انتظــار
للفنان البلغاري فاليـري تسيـنـوف، 2007
بعض الأعمال التشكيلية تنظر إليها فتجذب انتباهك وتأسرك من اللحظة الأولى. وعندما تتأمّلها عن قرب تدرك أنها مختلفة وأنها تتضمّن قدرا كبيرا من الأصالة والابتكار.
وهذا الوصف ينطبق على لوحات فاليري تسينوف.
يكفي أن ترى إحدى لوحاته مرّة، ثم سيسهل عليك بعدها التعرّف على لوحاته الأخرى تلقائيا حتى عندما لا تكون ممهورة باسمه.
والحقيقة انه يصعب كثيرا وصف أعمال هذا الفنّان أو تصنيفها ضمن مدرسة أو تيّار أو أسلوب فنّي بذاته.
صحيح أنها تتضمّن سمات تجريدية وتعبيرية. غير أنها بنفس الوقت لا تخلو من مضامين رمزية.
كأن هذا الفنّان وهو يرسم يريد منك أن تأتي إليه ومعك تجاربك الشخصية والخاصّة. والطبيعة بالنسبة لـ فاليري تسينوف هي أعظم مصادر الإلهام. كما انه يعشق التنوّع في كلّ شيء. وهذا ليس بالأمر المستغرب. فقد ولد في بلغاريا منذ خمسين عاما. والثقافة البلغارية معروفة منذ القدم بتنوّعها وامتزاجها بالعديد من المؤثّرات الحضارية من الشرق والغرب.
لذا تبدو أعماله وكأنها تحمل رسالة حضارية عن أهمّية وثراء امتزاج الثقافات وتفاعلها في ما بينها.
فاليري تسينوف يعتبره الكثيرون اليوم ظاهرة في الرسم البلغاري. وقد درس الرسم في أكاديمية صوفيا للفنون وأقام معارض للوحاته في ألمانيا وسويسرا وفرنسا وغيرها من البلدان الأوربية. وقد أهّله تميّزه الفنّي لنيل أكثر من جائزة.
لوحات تسينوف إجمالا تتميّز بهدوئها وسكونها الغريب الذي ينعكس على ملامح نسائه الخالدات بوجوههنّ التي تشبه الايقونات. أحيانا يبدين مبتسمات. وأحيانا أخرى حزينات أو متأمّلات، بينما يأخذن الناظر إلى عالم من السحر والغموض يقع على الحدّ الفاصل ما بين الواقع والحلم، وبين الماديّ والروحي.
في هذه اللوحة يرسم تسينوف امرأة تمسك بكأس وتجلس متأمّلة على أريكة.
الألوان ساحرة. اللون الأحمر هو المهيمن هنا. الخلفية مليئة بالأنماط والنقوش والأشكال. طيور، أباريق، أزهار وأشجار.
في الجهة العلوية فواكه حمراء تشبه الكرز. وهناك حصان.
الخيول تتكرّر كثيرا في لوحات تسينوف. هل يكون الحصان رمزا للرجل الذي لا نجد له وجودا في جميع لوحات هذا الرسّام؟
الرموز الطافية والأشكال النقيّة والمجالات اللونية المتراقصة على امتداد مساحة اللوحة تخلق ارتباطات شاعرية وروحية في ما بينها. والمزج ما بين الشكل والمضمون فيه تناغم ومثالية.
من الواضح أن الرسّام يطوّع الإمكانيات التعبيرية للرموز من اسماك ومفاتيح وطيور وقواقع وأوان فخارية وفواكه وأزهار وخيول كي يشير إلى ما هو ابعد من الواقع الملموس.
هل نحن إزاء كشوفات روحية؟ محاولة للبحث عن الجمال في العالم؟
هل تكون لوحات فاليري تسينوف انعكاسا لنظرة الرسّام الفلسفية إلى العالم والتي يحاول من خلالها استكناه أسرار الوجود والبحث عن معنى باطني للأشياء واكتشاف العلاقة بين العوالم المنظورة والخفيّة؟
ثمّة طقوسية وبدائية ورمزية واضحة في لوحات تسينوف. وهي ولا شك تشيع السعادة وتبعث على التفاؤل والأمل. كما أنها تذكّرنا بأن الرسم، مثل الموسيقى، يمكن أن يأخذنا إلى عالم من الأحلام والفتنة.