Friday, March 31, 2006

لوحـات عالميـة - 88


درس فـي آلــة البـانجــو
للفنان الأمريكي هنــري تانــر، 1893

في هذه اللوحة الجميلة، تتجلى القوّة التعبيرية والانفعال المكثّف في أسمى معانيهما. وليس بالمستغرب أن تصبح اللوحة مع مرور السنوات ايقونة للفنّ الأفريقي في العالم وصورة للعاطفة الأبوية والقيم العائلية بشكل عام.
لكن الأهم من ذلك أنها أصبحت رمزا للأمل والإلهام والصبر بالنسبة لزعماء الأفارقة الأمريكيين والفنّانين السود الشباب.
كان هنري تانر أهمّ فنان أمريكي اسود في القرن التاسع عشر، كما انه أول فنان من أصول أفريقية يحقّق شهرة عالمية.
ولد في العام 1859 في بنسلفانيا لاب كان يعمل قسّيسا بإحدى الكنائس، ودرس الرسم في أكاديمية بنسلفانيا للفنون الجميلة وتتلمذ على يد توماس ايكنز الذي كان له ابلغ الأثر في تعليم تانر واختيار أسلوبه الفنّي.
وفي عام 1996 أصبحت لوحته "كثبان رملية عند المغيب" أول عمل فنّي لرسّام اسود ُيضمّ إلى المجموعة الفنية الدائمة الخاصّة بالبيت الأبيض.
سافر تانر إلى روما ولندن، ثم حلّ أخيرا في باريس حيث درس لبعض الوقت في اكاديمية جوليان. وفي باريس أنجز لوحته الأشهر "درس البانجو" المستوحاة من قصيدة للشاعر بول لورنس دونبار. واللوحة تصوّر رجلا مسنا يعلم حفيده كيفية عزف البانجو وهي آلة موسيقية أفريقية صميمة.
في باريس أيضا رسم تانر لوحته المعروفة "دانييل في عرين الأسد" التي استقبلت بترحاب كبير في أوساط صالون باريس ونال الفنان عليها جائزتين مرموقتين.
عاد الفنان مرة أخرى إلى الولايات المتحدة ومكث هناك بضعة اشهر، لكنه قرّر العودة ثانية إلى باريس بعد أن اقتنع باستحالة العيش في ظلّ أجواء التمييز العنصري التي كانت سائدة في أمريكا في ذلك الحين.
وبمجرّد عودته إلى فرنسا تزوّج من مغنية أوبرا بيضاء من سان فرانسيسكو كان قد التقاها من قبل في باريس. وبسبب ذلك الزواج قرّر تانر أن يعيش في فرنسا بشكل دائم.
زار هنري تانر فلسطين مرارا واستمدّ من أجوائها الروحية مواضيع للعديد من لوحاته الدينية. وتوفي في باريس في عام 1937م.

