جندي وفتاة ضاحكة
للفنان الهولندي يوهـان فيـرميـر، 1657
للفنان الهولندي يوهـان فيـرميـر، 1657
في الرسم الهولنديّ من القرن السابع عشر، كثيرا ما نرى منظرا لجنديّ وامرأة وهما يجلسان حول طاولة ويزجيان وقتهما في الحديث والتسلية. ويبدو أن هذه كانت فكرة رائجة في الرسم من ذلك العصر.
وفيرمير أيضا رسم نفس الفكرة في هذه اللوحة التي أراد لها أن تكون بنفس الوقت دراسة للفراغ المملوء بالضوء.
ويُرجّح أنه أخذ الفكرة من مواطنه الرسّام بيتر دي هوك الذي كان قد رسم مناظر عدّة لجنود ونساء يجلسون حول طاولات ويتبادلون الحديث.
وكان دي هوك قد رسم مثل هذه اللوحة قبل هذا الوقت بعشر سنوات. لكنه هو أيضا اقتبس الفكرة من رسّامي مدينة هارلم. وكان رسم مثل هؤلاء الجنود أو الفرسان تقليدا شائعا في ذلك الوقت، مثل ما سبقت الإشارة.
غير أن مفهوم فيرمير للفكرة مختلف عن دي هوك كثيرا. فهو في لوحته هذه يجعل المتلقّي مراقبا غير مرئيّ يحاول استراق نظرة من وراء الباب لمعرفة ما يجري في الداخل.
لكن، أوّلا، ما الذي يحدث في اللوحة، بل هل هناك أصلا ما يحدث؟
في البداية، ستلفت انتباهك الصورة الصغيرة، وبعدها سرعان ما ستنتبه إلى الدراما التي تكشف عنها الصورة الأكبر.
يرسم فيرمير جنديّا يجلس إلى طاولة ويتبادل الحديث مع امرأة قد تكون زوجته أو خطيبته. والاثنان يبدوان منشغلين كلّيا ببعضهما البعض.
الصورة الظلّية للرجل تعطي اللوحة إحساسا بالعمق وتُبرز تأثيرات الضوء على المرأة وعلى أثاث الغرفة. والضوء الذي يغمر زاوية الغرفة، حيث يجلس الاثنان، تعمّقه الصورة الظلّية للرجل.
قبّعة الرجل السوداء الكبيرة وسترته الحمراء تشكّلان تباينا مع الخلفية الخفيفة ومع غطاء المائدة الأخضر المشوب بصُفرة.
ومن الواضح أن فيرمير تعمّد رسم الرجل بهذه الطريقة كي يتيح للناظر إلقاء نظرة من فوق كتفه إلى الداخل. وزاوية الرؤية هذه تُضفي طابعا غير رسميّ على المنظر.
معمار الغرفة شُيّد طبقا لقوانين المنظور الخطّي. والمنظور مصمّم للتأكيد على العلاقة القويّة بين الشخصين. كما أن التعامد المتراجع لإطار النافذة يوجّه الناظر إلى العمق.
المرأة الشابّة يغطّيها الضوء الذي يتسرّب عبر النافذة نصف المفتوحة إلى اليسار. ووجهها المحاط بمنديل أبيض يعكس إحساسا بالبهجة. إنها تمسك بكأس النبيذ وهي تبتسم، بينما تحدّق بسعادة في عيني الرجل الذي يجلس أمامها مُعطياً ظهره للناظر.
فيرمير هنا يصوّر لحظات من المرح والتلقائية والحميمية يتحوّل فيها الرجل والمرأة إلى أداتين تخلقان إحساسا رائعا بالضوء والفراغ والمنظور.
كما أنه يوظّف ضوء الشمس كي يُظهر تعبيرات وجه المرأة ويخلق بقعا متوهّجة على الأشرطة الصفراء لأكمام فستانها.
