Thursday, November 09, 2017

لوحات عالميـة – 427

حقول الخشخاش بالقرب من ارجنتوي
للفنان الفرنسي كلـود مـونيـه، 1873

كان من عادة الانطباعيين أن يولوا أهميّة خاصّة للانطباع الفوريّ للمنظر مع إغفال معناه أو دلالته. وقد قدّموا في أسلوب رسمهم الجديد نظرة حديثة عن عالم مقبول ومحتفى به.
كلود مونيه كان الشخصية الرائدة والأكثر أهمّية في الحركة الانطباعية. وكان هو وزملاؤه، بيسارو ورينوار وسيسلي، مهتمّين كثيرا بالإمساك بالتأثيرات البصرية لضوء الشمس على ألوان وأشكال الطبيعة.
في هذه اللوحة، والتي رسمها في نفس الوقت تقريبا الذي رسم فيه لوحته المشهورة انطباع عن شروق الشمس، يكشف مونيه عن شغفه بالألوان برسمه منظرا لحقول الخشخاش في بلدة ارجنتوي الواقعة على ضفاف نهر السنين على بعد حوالي عشرة كيلومترات من باريس.
كان الفنّان قد عاش في تلك البلدة حوالي ستّ سنوات من عام 1871 إلى 1878. وهو يستذكر في اللوحة نزهة قام بها على الأقدام بصحبة زوجته وابنه في احد أيّام الصيف.
في مقدّمة الصورة تظهر زوجته كميل التي تمسك بمظلّة وتعتمر قبّعة مع ابنه جان الذي يمسك بباقة من الأزهار بينما يختفي وسطه بين العشب. وهما مرسومان بضربات من البنفسجيّ والأصفر والأسود. وفي أعلى التلّة تظهر امرأة أخرى وطفل، وليس هناك ما يشير إلى ارتباط بين المرأتين.
الصورة تتضمّن نُسُجا وأشكالا متنوّعة للأشخاص والأزهار والعشب والنباتات والسحب دون تفصيل كثير. والأزهار مرسومة ببقع من الأحمر الذي يلمع وسط الحقول الفارهة الخضرة. وفي الأفق يظهر خطّ من الأشجار يقوم في وسطه منزل بسطح من القرميد البرتقاليّ اللون.
من التفاصيل التي تلفت الاهتمام في اللوحة معطف زوجة الرسّام القاتم الألوان، والتباينات اللونية الحادّة على قبّعتها، والبقع الحمراء الفضفاضة التي توحي بنبات الخشخاش الذي يعطي اللوحة اسمها.
والاسم الذي اختاره مونيه للوحة يصرف الاهتمام عن الأشخاص ويركّز بدلا من ذلك على التأثير البصريّ الفوريّ للأزهار الحمراء.
المنظر نفسه حديث لأنه يصوّر المصطافين من الطبقة الوسطى في مكان يلتقي فيه عالم الطبيعة مع البيئة الحضرية التي ترمز إليها الفيللا الحديثة. وهناك ما يوحي بأن المكان قريب من العمران وليس في قلب الريف تماما.
كتب مونيه ذات مرّة إلى زميل له يقول: عندما تذهب إلى خارج البيت لترسم، حاول أن تنسى الأشياء التي أمامك: شجرة، بيت، أو حقل أزهار. ضع مربّعا صغيرا من الأزرق هنا ومستطيلا من الزهريّ هناك وإلى جواره ضع خطّا من الأصفر، وارسم كما لو أن الألوان تنظر إليك إلى أن تنتهي من تصوير انطباعك الفوريّ عن المنظر الذي أمامك".
وهذا ما فعله مونيه في هذه اللوحة، فأشخاص المرأتين والطفلين تتألّف من خطوط وبقع لونية لا تكاد تكشف عن ملامحهم، لكنها تكفي لإظهار هيئاتهم.
أعظم انجازات الرسّام هي فهمه المتقن للعلاقة بين الضوء واللون، ولوحاته التي رسمها في ارجنتوي خاصّة توفّر أفضل الأمثلة على هذا.
مونيه معروف، على وجه الخصوص، بوقته الذي قضاه في بلدة جيفرني. لكنه أيضا قضى سنوات في ارجنتوي، حيث رسم هناك أكثر من مائة وثمانين لوحة، وأصبح منزله في تلك الضاحية مزارا للسيّاح والمهتمّين بالفنّ.
وقد استقرّ فيها الفنّان بعد عودته من زيارته للندن في عام 1782. ورسم فيها سلسلة من المناظر لقوارب مبحرة في الميناء، كما رسم الماء والناس والحدائق. وأصبحت البلدة حاضنة للفنّانين، إذ سرعان ما التحق به هناك كلّ من رينوار ومانيه وسيسلي.
في ذلك الوقت، كانت أعداد متزايدة من سكّان باريس يتوافدون على البلدة لزيارتها والاستمتاع بالحياة فيها، لأنها كانت توفّر لهم نوعا من المتنفّس بعيدا عن حياة باريس الحضرية الصاخبة والمزدحمة.

