إغـواء القـدّيـس انطـونيـوس
للفنان الإسباني سلفـادور دالــي، 1946
للفنان الإسباني سلفـادور دالــي، 1946
تُعتبر قصّة القدّيس انطونيوس احد المواضيع المشهورة والمتكرّرة في الفنّ والأدب الغربيين. في الرسم مثلا، هناك ما لا يقلّ عن 1500 لوحة عن الموضوع يعود أقدمها إلى القرن العاشر الميلادي في ايطاليا.
وفي الأدب، ألّف الأديب الفرنسي غوستاف فلوبير كتابا يُعدّ اليوم من أهمّ المراجع التي كُتبت عن القصّة. وقد استغرقت كتابته حوالي ثلاثين عاما وتأثّر به أدباء وكتّاب كثيرون من بينهم سيغموند فرويد.
ولد انطونيوس، الذي يُعرف أحيانا باسم انطونيوس المصري، حوالي عام 250م لعائلة موسرة في قرية من قرى مصر. وعاش حياة مريحة ومرفّهة إلى أن بلغ سنّ الثامنة عشرة عندما توفّي والداه وتركاه في عهدة شقيقته غير المتزوّجة.
وفي احد الأيّام سمع انطونيوس راهبا يخطب ويقول: إذا أردت أن تكون إنسانا كاملا فامنح كلّ ما تملكه للفقراء كي تحصل على كنز في السماء". وقد وهب انطونيوس بعد ذلك كلّ ما تملكه عائلته من أموال وأراض وبيوت إلى جيرانه الفقراء. ثم وضع أخته في عهدة مجموعة من الراهبات وقصد الصحراء ليصبح ناسكا ويعيش حياة تقشّف وزهد.
وتمضي القصّة فتقول إن انطونيوس قضى حياته في الصحراء في الصلاة والتأمّل. لكن، وبحسب ما تذكره كتابات من ذلك الوقت، تصدّى له الشيطان محاولا إغواءه فأنزل به السأم والكسل، وذكّره بحياة الثراء والراحة التي تركها وراءه، ثم أرسل إليه النساء الجميلات في محاولة لإغرائه وإيقاعه في الخطيئة.
لكن القدّيس انتصر على كلّ تلك الإغراءات بفضل صلاته وقوّة إيمانه وإرادته. وبعد ذلك انتقل إلى قبر واتخذه مسكنا وأغلق على نفسه الباب. ولم يكن يرى أحدا سوى بعض أهالي القرية الذين كانوا يجلبون له الطعام في عزلته.
بعض المصادر تشير إلى أن انطونيوس كان أوّل ناسك في المسيحية يذهب إلى الصحراء وينقطع فيها للعبادة. وتُروى عنه الكثير من القصص الشبيهة بالأساطير. يقال مثلا انه كان يطير في الهواء ويرى الشياطين تحلّق أمامه وتهاجمه بضراوة في محاولة لصدّه وإعادته إلى الأرض. كما كانت الشياطين تتنكّر له على هيئة حيوانات مفترسة كالأسود والذئاب والأفاعي والعقارب. وفي إحدى رحلاته في الصحراء، قابل شيطانين على هيئة كائنين خرافيين. وقد صوّر بعض الرسّامين ذلك اللقاء الغريب في عدد من اللوحات.
الموتيفات البصرية في قصّة انطونيوس ألهمت العديد من الفنّانين الذين ملئوا رسوماتهم بصور الحيوانات والمخلوقات الغريبة. ووفّرت القصّة لهؤلاء فرصة لإطلاق خيالاتهم الجامحة، فرسموا رؤى وهلوسات وكوابيس مزعجة عن الشياطين التي تتتبّع القدّيس وتعذّبه. ومن أشهر من رسموا الموضوع كلّ من سلفادور دالي وهيرونيموس بوش ومايكل انجيلو وسلفاتور روزا وغيرهم.
