رفيقـتـا السفــر
للفنان البريطاني اوغستوس ليوبولد ايغ، 1862
للفنان البريطاني اوغستوس ليوبولد ايغ، 1862
للوهلة الأولى، قد تظنّ أن هذه الصورة لامرأة في مرآة عاكسة. لكن بعد تدقيق بسيط، ستكتشف أن هناك فرقا واضحا وأنها لامرأتين، واحدة "إلى اليسار" تجلس في وضع استلقاء وعيناها مغمضتان وإلى جانبها سلّة فواكه، والثانية تجلس وتقرأ كتابا وإلى جوارها باقة ورد.
وليس هناك أيّ تفاعل بين المرأتين، فهما لا تنظران إلى بعضهما البعض، كما لا يشدّ أيّا منهما المنظر الطبيعيّ خارج عربة القطار.
هذه اللوحة مشهورة، وشهرتها تتجاوز تلك التي للرسّام. وفيها من الخصائص ما ظلّ يغري رسّامي الكاريكاتير بتقليدها وتعديلها وتحويرها.
وفي الواقع، ثمّة شيء ما يجعلها تبدو مألوفة، حتى وإن لم تكن كذلك. وبعضنا قد يراها لأوّل مرّة، ومع ذلك يظنّ انه سبق وأن رآها من قبل. والسبب ليس غامضا ولا علاقة له بطبيعة عقل الإنسان، بل لأن الصورة تذكّرنا إلى حدّ ما بالقصص الخيالية.
لكن، أوّلا، ما الذي نراه في اللوحة؟
الأحداث هنا تدور داخل مقصورة قطار، مثلما هي الحال في بعض الروايات المشوّقة والمشهورة. والرسّام يصوّر لنا مشهدا من الحياة الحديثة، نرى فيه امرأتين من العصر الفيكتوري بملابس فضفاضة، وهما على متن قطار متّجه من انجلترا إلى فرنسا.
ملابس المرأتين متطابقة تماما تقريبا، وهما محشورتان معا في نفس المكان. إحداهما تقرأ كتابا والأخرى نائمة. مقعداهما متواجهان ومظهرهما الباذخ يوحي بالغنى واليسار.
صورتا المرأتين المتعاكستان فيهما صدى للمعمار المتناسق لعربة القطار نفسها التي يستقلانها. وخارج النافذة نرى جزءا من ساحل البحر. لكن في الداخل؛ في داخل العربة، تبدو المساحة ضيّقة جدّا.
هناك أيضا تماثل في طريقة جلوس المرأتين، كما أنهما ترتديان نفس الفستان ذي الألوان الرمادية وتضع كلّ منهما القبّعة في حضنها.
الرسّام اوغستوس ليوبولد ايغ كان جزءا من دائرة أدبيّة وفنّية كانت تضمّ تشارلز ديكنز وآخرين. وقد ولد في لندن عام 1816 لأب سويسريّ الأصل. وفي عام 1834، درس الرسم في أكاديمية ساس في لندن والتي كانت توفّر تدريبا في الرسم للراغبين في الانتظام في الأكاديمية الملكية.
ومنذ بداياته، كان معجبا بالرسّامين ما قبل الرافائيليين. ثمّ شكّل مع آخرين، من بينهم ريتشارد داد ووليام فريت، تجمعّا فنّيا أسموه "العصبة". كان ذلك التجمّع يجاهر بعدائه للفنّ الأكاديمي الجافّ وتفضيله للرسم البسيط للحياة اليومية. وكان أعضاؤه متأثّرين بالرسّام وليام هوغارث والرسّام الاسكتلندي ديفيد ويلكي.
من التفاصيل اللافتة في اللوحة أنه في المقصورة لا يوجد احد سوى المرأتين، وهذه إشارة إلى انه كان يُفصل بين الرجال والنساء في تلك الأيّام في القطارات. وعبر النافذة يمكن رؤية شواطئ منتجع مينتون الصحّي الواقع بالقرب من مونتي كارلو في الريفيرا الفرنسية والذي كان مشهورا في العصر الفيكتوري.
تصميم اللوحة الذي لا يخلو من تناسق وجاذبية جعلها غنيّة بالإمكانات والدلالات المجازية. و ايغ نفسه كان ميّالا لتضمين لوحاته رسائل دينية وأخلاقية. ولهذا السبب فسّر بعض النقّاد اللوحة اعتمادا على الدلالات الجنسية، فاعتبروا أن الأزهار إلى جوار الفتاة إلى اليمين هي رمز للعذرية والفضيلة، بينما الفاكهة إلى جوار المرأة إلى اليسار تتضمّن إشارة إلى أنها فقدت عذريتها وأن براءتها حلّ مكانها نضجها وانغماسها الجنسيّ.