Sunday, November 05, 2017

لوحات عالميـة – 426

الليـل: مينـاء في ضـوء القمـر
للفنان الفرنسي كلـود جوزيـف فيـرنيه، 1771

كان كلود فيرنيه احد أشهر الفنّانين الذين تخصصوا في رسم المناظر البحرية في القرن التاسع عشر.
وكانت أعماله مثار إعجاب الكثيرين. وقد امتدحه الفيلسوف الفرنسيّ دونيه ديديرو وتعجّب من قدرته على التوفيق بين عدّة تأثيرات متباينة للضوء. كان ديديرو مفتونا بمناظر الطبيعة، خاصّة عندما تكون في حالة ثورة وغضب، وكان يجد فيها بعضا من مظاهر الفخامة والعظمة.
فيرنيه نفسه كان متأثّرا بمناظر الطبيعة الكلاسيكية لنيكولا بُوسان وكلود لوران وبالمناظر البحرية لمناطق شمال أوربّا في القرن السابع عشر. وقد تلقّى في روما تدريبا على يد كلّ من الرسّامين اندريا لوكاتيللي وجيوفاني بانيني.
وهذه اللوحة تُعتبر نموذجا للمناظر التي كان يرسمها. وهي لا تصف مكانا محدّدا، لكنها تستدعي شاطئا متوسّطيا ربّما كان في جنوب نابولي. وفيها نرى مشهدا ليليّا لمجموعة من صيّادي الأسماك. بعضهم يستريحون على الشاطئ بعد عناء يوم عمل ويُعدّون طعامهم على نار بسيطة، بينما يظهر آخرون وهم يصطادون على ضوء القمر.
وإلى اليمين نرى برجا محصّنا وضخما يذكّر بمباني وقلاع القرون الوسطى. وعلى مسافة يمكن رؤية سفينتين كبيرتين مبحرتين في الخليج.
ظلمة الليل ينيرها مصدران للضوء؛ ضوء النار على الشاطئ والضوء الرائع للقمر المكتمل الذي ينبثق من بين السحب ليعكس أنواره على الأمواج إلى الأسفل.
اللوحة هي واحدة من سلسلة من أربع لوحات صوّر فيها الرسّام أربعة أوقات مختلفة من اليوم وركّز فيها على إظهار الإمكانيات اللانهائية للطبيعة والتأثيرات المتباينة للضوء والمناخ خلال ساعات اليوم.
في اللوحة الأولى، أي هذه، رسم فيرنيه الليل. وفي الثانية رسم الصباح وفيها نرى أجواءً ضبابية مع صيّادين في قواربهم. أما اللوحة الثالثة فتصوّر فترة منتصف النهار مع عاصفة قويّة. واللوحة الأخيرة عن المساء وتصوّر مجموعة من النساء يغسلن ملابسهنّ.
وهذه السلسلة تُعتبر أفضل أعمال فيرنيه، وقد رسم المناظر الأربعة في أماكن مختلفة. أما الشخص الذي كلّفه برسمها فكان ثريّا ايرلنديا كان في رحلة إلى روما وتصادف أن التقى الرسّام هناك.
وقد وضع الفنّان اسكتشا لكلّ لوحة من وحي الطبيعة وبحث عن زوايا أصلية وضمّنها تأثيرات ضوء خاصّة. ويُرجّح انه نفّذ هذه اللوحة بالذات في فرنسا، أي بعد عودته من ايطاليا. وهي مرسومة بأسلوب جريء وحرّ، خاصّة منظر السماء والقمر، وعلى نحو يذكّر بأسلوب الرسم الايطاليّ.
أعمال فيرنيه كلّها هي عن الطبيعة. والعنصر العاطفيّ والانفعاليّ فيها محسوب بعناية. وقد ظلّ محافظا على هذا الأسلوب طوال حياته.
ولد كلود جوزيف فيرنيه في أغسطس من عام 1714 لأب كان يعمل رسّام ديكور. وقد عمل في ورشة والده لبعض الوقت، لكن عمله لم يكن يرضي طموحه. فذهب إلى ايطاليا عام 1734، وتركت رحلته تلك أثرا لا يُمحى على مسيرته الفنّية.
في روما، عاش الرسّام حوالي عشرين عاما درس خلالها مناظر البحر وأنتج لوحات تصوّر مناظر لموانئ وعواصف وحيتان، واجتذبت صوره اهتمام الكثيرين وأصبحت له شعبية كبيرة، خاصّة عند الارستقراطيين الانجليز.
وفي عام 1745، استُدعي إلى فرنسا بأمر من الملك كي يرسم سلسلة من اللوحات لموانئ فرنسا. وهذه اللوحات موجودة اليوم في متحف اللوفر.
يقول بعض النقّاد إن فيرنيه كان أوّل رسّام استطاع أن يجعل الإنسان جزءا لا يتجزّأ من المنظر المرسوم وعنصرا مهمّا جدّا فيه. ورسوماته عموما تهتمّ بالتأثيرات المناخية مع إحساس عال بالتناغم يذكّر بمناظر مواطنه الرسّام كلود لوران الذي عاش هو أيضا في ايطاليا.

