فناء منزل في الريف الجزائريّ
للفنان الأمريكي فريـدريك آرثـر بريـدجمان، 1920
للفنان الأمريكي فريـدريك آرثـر بريـدجمان، 1920
كان فريدريك آرثر بريدجمان رسّاما استشراقيا مشهورا في زمانه. لكن الكثيرين اليوم يعتبرونه منسيّا إلى حدّ ما، مع أن أعماله تظهر بانتظام وتبيع جيّدا في مزادات الفنّ العالمية.
وهناك من يقول إن السبب في أن اسمه أصبح غير متداول كثيرا اليوم هو أن ترويجه لنفسه أثناء حياته منع الآخرين من الاقتراب منه أو تناول فنّه تناولا نقديّا. ومنذ وفاته، لم يظهر كتاب يؤرّخ لسيرة حياته كما لم يقم أيّ من المتاحف الكبيرة بتنظيم معرض لأعماله.
كان بريدجمان عاشقا كبيرا لبلدان وثقافات الشرق. وقد أخذته أسفاره الطويلة إلى المغرب والجزائر ومصر وسوريا وتركيا ليطّلع على مظاهر الحياة فيها وليصوّرها.
وهو لم يكن رسّاما فحسب، بل كان أيضا شاعرا وأديبا ومؤلّفا وعازفا موسيقيّا. واهتمام جامعي الفنّ العرب، على وجه الخصوص، بفنّه وفنّ غيره من رسّامي الاستشراق مردّه في الأساس كون الرّسم الاستشراقي هو السجلّ البصريّ الوحيد المتوفّر اليوم عن حياة شعوب المنطقة في القرن التاسع عشر. لكن هناك سببا آخر يتمثّل في تقدير هؤلاء الجامعين لبراعة وإبداع بريدجمان بشكل خاصّ.
اعتبارا من عام 1870، اتّخذ الرسّام من فرنسا وطنا دائما له، حيث تعلّم فيها على يد جان ليون جيروم وكان هو الطالب المفضّل عنده. ويمكن تبيّن تأثير أستاذه عليه من خلال تبنّيه الرسم الأكاديميّ ثم المواضيع الاستشراقية. وما من شكّ في أن رحلات جيروم إلى الشرق عام 1850 شجّعت بريدجمان على أن يسافر إلى هناك مقتفياً خطى معلّمه.
رحلة بريدجمان إلى كلّ من مصر والجزائر بدأها عام 1872. وقد وفّرت له تلك التجربة مصدر إلهام دائم. ورسم خلال رحلته تلك أكثر من ثلاثمائة اسكتش كانت الأساس للعديد من اللوحات الزيتية التي نفّذها في ما بعد.
وفي عام 1890، ألّف بريدجمان كتابا بعنوان "شتاء في الجزائر" ضمّنه العديد من الرسومات والقصص التي لا تُنسى عن أسفاره وخبراته الفريدة في ذلك البلد. وقد سُمح له بدخول بيوت الحريم ورسم ما رآه تقريبا ولم يعتمد على ذاكرته مثلما فعل معاصروه من الفنّانين.
وأثناء رحلاته جمع الرسّام ملابس وأدوات فنّية وتراثية ومعمارية زيّن بها منزله في باريس، لدرجة أن بيته صار مزارا للكثير من الفنّانين. واهتمامه الشديد بالأزياء والإكسسوارات وأنماط الحياة اليومية في الجزائر خاصّة يوفّر سجلا قيّما عن بعض سمات الثقافة الجزائرية في مرحلة انفتاح بلدان المنطقة على الغرب.
في هذه اللوحة، يصوّر بريدجمان جانبا من أنشطة الحياة اليومية في فناء منزل ريفيّ زاره في ولاية بسكرة جنوب شرقي الجزائر. كانت الولاية مشهورة بصناعاتها اليدوية وبساطة الحياة فيها.
وفي اللوحة تظهر امرأتان تقومان بأعمال التطريز بصحبة امرأة ثالثة وخادمة سمراء. المرأة الجالسة أمام طاولة النسيج تعالج الخيط، بينما تراقبها الفتاة الصغيرة باهتمام. وخلفهما تقف فتاة أخرى تمسك بباقة أزهار. وإلى اليسار مائدة مذهّبة عليها عنب وتين.
وفي الخلف يمكن رؤية غزالة تستريح تحت الجدار. والرسّام يضمّنها في اللوحة باعتبارها رمزا لجمال المرأة في الثقافة العربية. وهناك أيضا نافورة وعمود من الرخام ذو طراز أنيق.
