Wednesday, March 08, 2006

لوحـات عالميـة - 85


بورتريـه الشـاعـرة آنـّا أخمـاتـوفـا
للفنان الـروسي ناثـان آلتـمـان، 1914

تُعتبر آنا اخماتوفا أحد الأسماء الكبيرة في الشعر الروسي المعاصر. وقد اشتهرت بأشعارها التي يغلب عليها التأمّل والحزن.
وقد رسم لها ناثان آلتمان هذا البورتريه الذي يُعتبر أشهر أعماله بالإضافة إلى كونه أحد أشهر الأعمال الفنّية العالمية.
وفيه تبدو الشاعرة جالسة على أريكة ومرتدية فستانا ازرق بينما لفّت حول ذراعيها وشاحا اصفر. البورتريه يغلب عليه اللونان الأزرق والأخضر وظلالهما. ومن الواضح أن الفنّان استخدم فيه أسلوبا قريبا من التكعيبية.
عُرفت اخماتوفا بتصدّيها الشجاع لـ جوزيف ستالين. فقد هاجمته وانتقدته بضراوة في قصائدها، ما دفع النظام إلى سجنها سبعة عشر عاما، بعد أن اتّهمها بـ "الترويج للانحلال البورجوازي والانشغال بالأمور التافهة كالحديث عن الله والحبّ".
وفي العام 1921 أعدمت السلطات زوجها الشاعر نيكولاي غوميليف بعد اتهامه بالضلوع في مؤامرة لقلب النظام. ولم تلبث السلطة أن اعتقلت ابنها الوحيد ونفته إلى سيبيريا.
بعد تلك الأحداث أصبحت اخماتوفا أسيرة للحزن والعزلة والصمت، وعانت من إقصاء وتجاهل زملائها من الشعراء والأدباء الروس.
وفي عام 1946 هاجمها الحزب الشيوعي بعنف واتّهمها بتسخير شعرها للترويج للإباحية والتصوّف واللامبالاة السياسية، الأمر الذي أدّى إلى طردها في النهاية من اتحاد الكتّاب السوفيات.
كان نظام ستالين يعتبر اخماتوفا عدوّة للشعب وامتداد للنظام القديم. وعلى عكس ما فعله العديد من زملائها الأدباء والشعراء الروس، فضّلت الشاعرة البقاء في روسيا على الذهاب إلى المنفى. كانت شعبيّتها كبيرة جدّا لدرجة أن ستالين نفسه لم يكن يجازف بمهاجمتها على الملأ.
وقد عاشت حياة صعبة جسّدتها في أعظم قصائدها بعنوان "نشيد جنائزي". وفي هذه القصيدة تحكي اخماتوفا بإحساس عميق بالعجز واليأس عن تجربة الشعب الروسي تحت حكم ستالين، خاصّة معاناة النساء اللاتي كنّ يقفن معها خارج أبواب المعتقلات بانتظار رؤية أزواجهنّ وأبنائهنّ.
ولدت آنا اخماتوفا، واسمها الأصلي آنا غورينكو، في اوديسا بـ اوكرانيا عام 1889م. وبدأ اهتمامها بالشعر في صباها. وقد طلب منها والدها آنذاك ألا تشوّه اسم العائلة باحترافها للشعر "المنحل" وأجبرها على أن تتخذ لها اسما مستعارا.
وقصائدها تتناول مواضيع متعدّدة مثل الزمن والذاكرة والحب المأساوي والأنوثة والمرأة المبدعة ومصاعب العيش والكتابة في ظلّ الستالينية. وفي مراحل لاحقة أضافت إلى شعرها موتيفات دينية ووطنية.
وبعض قصائدها لم تُنشر في روسيا إلا في عام 1987م. كما أن ديوانها الموسوم "قصيدة بلا شاعر" لم يُنشر إلا بعد وفاتها واعتُبر من بين أفضل الأعمال الشعرية التي كُتبت في القرن العشرين.
بالإضافة إلى الشعر، أنجزت اخماتوفا ترجمات لأشعار فيكتور هوغو ورابندرانات طاغور. كما نالت جائزة إيطاليا للشعر العالمي ومنحتها جامعة اكسفورد درجة الدكتوراه الفخرية.
بعد وفاة الشاعرة عام 1966 نمت شهرتها أكثر وتُرجمت أشعارها إلى معظم اللغات الحيّة، واعتبرت إحدى أعظم الشاعرات في العالم. ومنذ سنوات أعيد لها الاعتبار في بلدها روسيا وُسمح بإعادة طبع ونشر أعمالها الشعرية الكاملة.
الرسّام ناثان آلتمان ولد في اوكرانيا عام 1889م ونشأ في كنف عائلة تشتغل بالتجارة. ودرس الفنّ في جامعة كييف. وفي عام 1910 ذهب إلى باريس حيث مكث فيها عاما درس خلاله في الأكاديمية الروسية الحرّة، وتعرّف هناك على مارك شاغال ومواطنه الرسّام الكسندر ارشيبينكو.
بالإضافة إلى بورتريه الشاعرة اخماتوفا، رسم ناثان آلتمان مناظر للطبيعة حاول فيها بعث تقاليد الانطباعيين كما أنجز رسوما توضيحية لبعض روايات غوغول.
وعندما عاد الفنّان إلى روسيا في العام 1935، عمل لبعض الوقت أستاذا بمدرسة بيرنستاين للفنون. ثم وجد نفسه يعيش في أجواء سياسية وأيديولوجية صارمة تتّسم بالضغوط والقهر. وأدرك أن رسوماته، الطليعية والتجديدية، بعيدة جدّا عن معايير الواقعية النقدية التي فرضها الحزب الشيوعي على الأدباء والفنّانين. فشغل نفسه بالمسرح حيث اشرف على تصميم مشاهد وأزياء مسرحيات شكسبير وسواه من الكتّاب المسرحيين.
رسم آنا اخماتوفا، بالإضافة إلى آلتمان، العديد من الفنّانين من أشهرهم زينيدا سيريبريكوفا واميديو موديلياني.