في هذه اللوحة التي يمكن اعتبارها ترجمة حديثة للموضوع، يركّز سلفادور دالي على تصوير صراع انطونيوس مع الإغواء، وليس انتصاره عليه، فيرسمه وهو يتصدّى للإغراءات الزاحفة باتجاهه في صورة حصان جامح متبوع بخمسة أفيال ضخمة لها جميعا سيقان كسيقان العناكب.
عَرْض الحيوانات الغريب هو أوّل ما يلفت انتباه الناظر إلى هذه اللوحة. الحصان القائد يرمز للقوّة والمتعة ولرغبات الجسد. والفيل الذي يتبع الحصان مباشرة يحمل فوق ظهره كأس الرغبة الذهبيّ. وفوق الكأس تقف امرأة عارية ترمز للرغبة الجنسية.
الأفيال التالية تحمل المزيد من النساء بالإضافة إلى مسلّة ومعبد قد يكونان رمزين للأخلاق والدين. الفيل الأخير القادم من بعيد، من تحت الغيمة، يحمل برجا طويلا قد يكون رمزا لعضو الذكورة.
وفي الزاوية السفلى إلى يسار اللوحة يظهر انطونيوس وهو يحاول صدّ الإغراءات التي تجلبها الوحوش القادمة، وسلاحه في ذلك صليب يبدو ملتويا قليلا. وهو، أي القدّيس، يظهر متّكئا على صخرة صغيرة وعاريا لأن دالي أراد أن يُظهر ضعفه، بينما تستقرّ بين ساقيه جمجمة صغيرة.
الأسلوب السوريالي واضح في كافّة تفاصيل اللوحة. ودالي، هنا أيضا، يوظّف الأفيال التي كانت دائما احد موتيفاته المفضّلة. السيقان الطويلة للحصان والفيلة ربّما ترمز إلى العلوّ والاقتراب من السماء. ومن الأشياء الملفتة في اللوحة الاستخدام الجميل للألوان اللحمية والبيضاء والبنّية والذهبية.
ويُلاحَظ أيضا أن الرسّام ركز على استعراض الحيوانات وحركتها القويّة مقابل البنية الضئيلة للرجل. ومع ذلك فالحصان المتقدّم رغم قوّته، إلا انه يبدو خائفا من الجسد الصغير للناسك. وفي أسفل الصورة عن بعد، يظهر شخصان يبدوان كما لو أنهما يقودان أو يوجّهان موكب الفيلة.
الغيوم المظلمة والمنذرة بالشؤم التي تظهر في جزء اللوحة الأيمن يعلوها بناء غريب يشبه قصر الاسكوريال الاسباني الذي كان رمزا للسلطة الروحية والزمنية بحكم كونه ديرا وبنفس الوقت مقرّا للملك.
رسم دالي لوحته هذه في محترف بنيويورك. وكان قد قدم إلى المدينة مع عدد من الرسّامين من بينهم بول ديلفو وماكس ارنست ودوروثيا تاننغ وليونورا كارينغتون بناءً على دعوة من إحدى شركات السينما. كانت الشركة قد كلّفتهم برسم لوحات عن موضوع القدّيس على أن تُختار اللوحة الفائزة لتظهر في فيلم مقتبس عن قصّة للكاتب الفرنسي موباسان. وذهبت الجائزة في النهاية إلى ماكس ارنست.
نقّاد دالي لم يكونوا سعداء بأفكاره الروحية ومواضيعه الدينية. لكنه كان مهجوسا بالمطلق وبالرموز الكلاسيكية للمسيحية. واهتمامه بالقصص الدينية سمح له باستكشاف منطقة إبداع جديدة، لذا رسم المادونا والمسيح والعشاء الأخير.
فكرة الإغواء موجودة تقريبا في جميع الأديان. البوذية مثلا تحكي عن أسطورة سيدهارتا الذي يتأمّل تحت شجرة قبل أن يبلغ مرحلة الاستنارة. وأثناء تأمّله يغريه شيطان برؤى عن الشرّ والشهوة. لكن السلام الروحي عند سيدهارتا قويّ بما يكفي لقهر كافّة أشكال الإغواء.
