نـداء الليـل
للفنان البلجيكي بـول ديلفـو، 1938
للفنان البلجيكي بـول ديلفـو، 1938
أنتجت الحركة السوريالية العديد من الرسّامين. وكلّ منهم كان له أسلوبه المختلف ولغته الخاصّة به. وكان هؤلاء غالبا ما يركّزون على محاولة فهم الطبيعة المعقّدة للجنس، وكثيرا ما كانت أعمالهم تُقرأ قراءة سيكولوجية.
ماكس إرنست، مثلا، رسم صورة مزعجة لرجل وامرأة في اتحاد جنسي بينما تبدو أيديهما مبتورة. وكان إرنست متأثّرا على ما يبدو بتحليل فرويد لتهويمات شخص مصاب بالبارانويا والفصام.
بول ديلفو اشتهر هو أيضا بلوحاته السوريالية عن نساء عاريات. والحقيقة انك عندما ترى لوحة من لوحات هذا الرسّام فإنه من الصعب عليك أن تنساها. ففيها ذلك المزاج الحالم والجوّ الجذّاب والمنوّم. وهذه اللوحة هي واحدة من أعماله المبكّرة التي تعكس أسلوبه الخاص والمتفرّد.
ومع أن ديلفو لم يكن يقبل أن يُصنّف ضمن السورياليين ولا ضمن أيّة مدرسة فنّية أخرى، إلا أن هذه اللوحة تُعتبر سوريالية بامتياز. وفيها يظهر تأثّره برينيه ماغريت؛ الرسّام الذي كان ديلفو يقدّره كثيرا.
وفي اللوحة نرى معمارا يونانيّا رومانيّا يتحرّك ضمنه عدد من النساء العاريات والمرتعبات اللاتي يبكين على كارثة غير واضحة. فينوس النائمة تبدو هي الأخرى عارية وغارقة في حلم وسط هذا المنظر الكلاسيكي الغريب. وإلى اليسار نرى امرأة أخرى، لكن مغطّاة بالكامل، وهي تتحدّث إلى هيكل عظمي.
ويبدو أن الرسّام اخذ التأثيرات الرومانية اليونانية من فرويد. ولا يُستبعد أن حبّ فرويد للكتب الكلاسيكية انتقل إلى ديلفو. وكان فرويد قد استعار عددا من الصور اليونانية والرومانية الكلاسيكية ومزجها بنظريّته عن التحليل النفسي.
لكن من ناحية أخرى، قد تكون اللوحة تمثيلا للجنسانية. والنساء المولولات في الخلفية قد يكنّ مرعوبات من حقيقة أنهنّ عاريات. وهذه فكرية فرويدية صميمة لها أصلها في كتابه "تفسير الأحلام". وقد يكون مبعث رعب النساء افتقادهن لوجود رفقاء من الذكور. والملاحظ أن الصورة تخلو فعلا من وجود رجال، إلا إذا استثنينا، ربّما، الهيكل العظمي.
ديلفو قال في ما بعد انه رسم هذه اللوحة في بروكسل أثناء الاحتلال الألماني النازي للمدينة. "الحالة النفسية في تلك اللحظة كانت استثنائية ومليئة بالدراما والألم. وقد أردت أن اعبّر عن ما أحسّ به من كرب وضيق من خلال تصويري لحال النساء المرتعبات ومقارنة حالتهنّ بهدوء فينوس النائمة".
الهياكل العظمية هي إحدى الثيمات التي تتكرّر في لوحات ديلفو. وتُعتبر رسوماته للهياكل من بين الأقوى في الفنّ الغربي المعاصر.
من الواضح أن بعض السورياليين، ومن ضمنهم هذا الرسّام، كانوا يفكّرون بطريقة شبيهة بما قال به فرويد في نظرياته حتى قبل أن يقرؤوها. وكان هؤلاء يجدون رمزية جنسية في كافّة أشكال الحياة اليومية، تماما مثلما كان فرويد يرى في ظهور السكاكين والبنادق في الأحلام رموزا للجنس.
