للفنان البريطاني جون وليام ووترهاوس، 1916
في هذه اللوحة، يرسم ووترهاوس مشهدا لـ "ميراندا"، إحدى الشخصيات الرئيسية في مسرحية "العاصفة" التي مُثّلت لأوّل مرّة في العام 1611.
في المسرحية يخبرنا شكسبير عن قصّة بروسبيرو دوق ميلان الذي أطاح به شقيقه انطونيو. وقد تمّ طرد بروسبيرو بعد ذلك إلى البحر مع ابنته ميراندا. ثم يبدءان رحلة تيه في البحر قبل أن يهبطا أخيرا ارض جزيرة نائية ومعزولة يسكنها مخلوق غريب اسمه كاليبان.
وعندما يستقرّ بهما المقام على ارض الجزيرة يبدأ بروسبيرو في توظيف قدراته السحرية التي يملكها لجعل كاليبان وغيره من الأرواح المتواجدة في الجزيرة طوع أمره.
وبعد ذلك بسنوات، يحدث أن تمرّ سفينة انطونيو ومرافقيه من أمام شاطئ الجزيرة التي يعيش عليها الدوق المخلوع وابنته. وهنا يلجأ بروسبيرو لاستخدام سحره مرّة أخرى ليخلق عاصفة بقصد إغراق سفينة انطونيو ومرافقيه. وتتدخّل ميراندا عبثا لإقناع أبيها بالعفو عن عمّها والعدول عن خطته لإغراق السفينة.
و ووترهاوس في اللوحة يصوّر ميراندا وهي واقفة على شاطئ البحر تراقب العاصفة التي افتعلها والدها وتأثيرها في السفينة التي بدأت تترنّح بفعل الرياح القويّة.
هذا المشهد الذي رسمه ووترهاوس ابتدعه من مخيّلته وليس له وجود في المسرحية الأصلية. في المسرحية يبدأ المشهد الثاني بمنظر لميراندا وهي تتوسّل إلى أبيها كي يوقف عمل السحر ويعفو عن عمّها الشرّير انطونيو وبقيّة الرجال في البحر. والمتفرّج لا يرى ميراندا وهي تشهد غرق السفينة.
ووترهاوس في هذه اللوحة يمسك بدراما الطبيعة، حيث الأمواج على وشك إغراق السفينة وركّابها. وميراندا تنظر إلى البحر ونصف وجهها محجوب عن الناظر، لذا من الصعب قراءة تعبيراتها، لكن يمكن معرفة ما كانت تشعر به في تلك اللحظات من قراءة ما كتبه شكسبير على لسانها في المسرحية. كلماتها إلى أبيها وهي تناشده بالعدول عن خطّته تشي باليأس والحزن الشديد.
تقف ميراندا على الشاطئ وهي تضع يدها اليسرى على قلبها، تعبيرا عن مقدار الألم الذي تشعر به. ومع ذلك فإن الجوّ في اللوحة يوحي بأن كلّ شيء سيؤول إلى نهاية مطمئنة.
في اللوحة أيضا لا تبدو ميراندا مستثارة أو منزعجة كثيرا من مرأى السفينة وهي على تلك الحال. وحتى الأمواج لا تبدو قويّة بحيث تشكّل تهديدا جدّيّا. هذان هما أهم مأخذين للنقّاد على اللوحة. وبعضهم يأخذون على الرسّام أيضا انه ألبس بطلة من القرن السابع عشر مثل ميراندا ملابس أهل اليونان القديمة.
أما تصوير المرأة من الخلف فيبدو أن هذا في جزء منه يعكس تجارب الرسّام مع المنظور في تلك الفترة، بالإضافة إلى المقتضيات الفنّية للقصّة.
أيضا تأثير ما قبل الرافائيليين واضح في اللوحة، من خلال طريقة وقوف ميراندا ونوعيّة ملابسها وشعرها، ما يذكّر بمواصفات لوحات جون ميليه وبيرن جونز وغيرهما.
