Wednesday, August 25, 2010

لوحات عالميـة – 251

غزالان يعدوان خائفيَن في ضوء القمر
للفنان الأمريكي كـارل كْنـاتـز، 1932


لكلّ رسّام فردوسه الخاصّ. وبالنسبة للرسّام كارل كناتز، كانت الطبيعة والحيوانات والأزهار جزءا لا يتجزّأ من جنّته الأرضية.
في هذه اللوحة يرسم كناتز غزالين شاردَين في ليل غابة مسكونة بالصمت والثلج ومضاءة بنور قمر شاحب.
المنظر شاعري بامتياز. الألوان باردة، والحركة والمزاج اللذان تثيرهما اللوحة يكمّلان بعضهما. كما أن موضوع اللوحة يتضمّن عناصر يمكن أن تُبنى عليها قصّة ذات نهايات مفتوحة.
في الغابة لا توجد أسوار تحدّ من حركة الحيوان. وضوء القمر يوفّر فرصة للغزلان كي تتجوّل في الغابة ليلا باحثة عن طعام. لكن هذا هو الوقت المناسب أيضا بالنسبة للصيّادين الذين يقتفون أثرها والحيوانات الكاسرة التي تبحث عادة عن فرائس سهلة في الليل.
رسم الفنّان أوّلا أشكالا داخل الفراغات وأقام معمار اللوحة اعتمادا على الخطوط السوداء السميكة. هناك أيضا الخطوط المتعرّجة والمتوتّرة للفرشاة والتي توحي بانكسار الصمت، لدرجة أن الناظر يكاد يسمع أصوات الفرقعة التي أزعجت هذين الحيوانين وأثارت خوفهما.
هذه اللوحة تعكس أسلوب الرسّام في تصميم مناظره واختيار الألوان المناسبة لها. ومن الواضح انه رسم في البداية اسكتشات للوحة ثم قاس المسافات بين عناصرها وحدّد النسب بين هذه المسافات والقيم المختلفة للألوان.
ورغم التنفيذ الهندسي الصارم للوحة، إلا أن خصائصها الشاعرية والروحية تظلّ الأكثر أهمّية.
المعروف أن كناتز رسم سلسلة من اللوحات التي تصوّر غزلانا في الغابة في أوقات مختلفة من اليوم.
وقد واتته فكرة رسم غزلان في الطبيعة في أوائل عشرينات القرن الماضي. كانت طبيعة الحياة في الريف عنصر إلهام له في ذلك. وما كتبه في ملاحظاته يشي بحماسه الكبير للبرّية وحبّه لكائناتها.
ولوحات الرسّام تلك يمكن اعتبارها رمزا لافتنانه بالفكرة. وقد ظلّ منجذبا إلى الطبيعة وغموضها طوال حياته. كان يؤمن بأن الطبيعة مصدر كلّ الفنون وأن للغابات والأنهار والحياة البرّية عموما خصائص روحية وباطنية. وقد عُرف عن كناتز تأثّره بكتابات فلاسفة الطبيعة من أمثال ايمرسون وثورو وبليك.
علاقة الغزال بالرسم قديمة جدّا. إذ يظهر كثيرا في رسومات الكهوف التي يعود بعضها إلى عصور موغلة في القدم. وطبقا لبعض الحضارات الوثنية، يُعتبر الغزال أحد أقدم الحيوانات التي وُجدت على الأرض. وهو يرمز عند الأقدمين إلى الخصوبة وتجدّد الحياة والوفرة. كما أنه معروف بصبره وأناته وبقدرته الفائقة في معرفة الاتجاهات وبكونه حيوانا معمّرا، لذا يعتبره الصينيون رمزا لطول العمر والحياة السعيدة. وفي الأساطير فإن ظهور غزال قد يكون مؤشّرا على وقوع حدث كبير أو مهمّ.
في العصر الحديث، ما يزال الغزال موضوعا مفضّلا عند رسّامي الطبيعة والحياة الفطرية. وقد تكون أشهر لوحة عن غزال هي تلك التي رسمتها الفنّانة المكسيكية فريدا كالو عندما صوّرت نفسها على هيئة غزال صغير تخترق جسده السهام.
درس كارل كناتز الرسم في معهد شيكاغو للفنّ. وقد كان متأثّرا كثيرا بـ سيزان. كما استفاد من أسلوب الرسم الياباني والصيني في رسم وتمثيل الحيوانات والطبيعة.
وكان دائما ما يستشهد بآراء كاندينسكي وموندريان وماليفيتش وغيرهم من رموز الرسم الحديث. كما كان يشاطر كاندينسكي رأيه القائل بأن ثمّة توافقا بين الصوت في الموسيقى واللون والفراغ في اللوحة. لكن من الواضح أن كناتز لم يحبس نفسه في التنظيرات والأمور الفلسفية، بل كرّس كلّ اهتمامه لإنتاج العديد من اللوحات الشاعرية والمعبّرة.
الجدير بالذكر أن كناتز كان مغرما، بشكل خاص، برسم أزهار الليلك التي ظلّ يصوّرها طيلة حياته. كان انجذابه إلى تلك الأزهار غريبا وغامضا، كما لو انه كان يتوق أثناء وجوده على الأرض أن يحصل على ما يكفيه من عبيرها وألوانها. ولم تعطه تلك الأزهار موضوعا للوحاته فقط، وإنما منحته أيضا بعض أرقّ وأجمل ألوانه مثل اللافندر والليلكي والأرجواني.