مقصـورة فـي المسـرح الايطـالـي
للفنانة الفرنسية إيفـا غـونـزاليـس، 1874
للفنانة الفرنسية إيفـا غـونـزاليـس، 1874
شكّل الثلث الأخير من القرن التاسع عشر بداية خروج فرنسا من فترة الاضطرابات السياسية التي استمرّت عشرين عاما. وترافق ذلك مع بدء شيوع فكرة المجتمع الراقي. الوهج والإثارة اللذان اتسمت بهما الحياة الباريسية في نهايات ذلك القرن تعكسها لوحات رينوار ومعاصريه من الفنّانين الانطباعيين الذين كانوا حريصين على تصوير مظاهر الحياة الجديدة وإقبال الباريسيين على ارتياد حفلات المسرح والأوبرا والباليه.
وفي ذلك الوقت، تضاعف عدد سكّان المدينة وزاد عدد المسارح والمقاهي وصالات الموسيقى. وأصبحت مقصورات المسرح في باريس أماكن مفضّلة تقصدها طبقات المجتمع العليا لإزجاء الوقت وتبادل الأحاديث. وكانت تلك المقصورات توفّر للمتردّدين على المسرح الفرصة لكي يراهم الآخرون وهم في أفضل حالاتهم.
الرسّامون الانطباعيون، مثل ميري كاسات وإدغار ديغا، كانوا منجذبين إلى فكرة المسرح. غير أن اللوحة الأكثر احتفاءً بالنسبة لهذا النوع من الرسم هي لوحة جان بيير رينوار بعنوان مقصورة المسرح. كان رينوار، على وجه الخصوص، حريصا على الإمساك بروح التغيير والحداثة التي كانت تشهدها باريس. ولوحته تلك أصبحت رمزا للوجه المتغيّر للمدينة.
وقد ألهمت اللوحة فنّانين آخرين برسم لوحات مشابهة عن المسرح. ومن بين هؤلاء ايفا غونزاليس التي ترسم في لوحتها هنا شخصين، رجلا وامرأة، بالقياس الطبيعي وهما يقفان في مقصورة بالمسرح بينما تظهر وراءهما خلفية داكنة.
المرأة الشابّة تشي وقفتها بالوقار والتواضع. يدها اليمنى مسنودة إلى حافّة المقصورة، بينما اليد الأخرى التي ترتدي قفّازا تمسك بمنظار من العاج. صدر المرأة مرسوم بطريقة بارعة باستخدام طبقة من الطلاء الكثيف الذي يظهر طراوة وكمال الجسد في وهج الشباب. الفستان الأزرق الناعم مرسوم، هو الآخر، بمهارة. الرجل الذي يقف إلى يسارها يبدو بملابس أنيقة وملامح وسيمة تشبه ملامح الفرسان. كما انه يبدو واثقا وغير مهتم بالنظر إلى الآخرين وإنما أن يكون هو محطّ أنظارهم. وعلى حافّة المقصورة إلى اليسار، هناك باقة ورد تذكّر بشكل الباقة التي تظهر في لوحة أوليمبيا لمانيه.
كان الذهاب إلى المسارح يوفّر فرصة للنميمة وتطوير وترويج الشخصية. فالمسرح هو المكان الذي يمكن أن يراك فيه الآخرون ويتفاعلوا معك. وهو أيضا مكان مناسب لانهماك الجنسين في الغزل ولعرض آخر الأزياء. وفي ذلك العصر، كان الناس مهجوسين بمن نسمّيهم اليوم بالمشاهير أو الشخصيات البارزة من ممثّلين وفنّانين وغيرهم.
باريس كانت آنذاك مليئة بالأزياء وبقصص الحبّ ولعبة السلطة. وكان الأغنياء يستأجرون المقصورات لفترات طويلة وبعضهم كان يورّثها لأبنائه وحتى لأحفاده. حتى بنات الهوى كنّ يستأجرنها لإبرام الصفقات مع الزبائن المحتملين. وكانت هذه الأماكن مادّة لرسّامي الكاريكاتير بسبب "إيتيكيتها" المعقّد ولأنها تتيح إمكانية التلوّن والخداع. ومجلات الموضة كانت تختار المسارح كخلفية لصور سيّدات المجتمع اللاتي كن يعرضن آخر وأحدث الأزياء.