Wednesday, November 01, 2017

لوحات عالميـة – 425

امـرأة تقـرأ رسـالة
للفنان الهولندي يوهـان فيـرميـر، 1660

بعض الروائيين، من أمثال مارسيل بروست وأغاثا كريستي وتريسي شيفالييه وسوزان فريلاند وكاثرين ويبر وغيرهم، استدعوا مناظر فيرمير في أعمالهم الأدبية. وقد يكون احد الأسباب هو الغموض الذي يحيط بهذا الرسّام بعد أن عاش مائتي عام في عالم النسيان بعد موته. كما أن السمة السردية للوحاته تتيح لكلّ شخص أن يؤلّف قصّة خاصّة عنها.
لوحات فيرمير عن الحياة المنزلية للهولنديين تأخذ المتلقّي إلى مكان وزمان مختلفين. ورغم مرور أكثر من ثلاثمائة عام على وفاته، إلا انه ما يزال لصوره نفس النوعية ونفس القوّة والقدرة على إشراك المتلقّي وجعله جزءا من القصّة.
أحيانا يقال أن فيرمير كان يرسم فنّاً من اجل الفنّ. لكن هذا الرأي لا يدعمه الواقع، فقد كان يرسم غالبا بتكليف من الآخرين، ولو كان يرسم لنفسه أو من اجل المتعة الشخصية لكان هذا الكلام صحيحا.
في هذه اللوحة، يصوّر فيرمير امرأة تقف جانبيّا وسط غرفة وترتدي معطفا من الساتان الأزرق الشاحب بينما تقرأ رسالة. وجهها في الظلّ تقريبا وفمها مفتوح بعض الشيء ورأسها منحنٍ إلى الأمام قليلا. وعلى الطاولة التي أمامها، هناك عقد من اللؤلؤ والصفحة الأولى من الرسالة.
ويبدو أن الرسالة وصلتها للتوّ، لذا أوقفت كلّ شيء لتقرأها. وفيرمير يمسك بلحظة التركيز هذه. وهو يأخذك إلى اللوحة، أي إلى داخل الغرفة مع كرسيّ اختار مكانه بعناية كي يعطيك إحساسا غير عاديّ باللحظة. وفيرمير كان بارعا في خلق هذا النوع من الارتباطات بين الشخص المرسوم والمتلقي.
بحسب بعض النقّاد، يمكن اعتبار هذه اللوحة سيمفونية باللون الأزرق. تنوّعات الأزرق وظلال الأبيض فيها تشير إلى يد معلّم ماهر. وما فعله فيرمير بالأزرق هنا مذهل، كما تُظهره الألوان الثريّة في معطف المرأة، وأيضا أضواء الصباح التي تتخلّل كامل جوّ الغرفة بما في ذلك الأزرق المنعكس على الجدران.
كان فيرمير يصنع أزرقه الجميل، أو الأزرق السماويّ كما كان يسمّيه فان غوخ، من حجر الفيروز. وكان هذا الحجر يُجلب من جبال أفغانستان في القرن السابع عشر. وكان من عادة فيرمير أن يطحن قطعة من الفيروز ثم يضيف إليه الزيت كي يزيد من تماسكه.
ولأنه لم تكن توجد في ذلك الوقت زجاجات محكمة لحفظ الألوان كما هو الحال اليوم، فقد كان يمزج قدرا قليلا من الطلاء كلّ يوم، وبما يكفي لتغطية منطقة بعينها من القماش التي يعمل عليها.
المنظر في اللوحة يعكس مزاجا هادئا ومتأمّلا، لكنه يترك للناظر مهمّة الإجابة على بعض الأسئلة المعلّقة. مثلا من هي المرأة؟ وماذا تقول الرسالة؟ ومن كتبها؟
ثم ما مغزى الابتسامة الخفيفة على وجهها؟ والانتفاخ الظاهر في مقدّمة بطنها هل يؤشّر إلى أنها حامل، أم أنها كانت موضة اللباس في ذلك العصر؟ وعقد اللؤلؤ على الطاولة هل هو هديّة مثلا؟ وما أهميّة الخارطة على الجدار؟
قد تكون الرسالة وصلت من شخص ما في مكان بعيد، وقد يكون مرسلها شخصا تحبّه المرأة. وربّما أُرسلت من على متن إحدى السفن الهولندية التجارية التي جعلت من هولندا بلدا غنيّا في القرن السادس عشر.
فيرمير لا يقول لنا شيئا عن هذه الأمور، رغم انه وحده من يعرف القصّة الحقيقية. لكن ما يهمّ في نهاية الأمر هو حقيقة أن المشهد حميم، وكلّ شخص يمكن أن يؤلّف عنه قصّة.
استخدم الرسّام ظلالا مختلفة من الأزرق لرسم خطوط المعطف. وهو، أي المعطف، واضح من الأمام لأن المرأة تواجه الضوء الآتي من النافذة غير المرئية، لكنه معتم من الخلف، أي في منطقة الظلّ. والأزرق يتحوّل إلى نوع من الأزرق الرماديّ خلفها، وهو أمر يشهد على براعة غير عادية في توظيف اللون والضوء.
كان من عادة فيرمير أن يُرفق بعض لوحاته بخارطة لهولندا. لكن الخارطة هنا قد توحي بأن المرأة متزوّجة من رجل يعمل في التجارة، وقد تكون رمزا للهويّة أو الجنسية. وفي كلّ الأحوال، هي مرسومة بطريقة جميلة وتناسب الخلفية.
يقال انه يجب أن ترى اللوحة الأصلية لكي تفهم سرّ عبقرية فيرمير الفنّية، خاصّة مهارته في رسم الضوء واللون على القماش. والشيء المذهل هو انه خلق كلّ هذه التأثيرات المدهشة دون أن يترك أثرا لأيّ فرشاة.
المعروف أن هذه اللوحة سافرت قبل أربع سنوات من مكانها الدائم في متحف ريكس الهولنديّ إلى كل من شانغهاي وساوباولو ولوس انجيليس كي تُعرض على الجمهور هناك، قبل آن تعاد إلى أمستردام ثانيةً في عام 2013.

