Wednesday, October 27, 2010

لوحات عالميـة – 265

قصيـدة رعـويـة
للفنان الأمريكي كينـيون كـوكـس، 1890

ظلّت الطبيعة الرعوية موضوعا مفضّلا في الأدب والفنّ على مرّ قرون. وقد تكرّس هذا الاهتمام مع التركيز المتزايد على فكرة أركاديا كمكان مثالي وشاعري ما يزال يتردّد كثيرا في الآداب والفنون البصرية الغربية.
وبعض أشهر الصور الرعوية رسمها نيكولا بوسان الذي كان يملأ لوحاته بصور الرعاة والطبيعة، لكن دون حيوانات أو ماشية.
كما رسم هذا النوع من الصور كلود لوران الذي كان يركّز على مناظر الطبيعة ويكتفي بوضع القطعان والرعاة في خلفيّة اللوحة.
ويُعزى الفضل في إرساء تقاليد الشعر والفنّ الرعوي إلى الشاعر الروماني فيرجيل من خلال ديوانه "قصائد رعوية" الذي كان مصدر إلهام لأجيال عديدة من الشعراء والرسّامين الذين أتوا بعده.
وقد ضمّن فيرجيل ديوانه عشر قصائد تتحدّث عن قصص حبّ محبطة وتتضمّن صورا عن الشوق والرغبة والحنين في قالب يجمع بين الايروتيكية والحزن والمواعظ الأخلاقية. وفي القرون التالية تحوّل هذا الشاعر في أذهان الناس إلى متنبّئ أو قارئ للغيب. ويقال إن قصائده تلك لها معنى ظاهر وباطن. وفي العصور الوسطى نُسبت له قوى تنبّؤية خارقة. كما اتّخذ منه دانتي مرشدا له في رحلته إلى الجحيم التي أوردها في كتاب الكوميديا الإلهية.
هذه اللوحة رسمها كينيون كوكس من وحي إحدى قصائد فيرجيل الرعوية والتي تتحدّث عن حوار بين مجموعة من النساء يجري وسط طبيعة خضراء في اليونان القديمة.
واللوحة جزء من سلسلة من اللوحات الشاعرية التي رسمها لنساء عاريات. وقد أدرك كوكس شعبية هذه النوعية من اللوحات عندما كان يقيم في باريس.
غير أن لوحاته تلك لم تلاقِ التقدير الذي تستحقّه من لدن الجمهور الأمريكي في وقت لم تكن القيم الليبرالية قد انتشرت وتجذّرت.
تفاصيل هذه اللوحة، من قبيل الخطوط الدقيقة والألوان المحكمة ودقّة تصوير الجسد، كلّها تذكّر بالرسم الأكاديمي وتشير إلى تأثّر الرسّام بأسلوب تصوير التماثيل الرومانية والإغريقية.
درس كوكس الرسم في باريس على يد جان ليون جيروم. وتأثّره واضح بأسلوب الأخير في رسم الأشخاص.
كان كينيون كوكس مخلصا للفنّ كما كان ناجحا وذا نفوذ كبير في زمانه. كما عُرف بدفاعه القويّ عن قيم الرسم التقليدي وببراعته في رسم الجداريات الضخمة. وكانت المرأة العارية موضوعه المفضّل في الرسم.
وبالإضافة إلى اشتغاله بالرسم، كان كوكس شخصا مثقّفا ومتعدّد الاهتمامات. وقد كتب العديد من المقالات في الصحف والمجالات، كما ألّف أكثر من كتاب عن تاريخ الفنّ.
ورغم انه كان رسّاما متميّزا، إلا انه لاقى كثيرا من الإهمال والتجاهل في عصره.
في إحدى قصائده الرعوية، يتحدّث فيرجيل عن ولادة طفل خارق للعادة. وقد فسّر الكثيرون ذلك على أنه نبوءة بمجيء المسيح.
ويقال إن الشاعر مات مقتولا على يد احد أتباع القائد اوكتافيان بعد انتهائه من كتابة ملحمة الإنيادا.