لا سيـوتا، ساحـل المتوسّـط
للفنان الفرنسي نيكـولا دو ستـال، 1952
للفنان الفرنسي نيكـولا دو ستـال، 1952
ولد نيكولا دو ستال عام 1914 في سانت بطرسبورغ بروسيا لعائلة من العسكر وكبار البيروقراطيين. والده هو الجنرال فلاديمير فون هولستين الذي كان بارونا يعمل في خدمة القيصر نيكولا الثاني. أمّا أمّه فتنتمي إلى عائلة مثقّفة وتمُتّ بصلة قرابة للمؤلّف الموسيقيّ الروسي الكسندر غلازونوف.
بعد اندلاع ثورة 1917، اضطرّت عائلة الرسّام لمغادرة روسيا، وذهبت في البداية إلى بولندا. وبعد خمس سنوات توفّي والداه فأصبح يتيما وهو ما يزال في سنّ التاسعة. وقد وُضع هو وشقيقاته في عهدة عائلة روسية في بروكسل. وفي بلجيكا تمكّنوا من تأسيس حياة مريحة نسبيّا.
وفي تلك الأثناء أبدى نيكولا رغبته في أن يصبح رسّاما، على الرغم من اعتراض عائلته. وقد سجّل عام 1933 في أكاديمية الفنون الجميلة في بروكسل كطالب في الرسم. وفي سبتمبر من عام 1954، غادر ومن بقي من عائلته بلجيكا إلى فرنسا.
وفي باريس أسّس له محترفا على بعد أمتار من استوديو الرسّام جورج براك الذي أصبح واحدا من اقرب أصدقائه. كما تعرّف على موسيقيين وشعراء ورسّامين مشهورين من أمثال جان آرب وسونيا ديلوناي.
وكانت معالم باريس من بين أوّل ما رسمه دو ستال في بداياته. كان يملأ جيوبه بأنابيب الطلاء ويحمل رقعة الرسم ويتمشّى على ضفاف السين. ثم يعود وقد رسم طبيعة بطلاء سميك من الألوان الزرقاء والبنّية والخضراء الشاحبة مع أفق منخفض وسماوات واسعة.
في عام 1937، زار الجزائر، ثمّ قضى بعض الوقت في المغرب التي قابل فيها الرسّامة جان غيلو والتي أصبحت في ما بعد زوجته. وقد رُزقا بطفل، لكن لم تلبث الزوجة أن توفّيت عام 1946 ليترك رحيلها في نفسه فراغا كبيرا.
وفي السنوات التالية ذهب إلى اسبانيا. وأينما حلّ، كان يزور المتاحف ويتأمّل أعمال كبار الرسّامين. غير أن هذه الرحلات زوّدته بمصدر إلهام إضافي ومهم تمثّل في أراضي الجنوب المشبعة بضوء الشمس.
وبحلول بداية الخمسينات، كان دو ستال قد أصبح رسّاما عالميّا مشهورا بعد أن عرض أعماله في باريس وبرلين وكوبنهاغن وغيرها. كما حقّق نجاحا كبيرا في نيويورك ولندن اللتين عرض فيهما بعضا من لوحاته وباع البعض الآخر. كان الطلب على رسوماته كبيرا جدّا لدرجة أن متعهّد أعماله الأمريكي رفع أسعار لوحاته وطلب المزيد منها.
في هذه اللوحة، يرسم دو ستال منظرا تجريديا لطبيعة فرنسية من لا سيوتا، وهي بلدة سياحية تقع في جنوب فرنسا على ساحل المتوسّط أتى على ذكرها الشاعر الرومانسي لامارتين في إحدى قصائده.
دو ستال قسم اللوحة إلى عدد من القطاعات اللونية، الزرقاء والحمراء والبيضاء والسوداء، والمقشورة بطريقة جميلة. ومن الواضح انه تعامل مع سطح الصورة بمثل ما يتعامل النحّات، فوضع طبقات ثقيلة من اللون بعضها فوق بعض باستخدام سكّين. وفي اللوحة، كما في غيرها، يمكنك رؤية أثر ضربات الفرشاة والسكّين بوضوح.
استمرّ دو ستال يرسم لمدّة خمسة عشر عاما ابتداءً من عام 1940م، وأنتج خلال تلك الفترة حوالي ألف لوحة. وأعماله تشي بتأثّره بسيزان وبيكاسو وماتيس وكوربيه ورمبراندت وفيرمير وغيرهم.
