ملكـة الطـوارق
للفنان الجزائري حسيـن زيّـانـي، 2007
في كتب التاريخ والأدب، كثيرا ما يُوصف الطوارق "أو الأمازيغ" بالرجال الزُرق بسبب ميلهم لارتداء ملابس يغلب عليها اللون الأزرق.
وفي تقاليد الطوارق فإن الرجال هم من يرتدي الخمار بينما تكشف النساء عن وجوههن.
والكثير من الأعمال الأدبية ترسم للطوارق صورة لا تخلو من رومانسية بالنظر إلى ارتباط تاريخهم منذ القدم بالصحراء وما ترمز له من جلال وغموض وخطر.
غير أنهم أيضا مشهورون بشجاعتهم وشدّة بأسهم في الحروب والمعارك. وكانت نساؤهم وما زلن يتمتّعن بالكثير من مظاهر المساواة مع الرجال. وفي حالات كثيرة كانت النساء هنّ من يتدرّبن على القتال وخوض المعارك بينما يُعهد للرجال بتولّي الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال.
وبعد دخول الأمازيغ في الإسلام، فقدت نساؤهم بعضا من قوّتهن. لكنّهن ما يزلن يلعبن الكثير من الأدوار الاجتماعية والاقتصادية فيتزوّجن بإرادتهن ويُحترم رأيهنّ في المجالس التي تناقش مسائل القبيلة والمجتمع. كما أن تقاليد الأمازيغ ما تزال تحرّم تعدّد الزوجات وتعتبر ذلك انتهاكا للعرف العشائري.
في هذه اللوحة يرسم حسين زيّاني "تين هينان" أشهر امرأة في تاريخ الأمازيغ. وقد أشار إلى هذه المرأة العديد من المؤرّخين ومن بينهم ابن خلدون في بعض كتبه. ويعود الفضل إلى تين هينان في توحيد قبائل الأمازيغ وتأسيس أوّل مملكة لهم في الجبال تحت زعامتها خلال القرن السابع الميلادي.
وتُروى عن هذه المرأة قصص غريبة تشبه الأساطير وتتحدّث عن حكمتها ودهائها وقدراتها الخارقة. بعض المصادر تذكر انه عندما وصلت جيوش الأمويين إلى المنطقة في بدايات الفتح الإسلامي، خاض الطوارق بقيادة تين هينان حرب مقاومة ضارية ضدّ الجيوش المهاجمة.
وبسبب استماتة الأمازيغ في القتال، اضطرّت الجيوش العربية إلى التراجع والمرابطة في الصحراء لسنوات. لكن مع وصول المدد من مصر، تمّ إلحاق الهزيمة النهائية بالأمازيغ ولم يمض وقت طويل حتى اعتنقوا الإسلام.
في اللوحة تجلس تين هينان على كرسيّ من الخشب المزخرف وتمسك بريش طاووس بينما يحرسها مجموعة من الرجال الملثّمين الذين يحملون تروسا ورماحا طويلة. نظرات المرأة وتعابير وجهها تشي بالجسارة والنبل والاعتداد بالنفس.
بعض التفاصيل في اللوحة مثل الملابس التقليدية والحليّ والمجوهرات الأنيقة التي ترتديها المرأة توحي بأنها هنا لحضور احتفال ما أو مناسبة اجتماعية. جمالها وأناقتها اللافتة تعيد إلى الأذهان ما قيل من أنها استطاعت توظيف جمالها سياسيا لإخضاع قبائل الأمازيغ ودمجهم في كيان واحد.
خلفية اللوحة باهتة وليس فيها تفاصيل كثيرة، ما يدفع الناظر إلى التركيز على موضوع اللوحة الأساسي، أي المرأة.
كان للنساء الأمازيغيات حضور مهمّ زمن الخلافة الإسلامية في بغداد واسبانيا ومصر. وكنّ مشهورات بذكائهن وبجمالهنّ الخاصّ. وكانت والدة احد الخلفاء العباسيين امرأة أمازيغية تُدعى سلامة.
وتاريخ الأمازيغ عموما يحفل بالعديد من النساء المقاتلات. إحداهنّ، واسمها بارشاكو، اشتهرت بارتدائها ملابس الرجال وغاراتها المتكرّرة على القبائل الأخرى. وهناك امرأة مشهورة أخرى اسمها "الكاهنة" عُرفت بشجاعتها ودهائها. وعندما تعرّضت ارض قومها للاحتلال عرضت على قائد الجيش الغازي أن يقترن بها ثم قامت بذبحه ليلة الزواج.
ويقال إن هؤلاء النساء ينحدرن من سلالة النساء الأمازونيات اللاتي تذكر بعض المصادر التاريخية أن موطنهنّ الأصلي كان غرب ليبيا حيث عاش الأمازيغ وما زالوا.
ولد الرسّام حسين زيّاني في الجزائر قبل خمسين عاما لعائلة متوسطة الحال. ومنذ صغره كان يظهر ميلا خاصّا للرسم. كان أوّل ما رسمه بعض مظاهر الحياة اليومية في قريته الصغيرة. ثم أصبح يرسم الطبيعة والمواضيع التاريخية وأحيانا الفانتازية.
كما رسم صورا من تاريخ الجزائر، من أهمّها لوحة للأمير عبدالقادر الذي يوصف بأنه مؤسّس الجزائر الحديثة.
ولوحات زيّاني يغلب عليها الأسلوب الواقعي. وبعضها تذكّر بالرسم الاستشراقي ولوحات ديلاكروا على وجه الخصوص.
ومن الواضح انه يولي أهمّية خاصّة بالتفاصيل والألوان وتفاعلات الضوء والظل.
في بدايات القرن الماضي عثرت بعثة أثرية فرنسية على قبر تين هينان في احد المواقع القديمة في جنوب الجزائر. واكتُشفت داخل القبر عملات وأوان خزفية تعود إلى ذلك العصر. وفي ما بعد نُقلت رفاتها إلى احد متاحف الجزائر العاصمة حيث وضعت داخل صندوق زجاجي مع ثوبها وحليّها.
موضوع ذو صلة: محاربات الأمازون