Friday, October 27, 2017

لوحات عالميـة – 424

منظـر طبيعـيّ من بـورمي
للفنان الفرنسي هنـري إدمـون كـروس، 1908

يشير مصطلح الانطباعية الجديدة إلى أسلوب في الرسم توضع فيه الألوان على رقعة القماش كنقاط صغيرة جنبا إلى جنب. والناظر يرى هذه الألوان من مسافة كمزيج بصريّ وكأنماط زخرفية تشبه الموزاييك.
وبداية الفكرة تعود إلى عام 1880، عندما درس الرسّام الفرنسيّ جورج سورا بعض الكتابات التي تتحدّث عن نظرية الألوان، ثم ابتكر تقنية جديدة في الرسم اسماها فصل الألوان أو التقسيمية. والميزة الأساسية لها هي أنها تعطي وهجا وحيوية اكبر للألوان.
وعندما توفّي سورا في سنّ مبكّرة خلفه بول سيغناك الذي استبدل تسمية التقسيمية بالنقطية. وفي عام 1886 استبدل الناقد فيليكس فينيون المصطلح بالانطباعية الجديدة.
ولم تلبث هذه الحركة أن انتشرت إلى بلجيكا وهولندا على أيدي رسّامين مثل فان ريسلبيرغ ويان توروب وغيرهما. وحتى فان غوخ عاصر هذه الحركة واهتمّ بنظريات زعيمها سورا ورسم عدّة لوحات بطريقة النقطية.
ومن أشهر شخصيّاتها أيضا هنري كروس وماكسيميليان لوس وسيغناك، ثم انضمّ إليهم في ما بعد كميل بيسارو. وكلّ هؤلاء وظّفوا النظريات العلمية للون والإدراك كي يخلقوا تأثيرات بصرية مستلهمين الأساليب التي طوّرها العلماء.
وكثير من الانطباعيين الجدد كانوا يستخدمون تجانبات وتمازجات غير متوقّعة من الألوان على رقعة الرسم لخلق أضواء لامعة وذات بريق أخّاذ.
كان هنري كروس احد ممثّلي هذه الحركة التي لم تعش طويلا. وهو في هذه اللوحة، يرسم منظرا طبيعيا من بلدة بورمي في جنوب فرنسا التي عاش فيها اعتبارا من عام 1891.
والصورة عبارة عن منظر طبيعيّ لتلال تظهر في مقدّمتها أشجار زيتون وأعداد من الماعز. وفي الخلفية تتناثر أشجار أخرى مرسومة بالألوان الخضراء والزرقاء والأرجوانية والبرتقالية والصفراء.
ويلاحظ أن الرسّام أضفى على الطبيعة سمة زخرفية، كما رسم أفرع أشجار الزيتون بأشكال حلزونية تذكّر بالرسم اليابانيّ. وبدلا من الاكتفاء بلمسات نقطية رفيعة، رسم الفنّان بقع ألوان كبيرة وبيضاوية مليئة بالحركة والطاقة. والطبيعة المحيطة تستثير الأضواء اللامعة لجنوب فرنسا والتي تضفي على المشهد تأثيرات مدهشة.
وقد بدأ كروس رسم اللوحة في محترفه كي يسمح للخيال أن يهيمن على عمله ولكي يجسّد رؤيته الداخلية، ثم أكمل رسمها أمام الطبيعة لتحقيق التناغم المطلوب.
