بورتـريه مـاو
للفنان الأمريكي انـدي وارهـول، 1972
للفنان الأمريكي انـدي وارهـول، 1972
في أوائل سبعينات القرن الماضي، قام الرئيس الأمريكيّ الأسبق نيكسون بزيارته التاريخية إلى الصين، حيث قابل زعيمها ماو تسي تونغ وبدأ البلدان بعدها صفحة جديدة في العلاقات بينهما وتلاشى إلى حين خطر الحرب الباردة.
كان الرسّام اندي وارهول مشهورا وقتها باهتمامه برسم الشخصيات المشهورة في العالم، مثل مارلين مونرو وجاكلين كينيدي وألفيس بريسلي ومحمّد علي كلاي. وقد قرأ في بعض المجلات والصحف آنذاك أن ماو أصبح أهمّ وأشهر شخصية في العالم، إذ كانت أخباره تحتلّ الصفحات الأولى من الصحف الأمريكية والعالمية.
وكان احد أصدقاء وارهول قد اقترح عليه أن يرسم اينشتاين، خاصّة عقب انتشار اسمه في العالم بعد اكتشافه نظرية النسبية. لكن وارهول كان يعتبر أن الشهرة أهمّ من الأفكار والمظهر أهمّ من جوهر الشخص.
ولهذا قرّر أخيرا أن يرسم ماو. وهذه الصورة الضخمة للزعيم الصينيّ رسمها وارهول ضمن سلسلة من عشر لوحات أخرى متماثلة لماو، وأراد من خلالها أن يعكس التغييرات الكبيرة التي حصلت في الصين أثناء وبعد الثورة الثقافية.
والرسّام يقدّم ماو بطريقة تذكّر بلوحاته عن مشاهير السينما والفنّ، على الرغم من أن زعيم الصين كان معروفا باستبداده وبطشه.
غير أن بعض النقّاد اعتبروا اختيار وارهول لماو مناسبا كثيرا باعتباره زعيما مشهورا على أيّ حال. وقد اعتمد في رسمه لهذه البورتريهات العشرة على صورة ماو المنشورة في كتابه الأحمر. وهي نفس الصورة المشهورة التي أصبح معظم الناس في العالم يعرفونها عن هذا الرجل الذي كان يتمتّع بسلطة مطلقة. والمعروف انه كان يتعيّن على كلّ عضو في الحزب الشيوعيّ الصينيّ أن يحمل معه نسخة من كتاب ماو لأنه يتضمّن أسس الايديولوجيا الماويّة.
وعلى يد وارهول، تحوّلت تلك الصورة الرسمية للزعيم، والتي طالما استُخدمت للترويج للشيوعية في العالم، إلى مجرّد سلعة رأسمالية وإلى مادّة استهلاكية يعاد إنتاجها مرّات ومرّات بطريقة لا تختلف عن علب الحساء المشهورة.
صُوَر وارهول العشر التي رسمها لماو أصبحت في ما بعد من بين أكثر الصور الأيقونية شهرة في العالم. وقد افرد له الرسّام حضورا مدهشا وغامضا في فنّه.
ماو في اللوحة ينظر مباشرة إلى المتلقّي، تماما مثلما ينظر من صوره الكثيرة المعلّقة في ميدان السلام السماويّ في وسط بيجين، مع إحساس بالنصر والزهو. وقد استخدم الرسّام في الخلفية اللون الأحمر الشرقيّ الطابع والمرتبط بالشيوعية وبالعلم الصينيّ، وأيضا الذي يذكّر بالسلطة المطلقة.
كما استخدم في ملابس ماو اللون الأصفر الذي يُعتبر اللون الأكثر لمعانا وجذبا للانتباه. كما انه اللون الذي يرمز للإنذار والخطر والأنانية والجنون والآلهة القديمة. وليس مصادفة أن أصول الأصفر توجد في المعادن السامّة والرصاص والكروم والبول وغير ذلك.
الصور العشر المتماثلة لماو تشير إلى احتقار الشيوعية للفردانية وميلها إلى قولبة البشر في نسق واحد. والرسّام يربط بين تقديس الغرب لصور الفنّانين والممثّلين وبين عبادة الفرد في الشرق كما تشير إليه شخصيّة ماو وغيره من الحكّام الشموليين.
هذه الصورة المشحونة بالألوان الساطعة أصبحت أكثر تفرّدا بإضافة طبقات من الغرافيتي حوّلت ماو إلى أيقونة شعبية عالمية، أي أن الرسّام يرى شبها بين الدعاية الشيوعية وصناعة الإعلان في الدول الرأسمالية.