الرجل يجلس في وضع دائري، لذا من الصعب أن نتبيّن ملامحه جيّدا. ووضعه يثير إحساسا بعدم اليقين عن حقيقة مشاعره. ثم إنه، بخلاف المرأة، لا يقع في منطقة الضوء. ومع ذلك، نفترض أنه يقضي وقتا ممتعا بدليل وجه المرأة المبتهج. كما أن تعبيراتها ولغة جسدها توحي بأن حضور الرجل أمر مرحّب به لديها.
من اللافت أن المرأة ترتدي ملابس يغلب عليها اللون الأصفر. وهذا كان لون الملابس المفضّل عند نساء هولندا في ذلك الوقت. أمّا اللباس الأحمر الذي يرتديه الرجل فقد كان "يونيفورم" الجيش الهولنديّ في القرن السابع عشر.
وكما هو الحال مع معظم أعمال فيرمير، لا يُعرف اسم هذه المرأة ولا هويّتها. لكن بعض النقّاد زعموا أنها قد تكون زوجته كاثرينا بولينز. لكن ليس هناك ما يؤكّد هذه الفرضيّة.
هذه اللوحة تُعدّ واحدة من أكثر لوحات فيرمير وهجا ولمعانا. وفي الواقع فإن قدرا كبيرا من سحرها يكمن في لمعانها وألوانها الجميلة وفي دقّة تفاصيلها.
وقد استخدم الرسّام فيها اللونين الأصفر والأحمر وظلالهما وتدرّجاتهما. بينما رسم ألوان الخريطة على الجدار الخلفيّ من خياله، واستخدم لها ألوانا بيضاء وصفراء وفضّية كي تتناغم مع خطّة الألوان في اللوحة.
وبالمناسبة، هذه أوّل لوحة لـ فيرمير تظهر فيها خريطة. كانت الخرائط شكلا رائجا من أشكال الديكور في زمن الرسّام. وخريطة هولندا التي تظهر في اللوحة معلّقة على الحائط الخلفيّ نُشرت لأوّل مرّة عام 1622م. ونفس هذه الخريطة ستظهر من الآن فصاعدا في لوحات أخرى لـ فيرمير.
ويقال إن من صمّم الخريطة بالأساس هو بالتازار فلوريس الذي كان رسّام خرائط هولنديّا مشهورا آنذاك. وهناك نسخة واحدة منها ما تزال موجودة إلى اليوم. وهي تؤكّد دقّة رسم فيرمير لها في لوحاته.
ومن الأشياء الأخرى المهمّة التي تميّز هذه اللوحة هو أنها ذات تاريخ طويل. فقد سُجّلت في قوائم بيع الأعمال الفنّية في امستردام حوالي عام 1698. ثمّ ظهرت في مزاد بلندن بعد حوالي مائتي عام على أنها لـ دي هوك.
وبعد ذلك ظهرت في احد أسواق باريس. ثمّ ابتاعها ثلاثة أشخاص في تواريخ متفرّقة، قبل أن تستقرّ أخيرا في مجموعة فريك في نيويورك التي اشترتها قبل أكثر من مائة عام. وقد ابتاعها مالك المجموعة، هي ولوحة أخرى لـ فيرمير، بمبلغ لا يتجاوز مائة وعشرة آلاف دولار.
وهناك نسختان أصليّتان من اللوحة، إحداهما في متحف دريسدن بألمانيا، والثانية هي هذه الموجودة في مجموعة فريك. واللوحتان مختلفتان في الحجم، حيث لوحة دريسدن اكبر حجما بكثير.
وقد أظهرت صور الأشعّة أن فيرمير كان قد رسم المرأة بقبّعة ضخمة تغطّي جانبا من وجهها، لكنه قرّر أن يتخلّى عن الفكرة كي يدفع الناظر إلى التركيز على تعبيرات وجهها.
كان من عادة فيرمير أن يضمّن لوحاته بعض المفاتيح والأسرار. وهو في لوحاته جميعا يحاول استكشاف قدرة الضوء على التلميح والإيحاء بالمعنى عوضاً عن الإشارة إليه مباشرة. وما يجعلنا نحبّ أعماله إلى اليوم هو ندرتها، بالإضافة إلى إحساسه الرائع بالضوء واستخدامه الفريد للألوان، وهي سمات تُناسب ذوق المتلقّي المعاصر.