Wednesday, March 29, 2006

لوحـات عالميـة - 87


بورتريـه نبيــل عجــوز
للفنان الإسبـاني إل غـريكــو، 1595

ولد إل غريكو "ومعنى الاسم باللاتينية: اليوناني" في العام 1541 بمقاطعة كريت التي كانت في ذلك الوقت جزءا من فينيسيا الإيطالية.
بدأ الفنان تجربته الفنية برسم لوحات ذات مضامين دينية مستمدّة من العصر الروماني. وكانت تلك اللوحات، كما هو الحال مع بقية أعماله التي أنجزها في ما بعد، مكثّفة بالانفعالات القويّة.
ُعُرف عن إل غريكو تركيزه على نقل التعبير الانفعالي لشخصياته والتأكيد على الملامح الروحية لتلك الشخصيات. ويمكن النظر إلى لوحاته باعتبارها دراسات معمّقة عن حياة المجتمع الإسباني الذي عاش فيه معظم حياته.
وله من الأعمال حوالي 84، معظمها بورتريهات لأشخاص.
في مستهلّ حياته هاجر إل غريكو إلى فينيسيا ثم إلى روما حيث درس أعمال تيشيان واعجب بألوانه الساطعة واطلع عن كثب على لوحات ميكيل انجيلو واعماله النحتية.
ولم يلبث الفنان أن انتقل بعد ذلك إلى مدريد. وعندما لم يحصل على الحظوة التي كان يطمح إليها في بلاط الملك فيليب الثاني انتقل إلى طليطلة حيث عاش هناك بقية حياته. وفي طليطلة أنجز أهم أعماله الفنية ومن ضمنها لوحته الشهيرة منظر لطليطلة.
بعض النقاد ينظرون إلى إل غريكو باعتباره رائد عصر النهضة الإسباني بلا منازع.
وحتى منتصف القرن التاسع عشر، كان إل غريكو قد ذهب في غياهب النسيان ولم يعد يذكره أحد إلا بالكاد. لكنه ما لبث أن عاد إلى دائرة الاهتمام من جديد مع ظهور المدرسة الانطباعية التي كان بعض رموزها ينظرون إليه باعتباره فنانا ثوريا ومجدّدا.
بورتريه رجل نبيل هو أحد اشهر أعمال إل غريكو، وهو يصوّر رجلا مجهولا يرتدي ملابس قاتمة وبسيطة، وهيئته تخلو من الفخامة والبذخ الذي كان يميّز بورتريهات ذلك الزمان.
ملامح الرجل البسيطة وهيئته الوقورة تعكس بوضوح رؤية إل غريكو وأسلوبه الفني. إذ كان يركّز على قيمة الشخص كهويّة متفرّدة وكإنسان أولا. هنا أيضا تبدو بعض ملامح أسلوب ال غريكو من قبيل إبرازه للتباينات الحادّة بين الألوان ودرجات الضوء وميله إلى إطالة وجوه وأنوف وذقون شخصياته. كما رسم العينين ببؤبؤين واسعين نسبيا وكأنهما تدعوان الناظر للولوج إلى روح الشخص وعالمه الداخلي.
مظهر الرجل في اللوحة يعطي انطباعا بالكرم والمروءة والتضحية والشهامة والعطف على الفقراء، وتلك كانت خصال الوجهاء والأشراف الذين يظهرون كثيرا في لوحات إل غريكو وأدب سرفانتيس بشكل خاص.