Sunday, March 05, 2006

لوحـات عالميـة - 84

بورتـريـه الأميــرة ليـونيـلــلا
للفنـان الألمـانـي فرانـز ونتـرهـولتـر، 1843

ولد فرانز ونترهولتر عام 1805 في بلدة قريبة من الغابة السوداء. كان الابن السادس لعائلة تعمل في الزراعة. وقد درس الرسم على يد الفنّان لودفيغ شولر ثمّ في أكاديمية الفنون في ميونيخ.
التحوّل الكبير في حياة الرسّام تحقّق عندما دخل دوائر البلاط. وقد سافر إلى ايطاليا للدراسة بدعم من الدوق ليوبولد اوف بادن. وفي روما رسم مناظر طبيعة رومانسية على طريقة الرسّام السويسري لوي ليوبولد روبير.
وعند عودته إلى ألمانيا، رسم بورتريهات للدوق ليوبولد وزوجته. ثم لم يلبث الدوق أن عيّنه رسّاما للبلاط. غير أن ونترهولتر غادر ألمانيا بعد ذلك قاصدا باريس. وفي نفس تلك السنة رسم لويز ماري اوف اورليون ملكة بلجيكا وابنها. وفي باريس أصبح ونترهولتر مشهورا. وقد عيّنه لوي فليب ملك فرنسا رسّاما للبلاط كما كلّفه برسم ثلاثين صورة منفردة لأفراد عائلته الكبيرة.
نجاح الفنان في تلك المهمّة اكسبه شهرة إضافية. ومنذ ذلك الوقت أصبح معروفا بتخصّصه في رسم السلالات الملكية وأفراد الطبقة الارستقراطية.
الانطباع الأوّلي الذي يخطر بالذهن عند النظر إلى هذا البورتريه الجميل هو انه لإحدى الخليلات أو المحظيات اللاتي كانت تغصّ بهنّ قصور السلاطين العثمانيين. لكن المرأة لا علاقة لها في الحقيقة بأساطير الشرق أو بعالم الحريم. ليونيللا كانت أميرة ألمانية تنحدر من عائلة عريقة من منطقة الراين. وكانت معروفة بذكائها وجمالها الأخّاذ.
وهي تبدو هنا مستندة على أريكة تركية في شرفة تطلّ على منظر طبيعي من أشجار وجبال وسماء مغطّاة بالغيم. في هذا المكان تجلس الأميرة مرتدية فستانا من الحرير وقد لفّت حول خصرها شريطا زهريا وطوّقت ذراعيها بوشاح من اللونين الأرجواني والأسود. وتحت حاجبيها المرسومين بعناية، تبدو عيناها وهما تحدّقان في الناظر بتأمّل وصمت، بينما راحت أصابعها تداعب حبّات اللآلئ الضخمة التي تزيّن جيدها.
في اللوحة استخدم الفنان ألوانا قاتمة لتتباين مع لون بشرة المرأة، ولإضفاء شيء من الإثارة المحسوبة، ولتكثيف الإحساس بفخامة المكان وأهمّية صاحبته. ومن الواضح أن الرسّام غامر بتضمين لوحته ملمحا حسّيا. لكنه كان يعرف مسبقا أن المكانة الاجتماعية للأميرة ستحميها من هجوم وانتقاد العامّة.
بعد تولّي نابليون الثالث سدّة الحكم في فرنسا، أصبح وينترهولتر رسّاما للبلاط. وكان يحظى بمعاملة خاصّة من الإمبراطورة الفرنسية الجميلة اوجيني التي أصبحت موديله المفضّلة. وقد رسم لها في ما بعد لوحة تظهر فيها وهي منهمكة بقطف الزهور وسط دائرة متناغمة من وصيفاتها.