الألوان الرائعة واللمعان المتدرّج يعطيان للوحة قوّة إضافية. أما الخلفية فتُظهر أسلوبا قريبا جدّا من الأسلوب النقطي الذي كان يوظّفه الانطباعيون، خاصّة في عملية تمثيل الأمواج.
المعروف أن ووترهاوس رسم شخصيات شكسبيرية كثيرة، مثل كليوباترا واوفيليا وسيّدة جزيرة شالوت. ويقال أنه اختار في البداية أن يسمّي لوحته هذه "انتظار". لكنّه غيّر الاسم في ما بعد.
وربّما كان احد أسباب شهرة اللوحة هو أنها كانت مخفية طوال أكثر من ثلاثين عاما ولا احد كان يعرف مكانها. وقد استخدم لها الرسّام موديلا شابّة وجميلة هي شقيقته "جيسي" التي ظهرت في بعض أفضل أعماله مثل لوحته كلمات مهموسة.
المعروف أن هناك لوحة أخرى للفنّان رسمها في وقت مبكّر يصوّر فيها ميراندا وهي تجلس على صخرة قبالة الشاطئ وتراقب السفينة الموشكة على الغرق، بينما تنعكس أنوار المساء الناعمة لتضيء البحر والسماء.
على عادة الرومانسيين، كان ووترهاوس يقدّر القوّة التحوّلية والسحرية للطبيعة. كان مفتونا، على وجه الخصوص، بالماء، ربّما لأن اسمه مشتقّ منه، وأيضا بسبب الطبيعة التقليدية للماء باعتباره عنصرا أنثويّا.
كما تناول الفنّان في العديد من أعماله السحر والخيمياء كجانبين آخرين من جوانب الطبيعة الإنسانية. ويقال أن شخصيّة بروسبيرو في "العاصفة" اقتبسها شكسبير من خيميائيّ مشهور يُدعى جون دي، وكانت له ابنة تُسمّى "مدينيا". وفي زمانه، كان جون دي هذا معروفا بنجاحه في افتعال عاصفة بحريّة يُزعم أنها كانت السبب في إغراق مدمّرة الأرمادا عام 1588.
اسم ميراندا يعني الأعجوبة. وهي المرأة الوحيدة التي تظهر في المسرحية. وفي اللوحة نراها وعمرها خمسة عشر عاما، بينما كان عمرها عندما وصلت إلى الجزيرة مع أبيها لا يتجاوز الثلاث سنوات.
شخصيّة ميراندا كثيرا ما يُستشهد بها كنموذج للبراءة الكاملة التي لم يؤثّر عليها فساد الحياة ومكر البشر. كما أنها المثال النسائيّ الكامل الذي يتمنّاه كلّ رجل، فهي جميلة جدّا وذكيّة وحنونة ومتواضعة.
وشكسبير يجعلها مرغوبة أكثر من حيث أنها لم ترَ ولم تتحدّث مع إنسان من قبل باستثناء والدها. كما أن المسرحية تقدّمها كتجسيد للخيرية والطيبة. ولذا قيل انه يستحيل العثور على امرأة أخرى بمثل هذه الصفات المثالية في جميع أعمال شكسبير.
وفي نهاية المسرحية يعاقَب عمّها القاسي، بينما يقع في هواها فرديناند الذي يتمكّن من إعادتها إلى العالم الواقعيّ بعد أن يتوّجها ملكة على قلبه.
المعروف أن "العاصفة" كانت آخر مسرحية كتبها شكسبير. وقد ألهمت أحداثها عددا من الفنّانين الفيكتوريين فصوّروا مشاهد منها في أعمالهم الفنّية، مثل فرانك ديكسي وجون ميليه وهنري فوسيلي وانجيليكا كوفمان وآخرين.
المسرحية ألهمت أيضا أجيالا عديدة من الأدباء والكتّاب. ومن عباءتها خرجت أعمال أدبيّة كثيرة منها رواية كلاسيكية خيالية بعنوان "الكوكب الممنوع" تحوّلت في ما بعد إلى فيلم سينمائيّ.