روبنـز وإيـزابيـلا بـرانـدت
للفنان الهولندي بيتـر بـول روبنــز، 1609
يُوصف روبنز بأنه أمير الرسّامين ورسّام الأمراء، بالنظر إلى انه رسم الكثير من أفراد العائلات الملكية الأوربية.
ولوحاته تتميّز بثرائها اللوني وبسحرها الذي لا يُقاوَم. ويقال بأنه كان أفضل من يرسم بالألوان الزيتية.
وبعكس كبار الرسّامين الآخرين مثل فان غوخ ورمبراندت، فإن روبنز حقّق الكثير من التقدير والثراء أثناء حياته.
وكان من عادته أن يستعين برسّامين كثر في محترفه لمواكبة طلبات الرسم الكثيرة التي كان يتلقاها والتي لم يكن يستطيع رفضها.
كان يرسم اسكتشات أولية للوحاته ثم يعهد بها إلى مساعديه لإتمام بقيّة التفاصيل.
لكنّ روبنز اختار أن يرسم هو بنفسه هذه اللوحة بالكامل.
قد يكون السبب أن موضوع اللوحة شخصيّ وحميم. إذ تصوّره هو وزوجته ايزابيلا براندت التي اقترن بها عقب عودته من رحلته إلى ايطاليا.
كان روبنز آنذاك في الثانية والثلاثين من عمره بينما كان عمر ايزابيلا ثمانية عشر عاما.
ويرجّح انه رسم اللوحة بعد زواجهما مباشرة، أي في العام 1609، ثم أهداها إلى والدي عروسه.
وقد استخدم روبنز في اللوحة بعض الرموز التقليدية التي تعبّر عن العاطفة القويّة. هناك مثلا أشجار رحيق العسل التي تظهر في خلفية اللوحة. هذه الأشجار تعتبر رمزا معروفا منذ القدم عن الإخلاص ووفاء الزوجية.
والرمز الآخر يتمثل في وضع كلّ من العريس والعروس يده على يد الآخر تعبيرا عن حبّهما وارتباطهما القوي.
ايزابيلا تبدو هنا جميلة وعلى قدر كبير من التهذيب والبراءة. لكنها أيضا مسترخية وواثقة من نفسها. وأكثر ما يميّزها هو قبّعتها الكبيرة وياقتها الرمادية الفخمة.
روبنز، هو الآخر، يلفت الاهتمام بملامحه الواثقة وملابسه الأنيقة.
مما يلفت الانتباه أيضا في اللوحة تناغم الألوان والنسيج المتباين للملابس ولمعان الخطوط الذهبية على التنّورة ثم اللون الأصفر، لون روبنز المفضّل والذي لا تكاد تخلو منه لوحة من لوحاته.
كانت ايزابيلا براندت أولى زوجات روبنز. وكان والدها احد أعيان مدينة انتويرب. وقد عاش الفنان وزوجته بسعادة ووئام طيلة سبعة عشر عاما أنجبا خلالها ولدين وبنتا.
لكن وفاة ايزابيلا فجأة بمرض الطاعون أنهت كلّ شيء. كان عمرها وقت وفاتها أربعة وثلاثين عاما. وقد سبّب موتها في تلك السنّ المبكّرة صدمة كبيرة لـ روبنز. وبسبب الحزن العميق على رحيلها، توقّف عن الرسم لفترة.
هذه اللوحة الرائعة تعتبر نموذجا لفنّ روبنز الذي كان رسّاما استثنائيا ونادرا بسبب تقنيات ألوانه الخاصّة وابتكاراته الكثيرة في رسم البورتريه.
وهو يعتبر احد أشهر رسّامي عصر الباروك وأكثرهم إنتاجا وتنوّعا. وتتراوح أعماله بين رسم البورتريه والمناظر الطبيعية والمواضيع التاريخية. وبالإضافة إلى كونه رسّاما كبيرا، كان روبنز ديبلوماسيا مرموقا.
وقد سافر في مهمّات ديبلوماسية كثيرة وأقام في ايطاليا ثماني سنوات ثم ذهب إلى اسبانيا حيث اطلع على أعمال رسّامي عصر النهضة.
وفي نفس العام الذي تزوّج فيه ايزابيلا، عُيّن رسّاما في بلاط الأمير البريخت.
وفي ما بعد اشترى قطعة ارض بنى عليها منزلا فخما خصّص جزءا منه ليكون مرسما له.
ولم يكن بيته يخلو من التلاميذ والمريدين الذين كانوا يقصدونه لتلقي دروس في الرسم على يديه.
وفي احد الأوقات ذهب روبنز إلى انجلترا وزار بلاط الملك تشارلز الأول.
وأثناء إقامته في لندن كُلّف برسم سقف قصر الضيافة في الوايتهول.
بعد أربع سنوات من وفاة ايزابيلا، تزوّج روبنز من هيلينا فورمنت ذات الستة عشر عاما.
وكما رسم لـ ايزابيلا أكثر من لوحة، رسم روبنز لـ هيلينا عدّة لوحات تظهر في إحداها مع روبنز وطفلهما البكر.
كما تظهر في أخرى مع اثنين من أطفالهما.
على المستوى الشخصي، كان روبنز شخصا متزنا وعلى درجة عالية من الالتزام والانضباط. كان ربّ عائلة من الطراز الأول كما كان مخلصا ووفيّا لبيته وأفراد عائلته. وتخلو سيرة حياته من قصص الانفلات والمجون التي طبعت حياة غيره من الرسّامين.
في نهايات حياته، أصبح روبنز يميل إلى رسم المناظر الطبيعية. غير أن إصابته بالروماتيزم حالت بينه وبين الاستمرار في الرسم.
وقد توفي وهو في الثالثة والستين من عمره وترك لـ هيلينا التي كان عمرها آنذاك 26 عاما ثروة طائلة وستّة أطفال ولد آخرهم بعيد وفاته بأشهر.
وتتوزّع لوحاته على العديد من المتاحف الأوربية الكبيرة. لكنّ عددا من أهمّ وأفضل أعماله موجودة اليوم في متحف مدينة ميونيخ الألمانية.