Tuesday, March 28, 2006

لوحـات عالميـة - 86


الجـواد ويسـل جـاكيــت
للفنان البريطاني جــورج ستـبــس، 1762

يعتبر جورج ستبس اشهر من رسم الحصان من الفنانين القدامى والمعاصرين على حدّ سواء. وقد رسم هذه اللوحة الضخمة والشهيرة في حوالي العام 1762 بناءً على طلب الماركيز بروكنغهام صاحب الجواد.
هذه اللوحة ما تزال تفتن الفنانين ودارسي الفن. ويعتقد بعض النقاد أنها لم تكتمل، إذ يُفترض أن ستبس الذي اشتهر أيضا برسم مناظر طبيعية وبوتريهات لاشخاص كان ينوي ملء الخلفية بمنظر طبيعي وبصورة لجورج الثالث ملك انجلترا في ذلك الوقت.
لكن الخلافات السياسية بين الماركيز والملك فرضت على الفنان أن يترك اللوحة فارغة إلا من صورة الجواد.
في تلك الفترة أنجز ستبس سلسلة من اللوحات لجياد جماعية أو بصحبة كلاب صيد. ثم رسم لوحات أخرى لأسود ونمور وزراف صوّرها من خلال المشاهدة والملاحظة. لكن الفنان ما لبث أن انشغل بفكرة رسم جياد في حالة صراع مع اسود مفترسة.
لوحة "الجواد ويسل جاكيت" تصوّر حصانا فخما ينحدر من اصل عربي وكان بطلا لا ينازع في سباقات الخيول التي كانت تجري آنذاك. وكما هو واضح ليس في المشهد أشخاص ولا مناظر طبيعية، والفراغ المحيط باللوحة يوجّه اهتمام الناظر كليا إلى الجواد الذي يثب في الهواء ويرمق الناظر بعين كبيرة سوداء ينبعث منها البريق.
ويرى بعض النقاد أن اللوحة هي بمعنى ما دراسة رومانتيكية تجسّد الحرية والانعتاق، إذ يظهر الجواد وقد تحرّر من القيود التي كانت تكبّله في الحياة الواقعية ليمارس انطلاقه في فراغ مجرّد ولا نهائي.
كان ستبس يؤمن دائما بأهمية الملاحظة في الإبداع، وقد زار إيطاليا في عام 1754 دارسا ومنقّبا، وهناك تعزّزت قناعته بأن الطبيعة تتفوّق على الفن.
تخصّص ستبس في رسم الخيل في حقبة تاريخية كانت فيها الخيول تتمتّع بمكانة عظيمة واستثنائية. وكانت الطبقة الأرستقراطية في بريطانيا في ذلك الوقت شغوفة جدا بتربية واقتناء الخيول.
وقد درس الفنان بشكل معمّق تشريح جسم الحصان وله دراسة تفصيلية عن الخصائص الجسدية للخيل.
لكنه حرص في هذه اللوحة الرائعة على إظهار الانفعالات الداخلية للحيوان من قبيل توتّره الواضح وقوّته الجبّارة وروحه الحرّة وعزيمته المتوّثبة وتلك النظرة المرتعبة التي تنطق بها عيناه. كان الحصان وما يزال موضوعا متكرّرا في الأدب والفنّ. وكان له أثره في التاريخ الإنساني بما يفوق ما لغيره من الحيوانات الأخرى. كان يحمل المستكشفين والرحّالة والجيوش إلى ابعد الأماكن والقارّات. ورغم أن أمجاد الحصان أصبحت جزءا من الماضي، فإنه ما يزال يدهشنا ويفتننا. يكفي أن يهمس السائس أو المدرّب بكلمة أو اثنتين في أذن الحصان حتى يتحوّل من مخلوق جامح متوحّش إلى حيوان رقيق ووديع.
ويقال إن الحصان الموجود اليوم متطوّر كثيرا عن أسلافه. فقبل حوالي خمسين مليون عام، كان الحصان حيوانا صغيرا بحجم الثعلب يسرح ويمرح في غابات أمريكا الشمالية ويتغذّى على الفاكهة وورق الشجر.
وقد احضر الأسبان معهم الحصان إلى العالم الجديد في حوالي القرن الرابع عشر وأطلقوه في البراري حيث تكاثرت قطعان كثيرة ممّا يسمّى بالجواد البرّي.
والثابت أن الإنسان استأنس الحصان منذ حوالي 5000 عام. ومنذ ذلك الوقت لعب الحصان دورا مهمّا في صياغة حياة الإنسان وأسلوب معيشته سواءً في المواصلات أو في الحروب وغيرهما.
وأينما نقل الإنسان خطاه في مشواره الطويل منذ العصور البربرية، كنت تجد آثار الحصان إلى جواره جنبا إلى جنب.
ونظرا لارتباطه بالحروب والمعارك، فقد صار يرمز إلى القوّة والسلطة والمكانة العالية.
ومع ظهور عصر الشاحنات والعربات والقطارات تضاءل الاعتماد على الحصان لأغراض المواصلات. لكن هذا لم يمنع المستكشف الانجليزي جيمس وات من ابتكار مصطلح قوّة الحصان ليجعله مقياسا لقوّة المحرّكات الحديثة، وهو أمر يوحي بما لهذا الحيوان من احترام وهيبة.
حتى سائقي سيّارات السباق هذه الأيام يتفقون على أن أفضل سيّارات السباق أداءً وسرعة لا تماثل أبدا ما يتمتّع به الحصان من شخصية آسرة ومن مكانة وعنفوان.
وأخيرا، قد يكون الكلب أفضل صديق للإنسان. لكنّ الذي كتب التاريخ كان حصانا.