Thursday, October 05, 2017

لوحات عالميـة – 419

امـرأة تقـرأ رسالـة
للفنان الهولندي جيـرارد تير بـورش، 1660

كان جيرارد تير بورش احد أشهر الرسّامين الهولنديين في القرن السابع عشر. وقد عُرف خاصّةً ببراعته في رسم البورتريهات التي يحتشد فيها مجموعة من الأشخاص. وهو من هذه الناحية يختلف عن يوهان فيرمير وبيتر دي هوك اللذين كانا يكتفيان برسم شخص أو شخصين في اللوحة والباقي عبارة عن فراغات.
ويعود إلى هذا الرسّام الفضل في ابتكار مناظر الديكور العالي المكانة الذي أصبحت له شعبية كبيرة في الربع الثالث من القرن السابع عشر. وكانت أعماله الديكورية تتّسم بمستوى عالٍ من الحسّية والنقاء.
ولوحاته في معظمها عبارة عن مناظر حميمة لرجال ونساء مستغرقين في أداء أعمالهم. وقد تميّز تير بورش بإحساسه العظيم باللون وبتعامله الرائع مع الضوء والظلّ والنسيج.
في هذه اللوحة، يرسم الفنّان غرفة تظهر فيها امرأة واقفة وترتدي فستانا ازرق وأصفر وهي تقرأ رسالة في حضور امرأة أخرى وصبيّ. الموديلات في اللوحة هم أفراد عائلة الرسّام. المرأة التي تقرأ الرسالة هي أخته غير الشقيقة والصبيّ هو شقيقه الأصغر.
اللوحة تُعتبر إحدى تحف الرسّام، وهي الأولى في سلسلة من الصور التي تتناول نفس الموضوع. وقد كانت نموذجا اتّبعه فيرمير وغيره من الرسّامين الهولنديين بعد ذلك عندما رسموا رجالا ونساء إمّا يقرؤون أو يكتبون. وكان رسْم مثل هذا الموضوع مؤشّرا على الإثارة والرومانسية في الرسم الهولنديّ.
من الأشياء التي تميّز هذه اللوحة روعة أضوائها وظلالها وكذلك الاستخدام الجميل للألوان فيها، بالإضافة إلى بساطة المنظر نفسه والذي يدفع الناظر لأن يتأمّل الجمال وتفاصيل الأشياء.
رسم تير بورش عددا كبيرا من الصور التي يظهر فيها أشخاص إمّا يقرؤون أو يكتبون رسائل. وكان هذا النوع من الصور شعبيّا كثيرا في عصره. وكتابة الرسائل كانت من الأنشطة المنتشرة في أوساط العائلات الموسرة. ورواج هذه الصور بأجوائها المسترخية وأزياء شخوصها الثمينة لم يكن مستغربا في تلك الفترة التي شهد فيها الاقتصاد الهولنديّ ازدهارا كبيرا.
وقد عُرف الفنّان بموهبته في تصوير النسيج المتعدّد الأشكال وبالإمساك بتفاصيل الثياب بطريقة يصعب تقليدها. وكان بارعا في المواضيع التي تربط بالتباهي والخيلاء. وهذه السمة لها خلفية جمالية لأنها كانت تسمح له بأن يرسم ديكورات أنيقة وملابس زاهية. واستخدامه للأزرق الفيروزيّ على قميص المرأة يشي بلمسة معلّم.
هناك الكثير من الفنّانين ممّن رسموا الساتان والحرير، لكن لا احد كان ينافس تير بورش من هذه الناحية. وربّما كان السبب كثرة أسفاره التي أتاحت له رؤية العديد من العائلات الغنيّة واطّلع عن قرب على نمط حياتها. وغالبا ما كان يرسم الأشخاص أمام خلفية مظلمة وفارغة كي لا يصرف انتباه الناظر عن ملاحظة الشخصية.
ولد جيرارد تير بورش في ديسمبر من عام 1617 في بلدة ديفنتر الهولندية وتلقّى تعليما جيّدا في الرسم على يد والده الذي كان هو أيضا رسّاما. كما تتلمذ في ما بعد على يد بيتر دي مولين في هارلم.
وفي عام 1635، ذهب إلى انجلترا وألمانيا وفرنسا. ثم زار اسبانيا حيث عمل رسّاما في بلاط الملك فيليب الرابع. لكنه قطع إقامته في مدريد وعاد إلى هولندا عام 1650 ليستقرّ في هارلم ثم في ديفنتر التي شغل فيها وظيفة عضو في المجلس البلديّ وحتى وفاته عام 1681.
وكان قد قضى قبل ذلك ثلاث سنوات في وستفاليا، حيث شهد عقد مؤتمر السلام فيها ورسم وفدي كلّ من اسبانيا وهولندا أثناء توقيعهما على المعاهدة عام 1648.