في عام 1852، ذهب ونترهولتر إلى اسبانيا كي يرسم الملكة ايزابيلا الثالثة. ثم توقّف في البرتغال ليرسم لوحات لأفراد العائلة الملكية هناك. الارستقراطيون الروس الذين كانوا يزورون باريس كانوا يحرصون هم أيضا على زيارة الرسّام ليكلّفوه برسم لوحات لأنفسهم.
ولأن ونترهولتر أصبح معروفا بكونه رسّام الملوك والأمراء، فقد أصبح الطلب على لوحاته عاليا. وفي عام 1856 ذهب إلى بولندا، ثمّ إلى بافاريا ليرسم القيصرة ماريّا الكسندروفنا. كما ذهب إلى المكسيك كي يرسم الامبراطور ماكسيمليان ملك المكسيك وعائلته.
والحقيقة انه لم يسبق لأيّ رسّام من قبل أن حظي برعاية ملوكية وغير عادية مثل التي حظي بها هذا الرسّام. وربّما لا يشبهه من هذه الناحية سوى روبنز وفان دايك اللذين استفادا مثله من شبكة العلاقات الدولية والواسعة التي كانا يتمتّعان بها.
أصبح ونترهولتر نجما عالميا يتمتّع بالرعاية الملوكية أينما ذهب. وكان مواكبا لصعود وسقوط أكثر من سلالة إمبراطورية في أوربا.
غير أن سمعته بدأت تهتزّ. فالنقّاد الذين سبق لهم أن امتدحوه، أصبحوا يرون فيه رسّاما لا يمكن أخذه على محمل الجدّ. كان ونترهولتر ضحيّة نجاحه الخاص. وقد قُدّر له أن يعمل بقيّة حياته كرسّام للبورتريه فحسب. وهذا هو المجال الذي لم يجعله ناجحا للغاية فقط، بل وثريّا جدّا أيضا.
في عام 1859 قام الفنّان بآخر زيارة له إلى انجلترا. وفي خريف ذلك العام، سافر إلى فيينا لرسم بورتريه للإمبراطور فرانز جوزيف والإمبراطورة اليزابيث قدّر له أن يصبح من بين أفضل أعماله.
وبينما كان ونترهولتر يتقدّم في العمر، ضعفت صلاته بفرنسا بينما تعاظم اهتمامه بألمانيا التي اختار أن يتقاعد فيها أخيرا. كان في ذلك الوقت ما يزال معتمَدا كرسّام للبلاط في بادن. لذا استقرّ في بلدة كارلسروهي. وأثناء زيارة له إلى فرانكفورت، التقط فيروس التايفوس ومات في الثامن من يوليو عام 1873م عن عمر ناهز الثامنة والستين.
لوحات فرانز ونترهولتر لا تخلو من حميمية وأناقة وجاذبية. كما أنها لا تحتاج إلى شرح كثير لتفسيرها. وهو لم يكن فقط بارعا في اختيار الوضعية المناسبة للشخصية، بل وأيضا في فنّ تمثيل القماش والفراء والمجوهرات.
غير أن أعماله لم تنجح في لفت اهتمام النقّاد. كانوا يرون فيه رسّاما سطحيا وعاطفيا وباحثا عن الشعبية. لكن رعاته الارستقراطيين كانوا يقدّرون عمله عاليا.
وبعد وفاته، فقدت أعماله جاذبيّتها واعتُبرت رومانسية ولامعة ومصطنعة أكثر من اللزوم.

