Saturday, October 14, 2006

لوحات عالميـة - 108

الحرّيـة تقــود الشعــب
للفنان الفرنسي أوجيـن ديـلاكـــروا، 1830

كان أوجين ديلاكروا أكثر رسّام ارتبط اسمه بالحركة الرومانسية في الفنّ والأدب.
وقد اقتفى الفنّان خطى الشاعر بايرون إلى اليونان، فصوّر بخياله مشاهد عنيفة ومؤثّرة من حرب الإستقلال اليونانية التي شارك فيها الشاعر الرومانسي الإنجليزي الأشهر.
هذه اللوحة ربّما تكون أشهر أعمال ديلاكروا وأكثرها احتفاءً، وقد أصبحت رمزا للثورة والحرّية. وفيها يصوّر الفنان انتفاضة الشعب الفرنسي عام 1830 ضدّ حكم عائلة دي بوربون على أمل استعادة النظام الجمهوري الذي نشأ مباشرةً بعد اندلاع الثورة الفرنسية الأولى في العام 1789 م.
الشخصية المحورية في اللوحة هي رمز الحرّية نفسه. وقد رسمه ديلاكروا على هيئة امرأة فارعة الطول وحافية القدمين وقد انزلق رداؤها عن صدرها في خضمّ المعمعة وانشغالها بحشد الناس من حولها استعدادا للمعركة النهائية التي ستقود إلى الحرّية والخلاص.
تبدو المرأة هنا وهي ترفع العلم بيد وتمسك بالاخرى بندقية وقد أشاحت بنظرها جهة اليمين كما لو أنها غير آبهة بأكداس الجثث أمامها ولا بما يجري حولها من جموح وغضب.
ومن بين سحب الدخان في الخلفية تظهر أبراج كنيسة نوتردام التي رسخ اسمها في الأذهان بعد رواية فيكتور هوغو لتصبح في ما بعد رمزا للرومانسية الفرنسية.
ولم ينس ديلاكروا أن يرسم نفسه في اللوحة إذ يبدو في يسار اللوحة مرتديا قبّعة طويلة وممسكا ببندقية.
كانت عادة الفنّانين والشعراء منذ القدم أن يرمزوا للحرّية والعدالة بنساء جميلات. وقد كرّس الفرنسيون هذا التقليد باختيارهم "ماريان" رمزا للحرّية الفرنسية.
واختيار ديلاكروا لامرأة عارية الصدر كرمز للحرّية قد يكون أراد من خلاله الإشارة إلى أن الثورة تنطوي على "إغراء وفتنة"، وإلى أن العنف الذي يصاحبها هو جزء لا يتجزّأ من الإيمان بالتغيير الجذري وحكم الجماهير.
الثوّار المنتفضون فشلوا في إعادة الجمهورية آنذاك، لكنهم استطاعوا إنهاء الحكم الملكي المطلق واستبداله بملكية نيابية.
ومضمون هذه اللوحة، العنيف إلى حدّ ما، قد لا يعبّر عن النتيجة التي آلت إليها الثورة في النهاية، إذ انتهت بظهور نخبة بورجوازية عاقلة استلمت الحكم وأعادته تدريجيا إلى الشعب.
"الحرّية تقود الشعب" قد تكون تجسيدا للحّرية التي تخالطها الفوضى، ومن المرجّح أن يكون ديلاكروا قصد أن يكون المشهد بعموم تفاصيله وشخصياته تعبيرا عن معنى الثورة في بعدها الرمزي والفلسفي، أي ذلك المزيج من الجموح والشهوة والجريمة والعنف.