وفكرة الرؤية الداخلية تتوافق مع اعتقاد الانطباعيين الجدد بأن رسم الطبيعة يجب أن يركّز على النواحي الدائمة والأبدية وليس على الأشياء العابرة والمتغيّرة للطبيعة كما كان يفعل الانطباعيون.
تأثير الانطباعية الجديدة استمرّ لبعض الوقت، رغم أنها كانت مجرّد فترة انتقالية في تاريخ الرسم. وفقط بضعة رسّامين ظلّوا مخلصين للحركة مثل كروس وسيغناك، بينما كان آخرون مثل ماتيس وبراك وديرين وبيسارو وديلونيه ينظرون إليها على أنها مجرّد خطوة باتجاه شيء ما مختلف وجديد.
ومعظم الانطباعيين الجدد كانوا يتبنّون أفكار اليسار السياسيّ الفرنسيّ، وهذا واضح في رسومات سورا عن الطبقة العاملة. كما كانت الرؤى المثالية للاشتراكية الفوضوية واضحة في المناظر اليوتوبية التي رسمها الانطباعيون الجدد والتي تمزج بين المضمون الإيديولوجيّ والنظرية الفنّية.
وحتى عندما لا يكون الدافع وراء رسوماتهم سياسيّا فإن تصويراتهم اللامعة والأنيقة للمدن والبحر والضواحي والمناطق الريفية كانت تعكس بحثهم الدائم عن التناغم.
في لوحة أخرى بعنوان أشجار صنوبر على الشاطئ ، يرسم كروس أشجار صنوبر في نفس هذه المنطقة المطلّة على البحر المتوسّط. وهو ينسج من ألوان باردة سطحا يشبه التطريز. واللوحة التي تتألّف من طبقات من الألوان المشعّة هي مثال رائع على الطبيعة الناضجة للفنّان.
ولد هنري ادمون ديلاكروا في مايو من عام 1856، وفي ما بعد غيّر اسمه الأخير إلى كروس كي يميّز نفسه عن الرسّام اوجين ديلاكروا.
وبدأ الفنّان دراسته للرسم عام 1878 في أكاديمية الفنّ في ليل ثم في باريس. وقد تأثّر في بداياته بباستيان لابيج ومانيه وبالرسّامين الانطباعيين. وكان يعرض أعماله بانتظام في صالون المستقلّين بباريس.
صداقة كروس مع سيغناك أكسبته مزيدا من الثقة، فرسم مناظر للبحر والحياة في الريف. لكن ابتداءً من عام 1890 بدأ يتخلّى عن الألوان النقطية الصغيرة ويرسم بضربات فرشاة اعرض. وفي عام 1905 نظّم أوّل معرض منفرد للوحاته.
مناظر كروس الطبيعة لا تخلو من شاعرية، وهي تذكّر بالأشكال الانطباعية في الرسم اليابانيّ، كما أنها تقدّم رؤية "اركادية" مثالية وتوصل إحساسا بالخلود.
توفي الرسّام في باريس عام 1910 عن ثلاثة وخمسين عاما متأثّرا بإصابته بمرض السرطان.

