ثـلاث نسـاء عنـد نبـع مـاء
للفنان الاسباني بابلـو بيكـاسـو، 1921
للفنان الاسباني بابلـو بيكـاسـو، 1921
يُعتبَر بابلو بيكاسو احد أكثر الرسّامين نفوذا في القرن العشرين، وما يزال تأثيره مستمرّا حتى اليوم. وأعماله تتّسم بتنوّع الأساليب الفنّية، لأنه لم يلتزم بمدرسة فنّية بعينها، بل جرّب كلّ مدارس الرسم تقريبا.
ويمكن اعتبار بيكاسو شخصية تاريخية أيضا، فقد عاصر أحداثا شكّلت نقاط تحوّل كبيرة في العالم، كالحربين العالميتين الأولى والثانية والحرب الأهلية الاسبانية. كما تقاطعت حياته مع العديد من الأسماء المشهورة في زمانه مثل ارنست همنغواي ومارك شاغال وجان كوكتو وكوكو شانيل وهنري ماتيس وغيرهم.
رأى بيكاسو العالم بطريقة مختلفة عمّا رآه معظم الناس، ورسم أكثر من خمسين ألف لوحة بعضها أصبحت ايقونية ومشهورة في تاريخ الرسم، مثل عازف الغيتار العجوز وغورنيكا وآنسات افينيون وغيرها.
في هذه اللوحة، يرسم بيكاسو ثلاث نساء مجتمعات حول عين ماء في بيئة متوسّطية. وهنّ يبرزن من المكان الصخريّ مثل تماثيل ضخمة من زمن اليونان والرومان. النساء يلففن أجسادهنّ بأوشحة وأيديهن تستند على النبع، وقد أضاف إليهنّ الرسّام بعدا ثلاثيّا بأشكال هندسية بسيطة. الطبيعة الأنبوبية للأذرع والإيقاعات التجريدية للشخصيات هي من إرث أكثر أعمال الفنّان ثوريةً.
رسم بيكاسو هذه اللوحة في فونتينبلو في فرنسا بعد ولادة طفله، وهو نفس الوقت الذي رسم فيه لوحة الموسيقيين الثلاثة، أي قبيل تحوّله للسوريالية.
وفي ذلك الوقت، كان العديد من الرسّامين الفرنسيين قد بدءوا يرسمون بالأسلوب النيوكلاسيكيّ. وربّما كانوا يتوقون لأن يعيدوا بلدهم الذي مزّقته الحرب إلى مجده الكلاسيكيّ ويغرسوا جذوره مجدّدا في التقاليد العريقة والقديمة. وبيكاسو لم يكن بعيدا عما يجري. فقد كان يطوّر أسلوبه النيوكلاسيكيّ الخاصّ بالتزامن مع دراساته عن التكعيبية.
لكن غاية بيكاسو كانت مختلفة عن زملائه. فوجوه النساء في اللوحة رمادية وذات ملامح كرتونية، أي ليست مثالية أو محافظة بحيث تناسب الفنّ الكلاسيكيّ، كما أنهنّ أيضا بدينات أكثر ممّا ينبغي. وعلى الرغم من أنهنّ يمارسن نشاطا كلاسيكيا، إلا أن أجسادهنّ لا تعكس ذلك الجمال المثاليّ الذي يثير إحساس الناظر وإدراكه عن الجسد. كما أن سماتهنّ نحتية، وكما لو أن ملابسهنّ مصنوعة من الرخام.
طيّات الملابس والاستخدام الدراماتيكيّ للون الساطع ذو النوعية الفضّية والأوضاع الساكنة للنساء تذكّر بالتماثيل الإغريقية وبالفن الهلنستي تحديدا. وتعامل بيكاسو الطموح مع ما كان موضوعا كلاسيكيا وقديما فيه إشارة إلى الصور المبكّرة لبوسان وآنغر، وهما أهمّ رسّامَين كلاسيكيين.
