Saturday, June 24, 2006

لوحـات عالميـة - 99

بورتـريه جيـرولامـو سـافـونــارولا
للفنان الإيطالي فــرا بـارتــولـوميــو، 1488

تكمن شهرة وأهميـة هذا البورتريه في كونه يصوّر شخصيّة غير عادية وطالما أثارت جدلا واسعاً بين المؤرّخين.
فقد لعب هذا الراهب دوراً محورياً في الأحداث التي عصفت بفلورنسا وبالكنيسة الكاثوليكية على وجه الخصوص حوالي منتصف القرن الخامس عشر.
كان سافونارولا ثائرا على طغيان الكنيسة وفساد رجال الدين واستبداد الساسة آنذاك.
وقد ُعرف عنه احتقاره للأمور الدنيوية وتقديسه للقيم الدينية من خلال خطبه الحماسية القوية التي كان يضمّنها نبوءاتٍ وتهديداتٍ مبطنة للكنيسة في روما وللحكاّم في فلورنسا.
ورغم تحذيرات الكنيسة له، فقد استمرّ سافونارولا في حشد الأنصار من حوله وتهييج العامّة ضدّ رجال الدين، وشرع يبشّر باقتراب الثورة الموعودة التي ستجدّد الدين والأخلاق.
وبعد انهيار حكم أسرة ميديتشي في فلورنسا في العام 1494، اصبح سافونارولا الحاكم الفعلي للمدينة، فنصّب حكومة ديمقراطية وبدأ في إصلاح الجهاز البيروقراطي وتعهّد بإزالة كافّة مظاهر الفساد من الحكومة والكنيسة.
لكن ما كان لذلك أن يمرّ بسهولة، إذ أن إصلاحات الرجل أوغرت عليه صدور أعدائه الأقوياء وخصومه الكثر.
وأمام ازدياد نفوذ الراهب وتعاظم تأثيره على الناس، اضطرّت الكنيسة لاستدعائه ومحاكمته ثم اتّهامه بالزندقة. وعلى خطّ موازٍ كانت هناك حملة منظّمة لتدمير سمعته وإبعاد الناس عنه.
وفي عام 1498 نفذّت الكنيسة حكم الموت شنقا في سافونارولا وفي اثنين من كبار اتباعه وأمرت بإحراق جثثهم جميعا.
الفنان فرا بارتولوميو كان أحد اتباع سافونارولا المقرّبين وقد رسم له هذا البورتريه خلال حياة الأوّل على الأرجح.
في البورتريه يبدو سافونارولا في مظهر يغلب عليه الزهد والتقشّف وقد اعتمر عمامة سوداء.
الخلفية أيضا اختار لها الفنان لونا اسود، ربّما لإضفاء شئ من الغموض والقداسة والوقار على هيئة الرجل الذي يبدو مستغرقا في التفكير والتأمّل.
أما العبارة المنقوشة باللاتينية اسفل اللوحة فتقول: بورتريه النبيّ جيروم المرسل من الله". وجيروم هو الاسم الكنسيّ لسافونارولا، والعبارة تثبت أن اتباع الراهب كانوا يعتبرونه نبيّا فعلا، وهي الصّفة التي استغلتها الكنيسة لوصمه بالزندقة ومن ثم الحكم عليه بالموت.
بارتولوميو كان متخصّصا في رسم المواضيع الدينية. وفي هذا تنفيذ لوصيّة سافونارولا الذي استنكر ما اسماه بفساد وانحلال الفن آنذاك مؤكّدا على أهمية أن يكون الفن مرآة لتعاليم الإنجيل فينشر الفضيلة ويعلّم الأمّيين.
اليوم وبعد انقضاء خمسة قرون على إعدام جيرولامو سافونارولا، ما يزال المؤرّخون منقسمين حول أهمّية الرّجل وطبيعة وحجم الدور الذي قام به.
البعض يقول إن أفكاره كانت الشّرارة التي أدّت في ما بعد إلى ظهور المصلح البروتستانتي مارتن لوثر.
وهناك من ينظر إلى سافونارولا باعتباره أحد المدافعين الكبار عن الحقوق المدنية وحريّة الضمير، مؤكّدين على شجاعته وعظم تضحيته في التصدّي لطغيان الكنيسة وفساد الساسة في زمانه.
في ما بعد، أعادت الكنيسة الاعتبار إلى سافونارولا فوصفته بالمسيحيّ الصالح الذي احبّ الكنيسة بإخلاص ووقف في وجه المظاهر الوثنيّة التي كانت رائجة في ذلك الحين.