.
وعلى الرغم من أن اسمه ليس مألوفا كثيرا، إلا أن فنّه ما يزال يروق للكثيرين. قد يعود السبب إلى أن الناس عادةً ينجذبون إلى الصور التي تذكّرهم بالماضي لأنها تأخذهم إلى أزمنة وأمكنة أخرى مختلفة.
ورغم اختلاف الأزمنة، إلا أن مواضيع الحبّ والرومانسية تظلّ دائما قيما عامّة وصالحة دائما برغم تغيّر الأحوال والظروف.
كان ليتون يهتمّ كثيرا بالتفاصيل وبالدقّة التاريخية في أعماله. وكان اهتمامه يشمل تصوير الأزياء وملابس الحرير والدانتيل والتطريز والمخمل التي كان يرسمها بدقّة متناهية.
وقد اعتاد أن يحتفظ في مرسمه بقطع كثيرة من طرز الملابس والآلات الموسيقية والأسلحة التي تعود للقرن الثامن عشر والتي كان يرسمها في لوحاته.
وكان على وجه الخصوص مفتونا بتصوير تقاليد القرون الوسطى في أعماله. كما كان من عادته أن يحتفظ بكرّاس يدوّن فيه أفكاره ومشاهداته قبل أن يقوم بمعالجتها وترجمتها إلى أعمال فنّية.
ولا تخلو صوره من مشاهد لنساء أنيقات وفرسان بكامل هيئتهم في طبيعة مفتوحة أو في بيئة داخلية مرتّبة بعناية.
لا يُعرف عن بلير ليتون الكثير. فهو لم يترك وراءه أيّ مذكّرات أو أوراق تتحدّث عن حياته أو فنّه. لكن معروف انه ولد في لندن عام 1852 وتوفّي فيها عام 1922. ووالده كان رسام بورتريه.
وبعض النقاد ينظرون إلى أعماله على أنها رسومات شعبية، ربّما بسبب مضامينها الرومانتيكية الغالبة. لكن لوحته هذه معروفة ويسهل تمييزها باعتبار أنها من بين أكثر الأعمال الفنّية استنساخا وبيعا.