ولدت الرسّامة إيفا غونزاليس في باريس عام 1849م. ووالدها كان روائيا وكاتبا مسرحيّا من أصل اسباني، ولكنه اكتسب في ما بعد الجنسية الفرنسية. وقد نشأت منذ طفولتها في عالم الأدب والموسيقى، إذ كان بيت والدها ملتقى لكبار الكتّاب والنقّاد والفنّانين.
بدأت غونزاليس الرسم في عمر السادسة عشرة. وقبل بلوغها العشرين أصبحت تلميذة عند إدوار مانيه واستخدمها كموديل له ولغيره من الرسّامين الانطباعيين. وتأثير مانيه عليها وإعجابها به يبدو واضحا من خلال اختيارها للتباينات الحادّة والفرشاة الشاحبة والنسيج ذي الألوان الخفيفة والخلفية الداكنة.
وفي محترفه، تعرّفت غونزاليس على الرسّامة بيرتا موريسو. كانت موريسو تعمل مع مانيه وكان يصوّرها في لوحاته. ويبدو انه كانت هناك منافسة صامتة بين الرسّامتين. وبالإمكان اكتشاف غيرة موريسو من إيفا من خلال رسائل الأولى لشقيقتها. وقد غضبت من الكيفية التي رسم بها مانيه كلا منهما. فقد رسمهما شابّتين وبنفس الملابس وتقريبا نفس الجمال. وما أزعج موريسو هو انه رسمها وهي مستندة إلى أريكة في وضعية ساكنة تقريبا، بينما رسم إيفا كفنّانة تعمل بنشاط ودأب. موريسو لم تكن تعتبر نفسها تلميذة لمانيه، بل كانت ترى في نفسها ندّا له. كانت ذات شخصية قويّة وأكثر ثقة بنفسها من إيفا غونزاليس. وهناك أيضا عامل العمر، إذ كانت غونزاليس اصغر سنّا من موريسو بثمان سنوات على الأقلّ.
الشخصان الظاهران في هذه اللوحة هما زوج إيفا هنري غويرود وشقيقتها جان، واللذان سيصبحان زوجين بعد وفاة إيفا. كانت إيفا غونزاليس قد تزوّجت من هنري، الذي كان رسّاما هو الآخر، عام 1869. وفي عام 1883، أي بعد شهر من عيد ميلادها الرابع والثلاثين، ولدت إيفا بطفل. لكنها توفّيت بسبب تعقيدات ما بعد الولادة أو ما يُعتقد انه حمّى النفاس. وجاءت وفاتها بعد وفاة معلّمها إدوار مانيه بستّة أيّام. وبعد عامين من رحيلها، أقيم لها معرض تذكّري في الصالون عُرضت فيه أكثر من ثمانين لوحة من أعمالها.
وفي ذلك الوقت، تضاعف عدد سكّان المدينة وزاد عدد المسارح والمقاهي وصالات الموسيقى. وأصبحت مقصورات المسرح في باريس أماكن مفضّلة تقصدها طبقات المجتمع العليا لإزجاء الوقت وتبادل الأحاديث. وكانت تلك المقصورات توفّر للمتردّدين على المسرح الفرصة لكي يراهم الآخرون وهم في أفضل حالاتهم.
الرسّامون الانطباعيون، مثل ميري كاسات وإدغار ديغا، كانوا منجذبين إلى فكرة المسرح. غير أن اللوحة الأكثر احتفاءً بالنسبة لهذا النوع من الرسم هي لوحة جان بيير رينوار بعنوان مقصورة المسرح. كان رينوار، على وجه الخصوص، حريصا على الإمساك بروح التغيير والحداثة التي كانت تشهدها باريس. ولوحته تلك أصبحت رمزا للوجه المتغيّر للمدينة.
وقد ألهمت اللوحة فنّانين آخرين برسم لوحات مشابهة عن المسرح. ومن بين هؤلاء ايفا غونزاليس التي ترسم في لوحتها هنا شخصين، رجلا وامرأة، بالقياس الطبيعي وهما يقفان في مقصورة بالمسرح بينما تظهر وراءهما خلفية داكنة.
المرأة الشابّة تشي وقفتها بالوقار والتواضع. يدها اليمنى مسنودة إلى حافّة المقصورة، بينما اليد الأخرى التي ترتدي قفّازا تمسك بمنظار من العاج. صدر المرأة مرسوم بطريقة بارعة باستخدام طبقة من الطلاء الكثيف الذي يظهر طراوة وكمال الجسد في وهج الشباب. الفستان الأزرق الناعم مرسوم، هو الآخر، بمهارة. الرجل الذي يقف إلى يسارها يبدو بملابس أنيقة وملامح وسيمة تشبه ملامح الفرسان. كما انه يبدو واثقا وغير مهتم بالنظر إلى الآخرين وإنما أن يكون هو محطّ أنظارهم. وعلى حافّة المقصورة إلى اليسار، هناك باقة ورد تذكّر بشكل الباقة التي تظهر في لوحة أوليمبيا لمانيه.
