ممـرّ إلى الشمـال الغربـيّ
للفنان البريطاني جـون ايفـريت ميلليـه، 1874
للفنان البريطاني جـون ايفـريت ميلليـه، 1874
طوال أكثر من أربعمائة عام، ظلّ البحّارة الانجليز يبحثون عن طريق مباشر يوصلهم إلى المحيط الهادي واليابان والهند. ولم يكن باعثهم لذلك المعرفة الجغرافية أو تطوير إمبراطوريتهم، وإنّما الأرباح الهائلة التي سيوفّرها لهم مثل ذلك الطريق من الاتّجار بالسلع الشرقية، وبخاصّة التوابل.
وقد حفّز الانجليز للبحث عن الممرّ اكتشاف الرحّالة البرتغاليّ فاسكو دي غاما للطريق البحريّ الموصل إلى أفريقيا والهند، وكذلك رحلة ماجيللان الذي أبحر عام 1520 عبر ممرّ جنوبيّ حول رأس الرجاء الصالح وصولا إلى المحيط الهادي.
وبدأ الانجليز بحثهم عما أصبح يُسمّى بالممرّ الشماليّ الغربيّ في مستهلّ القرن السابع عشر. وأشهر حملاتهم كان يقودها بحّار يُدعى جون فرانكلين الذي اختفى دون أن يُعثر له على اثر. ثم تبيّن أن سفينته علقت في ثلوج القارّة القطبية، ما أدّى إلى موت جميع طاقمها.
وكانت آخر مرّة شوهد فيها البحّارة المائة والثلاثون عام 1845م. وتركت تلك الرحلة ذكريات مرعبة عن البحّارة الذين أكلوا لحوم بعضهم من الجوع وعن حالات تسمّم بالرصاص بينهم وموت بالتجمّد البطيء.
ولم يتمّ اكتشاف الممرّ بالكامل إلا بين عامي 1903 و 1906 عندما عبرته لأوّل مرّة سفينة بحّار نرويجي يُدعى رولد اموندسن. وقبل ذلك، كان جيمس كوك قد بدأ البحث عن الممرّ الغامض، ولكنه اكتشف بدلا منه جزر هاييتي.
الممرّ الشماليّ الغربيّ الذي كان يُعتقد انه يوفّر طريقا إلى الشرق كان ممرّا بحريّا تصعب الملاحة فيه، لذا أصبح مرادفا للخطر والفشل والموت، حيث كان البحّارة يصارعون الطقس والعناصر في برّية جليدية لا متناهية ودون أدنى أمل بالعثور على شيء.
والرسّامون الذين تخيّلوا ذلك الممرّ ومحاولات اكتشافه صوّروا في لوحاتهم الجمال المهجور للتضاريس القطبية، مع تفاصيل أخرى كالسفن المحطّمة والبحّارة الغرقى، للإشارة إلى عبثية طموح الإنسان في التغلّب على قوى الطبيعة.
ويقال أن الظروف المناخية الصعبة في الأراضي القطبية والتي أعاقت اكتشاف هذا الطريق المختصر إلى بلاد الشرق أسهمت في مقاومة التوسّع الامبرياليّ الغربيّ ولو إلى حين.
الرسّام جون ايفريت ميلليه اختار طريقة مختلفة لوصف وتصوير قصّة الممرّ من خلال لوحته هذه. فقد استخدم بحّارا متقاعدا يُدعى الكابتن تريلوني، وكان هذا البحّار يلقَّب بالقرصان العجوز بسبب ماضيه الحافل بالأحداث المثيرة. ففي بداية عمله في البحر، اختطفه قراصنة يونانيون ثم أخذوه إلى البرّ وزوّجه زعيمهم من ابنته وأمضى الاثنان شهر العسل في احد الكهوف.
في اللوحة يظهر العجوز وهو جالس في غرفة ببيته أمام طاولة وإلى جواره ابنته. وإذ ينظر إلى المتلقّي، تقرأ عليه ابنته الجالسة عند ركبته بعضا من مذكّراته التي سجّل فيها جانبا من مغامراته للوصول إلى منطقة القطب الشماليّ.
والعجوز يستمع إلى القصص القديمة فيشتعل قلبه بالذكريات ويظهر التأثّر واضحا على وجهه. وعلى الطاولة التي أمامه خريطة ضخمة لممرّ بين جزيرتين. كما انه محاط بأشياء لها علاقة بالسفر والاستكشاف، مثل خريطة وأيضا صورة سفينة معطّلة وسط الجليد تظهر في أقصى يسار الخلفية.
الجانب الأيمن من اللوحة كان يتضمّن صورة حفيدين للعجوز. لكن بعد أن أكمل ميلليه رسمها لم يكن سعيدا بذلك التفصيل، فاستبدله بستارة علّق فوقها أعلام البحرية البريطانية.