وفيرمير أيضا رسم نفس الفكرة في هذه اللوحة التي أراد لها أن تكون بنفس الوقت دراسة للفراغ المملوء بالضوء.
ويُرجّح أنه أخذ الفكرة من مواطنه الرسّام بيتر دي هوك الذي كان قد رسم مناظر عدّة لجنود ونساء يجلسون حول طاولات ويتبادلون الحديث.
وكان دي هوك قد رسم مثل هذه اللوحة قبل هذا الوقت بعشر سنوات. لكنه هو أيضا اقتبس الفكرة من رسّامي مدينة هارلم. وكان رسم مثل هؤلاء الجنود أو الفرسان تقليدا شائعا في ذلك الوقت، مثل ما سبقت الإشارة.
غير أن مفهوم فيرمير للفكرة مختلف عن دي هوك كثيرا. فهو في لوحته هذه يجعل المتلقّي مراقبا غير مرئيّ يحاول استراق نظرة من وراء الباب لمعرفة ما يجري في الداخل.
لكن، أوّلا، ما الذي يحدث في اللوحة، بل هل هناك أصلا ما يحدث؟
في البداية، ستلفت انتباهك الصورة الصغيرة، وبعدها سرعان ما ستنتبه إلى الدراما التي تكشف عنها الصورة الأكبر.
يرسم فيرمير جنديّا يجلس إلى طاولة ويتبادل الحديث مع امرأة قد تكون زوجته أو خطيبته. والاثنان يبدوان منشغلين كلّيا ببعضهما البعض.
الصورة الظلّية للرجل تعطي اللوحة إحساسا بالعمق وتُبرز تأثيرات الضوء على المرأة وعلى أثاث الغرفة. والضوء الذي يغمر زاوية الغرفة، حيث يجلس الاثنان، تعمّقه الصورة الظلّية للرجل.
قبّعة الرجل السوداء الكبيرة وسترته الحمراء تشكّلان تباينا مع الخلفية الخفيفة ومع غطاء المائدة الأخضر المشوب بصُفرة.
ومن الواضح أن فيرمير تعمّد رسم الرجل بهذه الطريقة كي يتيح للناظر إلقاء نظرة من فوق كتفه إلى الداخل. وزاوية الرؤية هذه تُضفي طابعا غير رسميّ على المنظر.
معمار الغرفة شُيّد طبقا لقوانين المنظور الخطّي. والمنظور مصمّم للتأكيد على العلاقة القويّة بين الشخصين. كما أن التعامد المتراجع لإطار النافذة يوجّه الناظر إلى العمق.
المرأة الشابّة يغطّيها الضوء الذي يتسرّب عبر النافذة نصف المفتوحة إلى اليسار. ووجهها المحاط بمنديل أبيض يعكس إحساسا بالبهجة. إنها تمسك بكأس النبيذ وهي تبتسم، بينما تحدّق بسعادة في عيني الرجل الذي يجلس أمامها مُعطياً ظهره للناظر.
فيرمير هنا يصوّر لحظات من المرح والتلقائية والحميمية يتحوّل فيها الرجل والمرأة إلى أداتين تخلقان إحساسا رائعا بالضوء والفراغ والمنظور.
كما أنه يوظّف ضوء الشمس كي يُظهر تعبيرات وجه المرأة ويخلق بقعا متوهّجة على الأشرطة الصفراء لأكمام فستانها.
الرجل يجلس في وضع دائري، لذا من الصعب أن نتبيّن ملامحه جيّدا. ووضعه يثير إحساسا بعدم اليقين عن حقيقة مشاعره. ثم إنه، بخلاف المرأة، لا يقع في منطقة الضوء. ومع ذلك، نفترض أنه يقضي وقتا ممتعا بدليل وجه المرأة المبتهج. كما أن تعبيراتها ولغة جسدها توحي بأن حضور الرجل أمر مرحّب به لديها.