Sunday, October 22, 2017

لوحات عالميـة – 423

أغنـية الـراعـي
للفنان الفرنسي بييـر بوفـي دو شافـان، 1891

بعض الحركات الفنّية نشأت كمحصّلة لعقود من التغيير الثقافي، والبعض الآخر ظهرت نتيجة للاكتشافات الحديثة.
وقريباً من نهاية القرن التاسع عشر، نشأت حركات فنّية ابتدعها وقادها كتّاب وأدباء. ففي عام 1886، نشر الشاعر والناقد الفرنسيّ جان موريه في جريدة لوفيغارو ما عُرف بالبيان الرمزيّ.
في ذلك الوقت، كانت الرومانسية هي المهيمنة على الفنّ والأدب في أوربّا طوال ثمانين عاما. وقد دعا موريه في بيانه إلى التحوّل من التصوير الطبيعيّ للعالم إلى التعبير عن الأفكار الذاتيّة، أي أن يركّز الفنّانون على تصوير رؤاهم الخاصّة باستلهام عالم الأساطير الغامضة. ومن هنا ولدت الرمزية في الفنّ والأدب.
وقد اعتنق العديد من الرسّامين الفكرة الجديدة وطوّروا من خلالها أسلوب رسم مبتكرا ومبسّطا. وكان في طليعة هؤلاء كلّ من بول غوغان وبيير بوفي دو شافان اللذين حوّلا مشاهد الحياة اليومية إلى ما يشبه الطقوس.
ثم لم يلبث أن تبعهم آخرون مثل اوديلون ريدون الذي ساعده خياله الجامح على منح حياة جديدة لهذه الفكرة من خلال مخلوقاته المهجّنة والظلاميّة.
لكن غوستاف مورو يُعتبر بنظر الكثيرين الأب الروحيّ للرمزية. وقد تطوّرت هذه الحركة في ما بعد إلى نسخات جديدة، ومن عباءتها خرج رسّامون أصبحوا مشهورين جدّا مثل غوستاف كليمت وإدفارد مونك وغيرهما.
ويمكن القول اليوم أن الرمزية كانت محطّة انفعالية ومظلمة في تاريخ الرسم. لكنها أسهمت إلى درجة كبيرة في ظهور فنّ الحداثة والفنّ الرؤيويّ اللذين نعرفهما اليوم.
في هذه اللوحة، يرسم بيير بوفي دو شافان منظرا يمثّل أصل الفنون في الأزمنة القديمة. وفيه تظهر امرأتان مع رجل في منظر ريفيّ بسيط يذكّر بأركاديا. وبالقرب منهم يجلس راعٍ على منحدر وهو يعزف الناي برفقة قطيعه وكلبه.
وفي خلفية المنظر يلوح جزء من بحيرة أو غدير تحت سماء غائمة. والملاحظ أن الرسّام استمدّ وضعيات المرأتين والرجل، وحتى ملامح وجوههم، من التماثيل الكلاسيكية القديمة التي كان معجبا بها كثيرا.
كانت هذه اللوحة جزءا من سلسلة من الجداريات الزخرفية التي نفّذها الفنّان لصالح متحف الفنون الجميلة في مدينة ليون. وقد أراد منها أن تكون تجسيدات رمزية لأصول الفنّ.
وفي نفس تلك السنة تلقّى تكليفا برسم تسع جداريات لمكتبة بوسطن الأمريكية. وكانت تلك هي المرّة الوحيدة التي يتلقّى فيها عرضا بالعمل خارج فرنسا. واعتُبرت تلك الخطوة مؤشّرا على الاهتمام الذي أصبح يحظى به فنّ دو شافان خارج وطنه.
ترجمة الرسّام الشاعرية للمواضيع التاريخية والأسطورية، بالإضافة إلى توليفاته المبسّطة وألوانه الطباشيرية والشاحبة كانت مصدر إلهام للعديد من الفنّانين في ذلك الوقت الذين كانوا يتطلّعون إلى بديل عن الانطباعية، بمن فيهم غوغان وسورا.
ومن الواضح أن اللوحة تفتقر للعنصر السرديّ، وهذا هو بالضبط ما كانت تدعو إليه الرمزية، أي رفض السرد والتركيز على التجسيد الذاتيّ للأفكار والمشاعر.
كان للحركة الرمزية معارضون. وهؤلاء كانوا يأخذون على الرمزيين خلوّ أعمالهم من السرد والسيكولوجي لمصلحة الشعر الحزين غالبا والأجواء التي لا تثير سوى الكآبة والمأساة والصمت.
وكان هؤلاء المعترضون يشيرون إلى انه بدلا من رسم الماضي والاحتفاء بالأفكار المثالية عن التأمّل والجمال، يجب على الرسّامين أن يصوّروا العالم المضطرب من حولهم والحياة اليومية بكلّ متاعبها وتناقضاتها.
ولد بيير بوفي دو شافان في ليون في سبتمبر عام 1824. وتلقّى تعليمه الأوّليّ في مدرسة ليون وتتلمذ على يد اوجين ديلاكروا وتوما كوتور، كما كان معجبا بثيودور شازيريو.
وأثناء حياته كان دو شافان مشهورا. وحتى بعد وفاته ظلّ معروفا في أوربّا وأمريكا لبعض الوقت. لكن اسمه توارى عن الأنظار بعد أفول نجم الرمزية بسبب طغيان الانطباعية.
لكنْ هذه الأيّام لم يعد اسمه يعكس أهمّيّة أو مكانة ما، لأنه لا يشبه فان غوخ او مونيه أو سيزان وغيرهم ممّن يُغرم بهم الجمهور وأعمالهم تُعرض في كلّ مكان وتُباع بأغلى الأسعار.
بعد الحرب العالمية الأولى نسي الناس اسم دو شافان تماما تقريبا، رغم ظهور بعض الكتب التي تمجّد فنّه هنا وهناك. والمفارقة أن أسماء بعض أتباعه مثل ماتيس وبونار وفويار كانت تنتشر بسرعة وتنال، وما تزال، ثناء النقّاد والجمهور.
توفّي بيير دو شافان في باريس في أكتوبر عام 1898 عن ثلاثة وسبعين عاما. ولوحاته موجودة اليوم في بعض الكنائس والمباني العامّة وفي عدد من أفضل المتاحف في فرنسا.