موضوع ذو صلة: رحلة بيلليني إلى الشرق

Saturday, March 04, 2006

لوحـات عالميـة – 83


لاعبــو الـــورق
للفنان الفرنسي بـول سيـزان، 1892

يُنظر إلى هذه اللوحة باعتبارها إحدى اشهر اللوحات في تاريخ الفن الحديث.
واللوحة هي واحدة من خمس لوحات رسمها الفنان بول سيزان وضمّنها نفس الفكرة: أشخاص يلعبون الورق.
وقد استمدّ سيزان موضوع اللوحة من أجواء منطقته الباريسية "ايكسان بروفانس" التي كانت تضم أخلاطا من البشر، من عمّال وحرفيين وفلاحين وأناس عاديين.
في اللوحة حاول سيزان إعادة اكتشاف وظيفة الحيّز والخطوط. وبناء اللوحة يعتمد في الأساس على مركز الزجاجة الكائنة في منتصف الطاولة، والتي تقسم الحيّز إلى مناطق متقابلة للتأكيد على الطبيعة الثنائية للموضوع.
كان سيزان صديقا مقرّبا من اميل زولاالذي اصبح في ما بعد أحد اشهر الروائيين الفرنسيين.
وقد تأثّر سيزان بكل من اوجين ديلاكروا وادوار مانيه، لكنه تأثر اكثر بأسلوب كميل بيسارو الذي دعمه كثيرا وعرّفه بأسلوب الانطباعيين في تمثيل الضوء والإمساك بتأثيرات الطبيعة المتحوّلة، من خلال نثر الألوان بضربات خفيفة والاقتصاد في رسم الخطوط.
في "لاعبو الورق" يبدو الجوّ جادّا وكئيبا إلى حدّ ما، ومما يعزّز هذا الانطباع الطاولة ذات الألوان البنّية والخلفية الأكثر قتامةً بفعل مزج الألوان الزرقاء والسوداء.
وفكرة لعب الورق ظهرت في المراحل الأخيرة من حياة سيزان الفنية. ويقال بأن الفنان ربما أراد من وراء الفكرة تصوير المواجهات التي كانت تجري بينه وبين والده الذي كان ينتقص منه دائما ويشكّك في موهبته.
كان سيزان يهتّم في الغالب برسم الأشياء الأكثر ثباتا وديمومة كالمناظر الطبيعية والمباني والطبيعة الساكنة. و "لاعبو الورق" تعتبر خروجا على النسق الفني الذي اختطه لنفسه. وربّما يكون السبب عائدا إلى ارتباط الفنان الوثيق بأجواء وتفاصيل بيئته المحلية.
ولسنوات طوال ظلّ سيزان غير معروف سوى لدائرة صغيرة من زملائه القدامى ولبعض الفنانين الانطباعيين الجدد والمتحمّسين، من أمثال فان غوخ وبول غوغان.
لكن عند وفاته في العام 1904، كان سيزان قد حقّق مكانة أسطورية بين فنّاني عصره، وُعرضت أعماله في اكبر المعارض الفنية، وكان يتقاطر على مرسمه الكثير من الفنانين الشبّان لملاحظته والتعلّم منه.
ومنذ سبع سنوات بيعت لوحته المسمّاة "ستارة وآنية خزف وصحن فاكهة Rideau, Cruchon et Compotier" في مزاد سوثبي بأكثر من ستين مليون دولار، لتصبح بذلك سادس أغلى لوحة فنية في العالم.