الفيلسوف البريطاني الراحل جيمس بالارد، الذي كان دائما توّاقا لكلّ ما هو غرائبي وتجريبي، كان معجبا كثيرا بلوحات ديلفو وطبيعته المقفرة. ولهذا السبب حرص على أن يعلّق في مكتبه لوحة لديلفو تظهر فيها امرأتان بوجهين رماديين وهما ترقصان نصف عاريتين مع هيكلين عظميين أمام طبيعة شبحية.
كان ديلفو يحبّ الأماكن المعمارية وواجهات المباني وساحات المدن والحدائق وأحواض الزروع التي تفصل بينها ممرّات. والمفارقة أن هذه الطبيعة ما فوق الواقعية برغم هدوئها وغرائبيّتها غالبا ما تثير إحساسا باللاواقع والإنزعاج.
وقد عُرف عن هذا الرسّام أيضا عشقه للنباتات والتطريز والمشغولات الحريرية. ويمكن أن ترى هذه الأشياء في جميع لوحاته تقريبا.
ولد بول ديلفو لعائلة بورجوازية، وكان والده محاميا مرموقا. وقد درس الرسم أوّلا في أكاديمية بروكسل للفنون الجميلة، على الرغم من اعتراض والديه على أن يصبح رسّاما.
ثم درس الموسيقى وأخذ دروسا في اليونانية واللاتينية واطّلع على روايات جول فيرن وشعر هوميروس. وقد تأثّر بهذه القراءات وحرص على أن يعكسها في كلّ أعماله تقريبا. ديلفو قد لا يكون رسّاما عظيما أو مهمّا جدّا، لكنّه مع ذلك محيّر ومثير للاهتمام. ويمكن وصف لوحاته إجمالا بأنها صور مثيرة للمدنية الحديثة ولكن بتعبيرات مستمدّة من الأساطير القديمة.
الجدير بالذكر أنه استمرّ يرسم حتى بلوغه الثمانين. وبحلول عام 1988 كان قد فقد بصره نهائيا تقريبا. وكثيرا ما كان يشاهَد وهو يمشي منحني الظهر ومتّكئا على عكّاز، لكنه ظلّ محتفظا بكامل وعيه إلى حين وفاته في يوليو من عام 1994 عن 97 عاما.
ماكس إرنست، مثلا، رسم صورة مزعجة لرجل وامرأة في اتحاد جنسي بينما تبدو أيديهما مبتورة. وكان إرنست متأثّرا على ما يبدو بتحليل فرويد لتهويمات شخص مصاب بالبارانويا والفصام.
بول ديلفو اشتهر هو أيضا بلوحاته السوريالية عن نساء عاريات. والحقيقة انك عندما ترى لوحة من لوحات هذا الرسّام فإنه من الصعب عليك أن تنساها. ففيها ذلك المزاج الحالم والجوّ الجذّاب والمنوّم. وهذه اللوحة هي واحدة من أعماله المبكّرة التي تعكس أسلوبه الخاص والمتفرّد.
ومع أن ديلفو لم يكن يقبل أن يُصنّف ضمن السورياليين ولا ضمن أيّة مدرسة فنّية أخرى، إلا أن هذه اللوحة تُعتبر سوريالية بامتياز. وفيها يظهر تأثّره برينيه ماغريت؛ الرسّام الذي كان ديلفو يقدّره كثيرا.
وفي اللوحة نرى معمارا يونانيّا رومانيّا يتحرّك ضمنه عدد من النساء العاريات والمرتعبات اللاتي يبكين على كارثة غير واضحة. فينوس النائمة تبدو هي الأخرى عارية وغارقة في حلم وسط هذا المنظر الكلاسيكي الغريب. وإلى اليسار نرى امرأة أخرى، لكن مغطّاة بالكامل، وهي تتحدّث إلى هيكل عظمي.
ويبدو أن الرسّام اخذ التأثيرات الرومانية اليونانية من فرويد. ولا يُستبعد أن حبّ فرويد للكتب الكلاسيكية انتقل إلى ديلفو. وكان فرويد قد استعار عددا من الصور اليونانية والرومانية الكلاسيكية ومزجها بنظريّته عن التحليل النفسي.