Sunday, October 01, 2017

لوحات عالميـة – 418

عاشـقـان
للفنان الإيراني رضـا عبّـاسي، 1630

تأثّر الفنّ الفارسيّ في بداياته بالثقافة الصينية والهندية، لكنه طوّر سماته الخاصّة في ما بعد. وكان الفنّ وقتها يتضمّن أعمال السيراميك والهندسة المعمارية والنسيج وأعمال المعدن وكتابة الخطّ والرسم.
من ناحية أخرى، كان رسم المنمنمات مجالا صغيرا نسبيّا، لكنه كان يشكّل جزءا مهمّا من أشكال الرسم، وكان حكّام فارس يولونه أهميّة فائقة.
ومن أبرز من برعوا في رسم المنمنمات الفنّان رضا عبّاسي الذي يعدّه الكثيرون احد أعظم الرسّامين الإيرانيين في القرن السابع عشر. كان المعلّم الأوّل في مدرسة أصفهان التي تُعتبر أشهر مدرسة فارسية في رسم المنمنمات.
كان عبّاسي متأثّرا بمدرسة قزوين في الرسم، مفضّلا رسم مواضيع الطبيعة على التصوير الإيضاحي الذي كان قد هيمن على فنّ المنمنمات لأكثر من مائتي عام قبل ذلك.
وقد أحدث هذا الرسّام تغييرا جذريّا في الرسم الفارسيّ بتوظيفه المبكّر لخطّ الكتابة والألوان غير المألوفة. وكان الرسّامون في زمانه يقلّدون أسلوبه، لكنهم لم يقتربوا من مستواه، مع أن العديد منهم أنتجوا أعمالا مميّزة حتى بداية القرن الثامن عشر. ومن بين تلاميذه الذين اشتهروا في ما بعد ابنه محمد شافعي ومعين موسافار.
رسم عبّاسي هذه اللوحة/المنمنمة قرب نهاية عمله الناجح والطويل كرسّام في البلاط الصفويّ، وفيها نرى رجلا وامرأة يحتضنان بعضهما. وجها الشخصين متشابهان مع عيون ورموش طويلة وشفاه رقيقة. الرجل يجلس على ركبته بينما تجلس المرأة في حضنه في وضع غريب. ذراعاه تطوّقانها ويده اليسرى داخل إزارها المفتوح. وهي تضع يدها اليسرى حول كتفه واليمنى فوق رأسه بينما تمسك بوردة.
الرجل يرتدي ثوبا اخضر مع حزام ازرق مذهّب ويضع فوق رأسه وشاحا ازرق. والمرأة ترتدي ثوبا بنّيّاً وتلفّ كتفيها بوشاح ذهبيّ. وقطعة المجوهرات الوحيدة التي ترتديها هي سلسلة صغيرة على كاحل قدمها.
الخلفية ذهبية داكنة مع أوراق ذهبية. وعلى الأرضية هناك صحن فواكه وإناء فيه شراب، وعلى الطرف الأيسر كتابة بالخط العربي. وأحد خصائص أسلوب الرسّام هو إيلاؤه اهتماما كبيرا بالتفاصيل مثل الإبريق والصحن والفاكهة.
من الأشياء اللافتة في الصورة جمال ودقّة الأيدي والوجوه والملابس والانحناءات والشعر المنسدل على جانب الوجه.
