Tuesday, June 06, 2017

لوحات عالميـة – 395

الفقـهـاء
للفنان النمساوي لودفيـك دويتـش، 1905

كان للرسومات الاستشراقية اثر كبير في تطوّر العلاقة بين الشرق والغرب. وقد سافر العديد من الرسّامين الأوربّيين إلى بلدان الشرق وأسّسوا لهم فيها محترفات، وبعضهم تزوّجوا من نساء عربيات وتعلّموا لغات المنطقة وفتحوا دروبا للمعرفة والتفاهم بين الشرق والغرب.
جاذبية الرسم الاستشراقي استمرّت من خلال لوحات عدد من رسّامي القرنين الثامن والتاسع عشر. وكان لهذا النوع من الرسم أتباع كثيرون في الشرق والغرب ممّن كانوا منجذبين إلى الواقعية والأسلوب والتفاصيل والرسائل التي كان يتضمّنها.
وقد أرضى استشراق القرن التاسع عشر فضول العامّة من الأوربّيين الذين كانوا توّاقين لمعرفة الشرق، خاصّة بعد حملة نابليون على مصر ثم نشر كتاب "وصف مصر" الذي تناول جغرافية وتاريخ وعادات وتقاليد المصريين.
ومن بين الرسّامين الأوربّيين الذين ذهبوا إلى مصر وصوّروا بعضا من جوانب الحياة فيها الرسّام النمساوي لودفيك دويتش الذي زار مصر خمس مرّات ما ببن عامي 1883 و 1904.
وقد ضمّن دويتش لوحاته صورا لحرّاس القصور النوبيين ومواكب المحمل في شوارع القاهرة ومضيئي الشموع في بدايات الليل والأضرحة وحواة الأفاعي والدلالين ورعاة الأغنام وغيرهم.
لكن في أواخر عام 1890 بدأ الرسّام تنفيذ سلسلة من الأعمال التي تناول فيها طبقة العلماء والمثقّفين في صور تأمّلية يظهر فيها أشخاص متعلّمون وهم يقرءون رسائل أو كتبا أو مخطوطات.
وقد اعتُبرت تلك اللوحات دليلا على نضج دويتش وتوسّع معرفته ببلدان المنطقة وازدياد أهمية التعليم في مصر بسبب إصلاحات محمّد علي التي سبقت ذلك التاريخ بعقود.
في هذه اللوحة، يرسم دويتش ثلاثة علماء دين وهم يتأمّلون مخطوطات من أنواع مختلفة في غرفة تحتوي على خزانة كتب خشبية مع نقوش ارابيسك بديعة. وأرضية الغرفة مزيّنة بسجّادة كردية أو فارسية مع صندوق خشبيّ مطعّم باللآليء.
الرجال الثلاثة يرتدون الملابس التقليدية التي تتألّف من عمامة وطربوش وجبّة أو قفطان، بالإضافة إلى أحذية مغربية حمراء. وظهور الثلاثة بأحذيتهم هي إشارة إلى أنهم لا يجتمعون في مسجد، وإنّما على الأغلب في منزل خاصّ.
الأسطح المصقولة والواقعية الشديدة التي تميّز فنّ دويتش، ومن ضمنه هذه اللوحة، كان وراءها مجموعة من الصور الفوتوغرافية التي جمعها الرسّام في القاهرة مع المئات من قطع الديكور الأخرى. وقد أخذ كلّ هذه الأشياء معه إلى فرنسا كي يزيّن بها مرسمه الباريسيّ. وكان من عادته أن يضع اسكتشات لوحاته في القاهرة ثم يكمل رسمها عندما يعود إلى باريس.
وعلى الرغم من مكانة دويتش المهمّة في الرسم الاستشراقي الأوربّي، إلا أن تفاصيل حياته ما تزال قليلة أو غامضة. لكن من المعروف انه يتحدّر من عائلة يهودية معروفة، وكان والده يعمل في البلاط النمساويّ.
وقد درس في أكاديمية فيينا للرسم عام 1872، ثم استقرّ في باريس اعتبارا من عام 1878. وكان قد سبقه إلى هناك مواطنه الرسّام الاستشراقي المعروف رودولف ارنست.
وفي باريس، درس دويتش على يد رسّام المواضيع التاريخية جان بول لوران، قبل أن يختطّ لنفسه أسلوب رسم واقعيّا وذا سمات لا تخلو من الفخامة والدراماتيكية.
وقد هيمنت مواضيعه الاستشراقية على فنّه، وبفضل تلك المناظر المفصّلة التي رسمها عن الحياة اليومية في مصر اكتسب نجاحا كبيرا وثناءً غير مسبوق أهّله لنيل ميدالية ذهبية من معرض أقيم في باريس عام 1900.
وفي مرحلة تالية، استبدل أسلوبه الأكاديميّ الصارم بآخر أكثر تحرّرا وتلقائية.
ودويتش يُعتبر اليوم أكثر رسّام استشراقيّ نمساويّ يبحث هواة الأعمال الفنّية عن أعماله. وكثيرا ما تباع لوحاته بأسعار مرتفعة. ومعظمها موجودة الآن في مجموعات خاصّة.
إحدى لوحاته واسمها صلاة الفجر ، بيعت قبل فترة بأكثر من نصف مليون جنيه استرليني، وفيها يظهر رجلان يؤدّيان الصلاة داخل احد مساجد القاهرة الفاطمية.
ومن بين أفضل لوحات دويتش الأخرى واحدة بعنوان النذور ، ويظهر فيها جانب من جامع السلطان حسن بالقاهرة مع أشخاص يرتدون ملابس أنيقة ويحملون عددا من الهدايا إلى داخل المسجد. وقد بيعت هذه اللوحة بمليوني جنيه استرليني، كما بيعت لوحته الأخرى حارس القصر بحوالي هذا السعر.