Saturday, October 29, 2005

لوحـات عالميـة – 71


مولــد فيـنــوس
للفنان الفرنسي الكسنـدر كابـانيــل، 1863

ظلت أسطورة فينوس موضوعا مفضّلا للعديد من الفنانين عبر العصور المتعاقبة.
ومن اشهر الأعمال التي صوّرت الأسطورة هذه اللوحة لـ الكسندر كابانيل والتي عُرضت لاوّل مرّة في صالون باريس العام 1863 واهّلت الفنان لنيل الميدالية الذهبية.
في ذلك الوقت، لم يكن الجمهور الفرنسي قد صحا بعد من الصدمة التي سبّبتها لوحة اوليمبيا لـ مانيه، بنظراتها الجريئة وجسدها المكشوف.
لكن رغم ذلك، فقد اعتُبرت فينوس كابانيل مثالا للايروتيكية المقبولة. فهي، مقارنةً بلوحة مانيه، مثالية إلى حدّ ما وخالية من العيوب ومن شعر الجسد، كما أنها تبدو لا مبالية جنسيا وبلا شخصية إلى حدّ كبير.
هذا القدر المحسوب من الحسّية التي ضمّنها كابانيل لوحته، وكذلك البعد التاريخي والأسطوري للقصّة، كانا عاملين اسهما في تقريب اللوحة من الطبقات الاجتماعية العليا.
ومن الواضح أن كابانيل التزم بالعناصر التفصيلية الرئيسية لـ فينوس كما وردت في الأسطورة. فالآلهة تبدو متمدّدة على موج البحر الذي ُيفترض أنها ولدت منه. وفوقها تحوم كوكبة من ملائكة الحبّ "كيوبيد". وهي تفصح عن سحرها ومفاتنها، ولكن حسب قواعد العرف الايروتيكي السائد حينئذ.
دخل كابانيل صالون باريس وعمره لا يتجاوز العشرين، وبعد سنتين فاز بالمركز الثاني في جائزة روما ومكّنه ذلك من اخذ دروس إضافية في الفنّ الكلاسيكي.
وعندما عرض لوحته، كان الفنان قد حظي بشهرة واسعة وحصد العديد من الجوائز.
لوحة مولد فينوس تشكّل مثالا ِحرَفيا ورائعا لأسلوب عصر النهضة والقرن التاسع عشر.
وقد بادر نابليون الثالث فور عرض اللوحة إلى شرائها وضمّها إلى مجموعته الشخصية. وفي نفس تلك السنة ُعيّن كابانيل أستاذا في مدرسة الفنون الجميلة في باريس، كما كلفه نابليون الثالث ولودفيغ الثاني ملك بافاريا برسم أعمال فنية لحسابهما.
رسم كابانيل مولد فينوس بعد عشر سنوات من إنجاز آنغر للوحته المحظيّة الكبرى.
ورغم الاختلاف الواضح بين اللوحتين فإن العامل المشترك بينهما ربّما يكون تعمّد الفنانين إظهار الملامح الجمالية من خلال إطالة الأعضاء والعنق لابراز انسيابية الخطوط.
كان كابانيل خصما قويّا للانطباعيين، وخاصّة مانيه، وكان موقفه ذاك يتماهى مع موقف المؤسّسة الأكاديمية التي كانت تعارض الاتجاهات التجديدية في الفنّ، رغم أن ذلك الموقف أدّى في النهاية إلى تقليص نفوذ المؤسّسة وتهميش دورها.
أما الانطباعيون فكان كابانيل يمثل بالنسبة لهم رمزا للفنّ الأكاديمي الذي كانوا يحتقرونه ويتهمونه بالجمود والماضوية.
ورغم أن لكابانيل لوحات عديدة أخرى تعالج مفردات الحياة العامة والأحداث التاريخية، فإن الخبراء والنقاد ظلوا يتجاهلونها.
وإذا كان هناك اليوم من يتذكّر الكسندر كابانيل، فإن ذلك بسبب هذه اللوحة بالذات.