Wednesday, October 18, 2017

لوحات عالميـة – 422

آخـر أيّـام بـومبـي
للفنان الروسي كـارل بـريـولـوف، 1830

إبتداءً من منتصف القرن الثامن عشر، أصبحت قصّة ثوَران بركان فيزوف موضوعا يثير افتتان الناس واهتمامهم. وفي نفس الوقت بدأ علماء الآثار عمليات الحفر بحثا عن مدينة بومبي القديمة والمدفونة تحت رماد البركان.
كانت تلك الحادثة ذات جاذبية خاصّة بالنسبة للرسّامين الرومانسيين. ومن بين هؤلاء كارل بريولوف الذي قضى في ايطاليا ثلاثة عشر عاما درس خلالها مدارس الفنّ وأعمال كبار الرسّامين.
وأثناء إقامته في ايطاليا، وبالتحديد عام 1827، زار الرسّام مواقع التنقيب والحفر في بومبي ورأى المدينة محفوظة تحت طبقات كثيفة من الرماد. كانت الكارثة سريعة ومفاجئة وأدّت إلى مقتل غالبية سكّان المدينة في يوم واحد وتوقُّف الحياة بشكل تامّ.
ولكي يرسم منظر الكارثة، بدأ بريولوف بدراسة الآثار التي وُجدت في مكان الحادثة، ثم قرأ الرسائل التي كتبها المؤرّخ الرومانيّ بليني الابن الذي كان شاهد عيان على ما حلّ ببومبي وجارتيها هيركولانيوم وستابيا.
كما قضى الرسّام وقتا طويلا في المتاحف محاولا أن يتخيّل كيف تصرّف الناس بعد الكارثة، وحضر في فلورنسا عرضا أثار مخيّلته لأوبرا تتحدّث عن الواقعة.
قبل عشر سنوات من ثوران بركان فيزوف، كانت بومبي قد تعرّضت لزلزال قويّ أثّر على كلّ مبانيها ومعالمها، لكن أمكن إصلاح الأضرار واستمرّ الناس في حياتهم اليومية كالمعتاد.
لكن في احد أيّام أغسطس من عام تسعة وسبعين للميلاد، وبحسب رواية بليني، رأى سكّان المدينة في إحدى الليالي عمودا من الدّخان يخرج من فوّهة بركان فيزوف ويرتفع عشرات الأميال في السماء.
وقد نظر الناس حولهم مندهشين، وفهموا وهم يرون تساقط الرّماد الأوّل على أسطح منازلهم أن الوضع ينذر بالخطر. لذا جمعوا كلّ ما يستطيعون حمله من منازلهم من حُليّ وأشياء أخرى ثمينة ثم اندفعوا إلى الشوارع. والقليلون ممّن كُتبت لهم النجاة اخذوا القوارب وهربوا باتجاه البحر.
لكن مع ساعات الصّباح الأولى، شقّت سحابة هائلة من الغاز والرماد طريقها إلى أسفل الجبل، وفي ثوان معدودات قُتل جميع من بقي من الأهالي الذين كانوا يحاولون الهرب.
ومن خلال دراسة العظام والبقايا في مكان الكارثة، توصّل العلماء إلى أن الهاربين حُبسوا داخل سحابة ضخمة وصلت حرارتها إلى أكثر من تسعمائة درجة فهرنهايت. وقد ماتوا على الفور نتيجة الصدمة الحرارية، وليس بسبب الاختناق البطيء كما كان العلماء قد استنتجوا من قبل.
كانت بومبي قبل البركان مدينة تجارية مزدهرة يقطنها حوالي عشرين ألف شخص ثلثهم تقريبا من الأطفال. وكانت بيوتها ملحقة بحدائق وأفنية وجداريات من أزهار ونباتات. كما كانت المدينة تتمتّع بنظام محكم لتوزيع وتصريف المياه عبر قنوات محفورة تحت الأرض.
وطوال قرون بعد البركان، مُسحت المدينة من على وجه الأرض واختفت تماما تقريبا من الذاكرة. وعندما زار بريولوف أطلالها فتنه المنظر وتخيّل انه مسافر إلى الوراء عبر الزمن.
وقد صوّر في لوحته هذه فئات مختلفة من مواطني بومبي وردود أفعالهم في اللحظات التي أعقبت ثورة البركان. والصورة يضيئها اللهب المنبعث من البركان والبرق القادم من السماء. والناس فيها إمّا هاربون أو متجمّدون في أماكنهم وهم ينظرون بهلع إلى ما يحدث بينما يحاولون حماية أنفسهم من الحمم والحجارة المتطايرة.
وكلّ تفاصيل اللوحة دقيقة من الناحية التاريخية، بدءا من الشارع الذي تدور فيه الأحداث، إلى شكل الملابس ووضعيات الأشخاص. الصورة نفسها تضجّ بالحياة، من حركة الأشخاص إلى تأثيرات الضوء وتعبيرات الرعب واليأس المرتسمة على الوجوه.
في تسجيله للحادثة، يشير بليني إلى انه كان يسمع أصوات الأطفال والرجال والنساء وهم يصرخون ويرفعون أيديهم إلى الله طالبين منه أن يرأف بحالهم وينقذهم ممّا هم فيه من كرب وبلاء.
مصدر الضوء الرئيسيّ في الصورة هو البرق القويّ الذي يضرب منتصفها، حيث نرى امرأة ميّتة ممدّدة على الأرض وإلى جوارها طفلها الذي يحاول الوصول إليها.