أيضا ومن وجهة نظر هؤلاء، فالمرأة إلى اليسار قفّازاها مخلوعان، في إشارة إلى أنها أكثر انكشافا، كما أن قبّعتها مُزاحة إلى اليمين قليلا وليست في حضنها كالمرأة الأخرى، في إشارة إلى أنها اقلّ حذرا أو احتراسا. ولكي تكتمل رمزية الصورة، لاحظ وضع الستائر المسدلة جزئيّا والمقابلة للمرأة إلى اليمين، في حين تُركت النافذة الأخرى مشرعة بلا ستائر.
موقف الفيكتوريين من العلاقة خارج الزواج كان صارما، وهذا واضح في الأدب والسياسة والقوانين والفنّ من ذلك العصر. وعقاب النساء على انحرافهنّ كان اشدّ من عقاب الرجال. ويبدو أن لا خلاص لمن ارتكب هذه الخطيئة، فالسقوط من الفضيلة ومن الأخلاق نهائيّ ولا رجعة عنه.
عنوان اللوحة أيضا لا يخلو من مفارقة، فعلى الرغم من كون المرأتين رفيقتي سفر، إلا أنهما لا تتفاعلان أو تتحدّثان مع بعضهما البعض، وكلّ واحدة منشغلة بنفسها وغير مبالية بالعناصر الخارجية.
كان اوغستوس ايغ حريصا على مزج التقاليد الاجتماعية بالقيم الأخلاقية، تماما مثل ما كان يفعل صديقه الروائيّ ديكنز. وقد أصبح الاثنان صديقين حميمين وأسّسا رابطة الأدب والفنّ وسافرا معا إلى بعض البلدان منها سويسرا وإيطاليا.
طوال حياته لم تكن صحّة ايغ على ما يُرام. وفي نهايات عمره حاول العيش في بلدان مناخاتها ادفأ من انجلترا مثل بلدان البحر المتوسط.
وقد توفّي عام 1863 بعد نوبة ربو وعمره لا يتجاوز السادسة والأربعين. وفي نعيه وصفه صديقه ديكنز بأنه كان مرحا وطيّبا ومحبوبا وصاحب ضمير حيّ ومزاج عذب.
وبعض أشهر لوحاته موجودة اليوم في متحف تيت غاليري بلندن.
وليس هناك أيّ تفاعل بين المرأتين، فهما لا تنظران إلى بعضهما البعض، كما لا يشدّ أيّا منهما المنظر الطبيعيّ خارج عربة القطار.
هذه اللوحة مشهورة، وشهرتها تتجاوز تلك التي للرسّام. وفيها من الخصائص ما ظلّ يغري رسّامي الكاريكاتير بتقليدها وتعديلها وتحويرها.
وفي الواقع، ثمّة شيء ما يجعلها تبدو مألوفة، حتى وإن لم تكن كذلك. وبعضنا قد يراها لأوّل مرّة، ومع ذلك يظنّ انه سبق وأن رآها من قبل. والسبب ليس غامضا ولا علاقة له بطبيعة عقل الإنسان، بل لأن الصورة تذكّرنا إلى حدّ ما بالقصص الخيالية.
لكن، أوّلا، ما الذي نراه في اللوحة؟
الأحداث هنا تدور داخل مقصورة قطار، مثلما هي الحال في بعض الروايات المشوّقة والمشهورة. والرسّام يصوّر لنا مشهدا من الحياة الحديثة، نرى فيه امرأتين من العصر الفيكتوري بملابس فضفاضة، وهما على متن قطار متّجه من انجلترا إلى فرنسا.
ملابس المرأتين متطابقة تماما تقريبا، وهما محشورتان معا في نفس المكان. إحداهما تقرأ كتابا والأخرى نائمة. مقعداهما متواجهان ومظهرهما الباذخ يوحي بالغنى واليسار.
صورتا المرأتين المتعاكستان فيهما صدى للمعمار المتناسق لعربة القطار نفسها التي يستقلانها. وخارج النافذة نرى جزءا من ساحل البحر. لكن في الداخل؛ في داخل العربة، تبدو المساحة ضيّقة جدّا.