ورغم أنه كان يُعتبر دائما رسّاما تجريديا، إلا انه أحيانا ما رسم أشخاصا. وكثيرا ما تهيمن على رسوماته تأثيرات السماء والضوء والظلّ.
وفي نهايات حياته، طرأ بعض التغيير على أسلوبه. فالألوان لم تعد مشبعة بل صار يكتنفها قدر من الضبابية، والطلاء أصبح سميكا ورقعة الرسم مبقّعة وليست مغطّاة بالألوان بالكامل. كما أصبح يوظّف كرات من القطن كي يعزّز حركة الطلاء.
كان من عادة دو ستال أن يعمل بلا طعام أو نوم لعدّة أيّام. وبعد منتصف إحدى ليالي مارس من عام 1955، وكان ما يزال يعمل بمحترفه، شعر بشحوب الضوء وبأن من المتعذّر عليه أن يعمل لفترة أطول. ثم نهض من كرسيّه وابتعد عن اللوحة التي لم تكتمل بعد وأمسك بورقة كتب عليها ثلاثة أحرف. ثم قام بإحراق جميع اسكتشات لوحاته المستقبلية.
ومن نافذة الاستديو الواقع في الدور الحادي عشر من إحدى البنايات في آنتيب، نظر إلى الخارج للمرّة الأخيرة ثم قفز إلى بحر الشارع. وفي وقت متأخّر من تلك الليلة، عثرت امرأة كانت تماشي كلبها على جثّته المشوّهة. وتبيّن انه قُتل في الحال. كان عمره وقتها لا يتجاوز الحادية والأربعين.
كان دو ستال قد عاش قبل ذلك فترة من التعب والإرهاق والاكتئاب. وقيل انه اتخذ قراره بإنهاء حياته بعد لقاء عاصف مع احد النقّاد المشاكسين الذي أهانه وحطّ من قدره. وهذا هو التفسير الذي أصبح مقبولا ومتداولا في ما بعد.
ما من شكّ في أن نيكولا دو ستال كان رسّاما ناجحا تجاريّا ونقديّا، وكان الطلب على لوحاته كبيرا. وقد عانى كثيرا في حياته الشخصية، حيث ذاق مرارة المنفى وفقدان الوالدين وهو في سنّ مبكرة، ثم فُجع بفقد زوجته. وكانت هذه الصدمات كبيرة جدّا بحيث لم يستطع تحمّلها.
ولا تزال لوحاته مطلوبة كثيرا هذه الأيّام وربّما أكثر من أيّ وقت مضى. وقد بيعت إحداها في المزاد بفرنسا قبل ثلاث سنوات بمبلغ سبعة ملايين يورو.
بعد اندلاع ثورة 1917، اضطرّت عائلة الرسّام لمغادرة روسيا، وذهبت في البداية إلى بولندا. وبعد خمس سنوات توفّي والداه فأصبح يتيما وهو ما يزال في سنّ التاسعة. وقد وُضع هو وشقيقاته في عهدة عائلة روسية في بروكسل. وفي بلجيكا تمكّنوا من تأسيس حياة مريحة نسبيّا.
وفي تلك الأثناء أبدى نيكولا رغبته في أن يصبح رسّاما، على الرغم من اعتراض عائلته. وقد سجّل عام 1933 في أكاديمية الفنون الجميلة في بروكسل كطالب في الرسم. وفي سبتمبر من عام 1954، غادر ومن بقي من عائلته بلجيكا إلى فرنسا.
وفي باريس أسّس له محترفا على بعد أمتار من استوديو الرسّام جورج براك الذي أصبح واحدا من اقرب أصدقائه. كما تعرّف على موسيقيين وشعراء ورسّامين مشهورين من أمثال جان آرب وسونيا ديلوناي.
وكانت معالم باريس من بين أوّل ما رسمه دو ستال في بداياته. كان يملأ جيوبه بأنابيب الطلاء ويحمل رقعة الرسم ويتمشّى على ضفاف السين. ثم يعود وقد رسم طبيعة بطلاء سميك من الألوان الزرقاء والبنّية والخضراء الشاحبة مع أفق منخفض وسماوات واسعة.
في عام 1937، زار الجزائر، ثمّ قضى بعض الوقت في المغرب التي قابل فيها الرسّامة جان غيلو والتي أصبحت في ما بعد زوجته. وقد رُزقا بطفل، لكن لم تلبث الزوجة أن توفّيت عام 1946 ليترك رحيلها في نفسه فراغا كبيرا.