في عام 1916، أي قبل رسمه اللوحة بخمس سنوات، وافق بيكاسو على أن يتعاون مع صديقه الجديد الشاعر والناقد جان كوكتو في التحضير لباليه تجريبيّ وضع موسيقاه اريك ساتي. وفي العام التالي، ذهب الاثنان إلى ايطاليا حيث ظلّ بيكاسو هناك شهرين زار خلالهما المتاحف والكنائس الكبيرة ثم انتقل إلى فلورنسا ونابولي وبومبي.
وكانت تلك أوّل زيارة له إلى ايطاليا، وقد أسهمت بوضوح في ظهور الكلاسيكية في أعماله بعد أن غمر نفسه في الفنّ اليونانيّ والرومانيّ. ومن ذلك الوقت بدأت مرحلته النيوكلاسيكية التي دامت ستّ سنوات.
وقد وجد بيكاسو مصدر إلهام في النوافير الكثيرة المزخرفة وشبكات الينابيع في الحدائق الملكية في فونتنبلو في باريس. ثم أصبح يقضي الصيف في جنوب فرنسا بعد أن اكتشف أن البيئة المتوسّطية تلهمه رسم مواضيع أسطورية.
التقاليد الكلاسيكية ظلّت بالنسبة للرسّام محفّزا وموردا، لكن انشغاله بها لم يُنتِج محاكاة غير ناقدة ولم تدفعه لتوجيه طاقته الإبداعية بالكامل في اتجاه واحد بعينه.
بعض النقّاد ربطوا بين بيكاسو والرسّام دومينيك آنغر قائلين أن اهتمام بيكاسو بالأخير لعب دورا مهمّا في تطوّر التكعيبية. فقد كان آنغر مهتمّا بإظهار العلاقات بين الأشكال، وهذا أدّى إلى ظهور التشوّهات في رسومات بيكاسو. لكنّه كان يشوّه لكي يبني من جديد، كما كان يقول، ومن ثم مَهّد له هذا الطريق نحو التكعيبية وأعطاه تفسيرا للكيفية التي تتعايش فيها الكلاسيكية والتكعيبية جنبا إلى جنب في أعماله.
المرحلة النيوكلاسيكية في حياة بيكاسو لم يكن يعبّر من خلالها عن حنينه للماضي الكلاسيكيّ بالضرورة، بل ربّما أراد من خلالها أن يشير إلى انه لا يلتزم باتّجاه فنّي واحد وإنّما يستوعب العديد من الأساليب والمدارس ويعكسها جميعها في لوحة واحدة.
ويمكن اعتبار بيكاسو شخصية تاريخية أيضا، فقد عاصر أحداثا شكّلت نقاط تحوّل كبيرة في العالم، كالحربين العالميتين الأولى والثانية والحرب الأهلية الاسبانية. كما تقاطعت حياته مع العديد من الأسماء المشهورة في زمانه مثل ارنست همنغواي ومارك شاغال وجان كوكتو وكوكو شانيل وهنري ماتيس وغيرهم.
رأى بيكاسو العالم بطريقة مختلفة عمّا رآه معظم الناس، ورسم أكثر من خمسين ألف لوحة بعضها أصبحت ايقونية ومشهورة في تاريخ الرسم، مثل عازف الغيتار العجوز وغورنيكا وآنسات افينيون وغيرها.
في هذه اللوحة، يرسم بيكاسو ثلاث نساء مجتمعات حول عين ماء في بيئة متوسّطية. وهنّ يبرزن من المكان الصخريّ مثل تماثيل ضخمة من زمن اليونان والرومان. النساء يلففن أجسادهنّ بأوشحة وأيديهن تستند على النبع، وقد أضاف إليهنّ الرسّام بعدا ثلاثيّا بأشكال هندسية بسيطة. الطبيعة الأنبوبية للأذرع والإيقاعات التجريدية للشخصيات هي من إرث أكثر أعمال الفنّان ثوريةً.
رسم بيكاسو هذه اللوحة في فونتينبلو في فرنسا بعد ولادة طفله، وهو نفس الوقت الذي رسم فيه لوحة الموسيقيين الثلاثة، أي قبيل تحوّله للسوريالية.
