بورتـريه الـدوق ليونـاردو لوريـدان
للفنان الايطالي جيوفـاني بيلليـني، 1502
للفنان الايطالي جيوفـاني بيلليـني، 1502
يقال إن هذا البورتريه هو واحد من أعظم الصور الشخصيّة في تاريخ الفنّ الغربي. وقد رسمه رجل يعتبره مؤرّخو الفنّ أشهر أفراد عائلة كانوا جميعا من الرسّامين الكبار.
أما الشخص المرسوم هنا فهو الدوق ليوناردو لوريدان. لم يكن هذا الرجل ملكا ولا امبراطورا. لكنه كان اقلّ بقليل من حاكم مطلق. وأنت تشعر بهذا من الطريقة التي رُسم بها.
جيوفاني بيلليني رسمه في نفس السنة التي تولّى فيها منصبه كحاكم لفينيسيا، وهو المنصب الذي سيشغله طوال العشرين عاما التالية والتي اتسمت بالصراع المتواصل بين الجمهورية وأعدائها الكثر.
في اللوحة، يبدو الدوق بعينين فولاذيّتين، تماما كما كان ذات مرّة يهيمن على مقاليد الأمور الشائكة والخطيرة في فينيسيا في مطلع القرن السادس عشر.
والحقيقة انك كلّما نظرت إلى صورة هذا الرجل، بنظراته النافذة وقبّعته المشدودة على رأسه بإحكام وردائه المطرّز بطريقة فخمة، كلّما خمّنت أن لديه المزيد ممّا يريد أن يقوله.
الوجه نحيل والملامح حذرة ومتقشّفة. ومن الواضح أننا أمام رجل خبير بالدبلوماسية والتكتيك، وزعيم روحاني ولكن بقبضة حديدية.
المدهش أن بيلليني لم يرسم البورتريه جانبيّا، لكن وجها لوجه مع انحراف بسيط. وهذا الأسلوب في رسم اللوحات كان مقتصرا على الصور المقدّسة في العصور الوسطى. رداء الدوق مصنوع من الحرير المقصّب بالذهب. وعلى ما يبدو، كان هذا هو اللباس التقليديّ لشاغلي المناصب الرسمية آنذاك.
كان من عادة بيلليني أن يرسم بورتريهات الأشخاص المهمّين بأسلوب فخم ما أمكن. وهو هنا أراد أن يذكّر الناظر بحقيقة أن الدوق لوريدان كان رجلا بين مجموعة من الرجال، وقد انتخبته لجنة من أربعين ارستقراطيا.
والدوق لم يكسب سوى القليل مقابل أدائه لواجباته الرسمية، ولم يكن مسموحا له أن يحابي أو يفضّل أيّا من أفراد عائلته أو أقاربه الذين لم يكن يحقّ لهم امتلاك أراض خارج حدود فينيسيا. ومع ذلك كانت وظائفه الشرفية غير عاديّة. ولهذا رسمه الفنّان بهذه الطريقة الفخمة نوعا ما.
ولد الدوق ليوناردو لوريدان عام 1436. وإحدى المشاكل التي واجهته في بداية حكمه كانت هزم الأسطول البرتغالي للأسطول العثماني المملوكي. وكان من نتائج تلك المعركة أن خسرت فينيسيا تجارة التوابل المربحة التي كانت تحتكر بيعها في أوربّا وتجني من ورائها أرباحا طائلة.
ووجدت فينيسيا نفسها فجأة مهدّدة من قبل رابطة كامبري، فباشر لوريدان توحيد الناس ودعا لأن يحتشدوا ويبدوا استعدادهم للتضحية. وقد تمكّن في النهاية من استعادة جميع الأراضي التي كان قد استولى عليها البابا المتحالف مع الفرنسيين.
هذه اللوحة لا شي فيها يمكن أن يصرف النظر عن الدوق نفسه. وكما هو الحال في الحياة الواقعية، كان الدوق هو المواطن الأوّل في فينيسيا في عصره.