موضوع ذو صلة: غداء مع سيزان

Thursday, March 02, 2006

لوحـات عالميـة – 82


سيّــدة جزيــرة شـالــوت
للفنان البريطاني جون ويليام ووترهاوس، 1888

ارتبط عصر الملك الانجليزي آرثر بالكثير من قصص السحر والأساطير.
ومن اشهر تلك الأساطير أسطورة سيّدة جزيرة شالوت. وتحكي الأسطورة عن سيّدة أصابتها لعنة وُحكم عليها بالعيش وحيدة في قلعة بجزيرة نائية تسمّى شالوت.
في القلعة عاشت السيّدة لوحدها بلا رفيق أو مؤنس، ولان القوى السحرية كانت تمنعها من النظر إلى الخارج مباشرة فقد كانت السيّدة تكتفي بالنظر إلى العالم خارج قلعتها من خلال مرآة.
وكانت المرأة تمضي وقتها داخل القلعة في الغناء وغزل النسيج. وكانت ترى كل شئ خارج ذلك المكان منعكسا في المرآة.
وذات يوم لمحت في المرآة خيال الفارس لانسلوت الذي كان من فرسان ارثر وكانت واقعة في حبه، فأطلت من النافذة متجاهلة نصائح السحرة.
وفي الحال تهشّمت المرآة ولاحت في الأفق نذر عاصفة قوية وكان ذلك دليلا على قوّة اللعنة وتأثير السّحر.
وفي صباح خريفي عاصف، تقرّر السيّدة مغادرة سجنها الانفرادي في القلعة وتبحر في قارب نقشت عليه اسمها. وخلال تلك النهرية تغني أغنية الموت الأخيرة. وبعد وفاتها، يعثر الأهالي على جثّتها ويتعرّفون عليها.
الفنان ووترهاوس كان مفتونا بالأساطير الارثرية والشخصيات الأدبية والتاريخية وجسّد بعضها في العديد من لوحاته. وقد استند في رسمه للوحة على مقطع من قصيدة للشاعر البريطاني الفرد تينيسون.
ولد جون ووترهاوس في روما، وعندما أتى إلى انجلترا درس في استديو والده، الفنان هو الآخر، ثم في أكاديمية الفنون الملكية.
تأثر بـ لورانس تاديما ورسم مشاهد من الحياة في إيطاليا حيث كان يقيم.
يغلب على لوحات ووترهاوس الطابع الكلاسيكي، لكنه مصنف بكونه منتميا للأسلوب ما قبل الرافائيلي بسبب تركيزه على رسم النساء الجميلات وافتتانه بفكرة الأنوثة وتبنيه للاتجاه الواقعي في الرسم.
من الجدير بالذكر أن أسطورة سيّدة شالوت كانت موضوعا للكثير من الروايات والأفلام والمقطوعات الموسيقية.