وفي السنوات التالية ذهب إلى اسبانيا. وأينما حلّ، كان يزور المتاحف ويتأمّل أعمال كبار الرسّامين. غير أن هذه الرحلات زوّدته بمصدر إلهام إضافي ومهم تمثّل في أراضي الجنوب المشبعة بضوء الشمس.
وبحلول بداية الخمسينات، كان دو ستال قد أصبح رسّاما عالميّا مشهورا بعد أن عرض أعماله في باريس وبرلين وكوبنهاغن وغيرها. كما حقّق نجاحا كبيرا في نيويورك ولندن اللتين عرض فيهما بعضا من لوحاته وباع البعض الآخر. كان الطلب على رسوماته كبيرا جدّا لدرجة أن متعهّد أعماله الأمريكي رفع أسعار لوحاته وطلب المزيد منها.
في هذه اللوحة، يرسم دو ستال منظرا تجريديا لطبيعة فرنسية من لا سيوتا، وهي بلدة سياحية تقع في جنوب فرنسا على ساحل المتوسّط أتى على ذكرها الشاعر الرومانسي لامارتين في إحدى قصائده.
دو ستال قسم اللوحة إلى عدد من القطاعات اللونية، الزرقاء والحمراء والبيضاء والسوداء، والمقشورة بطريقة جميلة. ومن الواضح انه تعامل مع سطح الصورة بمثل ما يتعامل النحّات، فوضع طبقات ثقيلة من اللون بعضها فوق بعض باستخدام سكّين. وفي اللوحة، كما في غيرها، يمكنك رؤية أثر ضربات الفرشاة والسكّين بوضوح.
استمرّ دو ستال يرسم لمدّة خمسة عشر عاما ابتداءً من عام 1940م، وأنتج خلال تلك الفترة حوالي ألف لوحة. وأعماله تشي بتأثّره بسيزان وبيكاسو وماتيس وكوربيه ورمبراندت وفيرمير وغيرهم.
ورغم أنه كان يُعتبر دائما رسّاما تجريديا، إلا انه أحيانا ما رسم أشخاصا. وكثيرا ما تهيمن على رسوماته تأثيرات السماء والضوء والظلّ.
وفي نهايات حياته، طرأ بعض التغيير على أسلوبه. فالألوان لم تعد مشبعة بل صار يكتنفها قدر من الضبابية، والطلاء أصبح سميكا ورقعة الرسم مبقّعة وليست مغطّاة بالألوان بالكامل. كما أصبح يوظّف كرات من القطن كي يعزّز حركة الطلاء.
كان من عادة دو ستال أن يعمل بلا طعام أو نوم لعدّة أيّام. وبعد منتصف إحدى ليالي مارس من عام 1955، وكان ما يزال يعمل بمحترفه، شعر بشحوب الضوء وبأن من المتعذّر عليه أن يعمل لفترة أطول. ثم نهض من كرسيّه وابتعد عن اللوحة التي لم تكتمل بعد وأمسك بورقة كتب عليها ثلاثة أحرف. ثم قام بإحراق جميع اسكتشات لوحاته المستقبلية.
ومن نافذة الاستديو الواقع في الدور الحادي عشر من إحدى البنايات في آنتيب، نظر إلى الخارج للمرّة الأخيرة ثم قفز إلى بحر الشارع. وفي وقت متأخّر من تلك الليلة، عثرت امرأة كانت تماشي كلبها على جثّته المشوّهة. وتبيّن انه قُتل في الحال. كان عمره وقتها لا يتجاوز الحادية والأربعين.
كان دو ستال قد عاش قبل ذلك فترة من التعب والإرهاق والاكتئاب. وقيل انه اتخذ قراره بإنهاء حياته بعد لقاء عاصف مع احد النقّاد المشاكسين الذي أهانه وحطّ من قدره. وهذا هو التفسير الذي أصبح مقبولا ومتداولا في ما بعد.
ما من شكّ في أن نيكولا دو ستال كان رسّاما ناجحا تجاريّا ونقديّا، وكان الطلب على لوحاته كبيرا. وقد عانى كثيرا في حياته الشخصية، حيث ذاق مرارة المنفى وفقدان الوالدين وهو في سنّ مبكرة، ثم فُجع بفقد زوجته. وكانت هذه الصدمات كبيرة جدّا بحيث لم يستطع تحمّلها.
ولا تزال لوحاته مطلوبة كثيرا هذه الأيّام وربّما أكثر من أيّ وقت مضى. وقد بيعت إحداها في المزاد بفرنسا قبل ثلاث سنوات بمبلغ سبعة ملايين يورو.