ومن الأشياء الأخرى التي تلفت الانتباه الأقدام العارية للنساء والحرّية التلقائية التي يتصرّفن بها والملابس الملوّنة واللمّاعة. وكلّ هذه العناصر فيها إشارة إلى الحواسّ الخمس وإلى جاذبية ونبل الأنثى.
كان بريدجمان قد كتب عدّة تحقيقات عن تجربته في الجزائر ونشرها في مجلّتي اتلانتيك وهاربر الأمريكيّتين. وهو كان مفتونا بالديكور المغاربيّ الذي رآه في منازل الجزائريين الأثرياء. وبعض لوحاته عن تلك البيوت تذكّر بأجواء ألف ليلة وليلة.
كما كتب بإسهاب عن التأثير الكلاسيكيّ، الإغريقيّ خاصّة، على المعمار المغاربي من خلال أشكال الأعمدة والأبواب المقوّسة. وأيضا أشار إلى أن المعماريين العرب عدّلوا وحسّنوا ما وجدوه وأضافوا إليه الكثير من الحيوية الفنّية عبر توظيف الأنماط الهندسية التجريدية والعناصر الزخرفية.
من بين أكثر أعمال بريدجمان الأخرى احتفاءً لوحته منظر لزقاق جزائريّ ولوحة أخرى بعنوان لعبة مثيرة . في اللوحة الأخيرة، يتذكّر الفنّان احد مقاهي القاهرة ويرسم تفاصيله المعمارية وأزياء روّاده. والصورة تُظهِر رجلين يلعبان الشطرنج بحضور رجل ثالث وامرأة.
وقد رسم هذا المنظر عندما عاد إلى باريس، وضمّنه تذكارات أخذها معه من رحلاته إلى الجزائر. تَعامُل بريدجمان البارع مع الضوء والظلّ في هذه اللوحة وتصويره غير النمطيّ للأشخاص، بتوظيفه الحركات والأوضاع والإيماءات كأدوات تعبيرية، كلّ ذلك أكسبه ثناء وإعجاب النقّاد.
ولد فريدريك آرثر بريدجمان في ولاية الاباما الأمريكية عام 1847 لأب كان يعمل طبيبا. وفي البداية درس الرسم في مدرسة بروكلين للفنون، ثم سافر إلى باريس عام 1866 حيث تعرّف فيها إلى جان جيروم الذي كان له تأثير كبير في توجيه مساره الفنّي.
بعد الحرب العالمية الأولى، استقرّ بريدجمان في منطقة النورماندي. ورغم انه استمرّ يرسم هناك، إلا انه توقّف عن عرض أعماله على الجمهور. وقد توفّي في روين عام 1928 وسط تجاهل تامّ تقريبا من النقّاد والصحافة.
وهناك من يقول إن السبب في أن اسمه أصبح غير متداول كثيرا اليوم هو أن ترويجه لنفسه أثناء حياته منع الآخرين من الاقتراب منه أو تناول فنّه تناولا نقديّا. ومنذ وفاته، لم يظهر كتاب يؤرّخ لسيرة حياته كما لم يقم أيّ من المتاحف الكبيرة بتنظيم معرض لأعماله.
كان بريدجمان عاشقا كبيرا لبلدان وثقافات الشرق. وقد أخذته أسفاره الطويلة إلى المغرب والجزائر ومصر وسوريا وتركيا ليطّلع على مظاهر الحياة فيها وليصوّرها.
وهو لم يكن رسّاما فحسب، بل كان أيضا شاعرا وأديبا ومؤلّفا وعازفا موسيقيّا. واهتمام جامعي الفنّ العرب، على وجه الخصوص، بفنّه وفنّ غيره من رسّامي الاستشراق مردّه في الأساس كون الرّسم الاستشراقي هو السجلّ البصريّ الوحيد المتوفّر اليوم عن حياة شعوب المنطقة في القرن التاسع عشر. لكن هناك سببا آخر يتمثّل في تقدير هؤلاء الجامعين لبراعة وإبداع بريدجمان بشكل خاصّ.
اعتبارا من عام 1870، اتّخذ الرسّام من فرنسا وطنا دائما له، حيث تعلّم فيها على يد جان ليون جيروم وكان هو الطالب المفضّل عنده. ويمكن تبيّن تأثير أستاذه عليه من خلال تبنّيه الرسم الأكاديميّ ثم المواضيع الاستشراقية. وما من شكّ في أن رحلات جيروم إلى الشرق عام 1850 شجّعت بريدجمان على أن يسافر إلى هناك مقتفياً خطى معلّمه.
رحلة بريدجمان إلى كلّ من مصر والجزائر بدأها عام 1872. وقد وفّرت له تلك التجربة مصدر إلهام دائم. ورسم خلال رحلته تلك أكثر من ثلاثمائة اسكتش كانت الأساس للعديد من اللوحات الزيتية التي نفّذها في ما بعد.