Monday, February 13, 2006

لوحـات عالميـة - 81


ثــلاث قـطـط ســوداء
للفنانة الكندية مــود لـويــس

لوحة شهيرة ومألوفة للكثيرين، وهي تجسّد البساطة والعفوية في أجلى معانيهما.
كانت مود لويس تهتمّ برسم مظاهر الحياة الريفية في مقاطعة نوفاسكوشيا، حيث الحيوانات والطبيعة وأنماط شتّى من أنشطة الحياة اليومية.
ومع ذلك لم تنظر لويس إلى نفسها يوما باعتبارها فنانة. فهي لم تتلقّ تعليما نظاميا في الفن ولم تذهب إلى غاليري يوما، لكنها كانت تمارس الرسم لأنها ببساطة كانت تجد فيه متعتها الكبرى.
عاشت مود لويس حياة غير سعيدة في اغلبها، إذ ولدت بإعاقة في ظهرها ويديها رافقتها طيلة حياتها. كما عانت طويلا من آلام المفاصل المزمنة.
ورغم ذلك رسمت الفنانة عددا كبيرا من اللوحات التي تصوّر القطط والطيور والغزلان والثيران، وتميّزت لوحاتها بإحساس قويّ بالموضوع وبراعة في التشكيل بفضل قوة الملاحظة والإدراك العالي لكل ما تقع عليه عيناها في الطبيعة المحيطة من صور ومؤثّرات.
كانت مود لويس تحبّ الحيوانات والأطفال كثيرا، لكن ولعها بالقطط كان استثنائيا، لدرجة أنها أصبحت عنصرا ثابتا في معظم لوحاتها.
و "ثلاث قطط سوداء" هي بلا شك اشهر لوحات الفنانة وأكثرها استنساخا وانتشارا، وهي نموذج لأسلوبها الفني المتفرّد. وأوّل ما توحي به اللوحة للناظر هو البراءة والعفوية، مع أن القطط تبدو هنا لعوبة وشقية بدليل هذه النظرات الصارمة التي توجّهها للناظر وذلك البريق المنبعث من عيونها وهي تجلس في هذا الجزء الهادئ من الحديقة محاطةً بالأزهار والفراشات.
كانت القطط مصدر سعادة كبرى للفنانة، وقد تمكّنت من تجسيد هذا الإحساس في اللوحة بطريقة عفوية وصادقة. وليس بالمستغرب أن ينجذب عشّاق القطط وباعتها وهواة اقتنائها إلى هذه اللوحة فيعلّقوها في بيوتهم ومتاجرهم. عبر القرون، كانت القطط إما تتمتّع بمكانة عالية أو تعامَل كالشياطين. لكن نادرا ما كان يتمّ تجاهلها. وقد ظهرت في الفنّ منذ عصور مبكّرة. المصريون القدماء كانوا يعاملون القطط بكثير من الاحترام. وإحدى الإلهات الفرعونيات رُسمت على شكل امرأة برأس قطّة. وفي كتاب الأموات، يظهر رسم لإله الشمس على هيئة قطّة كبيرة تقتل أفعى.
الفنّ الياباني هو الآخر عُني كثيرا برسم القطط. ويعتقد اليابانيون أن القط الأبيض يجلب الحظ الحسن والسعادة.
كما تظهر القطط في بعض لوحات الرسّامين الأوربيين مثل رينوار وبيكاسو ومانيه وحتى دافنشي. في إحدى لوحاته يرسم رينوار فتاة نائمة على كرسي بينما تستقرّ على حضنها قطّة صغيرة.
في أخريات حياتها، أصبحت لوحات مود لويس اكثر بساطة من حيث التصميم واكثر غنى في الألوان والخطوط. ومع نضج أسلوبها الفني أصبحت تتبنّى رؤية فنية تنحو باتجاه المزيد من التجريد. وكانت عندما تروق لها لوحة من لوحاتها أو عندما يبدي الناس إعجابا باللوحة، تباشر في رسم نسخ أخرى منها مع بعض التعديل والتحوير وبما لا يؤثّر على الفكرة الأصلية للوحة.
توفّيت مود لويس في العام 1970 عن عمر ناهز السابعة والستين. وقد كانت حياتها موضوعا للعديد من البرامج التلفزيونية الوثائقية والكتب، كما انتج فيلم سينمائي عن حياتها وفنّها.