كان البحّار العجوز قد قابل ميلليه مرارا. ورغم انه كان يعتبر الرسّام صديقه، إلا انه كان يرفض بإصرار أن يرسمه. لكن زوجة ميلليه أقنعته أخيرا بالفكرة.
رسم الفنّان اللوحة عندما كانت انجلترا تعدّ لحملة بحرية جديدة لاستكشاف الممرّ بقيادة بحّار يُسمّى جورج نيرز. ولهذا السبب، اختار ميلليه عنوانا فرعيّا للوحة يقول: يمكن فعل هذا وانجلترا يجب أن تفعله". ويُفترض أن البحّار العجوز هو من يقول هذا الكلام. والعنوان يشير ضمنا إلى فشل انجلترا المتكرّر في العثور على الممرّ.
بيعت هذه اللوحة بعد رسمها بمبلغ خمسة آلاف جنيه إسترليني. ثم اشتراها هنري تيت عام 1888 وتبرّع بها للمتحف الوطنيّ الذي اُسمي في ما بعد بالتيت غاليري. وقد استُنسخت اللوحة مرارا وأصبحت ترمز لصورة انجلترا كأمّة من المستكشفين الأبطال وبُناة الإمبراطورية.
ولد جون ايفريت ميلليه في يونيو عام 1829 في ساوثامبتون لأسرة معروفة. وقد ظهرت موهبته في الرسم منذ سنّ مبكّرة. وفي عام 1838، انتقل مع عائلته إلى لندن كي يدرس فيها الرسم، وكان آنذاك اصغر طالب في الأكاديمية الملكية.
كان ميلليه احد مؤسّسي حركة الرسّامين ما قبل الرافائيليين والذين كانوا يتبنّون الرسم الواقعيّ مع اهتمام خاصّ بالتفاصيل. وقد نال في اوقات مختلفة عددا من الجوائز عن بعض أعماله.
حياة الرسّام الشخصية لعبت دورا مهما في شهرته. فزوجته كانت متزوّجة من الناقد المشهور جون راسكن الذي كان داعما قويّا لميلليه. كما كانت والدته شغوفة كثيرا بالفنّ والموسيقى. وقد شجّعت موهبته وقال في ما بعد انه يدين لأمّه بالكثير مما حقّقه.
في عام 1853، عُيّن ميلليه أستاذا في الأكاديمية. وفي عام 1896، انتُخب رئيسا لها. لكنه توفّي في نفس ذلك العام متأثّرا بإصابته بسرطان الحنجرة. وقد أمر الملك ادوارد السابع بإقامة تمثال للرسّام أمام متحف تيت تكريما له.
وقد حفّز الانجليز للبحث عن الممرّ اكتشاف الرحّالة البرتغاليّ فاسكو دي غاما للطريق البحريّ الموصل إلى أفريقيا والهند، وكذلك رحلة ماجيللان الذي أبحر عام 1520 عبر ممرّ جنوبيّ حول رأس الرجاء الصالح وصولا إلى المحيط الهادي.
وبدأ الانجليز بحثهم عما أصبح يُسمّى بالممرّ الشماليّ الغربيّ في مستهلّ القرن السابع عشر. وأشهر حملاتهم كان يقودها بحّار يُدعى جون فرانكلين الذي اختفى دون أن يُعثر له على اثر. ثم تبيّن أن سفينته علقت في ثلوج القارّة القطبية، ما أدّى إلى موت جميع طاقمها.
وكانت آخر مرّة شوهد فيها البحّارة المائة والثلاثون عام 1845م. وتركت تلك الرحلة ذكريات مرعبة عن البحّارة الذين أكلوا لحوم بعضهم من الجوع وعن حالات تسمّم بالرصاص بينهم وموت بالتجمّد البطيء.
ولم يتمّ اكتشاف الممرّ بالكامل إلا بين عامي 1903 و 1906 عندما عبرته لأوّل مرّة سفينة بحّار نرويجي يُدعى رولد اموندسن. وقبل ذلك، كان جيمس كوك قد بدأ البحث عن الممرّ الغامض، ولكنه اكتشف بدلا منه جزر هاييتي.
الممرّ الشماليّ الغربيّ الذي كان يُعتقد انه يوفّر طريقا إلى الشرق كان ممرّا بحريّا تصعب الملاحة فيه، لذا أصبح مرادفا للخطر والفشل والموت، حيث كان البحّارة يصارعون الطقس والعناصر في برّية جليدية لا متناهية ودون أدنى أمل بالعثور على شيء.