Friday, October 28, 2005

لوحـات عالميـة – 70


صبــي و غليــون
للفنان الإسباني بابلـو بيكـاســو، 1905

أهميّة هذه اللوحة تكمن في أنها اللوحة الأغلى مبيعا في العالم حتى الآن. فقد ابتاعها في العام الماضي زبون مجهول بمبلغ 104 ملايين دولار في مزاد سوذبي بنيويورك.
وقد كسرت هذه اللوحة الرقم القياسي السابق الذي سجّلته لوحة فان غوخ الشهيرة دكتور غاشيه التي اشتراها مليونير ياباني بمبلغ 82 مليونا ونصف المليون في العام 1990.
"صبي و غليون" تنتمي للمرحلة الوردية وقد رسمها بيكاسو في عام 1905 وعمره 24 عاما. واللوحة تصوّر صبيّا باريسيا كان يتردّد على مرسم بيكاسو في مونمارتر. وفيها يبدو الصبي مرتديا ملابس زرقاء ومطوّقا رأسه بباقة من الورد وممسكا بيده اليسرى غليونا.
وكان جون ويتني سفير الولايات المتحدة في بريطانيا قد اشترى اللوحة في عام 1950 بمبلغ 30 ألف دولار فقط.
يقول بعض النقاد إن اللوحة ترمز للغموض وجمال الشباب الذي أهّلها لان تكون إحدى اكثر لوحات بيكاسو تقديرا واحتفاءً. فيما يميل البعض الآخر إلى القول بأن السعر الذي بيعت به اللوحة له علاقة باسم الفنان اكثر من كونه اعترافا بجدارة اللوحة أو أهميتها التاريخية. إذ أن لبيكاسو لوحات اكثر أهمية لكنها لم تحقق حتى نصف هذا السعر عند بيعها.
وثمة من يجادل بأن اللوحة تحتوي على عناصر جمالية واضحة رغم أنها لا تنتمي للأسلوب التكعيبي الذي ابتكره بيكاسو وبرع فيه وحفظ له مكانة مميّزة في تاريخ الفن التشكيلي العالمي.
بيكاسو له أربع لوحات هي من بين أغلى عشر لوحات في العالم، ويليه مباشرة فان غوخ بثلاث.
وفي السنوات الأخيرة، أصبحت المتاحف الفنية الكبرى تبدي اهتماما وحرصا ملحوظين على اقتناء وشراء اشهر اللوحات الفنية، وأكثر المتاحف تفضّل الاحتفاظ بتلك اللوحات لأجل غير مسمّى.

موضوع ذو صلة: ليلة مع بيكاسو

Wednesday, October 26, 2005

لوحـات عالميـة – 69


بورتريه للفنان في سن السادسة والعشرين
للفنان الألماني البـريخـت ديورر، 1498

كان البريخت ديورر فنانا وشاعرا ورحالة. وإن كانت شهرته كفنّان هي الغالبة.
ورغم انه رسم العديد من اللوحات، فإن هذا البورتريه الذي رسمه لنفسه في العام 1498 هو أحد اشهر أعماله واكثرها انتشارا ودلالةً على تميّزه الفني.
ويرى بعض النقاد أن ديورر هو أهمّ فناني عصر النهضة الشمالية. وقد مكّنه العيش في نورمبيرغ، أي في منتصف المسافة بين هولندا وايطاليا، من العثور على الإلهام الذي كان ينشده في أعمال رموز مركزي الفنّ الأوربي الكبيرين في ذلك الوقت.
ولم يكتفِ الفنان بتقليد أعمال الفنانين الكبار، بل حاول دائما ابتكار أساليب فنية جديدة.
على أن أهمّ سمة في فنّ ديورر هو تنوّع مهاراته الفنية. فبالإضافة إلى الرسم، كان نقاشا ونحّاتا بارعا على الخشب.
في هذا البورتريه، يقف الفنّان بطريقة مستقيمة وواثقة، مميلا يده اليمنى إلى الطاولة. وهو هنا يرتدي قفّازين وسترة أنيقة بنّية اللون بحوافّ سوداء، وتحتها قميص مطرّز. وقد ثبّت الفنان فوق رأسه قبّعة ذات خطوط بنية وسوداء ملامسةً أعلى اللوحة. بينما راح الضوء يتسرّب إلى الغرفة تاركا وهجا على وجه الفنان وشعره المتموّج الطويل.
والى جواره هناك نافذة تطلّ على منظر طبيعي في جبال الألب. وفي هذا تذكير برحلاته الكثيرة إلى روما والبندقية وغيرهما من حواضر شمال وغرب أوربا.
أما الوجه فمرسوم بأسلوب واقعي وبراعة واضحة. وملامحه هنا وطريقة وقوفه تذكّر إلى حدّ كبير باللوحات التي تصوّر المسيح. وربّما أراد الفنان أن يقول إن موهبته مستمدّة من الله الذي خلق المسيح والإنسان على هيئته.
قبيل وفاته عن 57 عاما، رسم ديورر لوحته "رجل الأحزان"، وفيها يظهر المسيح بملامح وجه الفنان وبجسده الذي أصابه الضعف والبلى بفعل الشيخوخة وتقدّم العمر.