هناك أيضا تماثل في طريقة جلوس المرأتين، كما أنهما ترتديان نفس الفستان ذي الألوان الرمادية وتضع كلّ منهما القبّعة في حضنها.
الرسّام اوغستوس ليوبولد ايغ كان جزءا من دائرة أدبيّة وفنّية كانت تضمّ تشارلز ديكنز وآخرين. وقد ولد في لندن عام 1816 لأب سويسريّ الأصل. وفي عام 1834، درس الرسم في أكاديمية ساس في لندن والتي كانت توفّر تدريبا في الرسم للراغبين في الانتظام في الأكاديمية الملكية.
ومنذ بداياته، كان معجبا بالرسّامين ما قبل الرافائيليين. ثمّ شكّل مع آخرين، من بينهم ريتشارد داد ووليام فريت، تجمعّا فنّيا أسموه "العصبة". كان ذلك التجمّع يجاهر بعدائه للفنّ الأكاديمي الجافّ وتفضيله للرسم البسيط للحياة اليومية. وكان أعضاؤه متأثّرين بالرسّام وليام هوغارث والرسّام الاسكتلندي ديفيد ويلكي.
من التفاصيل اللافتة في اللوحة أنه في المقصورة لا يوجد احد سوى المرأتين، وهذه إشارة إلى انه كان يُفصل بين الرجال والنساء في تلك الأيّام في القطارات. وعبر النافذة يمكن رؤية شواطئ منتجع مينتون الصحّي الواقع بالقرب من مونتي كارلو في الريفيرا الفرنسية والذي كان مشهورا في العصر الفيكتوري.
تصميم اللوحة الذي لا يخلو من تناسق وجاذبية جعلها غنيّة بالإمكانات والدلالات المجازية. و ايغ نفسه كان ميّالا لتضمين لوحاته رسائل دينية وأخلاقية. ولهذا السبب فسّر بعض النقّاد اللوحة اعتمادا على الدلالات الجنسية، فاعتبروا أن الأزهار إلى جوار الفتاة إلى اليمين هي رمز للعذرية والفضيلة، بينما الفاكهة إلى جوار المرأة إلى اليسار تتضمّن إشارة إلى أنها فقدت عذريتها وأن براءتها حلّ مكانها نضجها وانغماسها الجنسيّ.
أيضا ومن وجهة نظر هؤلاء، فالمرأة إلى اليسار قفّازاها مخلوعان، في إشارة إلى أنها أكثر انكشافا، كما أن قبّعتها مُزاحة إلى اليمين قليلا وليست في حضنها كالمرأة الأخرى، في إشارة إلى أنها اقلّ حذرا أو احتراسا. ولكي تكتمل رمزية الصورة، لاحظ وضع الستائر المسدلة جزئيّا والمقابلة للمرأة إلى اليمين، في حين تُركت النافذة الأخرى مشرعة بلا ستائر.
موقف الفيكتوريين من العلاقة خارج الزواج كان صارما، وهذا واضح في الأدب والسياسة والقوانين والفنّ من ذلك العصر. وعقاب النساء على انحرافهنّ كان اشدّ من عقاب الرجال. ويبدو أن لا خلاص لمن ارتكب هذه الخطيئة، فالسقوط من الفضيلة ومن الأخلاق نهائيّ ولا رجعة عنه.
عنوان اللوحة أيضا لا يخلو من مفارقة، فعلى الرغم من كون المرأتين رفيقتي سفر، إلا أنهما لا تتفاعلان أو تتحدّثان مع بعضهما البعض، وكلّ واحدة منشغلة بنفسها وغير مبالية بالعناصر الخارجية.
كان اوغستوس ايغ حريصا على مزج التقاليد الاجتماعية بالقيم الأخلاقية، تماما مثل ما كان يفعل صديقه الروائيّ ديكنز. وقد أصبح الاثنان صديقين حميمين وأسّسا رابطة الأدب والفنّ وسافرا معا إلى بعض البلدان منها سويسرا وإيطاليا.
طوال حياته لم تكن صحّة ايغ على ما يُرام. وفي نهايات عمره حاول العيش في بلدان مناخاتها ادفأ من انجلترا مثل بلدان البحر المتوسط.
وقد توفّي عام 1863 بعد نوبة ربو وعمره لا يتجاوز السادسة والأربعين. وفي نعيه وصفه صديقه ديكنز بأنه كان مرحا وطيّبا ومحبوبا وصاحب ضمير حيّ ومزاج عذب.
وبعض أشهر لوحاته موجودة اليوم في متحف تيت غاليري بلندن.