التركيز على قصّة إغواء القدّيس انطونيوس لم يبدأ سوى في القرون الوسطى. ويقال إن كثيرا من هذه القصص المروية عنه مبالغ فيها وأن رواتها وناقليها كانوا من الناس البسطاء وأنها قد لا تكون أكثر من تهيّؤات وخيالات ناتجة عن العزلة الطويلة وربّما الشعور بالاكتئاب.
الجدير بالذكر أن القدّيس أوصى قبيل وفاته بأن يُدفن في قبر سرّي وبلا علامات تميّزه خوفا من أن يصبح قبره مزارا أو محجّا للناس. وقد دُفن في مكان ما على رأس الجبل الذي كان قد اختاره ليعيش فيه في أخريات حياته. وفي ما بعد، اكتُشفت رفاته ثم نُقلت إلى الإسكندرية. وفي وقت لاحق نُقلت إلى القسطنطينية. وفي القرن الحادي عشر أخذت رفاته إلى فرنسا حيث ظلّت فيها إلى اليوم.
وفي الأدب، ألّف الأديب الفرنسي غوستاف فلوبير كتابا يُعدّ اليوم من أهمّ المراجع التي كُتبت عن القصّة. وقد استغرقت كتابته حوالي ثلاثين عاما وتأثّر به أدباء وكتّاب كثيرون من بينهم سيغموند فرويد.
ولد انطونيوس، الذي يُعرف أحيانا باسم انطونيوس المصري، حوالي عام 250م لعائلة موسرة في قرية من قرى مصر. وعاش حياة مريحة ومرفّهة إلى أن بلغ سنّ الثامنة عشرة عندما توفّي والداه وتركاه في عهدة شقيقته غير المتزوّجة.
وفي احد الأيّام سمع انطونيوس راهبا يخطب ويقول: إذا أردت أن تكون إنسانا كاملا فامنح كلّ ما تملكه للفقراء كي تحصل على كنز في السماء". وقد وهب انطونيوس بعد ذلك كلّ ما تملكه عائلته من أموال وأراض وبيوت إلى جيرانه الفقراء. ثم وضع أخته في عهدة مجموعة من الراهبات وقصد الصحراء ليصبح ناسكا ويعيش حياة تقشّف وزهد.
وتمضي القصّة فتقول إن انطونيوس قضى حياته في الصحراء في الصلاة والتأمّل. لكن، وبحسب ما تذكره كتابات من ذلك الوقت، تصدّى له الشيطان محاولا إغواءه فأنزل به السأم والكسل، وذكّره بحياة الثراء والراحة التي تركها وراءه، ثم أرسل إليه النساء الجميلات في محاولة لإغرائه وإيقاعه في الخطيئة.
لكن القدّيس انتصر على كلّ تلك الإغراءات بفضل صلاته وقوّة إيمانه وإرادته. وبعد ذلك انتقل إلى قبر واتخذه مسكنا وأغلق على نفسه الباب. ولم يكن يرى أحدا سوى بعض أهالي القرية الذين كانوا يجلبون له الطعام في عزلته.
بعض المصادر تشير إلى أن انطونيوس كان أوّل ناسك في المسيحية يذهب إلى الصحراء وينقطع فيها للعبادة. وتُروى عنه الكثير من القصص الشبيهة بالأساطير. يقال مثلا انه كان يطير في الهواء ويرى الشياطين تحلّق أمامه وتهاجمه بضراوة في محاولة لصدّه وإعادته إلى الأرض. كما كانت الشياطين تتنكّر له على هيئة حيوانات مفترسة كالأسود والذئاب والأفاعي والعقارب. وفي إحدى رحلاته في الصحراء، قابل شيطانين على هيئة كائنين خرافيين. وقد صوّر بعض الرسّامين ذلك اللقاء الغريب في عدد من اللوحات.
الموتيفات البصرية في قصّة انطونيوس ألهمت العديد من الفنّانين الذين ملئوا رسوماتهم بصور الحيوانات والمخلوقات الغريبة. ووفّرت القصّة لهؤلاء فرصة لإطلاق خيالاتهم الجامحة، فرسموا رؤى وهلوسات وكوابيس مزعجة عن الشياطين التي تتتبّع القدّيس وتعذّبه. ومن أشهر من رسموا الموضوع كلّ من سلفادور دالي وهيرونيموس بوش ومايكل انجيلو وسلفاتور روزا وغيرهم.