وقد استخدم في اللوحة الحبر وماء الذهب. وقد يكون الذهب أضيف في مرحلة تالية بناءً على طلب المشتري. وإضافة الوردة في يد المرأة يشكّل لمسة جميلة ربّما أراد منها الرسّام تجنّب بقاء ذلك الجزء من الصورة فارغا.
كما وظّف التمبرا، وهو نوع من الطلاء استخدمه المصريون القدماء لكنه فقد جاذبيته اعتبارا من عصر النهضة مع أنه ما يزال يُستخدم إلى اليوم، وإن على نطاق ضيّق.
ومن خصائص التمبرا انه يجفّ بسرعة ولا يمكن وضعه إلا بضربات فرشاة صغيرة جدّا. وهذا يعني أن الرسّام أنجز اللوحة ببطء شديد وأنها أخذت منه وقتا طويلا، وهذا أيضا يفسّر كثرة التفاصيل فيها.
ظهور شخصين بجسدين متداخلين في لوحة ربّما كان يعكس موقفا جديدا ومتسامحا مع الصور الحسّية. إذ جرت العادة في العهد الصفويّ أن تُرسم النساء منفصلات عن الرجال. لكن عبّاسي وآخرين نظروا إلى الموضوع نظرة مختلفة، فرسموا النساء مع الرجال لتوضيح أفكار الشعراء الذين كانوا يكتبون قصائدهم غالبا عن الحبّ وأهمّية المرأة. وهناك احتمال بأن الفنّان رسم المرأة والرجل بهذه الكيفية كي يعبّر عن عدم ارتياحه للقيود في البلاط.
أيضا في هذه اللوحة شيء من تأثير الرسم الصينيّ والتركيّ، حيث الوجوه الشاحبة والأعين الطويلة. أما حضور الأزهار والذهب في الخلفية فربّما قُصد منهما أن يكونا رمزا للجنّة، وهي فكرة كانت رائجة عند شعراء ذلك الزمان.
ولد رضا عبّاسي في كاشان بإيران عام 1565. وكان والده علي أصغر رسّام منمنمات معروفاً. وقد تلقّى تعليما أوليّا على يد والده ثم انتظم في مدرسة إسماعيل الأوّل. ولم يلبث أن أصبح خطّاطا ورسّاما بارعا. لكنه عُرف أكثر برسم المنمنمات. ثم انتقل من رسم الكتب والمخطوطات إلى تصوير الحياة اليومية في صور مستقلّة. وفي مرحلة تالية عيّنه الشاه عباس الصفويّ رسّاما للبلاط. وفي تلك الفترة بالذات بلغ رسم المنمنمات أوج ازدهاره في بلاد فارس.
كان عبّاسي غالبا ما يوقّع أعماله، مع إضافة التواريخ وتفاصيل أخرى. ويقال انه كان من بين الرسّامين الذين شاركوا في رسم ملحمة الشاهنامة التي توجد مخطوطتها الأصلية اليوم في مكتبة دبلن بآيرلندا. وبعد وفاته في عام 1635، فقدت مدرسة أصفهان أهميّتها ثم بدأ فنّ رسم المنمنمات في إيران في الأفول.
يُذكر أن أعمال رضا عبّاسي موجودة اليوم في العديد من المتاحف حول العالم، مثل المتحف المسمّى باسمه في طهران ومكتبة قصر طوب كابي في اسطنبول ومتحف سميثسونيان والمتحف البريطانيّ ومتحف اللوفر ومتحف المتروبوليتان وغيرها.