لكن بعض النقّاد رأوا في البورتريه ما يوحي بتلاشي هالة ماو التي ستصبح قريبا مجرّد ذكرى من الماضي بعد أن جرّده الرسّام من سياق الدعاية الإيديولوجية. لكن يمكن القول أيضا أن وارهول ترك اللوحة مفتوحة على تفسيرات شتّى. فهو لم يكن يتبنّى آراءً سياسية معيّنة ولم يكن مهتمّا بالسياسة أصلا، وهو ما يدفع المتلقّي للتساؤل عن نواياه.
عملية تكرار الصور ربّما تتضمّن أيضا فكرة عبادة الشخصية، تماما مثل صور بعض الزعماء التي تتكرّر وتُشاهَد في كلّ مكان في الدول ذات الحكم الشموليّ. وقد جرت العادة في المجتمعات الرأسمالية أن لا يقدّس الناس صور الزعماء السياسيين، بل صور الفنّانين ونجوم السينما. لكن بنظر البعض فإن النتيجة واحدة، وهي أن الناس يميلون إلى إضفاء طابع مثاليّ على الصورة ثم يجعلون من صاحبها بطلا. بمعنى أن كلا من المجتمعين الرأسماليّ والشيوعيّ ينتج أصنامه الخاصّة بتحويل الأشخاص إلى رموز مقدّسة.
الجدير بالذكر أن السلطات الصينية منعت صور وارهول لماو من دخول البلاد باعتبارها "غير محترمة"، كما أنها تشكّل تجاوزا على هيبة الحزب القائد بإظهارها وجه زعيمه وقد لُطّخ بمساحيق التجميل. لكن بعض الصحف الصينية أكّدت على أن نوايا وارهول قد لا تكون سيّئة، فصوره لا تتضمّن أيّة انتقادات أو إساءات وإن كانت ألوانها مستفزّة نوعا ما. كما أعاد البعض للأذهان أن وارهول عُرف عنه ميله إلى محو الخطوط الفاصلة بين الجنسين في لوحاته.
ومع ذلك شوهدت بعض هذه الصور تُباع سرّا في بعض الأسواق والمواقع السياحية في الصين. وقال بعض الكتّاب الساخرين أن وارهول لو كان يعيش في الصين لاُرسل إلى احد الأقاليم البعيدة كي يحرث الأرض ويزرع المحاصيل، هذا إن تُرك حيّاً.
وقال آخرون أن ماو لو كان ما يزال على قيد الحياة لاعتبر كل الفنّ الغربيّ منحلا وفاسدا. لكن هناك من الصينيين من شعروا بالسرور لأن فنّانا غربيّا كان يهتمّ بدراسة الطبيعة الموقّتة للسلطة والشهرة رسم زعيمهم الأوحد على هيئة مهرّج شبحيّ بالألوان، ثم استنسخ صورته عشر مرّات ووقّع عليها بقلم رصاص.
منذ رحيل ماو تسي تونغ، لم يعد احد يتذكّر كتابه الأحمر ولا كلماته المأثورة. كما أن الرأسمالية التي كان يحتقرها كثيرا تشهد اليوم ازدهارا غير مسبوق في الصين نفسها بينما تترنّح في الغرب.
كان ماو قد أسّس جمهورية الصين الشعبية عام 1949 بعد عشرين عاما من الحرب الأهلية. وقد حكم البلاد كزعيم بلا منافس حتى موته عام 1976. وفي السنوات الأخيرة، بدأ الزعماء الاصلاحيون في الصين يعترفون بأخطاء ماو علناً، ومنها حملته السيّئة الصيت والتي اسماها "قفزة كبيرة إلى الأمام"، التي تسبّبت في موت ثلاثين مليون فلاح صينيّ.
لكن صور الزعيم الضخمة ما تزال منتصبة في وسط الميدان الكبير في وسط بيجين. وما يزال بعض الساسة في الصين يتحدّثون عن دوره الأبويّ في قيام الدولة والحزب.
في عام 1982، زار اندي وارهول الصين وأعجب بثقافتها وتاريخها العريق. وقد أقيم لأعماله معرض في شانغهاي تعرّف من خلاله الصينيون على الفنّان الذي رسم بعض أشهر اللوحات عن أهمّ شخصية في تاريخ بلدهم. وقد بيعت إحدى لوحات سلسلة ماو في نيويورك بأربعة عشر مليون دولار، بينما بيعت لوحة أخرى في مزاد بهونغ كونغ بثلاثة عشر مليون دولار.
كان وارهول احد رموز الفنّ الشعبيّ في العالم وأحد أشهر الرسّامين الأمريكيين في القرن العشرين. والمعروف انه بدأ في مستهلّ حياته تحويل الصور الفوتوغرافية إلى القماش واستخدم هذه التقنية طوال ستّينات القرن الماضي.