لكن من ناحية أخرى، قد تكون اللوحة تمثيلا للجنسانية. والنساء المولولات في الخلفية قد يكنّ مرعوبات من حقيقة أنهنّ عاريات. وهذه فكرية فرويدية صميمة لها أصلها في كتابه "تفسير الأحلام". وقد يكون مبعث رعب النساء افتقادهن لوجود رفقاء من الذكور. والملاحظ أن الصورة تخلو فعلا من وجود رجال، إلا إذا استثنينا، ربّما، الهيكل العظمي.
ديلفو قال في ما بعد انه رسم هذه اللوحة في بروكسل أثناء الاحتلال الألماني النازي للمدينة. "الحالة النفسية في تلك اللحظة كانت استثنائية ومليئة بالدراما والألم. وقد أردت أن اعبّر عن ما أحسّ به من كرب وضيق من خلال تصويري لحال النساء المرتعبات ومقارنة حالتهنّ بهدوء فينوس النائمة".
الهياكل العظمية هي إحدى الثيمات التي تتكرّر في لوحات ديلفو. وتُعتبر رسوماته للهياكل من بين الأقوى في الفنّ الغربي المعاصر.
من الواضح أن بعض السورياليين، ومن ضمنهم هذا الرسّام، كانوا يفكّرون بطريقة شبيهة بما قال به فرويد في نظرياته حتى قبل أن يقرؤوها. وكان هؤلاء يجدون رمزية جنسية في كافّة أشكال الحياة اليومية، تماما مثلما كان فرويد يرى في ظهور السكاكين والبنادق في الأحلام رموزا للجنس.
الفيلسوف البريطاني الراحل جيمس بالارد، الذي كان دائما توّاقا لكلّ ما هو غرائبي وتجريبي، كان معجبا كثيرا بلوحات ديلفو وطبيعته المقفرة. ولهذا السبب حرص على أن يعلّق في مكتبه لوحة لديلفو تظهر فيها امرأتان بوجهين رماديين وهما ترقصان نصف عاريتين مع هيكلين عظميين أمام طبيعة شبحية.
كان ديلفو يحبّ الأماكن المعمارية وواجهات المباني وساحات المدن والحدائق وأحواض الزروع التي تفصل بينها ممرّات. والمفارقة أن هذه الطبيعة ما فوق الواقعية برغم هدوئها وغرائبيّتها غالبا ما تثير إحساسا باللاواقع والإنزعاج.
وقد عُرف عن هذا الرسّام أيضا عشقه للنباتات والتطريز والمشغولات الحريرية. ويمكن أن ترى هذه الأشياء في جميع لوحاته تقريبا.
ولد بول ديلفو لعائلة بورجوازية، وكان والده محاميا مرموقا. وقد درس الرسم أوّلا في أكاديمية بروكسل للفنون الجميلة، على الرغم من اعتراض والديه على أن يصبح رسّاما.
ثم درس الموسيقى وأخذ دروسا في اليونانية واللاتينية واطّلع على روايات جول فيرن وشعر هوميروس. وقد تأثّر بهذه القراءات وحرص على أن يعكسها في كلّ أعماله تقريبا. ديلفو قد لا يكون رسّاما عظيما أو مهمّا جدّا، لكنّه مع ذلك محيّر ومثير للاهتمام. ويمكن وصف لوحاته إجمالا بأنها صور مثيرة للمدنية الحديثة ولكن بتعبيرات مستمدّة من الأساطير القديمة.
الجدير بالذكر أنه استمرّ يرسم حتى بلوغه الثمانين. وبحلول عام 1988 كان قد فقد بصره نهائيا تقريبا. وكثيرا ما كان يشاهَد وهو يمشي منحني الظهر ومتّكئا على عكّاز، لكنه ظلّ محتفظا بكامل وعيه إلى حين وفاته في يوليو من عام 1994 عن 97 عاما.