وفي عام 1890، ألّف بريدجمان كتابا بعنوان "شتاء في الجزائر" ضمّنه العديد من الرسومات والقصص التي لا تُنسى عن أسفاره وخبراته الفريدة في ذلك البلد. وقد سُمح له بدخول بيوت الحريم ورسم ما رآه تقريبا ولم يعتمد على ذاكرته مثلما فعل معاصروه من الفنّانين.
وأثناء رحلاته جمع الرسّام ملابس وأدوات فنّية وتراثية ومعمارية زيّن بها منزله في باريس، لدرجة أن بيته صار مزارا للكثير من الفنّانين. واهتمامه الشديد بالأزياء والإكسسوارات وأنماط الحياة اليومية في الجزائر خاصّة يوفّر سجلا قيّما عن بعض سمات الثقافة الجزائرية في مرحلة انفتاح بلدان المنطقة على الغرب.
في هذه اللوحة، يصوّر بريدجمان جانبا من أنشطة الحياة اليومية في فناء منزل ريفيّ زاره في ولاية بسكرة جنوب شرقي الجزائر. كانت الولاية مشهورة بصناعاتها اليدوية وبساطة الحياة فيها.
وفي اللوحة تظهر امرأتان تقومان بأعمال التطريز بصحبة امرأة ثالثة وخادمة سمراء. المرأة الجالسة أمام طاولة النسيج تعالج الخيط، بينما تراقبها الفتاة الصغيرة باهتمام. وخلفهما تقف فتاة أخرى تمسك بباقة أزهار. وإلى اليسار مائدة مذهّبة عليها عنب وتين.
وفي الخلف يمكن رؤية غزالة تستريح تحت الجدار. والرسّام يضمّنها في اللوحة باعتبارها رمزا لجمال المرأة في الثقافة العربية. وهناك أيضا نافورة وعمود من الرخام ذو طراز أنيق.
ومن الأشياء الأخرى التي تلفت الانتباه الأقدام العارية للنساء والحرّية التلقائية التي يتصرّفن بها والملابس الملوّنة واللمّاعة. وكلّ هذه العناصر فيها إشارة إلى الحواسّ الخمس وإلى جاذبية ونبل الأنثى.
كان بريدجمان قد كتب عدّة تحقيقات عن تجربته في الجزائر ونشرها في مجلّتي اتلانتيك وهاربر الأمريكيّتين. وهو كان مفتونا بالديكور المغاربيّ الذي رآه في منازل الجزائريين الأثرياء. وبعض لوحاته عن تلك البيوت تذكّر بأجواء ألف ليلة وليلة.
كما كتب بإسهاب عن التأثير الكلاسيكيّ، الإغريقيّ خاصّة، على المعمار المغاربي من خلال أشكال الأعمدة والأبواب المقوّسة. وأيضا أشار إلى أن المعماريين العرب عدّلوا وحسّنوا ما وجدوه وأضافوا إليه الكثير من الحيوية الفنّية عبر توظيف الأنماط الهندسية التجريدية والعناصر الزخرفية.
من بين أكثر أعمال بريدجمان الأخرى احتفاءً لوحته منظر لزقاق جزائريّ ولوحة أخرى بعنوان لعبة مثيرة . في اللوحة الأخيرة، يتذكّر الفنّان احد مقاهي القاهرة ويرسم تفاصيله المعمارية وأزياء روّاده. والصورة تُظهِر رجلين يلعبان الشطرنج بحضور رجل ثالث وامرأة.
وقد رسم هذا المنظر عندما عاد إلى باريس، وضمّنه تذكارات أخذها معه من رحلاته إلى الجزائر. تَعامُل بريدجمان البارع مع الضوء والظلّ في هذه اللوحة وتصويره غير النمطيّ للأشخاص، بتوظيفه الحركات والأوضاع والإيماءات كأدوات تعبيرية، كلّ ذلك أكسبه ثناء وإعجاب النقّاد.
ولد فريدريك آرثر بريدجمان في ولاية الاباما الأمريكية عام 1847 لأب كان يعمل طبيبا. وفي البداية درس الرسم في مدرسة بروكلين للفنون، ثم سافر إلى باريس عام 1866 حيث تعرّف فيها إلى جان جيروم الذي كان له تأثير كبير في توجيه مساره الفنّي.
بعد الحرب العالمية الأولى، استقرّ بريدجمان في منطقة النورماندي. ورغم انه استمرّ يرسم هناك، إلا انه توقّف عن عرض أعماله على الجمهور. وقد توفّي في روين عام 1928 وسط تجاهل تامّ تقريبا من النقّاد والصحافة.