وفي ذلك الوقت، كان العديد من الرسّامين الفرنسيين قد بدءوا يرسمون بالأسلوب النيوكلاسيكيّ. وربّما كانوا يتوقون لأن يعيدوا بلدهم الذي مزّقته الحرب إلى مجده الكلاسيكيّ ويغرسوا جذوره مجدّدا في التقاليد العريقة والقديمة. وبيكاسو لم يكن بعيدا عما يجري. فقد كان يطوّر أسلوبه النيوكلاسيكيّ الخاصّ بالتزامن مع دراساته عن التكعيبية.
لكن غاية بيكاسو كانت مختلفة عن زملائه. فوجوه النساء في اللوحة رمادية وذات ملامح كرتونية، أي ليست مثالية أو محافظة بحيث تناسب الفنّ الكلاسيكيّ، كما أنهنّ أيضا بدينات أكثر ممّا ينبغي. وعلى الرغم من أنهنّ يمارسن نشاطا كلاسيكيا، إلا أن أجسادهنّ لا تعكس ذلك الجمال المثاليّ الذي يثير إحساس الناظر وإدراكه عن الجسد. كما أن سماتهنّ نحتية، وكما لو أن ملابسهنّ مصنوعة من الرخام.
طيّات الملابس والاستخدام الدراماتيكيّ للون الساطع ذو النوعية الفضّية والأوضاع الساكنة للنساء تذكّر بالتماثيل الإغريقية وبالفن الهلنستي تحديدا. وتعامل بيكاسو الطموح مع ما كان موضوعا كلاسيكيا وقديما فيه إشارة إلى الصور المبكّرة لبوسان وآنغر، وهما أهمّ رسّامَين كلاسيكيين.
في عام 1916، أي قبل رسمه اللوحة بخمس سنوات، وافق بيكاسو على أن يتعاون مع صديقه الجديد الشاعر والناقد جان كوكتو في التحضير لباليه تجريبيّ وضع موسيقاه اريك ساتي. وفي العام التالي، ذهب الاثنان إلى ايطاليا حيث ظلّ بيكاسو هناك شهرين زار خلالهما المتاحف والكنائس الكبيرة ثم انتقل إلى فلورنسا ونابولي وبومبي.
وكانت تلك أوّل زيارة له إلى ايطاليا، وقد أسهمت بوضوح في ظهور الكلاسيكية في أعماله بعد أن غمر نفسه في الفنّ اليونانيّ والرومانيّ. ومن ذلك الوقت بدأت مرحلته النيوكلاسيكية التي دامت ستّ سنوات.
وقد وجد بيكاسو مصدر إلهام في النوافير الكثيرة المزخرفة وشبكات الينابيع في الحدائق الملكية في فونتنبلو في باريس. ثم أصبح يقضي الصيف في جنوب فرنسا بعد أن اكتشف أن البيئة المتوسّطية تلهمه رسم مواضيع أسطورية.
التقاليد الكلاسيكية ظلّت بالنسبة للرسّام محفّزا وموردا، لكن انشغاله بها لم يُنتِج محاكاة غير ناقدة ولم تدفعه لتوجيه طاقته الإبداعية بالكامل في اتجاه واحد بعينه.
بعض النقّاد ربطوا بين بيكاسو والرسّام دومينيك آنغر قائلين أن اهتمام بيكاسو بالأخير لعب دورا مهمّا في تطوّر التكعيبية. فقد كان آنغر مهتمّا بإظهار العلاقات بين الأشكال، وهذا أدّى إلى ظهور التشوّهات في رسومات بيكاسو. لكنّه كان يشوّه لكي يبني من جديد، كما كان يقول، ومن ثم مَهّد له هذا الطريق نحو التكعيبية وأعطاه تفسيرا للكيفية التي تتعايش فيها الكلاسيكية والتكعيبية جنبا إلى جنب في أعماله.
المرحلة النيوكلاسيكية في حياة بيكاسو لم يكن يعبّر من خلالها عن حنينه للماضي الكلاسيكيّ بالضرورة، بل ربّما أراد من خلالها أن يشير إلى انه لا يلتزم باتّجاه فنّي واحد وإنّما يستوعب العديد من الأساليب والمدارس ويعكسها جميعها في لوحة واحدة.