Tuesday, October 25, 2005

لوحـات عالميـة – 68


بورتـريه للفنـانـة بقبّعـة من القـشّ
للفنانة الفرنسية لويـز فيجـي لـو بـران، 1790

ولدت لويز فيجي لو بران في باريس وتتلمذت على يد والدها الفنان. وبفضل ما كانت تتمتّع به من ثقافة وحضور وجمال، اصبح لها نفوذ كبير داخل أروقة السياسة في فرنسا الملكية خلال القرن التاسع عشر، رغم أنها كانت تنتمي في الأساس للطبقة الوسطى.
برزت لو بران خصوصا في رسم البورتريه وحققت الكثير من الشهرة والغنى. وفي العام 1778 تعرّفت على الملكة ماري انطوانيت التي قرّبتها منها وعيّنتها رسّامة للبلاط.
وفي 1783 أصبحت الفنانة عضوا في الأكاديمية الملكية التي كانت عضويتها حتى ذلك الحين مقتصرة على الفنانين من الرجال.
كانت لو بران فنانة غزيرة الإنتاج، فقد رسمت عشرات البورتريهات للملكة وأفراد عائلتها وللنبلاء الأوربيين ولها شخصيا.
لكن في العام 1789 اضطرّت لمغادرة فرنسا بسبب قيام الثورة وعلاقتها الوثيقة بماري انطوانيت. وقد وصمتها الثورة بالعمالة لـ "النظام البائد" وسارع زوجها إلى تطليقها لحماية ممتلكاته من المصادرة. وخلال سنوات النفي سافرت إلى ايطاليا والمانيا والنمسا وحققت هناك المزيد من الحضور والشهرة. وفي 1802 سمح لها الحكم الجديد بالعودة إلى البلاد بعد الضغوط والمطالبات التي تقدّم بها زملاؤها.
كانت لو بران امرأة جميلة وذكيّة وموهوبة. وقد عاشت 87 سنة قضت 20 منها مع صديقتها المقرّبة ماري انطوانيت.
وبورتريهاتها تتميّز بأناقتها اللافتة وبغنى ألوانها ودقّة تفاصيلها التي لا تخلو من رومانسية.
في هذا البورتريه الجميل الذي رسمته لنفسها، تبدو فيجي لو بران امرأة حقيقية وفنانة أصيلة. وهي هنا تقف بثقة، ممسكة بعدّة الرسم والالوان، ومرتدية زيّا حديثا وقبّعة من القشّ.
في اللوحة لا بودرة ولا مكياج ولا شعر مرتّب بعناية. وهو نفس الأسلوب التي أخذته لو بران معها إلى البلاط الملكي. حتى في البورتريهات التي رسمتها لـ ماري انطوانيت، تبدو الملكة في هيئة بسيطة، وهي سمة تتناقض كليّا مع ما كان يُشاع عن الملكة من بذخ وإسراف. وقبّعة القشّ البسيطة التي ترتديها الفنانة لا تدلّ بالضرورة على الفقر، بدليل ظهور القرطين النفيسين اللذين تضعهما في أذنيها.
ومثل ماري انطوانيت التي كانت تروج الشائعات عن مغامراتها العاطفية ومجونها، كانت فيجي لو بران هي الأخرى موضوعا للكثير من الشائعات، إذ يقال بأنها كانت تنام مع الرجال الذين كانت ترسمهم.
عاشت لو بران في عصر كانت تغلب عليه الأفكار القائلة بذكورية الفن. ومع ذلك استطاعت أن تتحدّى تلك المفاهيم وان تؤسّس لنفسها وجودا مستقلا. وأصبحت في ما بعد اشهر فنانة امرأة رسمت البورتريه. وفي العصور اللاحقة اصبح اسم فيجي لو بران يظهر جنبا إلى جنب مع أسماء كبار الفنانين من الرجال الذين برزوا في رسم البورتريه من أمثال رمبراندت و غينسبورو و سارجنت وسواهم.
بورتريه فيجي لو بران هو اليوم من ضمن مقتنيات الناشيونال غاليري بلندن.