واختيار الرسّام لخلفية زرقاء خفيفة هو جزء من نجاح هذه اللوحة. والخلفية تتضمّن كمّا وفيرا من الالترامارين، وهو نوع من الأصباغ المشتقّة من اللازورد الذي يُسمّى أحيانا "اللابيس لازول". كانت هذه المادّة الصبغية أغلى من الذهب في بعض الأحيان، وكانت تُشحن إلى أوربّا من آسيا عبر فينيسيا.
ولا بدّ وأن الدوق تسامح مع إنفاق جزء من ثروته على هذه اللوحة التي تبدو، ظاهريّا، بعيدة عن المفاخرة أو التشاوف. هذه الخلفية اللازوردية لا تخلق تباينا جميلا مع الألوان الذهبية فحسب، بل تستدعي أيضا سمعة فينيسيا كقوّة تجارية بحرية يُحسب لها ألف حساب.
ومن الملاحظ أن اللوحة ليست بكامل طولها، وإنّما قُطعت من منتصفها، مع أن الدوق لم يكن بأيّ حال شخصا قصير القامة. لكن يبدو أن أسلوب الرأس والجذع مستمدّ من التماثيل النصفية الرومانية. ويقال إن عائلة لوريـدان كانت تعتقد أنها من سلالة بطل رومانيّ قديم. كأن الدوق ليوناردو نفسه يقول: أنا أيضا بطل، خادم للربّ وقائد للناس.
وإجمالا يمكن القول أن هذا البورتريه عبارة عن متاهة معقّدة من الأنسجة والأنماط. وقد وظّف الفنّان في رسم الثياب تقنية الطلاء الكثيف "أو الامباستو" كي يخلق إحساسا بتأثير الأبعاد الثلاثية. خيوط الذهب والفضّة على الرداء لا تعكس الضوء فحسب، وإنّما أيضا ثروة فينيسيا والأمل بأن تستمرّ المدينة في طريق الرخاء والرفاهية. وعلى كلّ، كان لوريدان نفسه معروفا بأناقته وحسن اختياره للملابس.
كان جيوفاني بيلليني احد أكثر رسّامي عصر النهضة الايطالي أهمّية ونفوذا. وقد عاش حياة طويلة وتمكّن من تحويل فينيسيا إلى مركز للفنون ينافس كلا من روما وفلورنسا كمركزين مهمّين ومشهورين. كان بيلليني حاضرا في عمق الحياة السياسية والثقافية في فينيسيا طوال حياته وحتى وفاته في عام 1516 عن 86 عاما.
ولد في فينيسيا حوالي عام 1430. والده جاكوبو بيلليني كان، هو الآخر، رسّاما. وقد تدرّب جيوفاني وشقيقة الأخر جنتيلي على يد والدهما. وقُدّر لجنتيلي أن يسافر في ما بعد إلى البلاط العثماني حيث رسم بورتريها مشهورا للسلطان محمّد الفاتح.
رسم بيلليني لوحات تعبّدية وأسطورية، وأظهر مهارة في استيعاب العديد من الأساليب والتأثيرات الفنّية. كما كان بارعا على وجه الخصوص في رسم الوجوه، مع إشارات إلى نوعية الانفعالات وبما يكفي لإيصال أفكار معيّنة عن الشخص إلى المتلقّي.
النظرة الفولاذية التي تحدّث عنها بعض النقّاد رُسمت في هذا البورتريه عمدا على ما يبدو. وقد يكون فيها إشارة إلى أن الدوق يهدف لأن يكون زعيما قويّا وحكيما لفينيسيا.
التعبيرات على الجانب الأيمن المضاء من وجهه أكثر حدّة، بينما الجانب الأيسر الذي في الظلّ يبدو أكثر خيريةً. ابتسامة الدوق الخفيفة على هذا الجانب تبدو عطوفة إلى حدّ ما وقد تكون تعبيرا عن تطلّعه لأن يصبح موضع ثقة الناس وأن يتمتّع بحبّهم وتقديرهم. لكن الجانب الآخر من وجهه الذي في الظلّ يوحي بأنه من النوع الذي ينبغي اتقاء شرّه وتجنّب غضبه.