وقد استغلّ وارهول هاجس الناس الجماعيّ بالشهرة كما لم يفعل رسّام آخر. وكانت فكرته أن الثقافة الشعبية تقدّس المشاهير فقط لأنهم مشاهير. ولوحاته التي تصوّر الشخصيات المشهورة تطوّرت لتصبح سمة مميّزة لعمله ومصدرا لدخله.
كان الرسّام اندي وارهول مشهورا وقتها باهتمامه برسم الشخصيات المشهورة في العالم، مثل مارلين مونرو وجاكلين كينيدي وألفيس بريسلي ومحمّد علي كلاي. وقد قرأ في بعض المجلات والصحف آنذاك أن ماو أصبح أهمّ وأشهر شخصية في العالم، إذ كانت أخباره تحتلّ الصفحات الأولى من الصحف الأمريكية والعالمية.
وكان احد أصدقاء وارهول قد اقترح عليه أن يرسم اينشتاين، خاصّة عقب انتشار اسمه في العالم بعد اكتشافه نظرية النسبية. لكن وارهول كان يعتبر أن الشهرة أهمّ من الأفكار والمظهر أهمّ من جوهر الشخص.
ولهذا قرّر أخيرا أن يرسم ماو. وهذه الصورة الضخمة للزعيم الصينيّ رسمها وارهول ضمن سلسلة من عشر لوحات أخرى متماثلة لماو، وأراد من خلالها أن يعكس التغييرات الكبيرة التي حصلت في الصين أثناء وبعد الثورة الثقافية.
والرسّام يقدّم ماو بطريقة تذكّر بلوحاته عن مشاهير السينما والفنّ، على الرغم من أن زعيم الصين كان معروفا باستبداده وبطشه.
غير أن بعض النقّاد اعتبروا اختيار وارهول لماو مناسبا كثيرا باعتباره زعيما مشهورا على أيّ حال. وقد اعتمد في رسمه لهذه البورتريهات العشرة على صورة ماو المنشورة في كتابه الأحمر. وهي نفس الصورة المشهورة التي أصبح معظم الناس في العالم يعرفونها عن هذا الرجل الذي كان يتمتّع بسلطة مطلقة. والمعروف انه كان يتعيّن على كلّ عضو في الحزب الشيوعيّ الصينيّ أن يحمل معه نسخة من كتاب ماو لأنه يتضمّن أسس الايديولوجيا الماويّة.
وعلى يد وارهول، تحوّلت تلك الصورة الرسمية للزعيم، والتي طالما استُخدمت للترويج للشيوعية في العالم، إلى مجرّد سلعة رأسمالية وإلى مادّة استهلاكية يعاد إنتاجها مرّات ومرّات بطريقة لا تختلف عن علب الحساء المشهورة.
صُوَر وارهول العشر التي رسمها لماو أصبحت في ما بعد من بين أكثر الصور الأيقونية شهرة في العالم. وقد افرد له الرسّام حضورا مدهشا وغامضا في فنّه.
ماو في اللوحة ينظر مباشرة إلى المتلقّي، تماما مثلما ينظر من صوره الكثيرة المعلّقة في ميدان السلام السماويّ في وسط بيجين، مع إحساس بالنصر والزهو. وقد استخدم الرسّام في الخلفية اللون الأحمر الشرقيّ الطابع والمرتبط بالشيوعية وبالعلم الصينيّ، وأيضا الذي يذكّر بالسلطة المطلقة.
كما استخدم في ملابس ماو اللون الأصفر الذي يُعتبر اللون الأكثر لمعانا وجذبا للانتباه. كما انه اللون الذي يرمز للإنذار والخطر والأنانية والجنون والآلهة القديمة. وليس مصادفة أن أصول الأصفر توجد في المعادن السامّة والرصاص والكروم والبول وغير ذلك.
الصور العشر المتماثلة لماو تشير إلى احتقار الشيوعية للفردانية وميلها إلى قولبة البشر في نسق واحد. والرسّام يربط بين تقديس الغرب لصور الفنّانين والممثّلين وبين عبادة الفرد في الشرق كما تشير إليه شخصيّة ماو وغيره من الحكّام الشموليين.
هذه الصورة المشحونة بالألوان الساطعة أصبحت أكثر تفرّدا بإضافة طبقات من الغرافيتي حوّلت ماو إلى أيقونة شعبية عالمية، أي أن الرسّام يرى شبها بين الدعاية الشيوعية وصناعة الإعلان في الدول الرأسمالية.
لكن بعض النقّاد رأوا في البورتريه ما يوحي بتلاشي هالة ماو التي ستصبح قريبا مجرّد ذكرى من الماضي بعد أن جرّده الرسّام من سياق الدعاية الإيديولوجية. لكن يمكن القول أيضا أن وارهول ترك اللوحة مفتوحة على تفسيرات شتّى. فهو لم يكن يتبنّى آراءً سياسية معيّنة ولم يكن مهتمّا بالسياسة أصلا، وهو ما يدفع المتلقّي للتساؤل عن نواياه.
