ايفـان الرهيـب يقتـل ابنـه
للفنان الروسي إيـليـا ريـبـيـن، 1873
كان ايفان أوّل حاكم لروسيا يُلقّب بالقيصر. وقد أتى إلى الحكم وعمره ثلاث سنوات. كانت والدته هي الحاكم الفعلي. ولم يتوّج هو حاكما إلا عندما أتمّ السادسة عشرة من عمره.
في بدايات حكمه تبنّى ايفان نهجا إصلاحيا وتحديثيا وأسّس جيشا قويّا واخضع الكنيسة بالكامل لسلطة الدولة.
لكنه لم يلبث أن انشغل بالحروب، فغزا أراضي السويد وليتوانيا وبولندا. ودامت حروبه تلك أكثر من عشرين عاما، ما أدّى إلى إضعاف البلاد وتدمير اقتصادها.
ولكي يعزّز سلطته، أنشأ ايفان البوليس السرّي ووضع على رأسه مجموعة من السفّاحين والمجرمين. وقد بطش هؤلاء بالناس ولم يكونوا يفرّقون بين مذنب أو بريء.
كان ايفان يفرط في الشراب وحياة التخلّع والمجون. وشيئا فشيئا، أصبحت انفعالاته غير متّزنة وأصبح يُظهر ميلا متزايدا إلى العنف.
وعندما ثارت عليه إحدى المدن قام بقتل جميع سكّانها في مذبحة رهيبة ذهب ضحيّتها أكثر من ثلاثين ألف إنسان.
زوجته الأولى كانت قد أنجبت له ستّة أطفال. غير أنها ماتت وهي دون الثلاثين بسبب قسوته وإهاناته المتكرّرة.
وعندما احتجّ رجال الكنيسة على تصرّفاته، قام بقتل بعضهم وتعذيب البعض الآخر. كان هو نفسه منتسبا للكنيسة الاورثوذوكسية. والغريب انه لم يكن يتأخّر عن الصلاة على أرواح ضحاياه من الكهنة والرهبان.
كانت الكنيسة تسمح للرجل بالزواج ثلاث مرّات. لكن ايفان الرهيب استثنى نفسه من ذلك القانون واتخذ له في الكرملين أكثر من ألف محظيّة، رغم انه كان متزوّجا من ستّ نساء. وكان مصير كلّ من يطلّقها من زوجاته إما القتل أو النفي إلى دير ناء ومنعزل.
ويقال انه بعد أن أكمل بناء كاثدرائية باسيل استدعى المهندسين الذين شيّدوها ثم أمر بسمل عيونهم كي لا يبنوا لأحد آخر مثلها.
وكان ايفان يصرّ على أن يشهد أعداؤه عذابهم الأخروي في الدنيا. وكان يُطبّق بحقّهم ما ورد في الإنجيل من أساليب التعذيب والبطش التي تنتظر الخاطئين في الجحيم، من خنق وإغراق وضرب حتى الموت وإعدام على الخازوق وغمر في الماء المغليّ وهم أحياء.
في هذه اللوحة، يصوّر ايليا ريبين حادثة قتل ايفان لابنه الأكبر الذي كان مرشّحا لخلافته على العرش. ففي احد الأيّام سمع الابن زوجته تصرخ. وعندما أتى لاستطلاع الأمر وجد والده يضربها بالسوط. كان ايفان منفعلا بسبب ارتداء المرأة ملابس غير محتشمة. وكانت هي حاملا في شهرها السابع. وقد حاول الابن إيقاف والده وتهدئته. لكنه كان ثائرا. وفي ذروة غضبه تناول آلة معدنية حادّة وضرب بها ابنه على رأسه، الأمر الذي تسبّب في موته عن غير قصد.
وقد رسم ريبين تلك الحادثة بشكل دقيق ومعبّر. علامات الرعب المرتسمة على وجه العجوز تُظهر إحساسه بالصدمة والندم جرّاء ما فعله. واختيار الرسّام لطبيعة المكان الذي تجري فيه الحادثة وكذلك للإضاءة والظلال ولألوان الديكور الداكنة في الخلفية، كلّها عناصر تعبيرية أضافت إلى المشهد الدرامي المزيد من العمق والواقعية.
في اللوحة لا نرى ايفان الساديّ والمتوحّش، بل رجلا مجنونا يبدو وكأنه يرثي نفسه ويتحسّر على ضياع آخر أحلامه.
وقعت هذه الحادثة في السنوات الأخيرة من حياة ايفان الرهيب ولم يعش بعدها أكثر من أربع سنوات. في ذلك الوقت كان قد أصبح عجوزا ضعيفا ومريضا وكانت إصلاحاته قد فشلت. وتحت تأثير أعراض البارانويا، كان يرى نفسه محاطا بالمتآمرين والخونة.
كان الروس، ومن بينهم ريبين، يرون في تلك الحادثة كارثة، لأنها آذنت ببداية حقبة جديدة من المشاكل. فقد أعقبها غزو الجيوش الأجنبية لبلدهم قبل أن تمزّقها الحرب الأهلية.
ربّما لا يتفوّق على ايفان الرهيب في وحشيّته وقسوته سوى جوزيف ستالين الذي يقال بأنه قتل خلال سنوات حكمه أكثر من عشرين مليون شخص وكان يرى في ايفان مثله الأعلى.
وعندما شرع سيرغي ايزنستاين في إخراج فيلمه المشهور عن حياة ايفان الرهيب قال له ستالين: كان حاكما مثيرا للإعجاب، لكنه كان ضعيفا لأن الله وقف في طريقه". كان ستالين يشير إلى نوبات الندم التي كانت تعتري ايفان وصلواته على ضحاياه.
حَكَم ايفان الرهيب روسيا خمسين عاما. وقد بدأ كملاك وانتهى كشرّير. ويشاع انه مات مسموما. وبعد موته دُفن في ثياب كاهن أملا بأن يحصل على عفو وأن تُغفر خطاياه.
وكانت سيرته موضوعا لأكثر من فيلم وبرنامج وثائقي. كما ألّف الكاتب والروائي الفرنسي من أصل روسي هنري ترويا كتابا يقال انه أفضل مرجع يؤرّخ لحياة ايفان وفترة حكمه.