والرسّامون الذين تخيّلوا ذلك الممرّ ومحاولات اكتشافه صوّروا في لوحاتهم الجمال المهجور للتضاريس القطبية، مع تفاصيل أخرى كالسفن المحطّمة والبحّارة الغرقى، للإشارة إلى عبثية طموح الإنسان في التغلّب على قوى الطبيعة.
ويقال أن الظروف المناخية الصعبة في الأراضي القطبية والتي أعاقت اكتشاف هذا الطريق المختصر إلى بلاد الشرق أسهمت في مقاومة التوسّع الامبرياليّ الغربيّ ولو إلى حين.
الرسّام جون ايفريت ميلليه اختار طريقة مختلفة لوصف وتصوير قصّة الممرّ من خلال لوحته هذه. فقد استخدم بحّارا متقاعدا يُدعى الكابتن تريلوني، وكان هذا البحّار يلقَّب بالقرصان العجوز بسبب ماضيه الحافل بالأحداث المثيرة. ففي بداية عمله في البحر، اختطفه قراصنة يونانيون ثم أخذوه إلى البرّ وزوّجه زعيمهم من ابنته وأمضى الاثنان شهر العسل في احد الكهوف.
في اللوحة يظهر العجوز وهو جالس في غرفة ببيته أمام طاولة وإلى جواره ابنته. وإذ ينظر إلى المتلقّي، تقرأ عليه ابنته الجالسة عند ركبته بعضا من مذكّراته التي سجّل فيها جانبا من مغامراته للوصول إلى منطقة القطب الشماليّ.
والعجوز يستمع إلى القصص القديمة فيشتعل قلبه بالذكريات ويظهر التأثّر واضحا على وجهه. وعلى الطاولة التي أمامه خريطة ضخمة لممرّ بين جزيرتين. كما انه محاط بأشياء لها علاقة بالسفر والاستكشاف، مثل خريطة وأيضا صورة سفينة معطّلة وسط الجليد تظهر في أقصى يسار الخلفية.
الجانب الأيمن من اللوحة كان يتضمّن صورة حفيدين للعجوز. لكن بعد أن أكمل ميلليه رسمها لم يكن سعيدا بذلك التفصيل، فاستبدله بستارة علّق فوقها أعلام البحرية البريطانية.
كان البحّار العجوز قد قابل ميلليه مرارا. ورغم انه كان يعتبر الرسّام صديقه، إلا انه كان يرفض بإصرار أن يرسمه. لكن زوجة ميلليه أقنعته أخيرا بالفكرة.
رسم الفنّان اللوحة عندما كانت انجلترا تعدّ لحملة بحرية جديدة لاستكشاف الممرّ بقيادة بحّار يُسمّى جورج نيرز. ولهذا السبب، اختار ميلليه عنوانا فرعيّا للوحة يقول: يمكن فعل هذا وانجلترا يجب أن تفعله". ويُفترض أن البحّار العجوز هو من يقول هذا الكلام. والعنوان يشير ضمنا إلى فشل انجلترا المتكرّر في العثور على الممرّ.
بيعت هذه اللوحة بعد رسمها بمبلغ خمسة آلاف جنيه إسترليني. ثم اشتراها هنري تيت عام 1888 وتبرّع بها للمتحف الوطنيّ الذي اُسمي في ما بعد بالتيت غاليري. وقد استُنسخت اللوحة مرارا وأصبحت ترمز لصورة انجلترا كأمّة من المستكشفين الأبطال وبُناة الإمبراطورية.
ولد جون ايفريت ميلليه في يونيو عام 1829 في ساوثامبتون لأسرة معروفة. وقد ظهرت موهبته في الرسم منذ سنّ مبكّرة. وفي عام 1838، انتقل مع عائلته إلى لندن كي يدرس فيها الرسم، وكان آنذاك اصغر طالب في الأكاديمية الملكية.
كان ميلليه احد مؤسّسي حركة الرسّامين ما قبل الرافائيليين والذين كانوا يتبنّون الرسم الواقعيّ مع اهتمام خاصّ بالتفاصيل. وقد نال في اوقات مختلفة عددا من الجوائز عن بعض أعماله.
حياة الرسّام الشخصية لعبت دورا مهما في شهرته. فزوجته كانت متزوّجة من الناقد المشهور جون راسكن الذي كان داعما قويّا لميلليه. كما كانت والدته شغوفة كثيرا بالفنّ والموسيقى. وقد شجّعت موهبته وقال في ما بعد انه يدين لأمّه بالكثير مما حقّقه.
في عام 1853، عُيّن ميلليه أستاذا في الأكاديمية. وفي عام 1896، انتُخب رئيسا لها. لكنه توفّي في نفس ذلك العام متأثّرا بإصابته بسرطان الحنجرة. وقد أمر الملك ادوارد السابع بإقامة تمثال للرسّام أمام متحف تيت تكريما له.