موضوع ذو صلة: القطّ في ثقافات الشعوب

Tuesday, February 07, 2006

لوحـات عالميـة - 80

السـونـاتـا
للفنان الأمريكي فريـدريك هاسـام، 1893

كان فريدريك هاسام شخصية رائدة في حركة الانطباعيين الأمريكيين. وكان غزير الإنتاج، إذ رسم أكثر من ثلاثة آلاف لوحة خلال حياته المهنية.
وقد رسم مناظر للمدن الأمريكية وكذلك للحياة في الأرياف، مع استخدام كثير للضوء واللون. وأشهر لوحاته هي ما تُسمّى "سلسلة العَلَم"، وهي عبارة عن رسومات لاحتفالات بعض المدن الأمريكية عند نهاية الحرب العالمية الأولى.
كان هاسام يؤمن بأن الطريقة المثلى التي يترك الفنّان من خلالها بصمة لا تُمحى هي أن يرسم عصره ويركّز على نقل مشاهد الحياة اليومية من حوله.
صُوَره لبعض المدن الأمريكية توفّر فكرة عن أواخر القرن التاسع عشر الذي شهد توسّع المستعمرات الأمريكية المبكّرة والنموّ الكولونيالي المتزايد.
وقد كسب أثناء حياته احترام النقّاد وحقّق نجاحا تجاريّا معتبرا ودفع بالانطباعية الأمريكية نحو مزيد من الشهرة والرواج.
من أجمل أعماله وأكثرها شهرةً هذه اللوحة التي لا تختلف كثيرا عن العديد من لوحاته الأخرى، كونه مزج فيها بين الألوان الساطعة التي تَميّز بها الانطباعيون وبين الأسلوب الأكاديمي، خاصّة في تمثيل الأشخاص.
واللوحة تصوّر امرأة تجلس منهكة أمام آلة بيانو بعد أن فرغت للتوّ من عزف مقطوعة موسيقية. ويُرجّح أن يكون الفنّان استوحى عنوان اللوحة من اسم مقطوعة موسيقية مشهورة لبيتهوفن هي سوناتا العاطفة ، التي تتّسم بطولها وصعوبة عزفها.
رسم هاسام اللوحة في محترفه في نيويورك في فترة كانت فيها فكرة الفنّ للفنّ قد وجدت طريقها إلى معجم طلبة الفنّ والغاليريهات وجامعي التحف أيضا.
واللوحة تحتفي بالجمال والهدوء وتُظهِر مدى أهميّة فكرة الجمال في حياتنا، وليس فيها ما يشير إلى درس وعظيّ أو أخلاقيّ.
والمعنى الذي تنطوي عليه يعتمد في الأساس على العلاقة بين المرأة والموسيقى والزهرة التي تظهر على حافّة آلة البيانو.
فكرة رسم نساء بملابس بيضاء كانت رائجة كثيرا في لوحات رسّامي القرن التاسع عشر، إذ كانت ترمز للبراءة والعفّة ونبل الفنّ.
ويبدو أن الفنّان مزج بين صورة المرأة ذات النظرات المنكسرة، والموسيقى الرقيقة التي تعزفها، والزهرة الهشّة المستقرّة على طرف البيانو، لكي يثير الإحساس بالعاطفة المتّقدة مقرونةً بالشعور الانفعالي الذي يتولّد عن التجربة الفنّية.
وقد أصبحت هذه اللوحة هي الموديل لعدد من اللوحات الديكورية التي تصوّر نساءً. وكان الرسّام مرتبطا كثيرا بها، فبعد أن باع كلّ مجموعته تقريبا لم يستطع أن يفرّط فيها ولم يتخلّ عنها إلا بعد مرور ستّة وعشرين عاما على رسمه لها.
وعندما عَرَضها للبيع اشتراها مليونير يُدعى دنكن فيليبس ويمتلك مجموعة فنّية مشهورة مسمّاة باسمه. غير أن خلافا نشأ بين هاسام والمليونير دفع الأوّل إلى استردادها باسم مستعار بعد ذلك بسبع سنوات.
ابتداءً من العام 1890 عمل الرسّام في أماكن "أكثر انطباعية" مثل جزيرة ابلدور التي كانت مشهورة آنذاك بوجود مستعمرة للرسّامين فيها.
ومواضيع لوحاته من تلك الفترة تتضمّن حدائق أزهار وطبيعة جبلية ومناظر منزلية، وكلّها تميّزها ضربات الفرشاة الانطباعية الناعمة.
كان هاسام مشهورا بتصويره للحواضر، غير انه أيضا وجد لنفسه ملاذا في الريف الذي كان يقضي فيه أوقاتاً للراحة يتخفّف خلالها من ضغوط المدينة وفي نفس الوقت يستلهم أثناءها مواضيع للوحاته.
ولد فريدريك هاسام في ولاية ماساتشوسيتس في اكتوبر من عام 1859 لأبوين من المستوطنين ذوي الأصول الانغلوسكسونية. وقد تلقّى تعليمه الأساسيّ في مدرسة الفنون في بوسطن، ثم أخذ دروسا على يد معلّم في حفر الخشب.
كان الرسّام منذ البداية مناصرا للمدرسة الانطباعية، تشهد على ذلك لوحاته العديدة التي استمدّ مواضيعها من أجواء الريف في نيو انغلاند.
وفي عام 1898 أصبح احد مؤسّسي جماعة العشرة، وهي مجموعة من الرسّامين الأمريكيين الذين كانوا يُعتبَرون مناصرين للانطباعية ومتمرّدين على الأساليب الأكاديمية المحافظة.
كما اجتذبته الانطباعية الفرنسية التي كانت وقتها قد بدأت في اجتذاب جامعي الأعمال الفنّية من الأمريكيين. لذا، بعد أن رسّخ نفسه كفنّان في بوسطن، ذهب عام 1886 ليدرس في باريس التي قضى فيها ثلاث سنوات دارسا في كلية الفنون الجميلة فيها ومتأثرا برسومات كلود مونيه.
ثم عاد إلى أمريكا في أواخر عام 1889 وأقام في نيويورك التي ظلّ فيها إلى أن توفّي في العام 1935.
وقبل وفاته أوصى بضمّ أعماله الفنّية المتبقيّة في مرسمه لأكاديمية الفنون في نيويورك. وبعض أشهر لوحاته موزّعة اليوم على اكبر المتاحف وغاليريهات الفنّ في الولايات المتّحدة.