موضوع ذو صلة: رحلة بيلليني إلى الشرق
أما الشخص المرسوم هنا فهو الدوق ليوناردو لوريدان. لم يكن هذا الرجل ملكا ولا امبراطورا. لكنه كان اقلّ بقليل من حاكم مطلق. وأنت تشعر بهذا من الطريقة التي رُسم بها.
جيوفاني بيلليني رسمه في نفس السنة التي تولّى فيها منصبه كحاكم لفينيسيا، وهو المنصب الذي سيشغله طوال العشرين عاما التالية والتي اتسمت بالصراع المتواصل بين الجمهورية وأعدائها الكثر.
في اللوحة، يبدو الدوق بعينين فولاذيّتين، تماما كما كان ذات مرّة يهيمن على مقاليد الأمور الشائكة والخطيرة في فينيسيا في مطلع القرن السادس عشر.
والحقيقة انك كلّما نظرت إلى صورة هذا الرجل، بنظراته النافذة وقبّعته المشدودة على رأسه بإحكام وردائه المطرّز بطريقة فخمة، كلّما خمّنت أن لديه المزيد ممّا يريد أن يقوله.
الوجه نحيل والملامح حذرة ومتقشّفة. ومن الواضح أننا أمام رجل خبير بالدبلوماسية والتكتيك، وزعيم روحاني ولكن بقبضة حديدية.
المدهش أن بيلليني لم يرسم البورتريه جانبيّا، لكن وجها لوجه مع انحراف بسيط. وهذا الأسلوب في رسم اللوحات كان مقتصرا على الصور المقدّسة في العصور الوسطى. رداء الدوق مصنوع من الحرير المقصّب بالذهب. وعلى ما يبدو، كان هذا هو اللباس التقليديّ لشاغلي المناصب الرسمية آنذاك.
كان من عادة بيلليني أن يرسم بورتريهات الأشخاص المهمّين بأسلوب فخم ما أمكن. وهو هنا أراد أن يذكّر الناظر بحقيقة أن الدوق لوريدان كان رجلا بين مجموعة من الرجال، وقد انتخبته لجنة من أربعين ارستقراطيا.
والدوق لم يكسب سوى القليل مقابل أدائه لواجباته الرسمية، ولم يكن مسموحا له أن يحابي أو يفضّل أيّا من أفراد عائلته أو أقاربه الذين لم يكن يحقّ لهم امتلاك أراض خارج حدود فينيسيا. ومع ذلك كانت وظائفه الشرفية غير عاديّة. ولهذا رسمه الفنّان بهذه الطريقة الفخمة نوعا ما.
ولد الدوق ليوناردو لوريدان عام 1436. وإحدى المشاكل التي واجهته في بداية حكمه كانت هزم الأسطول البرتغالي للأسطول العثماني المملوكي. وكان من نتائج تلك المعركة أن خسرت فينيسيا تجارة التوابل المربحة التي كانت تحتكر بيعها في أوربّا وتجني من ورائها أرباحا طائلة.
ووجدت فينيسيا نفسها فجأة مهدّدة من قبل رابطة كامبري، فباشر لوريدان توحيد الناس ودعا لأن يحتشدوا ويبدوا استعدادهم للتضحية. وقد تمكّن في النهاية من استعادة جميع الأراضي التي كان قد استولى عليها البابا المتحالف مع الفرنسيين.
هذه اللوحة لا شي فيها يمكن أن يصرف النظر عن الدوق نفسه. وكما هو الحال في الحياة الواقعية، كان الدوق هو المواطن الأوّل في فينيسيا في عصره.
واختيار الرسّام لخلفية زرقاء خفيفة هو جزء من نجاح هذه اللوحة. والخلفية تتضمّن كمّا وفيرا من الالترامارين، وهو نوع من الأصباغ المشتقّة من اللازورد الذي يُسمّى أحيانا "اللابيس لازول". كانت هذه المادّة الصبغية أغلى من الذهب في بعض الأحيان، وكانت تُشحن إلى أوربّا من آسيا عبر فينيسيا.