عملية تكرار الصور ربّما تتضمّن أيضا فكرة عبادة الشخصية، تماما مثل صور بعض الزعماء التي تتكرّر وتُشاهَد في كلّ مكان في الدول ذات الحكم الشموليّ. وقد جرت العادة في المجتمعات الرأسمالية أن لا يقدّس الناس صور الزعماء السياسيين، بل صور الفنّانين ونجوم السينما. لكن بنظر البعض فإن النتيجة واحدة، وهي أن الناس يميلون إلى إضفاء طابع مثاليّ على الصورة ثم يجعلون من صاحبها بطلا. بمعنى أن كلا من المجتمعين الرأسماليّ والشيوعيّ ينتج أصنامه الخاصّة بتحويل الأشخاص إلى رموز مقدّسة.
الجدير بالذكر أن السلطات الصينية منعت صور وارهول لماو من دخول البلاد باعتبارها "غير محترمة"، كما أنها تشكّل تجاوزا على هيبة الحزب القائد بإظهارها وجه زعيمه وقد لُطّخ بمساحيق التجميل. لكن بعض الصحف الصينية أكّدت على أن نوايا وارهول قد لا تكون سيّئة، فصوره لا تتضمّن أيّة انتقادات أو إساءات وإن كانت ألوانها مستفزّة نوعا ما. كما أعاد البعض للأذهان أن وارهول عُرف عنه ميله إلى محو الخطوط الفاصلة بين الجنسين في لوحاته.
ومع ذلك شوهدت بعض هذه الصور تُباع سرّا في بعض الأسواق والمواقع السياحية في الصين. وقال بعض الكتّاب الساخرين أن وارهول لو كان يعيش في الصين لاُرسل إلى احد الأقاليم البعيدة كي يحرث الأرض ويزرع المحاصيل، هذا إن تُرك حيّاً.
وقال آخرون أن ماو لو كان ما يزال على قيد الحياة لاعتبر كل الفنّ الغربيّ منحلا وفاسدا. لكن هناك من الصينيين من شعروا بالسرور لأن فنّانا غربيّا كان يهتمّ بدراسة الطبيعة الموقّتة للسلطة والشهرة رسم زعيمهم الأوحد على هيئة مهرّج شبحيّ بالألوان، ثم استنسخ صورته عشر مرّات ووقّع عليها بقلم رصاص.
منذ رحيل ماو تسي تونغ، لم يعد احد يتذكّر كتابه الأحمر ولا كلماته المأثورة. كما أن الرأسمالية التي كان يحتقرها كثيرا تشهد اليوم ازدهارا غير مسبوق في الصين نفسها بينما تترنّح في الغرب.
كان ماو قد أسّس جمهورية الصين الشعبية عام 1949 بعد عشرين عاما من الحرب الأهلية. وقد حكم البلاد كزعيم بلا منافس حتى موته عام 1976. وفي السنوات الأخيرة، بدأ الزعماء الاصلاحيون في الصين يعترفون بأخطاء ماو علناً، ومنها حملته السيّئة الصيت والتي اسماها "قفزة كبيرة إلى الأمام"، التي تسبّبت في موت ثلاثين مليون فلاح صينيّ.
لكن صور الزعيم الضخمة ما تزال منتصبة في وسط الميدان الكبير في وسط بيجين. وما يزال بعض الساسة في الصين يتحدّثون عن دوره الأبويّ في قيام الدولة والحزب.
في عام 1982، زار اندي وارهول الصين وأعجب بثقافتها وتاريخها العريق. وقد أقيم لأعماله معرض في شانغهاي تعرّف من خلاله الصينيون على الفنّان الذي رسم بعض أشهر اللوحات عن أهمّ شخصية في تاريخ بلدهم. وقد بيعت إحدى لوحات سلسلة ماو في نيويورك بأربعة عشر مليون دولار، بينما بيعت لوحة أخرى في مزاد بهونغ كونغ بثلاثة عشر مليون دولار.
كان وارهول احد رموز الفنّ الشعبيّ في العالم وأحد أشهر الرسّامين الأمريكيين في القرن العشرين. والمعروف انه بدأ في مستهلّ حياته تحويل الصور الفوتوغرافية إلى القماش واستخدم هذه التقنية طوال ستّينات القرن الماضي.
وقد استغلّ وارهول هاجس الناس الجماعيّ بالشهرة كما لم يفعل رسّام آخر. وكانت فكرته أن الثقافة الشعبية تقدّس المشاهير فقط لأنهم مشاهير. ولوحاته التي تصوّر الشخصيات المشهورة تطوّرت لتصبح سمة مميّزة لعمله ومصدرا لدخله.