Saturday, December 02, 2006

لوحات عالميـة - 115

بورتـريه سيـسيليـا غاليـرانـي
للفنان الإيطالي ليــونــاردو دافـنـشـي، 1490

حسب بعض المصادر التاريخية، كانت سيسيليا غاليراني امرأة بارعة الجمال في زمانها، وكانت تقرض الشعر وتعزف الموسيقى وتقيم حوارات فكرية مع الفلاسفة ورجال الدين.
وقد ذاعت شهرة هذه المرأة بعد أن اصبحت خليلة للدوق لودفيكو ديل مورو الذي استطاعت أن توقعه في حبّها وأن تكسب ثقته بذكائها وجمالها الأخّاذ.
ايل مورو نفسه كان شخصا مثقّفا وطموحا، ولعله اكتسب اسمه الأخير - ومعناه "المغربي" - بسبب بشرته السمراء وملامحه العربية.
كان ليوناردو يعمل في بلاط ايل مورو كرسّام وكمشرف على المراسم والاحتفالات. لكنه كان يباشر في نفس الوقت وظائف أخرى ذات علاقة بالطبّ والهندسة والتشريح والرياضيات.
هذه اللوحة رسمها ليوناردو لسيسيليا أثناء عمله في بلاط زوجها، وفيها تظهر ممسكةً بحيوان صغير من ذوات الفراء، وكان هذا الحيوان شعارا للدوق وكان يرمز بنفس الوقت للطهر والنقاء.
أكثر ما يلفت النظر في هذا البورتريه الجميل التعابير الساحرة على وجه المرأة وكذلك حركة استدارتها من منطقة الظل إلى الضوء وهي هنا تبدو كما لو أنها تتفاعل مع شخص لا نراه في اللوحة.
كانت سيسيليا غاليراني امرأة شديدة الذكاء وقد استطاعت على الدوام أن تحافظ على مكانتها في قلب رجل كان ممسكا بالكثير من مفاتيح السلطة والنفوذ كما استطاعت بسحر شخصيتها وذكائها أن تكسب احترام وتقدير الحاشية ورجال القصر.
في ذلك الوقت، أي في القرن الرابع عشر، كانت بعض المهن تمر بتحوّلات مهمّة وبات المجتمع يعترف بالنبوغ والذكاء والتميّز الثقافي والفكري لبعض ممارسي المهن التي كان ينظر إليها باعتبارها "وضيعة". وأصبح الناس يتقبّلون فكرة أن تتحوّل الخليلة أو المحظية إلى سيّدة في البلاط وأن يتحوّل الرّسام من مجرّد كونه عاملا حرفيا يعيش على الهامش إلى شخص متفوّق ومبدع.
ليونارد نفسه كان يمرّ بشيء من ذلك التحوّل أثناء خدمته في بلاط ايل مورو. وبالتأكيد كانت له أسبابه عندما رسم سيسيليا غاليراني، ربّما لانه كان يرى في صعودها الاجتماعي والفكري مرآة تعكس ما بدأ يحسّ به هو نفسه من صعود نجمه وازدياد حظوته في بلاط الدوق.
هذه اللوحة كانت قد لحق بها الكثير من التلف نتيجة تقادم الزمن وأساليب الترميم الرديئة. وفي إحدى المرّات أخضعت لفحص بالكمبيوتر أظهر وجود ما يشبه الباب أو النافذة في الخلفيّة. ويبدو أن دافنشي اقتنع أخيرا بحذف ذلك الجزء والاكتفاء بخلفية داكنة.

Monday, November 27, 2006

لوحات عالميـة - 114

عشـاء فـي رحلـة بالقــارب
للفنان الفرنسي بييـر رينـوار، 1881

تعتبر هذه اللوحة واحدة من أعظم أعمال بيير رينوار. وقد رسمها أثناء رحلة له مع بعض أصدقائه بالقارب على ضفاف السين.
في هذه اللوحة نرى أصدقاء رينوار من الرجال والنساء الذين ينتمون إلى خلفيات ومهن مختلفة وهم مجتمعون داخل مقهى شهير في ضاحية شاتو الباريسية.
وبين هؤلاء صحفيون وممثّلات وعارضات أزياء. كما تظهر في اللوحة "الين" ذات العشرين عاما والتي أصبحت في ما بعد صديقة لرينوار ثم زوجة له.
موضوع "عشاء في رحلة بالقارب" لا يختلف كثيرا عن مواضيع لوحات رينوار الأخرى. كان رينوار يرسم رجالا ونساء يعيشون حياة بسيطة ويمتّعون أنفسهم ويستمتعون بالحياة بطريقة مرحة وتلقائية. وأماكنه المفضّلة كانت الطبيعة، وصالات الرقص حيث كان يصوّر الشبّان والفتيات وهم يسترخون ويتحدّثون ويراقص بعضهم بعضا.
لكن مؤسّسة الفنّ الرسمية في فرنسا آنذاك لم تكن تستسيغ مثل تلك المشاهد، وكانت تلحّ على الفنّانين برسم مناظر تاريخية أو دينية أو أسطورية تظهر صورا لآلهة وملوك وملكات وأبطال من الأزمنة القديمة.
ومع ذلك تحدّى رينوار هذا العرف ورسم ما كان يعتبره صورا من الحياة الحديثة في ذلك الوقت بأسلوبه المبتكر والمضيء.
أكثر ما يلفت الانتباه في هذه اللوحة الرائعة هي تلقائية الموضوع وحيوية شخوصه وألوانه المترفة، إذ يغلب الزهري والوردي وظلالهما على عموم المشهد. وممّا يفتن العين بشكل خاص في هذه اللوحة الطريقة البارعة التي اتّبعها رينوار في رسم الطاولة ذات القماش الثلجي وكذلك الزجاجات البلّلورية اللامعة والكؤوس الفضّية المتوهّجة المصفوفة على المائدة.
كان رينوار في حياته إنسانا عصبيا وقلقا رغم عشقه الكبير للحياة ومن الواضح أنه لم يكن يرتاح كثيرا لشخصيات الطبقة الراقية. ومواضيع لوحاته بشكل عام كانت قريبة من حياة الطبقة الوسطى. ومن بين كافّة الرسّامين الانطباعيين كان رينوار ينحدر من خلفية اجتماعية متواضعة، فقد كان والده خيّاطا يعول سبعة أطفال كان "بيير أوغست" سادسهم.
لوحات رينوار المرحة ومشاهده المتفائلة المليئة بالضوء والموسيقى والوجوه النضرة التي رسمها في السنوات الاخيرة من حياته لا تعكس المعاناة التي تحمّلها الفنّان في ذلك الوقت جرّاء إصابته بالتهاب المفاصل، وهو المرض الذي أدّى في النهاية إلى إصابة يديه بالشلل ومن ثم توقّفه عن الرّسم بشكل تامّ بعد ذلك.