ولا بدّ وأن الدوق تسامح مع إنفاق جزء من ثروته على هذه اللوحة التي تبدو، ظاهريّا، بعيدة عن المفاخرة أو التشاوف. هذه الخلفية اللازوردية لا تخلق تباينا جميلا مع الألوان الذهبية فحسب، بل تستدعي أيضا سمعة فينيسيا كقوّة تجارية بحرية يُحسب لها ألف حساب.
ومن الملاحظ أن اللوحة ليست بكامل طولها، وإنّما قُطعت من منتصفها، مع أن الدوق لم يكن بأيّ حال شخصا قصير القامة. لكن يبدو أن أسلوب الرأس والجذع مستمدّ من التماثيل النصفية الرومانية. ويقال إن عائلة لوريـدان كانت تعتقد أنها من سلالة بطل رومانيّ قديم. كأن الدوق ليوناردو نفسه يقول: أنا أيضا بطل، خادم للربّ وقائد للناس.
وإجمالا يمكن القول أن هذا البورتريه عبارة عن متاهة معقّدة من الأنسجة والأنماط. وقد وظّف الفنّان في رسم الثياب تقنية الطلاء الكثيف "أو الامباستو" كي يخلق إحساسا بتأثير الأبعاد الثلاثية. خيوط الذهب والفضّة على الرداء لا تعكس الضوء فحسب، وإنّما أيضا ثروة فينيسيا والأمل بأن تستمرّ المدينة في طريق الرخاء والرفاهية. وعلى كلّ، كان لوريدان نفسه معروفا بأناقته وحسن اختياره للملابس.
كان جيوفاني بيلليني احد أكثر رسّامي عصر النهضة الايطالي أهمّية ونفوذا. وقد عاش حياة طويلة وتمكّن من تحويل فينيسيا إلى مركز للفنون ينافس كلا من روما وفلورنسا كمركزين مهمّين ومشهورين. كان بيلليني حاضرا في عمق الحياة السياسية والثقافية في فينيسيا طوال حياته وحتى وفاته في عام 1516 عن 86 عاما.
ولد في فينيسيا حوالي عام 1430. والده جاكوبو بيلليني كان، هو الآخر، رسّاما. وقد تدرّب جيوفاني وشقيقة الأخر جنتيلي على يد والدهما. وقُدّر لجنتيلي أن يسافر في ما بعد إلى البلاط العثماني حيث رسم بورتريها مشهورا للسلطان محمّد الفاتح.
رسم بيلليني لوحات تعبّدية وأسطورية، وأظهر مهارة في استيعاب العديد من الأساليب والتأثيرات الفنّية. كما كان بارعا على وجه الخصوص في رسم الوجوه، مع إشارات إلى نوعية الانفعالات وبما يكفي لإيصال أفكار معيّنة عن الشخص إلى المتلقّي.
النظرة الفولاذية التي تحدّث عنها بعض النقّاد رُسمت في هذا البورتريه عمدا على ما يبدو. وقد يكون فيها إشارة إلى أن الدوق يهدف لأن يكون زعيما قويّا وحكيما لفينيسيا.
التعبيرات على الجانب الأيمن المضاء من وجهه أكثر حدّة، بينما الجانب الأيسر الذي في الظلّ يبدو أكثر خيريةً. ابتسامة الدوق الخفيفة على هذا الجانب تبدو عطوفة إلى حدّ ما وقد تكون تعبيرا عن تطلّعه لأن يصبح موضع ثقة الناس وأن يتمتّع بحبّهم وتقديرهم. لكن الجانب الآخر من وجهه الذي في الظلّ يوحي بأنه من النوع الذي ينبغي اتقاء شرّه وتجنّب غضبه.
موضوع ذو صلة: رحلة بيلليني إلى الشرق