الحقـل المحـروث
للفنان الاسباني خـوان مِيـرو، 1924
كان خوان ميرو احد أشهر الرسّامين السورياليين والتجريديين الإسبان في القرن العشرين. وقد عُرف بمشاهده ذات الطبيعة الطفولية والحالمة التي تتفجّر بالألوان والأشكال الجميلة.
وقد اختار أن يرسم هنا منظرا للمزرعة التي كانت تمتلكها عائلته في مقاطعة كاتالونيا. وعنوان اللوحة هو استعارة شعرية أراد ميرو من خلالها أن يعبّر عن نظرته المثالية لوطنه.
الجمال والفانتازيا اللذان يميّزان لوحات ميرو لا ينتميان لعالم الواقع. غير انه كان يجد دائما الإلهام في حبّه العميق لاسبانيا كما يبدو واضحا في بعض لوحاته المهمّة ومنها هذه اللوحة.
الأيقونات في هذا العمل كثيرة ومعقّدة. وقد اعتمد فيها على مصادر شتّى. وهي شهادة على اهتمام الرسّام بميراثه الفنّي الطويل.
الألوان الباردة والمتباينة تذكّر بألوان الجداريات الرومانية.
والحيوانات المتعدّدة الألوان استلهمها من أسلوب التطريز الاسباني في القرون الوسطى والذي وجد طريقه في ما بعد إلى أعمال السيراميك التي كان ميرو يجمعها ويحتفظ ببعضها في محترفه.
وبعض الأشكال الأخرى في الصورة استوحاها من رسومات كهوف ما قبل التاريخ التي رآها في بعض أنحاء اسبانيا.
العين التي تظهر في أعلى الشجرة الكبيرة إلى اليمين لها أصل في الفنّ المسيحي القديم. إذ جرت العادة أن تُرسم أجنحة الملائكة بحيث تتخلّلها عيون صغيرة وكثيرة. هذه العين، مع الأذن الكبيرة المثبّتة بجذع نفس الشجرة، تعكسان إيمان الرسّام بأن كلّ شيء في الطبيعة له روح وحياة خاصّة به.
"الحقل المحروث" تُعتبر أولى محاولات ميرو في الرسم السوريالي. وهي تكشف عن خيال الرسّام المجنّح من خلال محاولته جمع كل هذه الأشكال البشرية والحيوانية والنباتية في مكان واحد.
غير أن للوحة معنى سياسيا أيضا. فقد رسم فيها عَلَمَي فرنسا واسبانيا، وأضاف إليهما علما ثالثا هو علم كاتالونيا التي كانت تسعى في ذلك الوقت للانفصال عن الوطن الأمّ اسبانيا. وقد أراد من وراء تضمينه علَمها في الصورة إعلان مناصرته الواضحة للقضيّة الكاتالونية.
ولد خوان ميرو في برشلونة في نهاية القرن قبل الماضي لأبوين رسّامين. وقد نشأ في كاتالونيا التي كانت تشتهر بجمال طبيعتها وتقاليدها الفنّية العريقة، ومن ثمّ أصبحت بالنسبة له مصدر الهام أساسي لأعماله.
وقد تعلّم الرسم على يد فنّان يُدعى خوسيه باسكو علّمه تطويع الألوان ونمّى في نفسه حبّ النحت.
وفي ما بعد تعلّم في أكاديمية برشلونة. وبعد تخرّجه منها بدأ مزاولة الرسم. وكانت تغلب على أعماله الأولى النزعات الوحشية والتعبيرية. وفي مرحلة تالية أعجب بالسورياليين وبدأ يجرّب أساليبهم.
بعض رسومات ميرو يبدو فيها واضحا عشقه للشعر. وكان من عادته أن يستخدم الكلمات المكتوبة كعنصر لا يتجزّأ من اللوحة.
عندما اندلعت الحرب الأهلية الاسبانية كان الرسّام يعيش في باريس. وقد ظلّ هناك طوال سنوات الحرب مكتفيا بسماع أخبار الوطن عن بعد. ورغم انه لم يكن له ميول سياسية محدّدة، إلا انه كان يعبّر عن قلقه على مصير بلده من خلال الرسم. وقد رسم وقتها عدّة لوحات استخدام فيها ألوانا قاتمة تعكس حزنه وقلقه.
عُرف عن ميرو انه كان إنسانا متواضعا ومنضبطا وقليل الكلام. وعلى عكس الكثير من الرسّامين في عصره، لم يكن هناك في شخصيّته ما يشي بكونه بوهيميّا أو فوضويّاً.
ورغم شهرته العالمية، لم تكن حالته المادّية ميسورة دائما. وبعد أن عاد إلى اسبانيا عام 1940 اختار بالما دي مايوركا مكانا دائما لإقامته وشيّد فيها فيللا خاصّة راعى في تصميمها الطراز المعماري الحديث الذي كان شائعا في الخمسينات.
وقد عاش خوان ميرو إلى أن بلغ التسعين. وتوفّي في ديسمبر من عام 1983م.
وفي ما بعد جرى تحويل منزله إلى متحف يحمل اسمه.