كان الذهاب إلى المسارح يوفّر فرصة للنميمة وتطوير وترويج الشخصية. فالمسرح هو المكان الذي يمكن أن يراك فيه الآخرون ويتفاعلوا معك. وهو أيضا مكان مناسب لانهماك الجنسين في الغزل ولعرض آخر الأزياء. وفي ذلك العصر، كان الناس مهجوسين بمن نسمّيهم اليوم بالمشاهير أو الشخصيات البارزة من ممثّلين وفنّانين وغيرهم.
باريس كانت آنذاك مليئة بالأزياء وبقصص الحبّ ولعبة السلطة. وكان الأغنياء يستأجرون المقصورات لفترات طويلة وبعضهم كان يورّثها لأبنائه وحتى لأحفاده. حتى بنات الهوى كنّ يستأجرنها لإبرام الصفقات مع الزبائن المحتملين. وكانت هذه الأماكن مادّة لرسّامي الكاريكاتير بسبب "إيتيكيتها" المعقّد ولأنها تتيح إمكانية التلوّن والخداع. ومجلات الموضة كانت تختار المسارح كخلفية لصور سيّدات المجتمع اللاتي كن يعرضن آخر وأحدث الأزياء.
ولدت الرسّامة إيفا غونزاليس في باريس عام 1849م. ووالدها كان روائيا وكاتبا مسرحيّا من أصل اسباني، ولكنه اكتسب في ما بعد الجنسية الفرنسية. وقد نشأت منذ طفولتها في عالم الأدب والموسيقى، إذ كان بيت والدها ملتقى لكبار الكتّاب والنقّاد والفنّانين.
بدأت غونزاليس الرسم في عمر السادسة عشرة. وقبل بلوغها العشرين أصبحت تلميذة عند إدوار مانيه واستخدمها كموديل له ولغيره من الرسّامين الانطباعيين. وتأثير مانيه عليها وإعجابها به يبدو واضحا من خلال اختيارها للتباينات الحادّة والفرشاة الشاحبة والنسيج ذي الألوان الخفيفة والخلفية الداكنة.
وفي محترفه، تعرّفت غونزاليس على الرسّامة بيرتا موريسو. كانت موريسو تعمل مع مانيه وكان يصوّرها في لوحاته. ويبدو انه كانت هناك منافسة صامتة بين الرسّامتين. وبالإمكان اكتشاف غيرة موريسو من إيفا من خلال رسائل الأولى لشقيقتها. وقد غضبت من الكيفية التي رسم بها مانيه كلا منهما. فقد رسمهما شابّتين وبنفس الملابس وتقريبا نفس الجمال. وما أزعج موريسو هو انه رسمها وهي مستندة إلى أريكة في وضعية ساكنة تقريبا، بينما رسم إيفا كفنّانة تعمل بنشاط ودأب. موريسو لم تكن تعتبر نفسها تلميذة لمانيه، بل كانت ترى في نفسها ندّا له. كانت ذات شخصية قويّة وأكثر ثقة بنفسها من إيفا غونزاليس. وهناك أيضا عامل العمر، إذ كانت غونزاليس اصغر سنّا من موريسو بثمان سنوات على الأقلّ.
الشخصان الظاهران في هذه اللوحة هما زوج إيفا هنري غويرود وشقيقتها جان، واللذان سيصبحان زوجين بعد وفاة إيفا. كانت إيفا غونزاليس قد تزوّجت من هنري، الذي كان رسّاما هو الآخر، عام 1869. وفي عام 1883، أي بعد شهر من عيد ميلادها الرابع والثلاثين، ولدت إيفا بطفل. لكنها توفّيت بسبب تعقيدات ما بعد الولادة أو ما يُعتقد انه حمّى النفاس. وجاءت وفاتها بعد وفاة معلّمها إدوار مانيه بستّة أيّام. وبعد عامين من رحيلها، أقيم لها معرض تذكّري في الصالون عُرضت فيه أكثر من ثمانين لوحة من أعمالها.