Friday, August 15, 2014

لوحات عالميـة – 351

يقظـة ضميـر
للفنان البريطاني وليام هولمان هانت، 1853

لو نظرت إلى هذه اللوحة في سياق زمننا الحاضر أو بمعايير الرسم السائدة لضحكت من سذاجة موضوعها، رغم أن هذا كان يُعتبر موضوعا جريئا في منتصف القرن التاسع عشر.
كانت المرأة الخاطئة موضوعا مفضّلا في الفنّ الفيكتوري. وكان الرسّامون من تلك الفترة متحمسّين لرسم هذه الفكرة. في ذلك الوقت كانت الدعارة متفشّية في المجتمع الانجليزي. عبارة "الشرّ الأخلاقي" كانت أيضا رائجة وقتها، وهي تشير إلى المرأة التي تدخل في علاقة خارج الزواج.
وكان الناس آنذاك يؤمنون بحكمة تقول إن المرأة متى سقطت فإنها تنحرف إلى البغاء، ثم المرض، فالموت غرقا غالبا. وكثيرة هي اللوحات من تلك الفترة التي تتضمّن رسائل تحذّر من تجاوز الخطوط الأخلاقية المتعارف عليها.
ولم يكن هناك تمييز بين امرأة وأخرى. فالجميع مذنبات بلا استثناء. حتى المرأة التي تعمل خادمة في بيت رجل يمكن أن تكون زانية. وكان الناس وقتها يعتقدون بأن مجرّد الحديث عن هذا الموضوع يُعدّ أمرا معيبا.
لكن بالنسبة للرسّامين ما قبل الرافائيليين، كان هذا موضوعا مفضّلا بسبب تأثير الكنيسة عليهم وقانون الأمر بالعفّة. الرسّام وليام هانت كان ضدّ أن تُختصّ المرأة لوحدها باللوم على انحرافها. كان يعتبر ذلك ازدواجا في المعايير. بل كان يؤمن بأن المسئولية الأعظم في انحراف المرأة تقع على كاهل الرجل نفسه.
في اللوحة يرسم هانت رجلا وامرأة داخل غرفة. المرأة التي ترتدي فستانا ابيض طويلا موشّى بالحرير في أسفله تترك حضن الرجل فجأة. عيناها الواسعتان تنظران بعيدا خارج فراغ الإطار. أما الرجل فيلبس سترة غامقة ويستند على كرسي بينما يطوّق بذراعه المرأة الواقفة. انه ينظر إليها باستغراب وهي لا تردّ على نظراته.
الأثاث في الغرفة باذخ. وهي تحتوي على زخارف كثيرة على الجدار وعلى السجّاد الأحمر. وهناك أيضا بيانو وبجواره نوتة موسيقية، ومرآة ضخمة تملأ الجزء الأيسر من اللوحة وينعكس عليها جانب من شخص المرأة من الخلف.
من الواضح أن كلّ احتياجات المرأة المادّية في البيت وفّرها الرجل. وهما يجلسان معا ويعزفان على البيانو ذات ظهيرة جميلة. النوتة الموسيقية على البيانو هي لأغنية بعنوان "في سكون الليل". كانت هذه الأغنية مشهورة في ذلك الحين. وكلماتها تتحدّث عن الفرص الضائعة والذكريات الحزينة عن ماض أكثر سعادة.
ويبدو أن الأغنية التي يعزفها الرجل حرّكت وترا حسّاسا داخل المرأة وأثارت بعض مواجعها. إنها تهبّ واقفة وتحدّق عبر النافذة، وعلى وجهها آثار الإحساس بالذنب. الرجل لا يرى وجهها ولا يلاحظ التحوّل الذي طرأ عليها، لذا هو مستمرّ بالغناء وبضرب المفاتيح بلا اهتمام.
الرسّام يريدنا أن نعرف أن المرأة في اللوحة هي خليلة الرجل، أي انه يستخدمها فقط وليس في نيّته الزواج منها. كما أنها تعتمد عليه بالكامل. وعندما يهجرها، وهو ما يحصل في معظم الأحيان، فإنها تنتهي إلى الإدمان والدعارة.
لكن يبدو أن "طيفا مقدّسا ما" ظهر لهذه المرأة على غير انتظار، ويُفترض انه سيغيّر حياتها وظروفها ويساعدها على أن تعيش حياة صلاح وتقوى.
بعض النقّاد وصفوا اللوحة بأنها قبيحة وغير مفهومة. ومع ذلك يمكن القول أنها صورة سردية بامتياز، أي أنها تحكي قصّة. كما أن تفاصيلها كثيرة وألوانها متوتّرة وتوليفها معقّد إلى حدّ ما. وبالإضافة إلى هذا، فهي مليئة بالرموز والإشارات. إلى الأسفل، مثلا، نرى قطّة تقبع تحت الطاولة وهي تعابث طائرا، في إشارة إلى أن الرجل يعبث هو أيضا بالمرأة. وعلى الجدار العلويّ إلى اليمين لوحة تصوّر القصّة الدينية التي تحكي عن نساء ينحرفن نحو البغاء.
الموديل في اللوحة هي آني ميللر رفيقة الرسّام. وقد التقطها من احد الأحياء الفقيرة وجلبها لكي تعمل في بيته. ثم لم يلبث أن عرض عليها الزواج وأن تترك حياتها الماضية لكي تعيش معه بكرامة، ولكنها لم تعمل بنصيحته. وعندما أراد الحجّ إلى فلسطين تركها في عهدة احد زملائه مع تعليمات مشدّدة منه بأن يحافظ عليها وأن لا يستغلّها.
كان وليام هانت إنسانا متديّنا جدّا. ولذا كان تركيزه دائما على رسم المواضيع الأخلاقية. وبعد أن أتمّ رسم هذه اللوحة، ذهب إلى فلسطين حاجّا ومتأمّلا. كان يؤمن بأن الفنّان إن أراد رسم مواضيع دينية عليه أن يذهب إلى مصدر الإلهام، رغم أن الرحلة إلى القدس في تلك الأيّام كانت خطيرة ومكلّفة وصعبة.