والرسّام يحاول أن يُظهر الإنسانية على حقيقتها، فالمأساة حلّت بالجميع ولم تميّز بين شخص وآخر. في منتصف الصورة، يظهر شخص رافعا يده ومطلقا صرخة خوف وعجز، بينما يبسط وشاحه فوق رأسه وفوق امرأة مع طفلها لتفادي الحجارة الطائشة. وخلفهم يظهر كاهن يرتدي ملابس بيضاء.
وإلى يمين المشهد، يمكن رؤية فارس على ظهر حصان هائج ومبان توشك أن تسقط. وفي المقدّمة إلى أقصى اليمين، يظهر شابّ متزوّج حديثا وهو يحمل زوجته التي ما تزال ترتدي تاج العروس. وفي الوسط منظر لابنين يحملان والدهما المريض.
كان الرسّام قد قرأ ما كتبه بليني عن أمّه التي كانت تتوسّل إليه ألا يتركها. لذا ضمّنه الرسّام في هيئة الشخص الرابع من اليمين مع والدته. وفي الصورة أيضا يمكن رؤية وجه الكونتيسة يوليا سامويليوفا التي كانت راعية وصديقة للرسّام. وقد أعطى ملامحها للأمّ التي تحتضن ابنتيها إلى اليسار وكذلك للمرأة الميّتة.
ولم ينسَ بريولوف أن يُدرج في اللوحة صورا لعدد من الرموز التي تجسّد الكارثة، كتماثيل الآلهة الكلاسيكية المتساقطة في أعلى اليمين والمعابد والمباني المتهدّمة إلى اليسار والتي تمثّل ضعف وهشاشة البشر.
وفي مقدّمة اللوحة، نرى صورا لمجوهرات ومفاتيح تخلّى عنها أصحابها كرمز لعجز الإنسان، إذ لا احد يستطيع أن يأخذ معه شيئا من ممتلكاته إلى القبر.
هذه اللوحة هي أشبه ما تكون بمأساة إغريقية لأنها تثير في نفس الناظر شعورا بالشفقة والخوف. وموضوعها الأساس هو غضب الطبيعة وكيف أن البشر لا يفهمونها ولا يستطيعون السيطرة عليها. وكلّ هذه العناصر ترمز إلى الدمار والمصير النهائيّ الذي حلّ ببومبي وسكّانها.
وارتباط اللوحة بالأدب الكلاسيكيّ والأفكار الرومانسية يضعها في مكان وسيط بين النيوكلاسيكية والرومانسية. ومع أن تناول الرسّام للموضوع أكاديميّ الطابع، إلا أن الصورة قُدّمت للجمهور تحت لافتة الرومانسية. والحقيقة أن فيها العديد من سمات هذه المدرسة: دراما واقعية مع مسحة مثالية، واهتمام بالطبيعة واختيار حدث تاريخيّ كموضوع.
والملاحظ أن كلّ الشخصيات في اللوحة جميلة، على الرغم من أجواء الرعب والدمار التي تصوّرها. وقد وظّف الرسّام فيها تقنية الكياروسكورو بسخاء، واستخدم ألوانا دراماتيكية حمراء وسوداء داكنة في الخلفية وصفراء وزرقاء وذهبية في المقدّمة. كما أن طبقات الطلاء السميك تضفي على نسيج القماش لمعانا وحركة.
كانت هذه اللوحة هي تحفة بريولوف بلا منازع. وكان عرضها في ايطاليا حدثا كبيرا. وقد قارن النقّاد الايطاليون الرسّام بفنّاني الماضي العظام من أمثال رمبراندت وروبنز. وأصبح معاصروه يلقّبونه بـ "كارل العظيم".
عندما عاد بريولوف إلى روسيا عام 1835 استُقبل بحفاوة وأثارت لوحته جدلا واسعا، ثم مُنح شرف لقاء القيصر نيكولا الأوّل.
وعندما رأى الشاعر بوشكين اللوحة ألهمته كتابة قصيدة. كما ألهمت الكاتب ادوارد ليتون كتابة رواية بنفس الاسم. ويقال أن السير والتر سكوت جثا أمام الصورة الضخمة وحدّق فيها لساعة واصفاً إيّاها بأنها قصيدة ملحمية بالألوان. وبهذا أصبح كارل بريولوف أوّل رسّام روسيّ يحظى بإعجاب الغربيين.
كما كتب غوغول الذي كان صديقا حميما لبريولوف مقالا عن اللوحة نوّه فيه بطابعها المسرحيّ، مشيرا إلى أنها تتضمّن قصصا متعدّدة ومشاعر كثيرة ودراما وفوضى. وأضاف أن علاقتها بالأدب والدراما والتاريخ والشعر والموسيقى هو ما يجعل منها تحفة كاملة.
ولد كارل بريولوف في سانت بطرسبورغ عام 1799 لأبوين من أصل ايطاليّ. وقد درس في أكاديمية بطرسبورغ وكان أثناء دراسته طالبا واعدا وموهوبا. وعند تخرّجه عام 1821، إبتُعث إلى أوربّا لدراسة الرسم.
وبعد عودته إلى روسيا، زاول التدريس في الأكاديمية لمدّة ثمان سنوات. وقد استمرّ يرسم، لكنه لم يستطع رسم شيء يشبه هذه اللوحة التي استغرق العمل عليها ثلاث سنوات وتحوّلت في ما بعد إلى إحدى أيقونات الثقافة الروسية.