من اللافت أن المرأة ترتدي ملابس يغلب عليها اللون الأصفر. وهذا كان لون الملابس المفضّل عند نساء هولندا في ذلك الوقت. أمّا اللباس الأحمر الذي يرتديه الرجل فقد كان "يونيفورم" الجيش الهولنديّ في القرن السابع عشر.
وكما هو الحال مع معظم أعمال فيرمير، لا يُعرف اسم هذه المرأة ولا هويّتها. لكن بعض النقّاد زعموا أنها قد تكون زوجته كاثرينا بولينز. لكن ليس هناك ما يؤكّد هذه الفرضيّة.
هذه اللوحة تُعدّ واحدة من أكثر لوحات فيرمير وهجا ولمعانا. وفي الواقع فإن قدرا كبيرا من سحرها يكمن في لمعانها وألوانها الجميلة وفي دقّة تفاصيلها.
وقد استخدم الرسّام فيها اللونين الأصفر والأحمر وظلالهما وتدرّجاتهما. بينما رسم ألوان الخريطة على الجدار الخلفيّ من خياله، واستخدم لها ألوانا بيضاء وصفراء وفضّية كي تتناغم مع خطّة الألوان في اللوحة.
وبالمناسبة، هذه أوّل لوحة لـ فيرمير تظهر فيها خريطة. كانت الخرائط شكلا رائجا من أشكال الديكور في زمن الرسّام. وخريطة هولندا التي تظهر في اللوحة معلّقة على الحائط الخلفيّ نُشرت لأوّل مرّة عام 1622م. ونفس هذه الخريطة ستظهر من الآن فصاعدا في لوحات أخرى لـ فيرمير.
ويقال إن من صمّم الخريطة بالأساس هو بالتازار فلوريس الذي كان رسّام خرائط هولنديّا مشهورا آنذاك. وهناك نسخة واحدة منها ما تزال موجودة إلى اليوم. وهي تؤكّد دقّة رسم فيرمير لها في لوحاته.
ومن الأشياء الأخرى المهمّة التي تميّز هذه اللوحة هو أنها ذات تاريخ طويل. فقد سُجّلت في قوائم بيع الأعمال الفنّية في امستردام حوالي عام 1698. ثمّ ظهرت في مزاد بلندن بعد حوالي مائتي عام على أنها لـ دي هوك.
وبعد ذلك ظهرت في احد أسواق باريس. ثمّ ابتاعها ثلاثة أشخاص في تواريخ متفرّقة، قبل أن تستقرّ أخيرا في مجموعة فريك في نيويورك التي اشترتها قبل أكثر من مائة عام. وقد ابتاعها مالك المجموعة، هي ولوحة أخرى لـ فيرمير، بمبلغ لا يتجاوز مائة وعشرة آلاف دولار.
وهناك نسختان أصليّتان من اللوحة، إحداهما في متحف دريسدن بألمانيا، والثانية هي هذه الموجودة في مجموعة فريك. واللوحتان مختلفتان في الحجم، حيث لوحة دريسدن اكبر حجما بكثير.
وقد أظهرت صور الأشعّة أن فيرمير كان قد رسم المرأة بقبّعة ضخمة تغطّي جانبا من وجهها، لكنه قرّر أن يتخلّى عن الفكرة كي يدفع الناظر إلى التركيز على تعبيرات وجهها.
كان من عادة فيرمير أن يضمّن لوحاته بعض المفاتيح والأسرار. وهو في لوحاته جميعا يحاول استكشاف قدرة الضوء على التلميح والإيحاء بالمعنى عوضاً عن الإشارة إليه مباشرة. وما يجعلنا نحبّ أعماله إلى اليوم هو ندرتها، بالإضافة إلى إحساسه الرائع بالضوء واستخدامه الفريد للألوان، وهي سمات تُناسب ذوق المتلقّي المعاصر.