في هذه اللوحة التي يمكن اعتبارها ترجمة حديثة للموضوع، يركّز سلفادور دالي على تصوير صراع انطونيوس مع الإغواء، وليس انتصاره عليه، فيرسمه وهو يتصدّى للإغراءات الزاحفة باتجاهه في صورة حصان جامح متبوع بخمسة أفيال ضخمة لها جميعا سيقان كسيقان العناكب.
عَرْض الحيوانات الغريب هو أوّل ما يلفت انتباه الناظر إلى هذه اللوحة. الحصان القائد يرمز للقوّة والمتعة ولرغبات الجسد. والفيل الذي يتبع الحصان مباشرة يحمل فوق ظهره كأس الرغبة الذهبيّ. وفوق الكأس تقف امرأة عارية ترمز للرغبة الجنسية.
الأفيال التالية تحمل المزيد من النساء بالإضافة إلى مسلّة ومعبد قد يكونان رمزين للأخلاق والدين. الفيل الأخير القادم من بعيد، من تحت الغيمة، يحمل برجا طويلا قد يكون رمزا لعضو الذكورة.
وفي الزاوية السفلى إلى يسار اللوحة يظهر انطونيوس وهو يحاول صدّ الإغراءات التي تجلبها الوحوش القادمة، وسلاحه في ذلك صليب يبدو ملتويا قليلا. وهو، أي القدّيس، يظهر متّكئا على صخرة صغيرة وعاريا لأن دالي أراد أن يُظهر ضعفه، بينما تستقرّ بين ساقيه جمجمة صغيرة.
الأسلوب السوريالي واضح في كافّة تفاصيل اللوحة. ودالي، هنا أيضا، يوظّف الأفيال التي كانت دائما احد موتيفاته المفضّلة. السيقان الطويلة للحصان والفيلة ربّما ترمز إلى العلوّ والاقتراب من السماء. ومن الأشياء الملفتة في اللوحة الاستخدام الجميل للألوان اللحمية والبيضاء والبنّية والذهبية.
ويُلاحَظ أيضا أن الرسّام ركز على استعراض الحيوانات وحركتها القويّة مقابل البنية الضئيلة للرجل. ومع ذلك فالحصان المتقدّم رغم قوّته، إلا انه يبدو خائفا من الجسد الصغير للناسك. وفي أسفل الصورة عن بعد، يظهر شخصان يبدوان كما لو أنهما يقودان أو يوجّهان موكب الفيلة.
الغيوم المظلمة والمنذرة بالشؤم التي تظهر في جزء اللوحة الأيمن يعلوها بناء غريب يشبه قصر الاسكوريال الاسباني الذي كان رمزا للسلطة الروحية والزمنية بحكم كونه ديرا وبنفس الوقت مقرّا للملك.
رسم دالي لوحته هذه في محترف بنيويورك. وكان قد قدم إلى المدينة مع عدد من الرسّامين من بينهم بول ديلفو وماكس ارنست ودوروثيا تاننغ وليونورا كارينغتون بناءً على دعوة من إحدى شركات السينما. كانت الشركة قد كلّفتهم برسم لوحات عن موضوع القدّيس على أن تُختار اللوحة الفائزة لتظهر في فيلم مقتبس عن قصّة للكاتب الفرنسي موباسان. وذهبت الجائزة في النهاية إلى ماكس ارنست.
نقّاد دالي لم يكونوا سعداء بأفكاره الروحية ومواضيعه الدينية. لكنه كان مهجوسا بالمطلق وبالرموز الكلاسيكية للمسيحية. واهتمامه بالقصص الدينية سمح له باستكشاف منطقة إبداع جديدة، لذا رسم المادونا والمسيح والعشاء الأخير.
فكرة الإغواء موجودة تقريبا في جميع الأديان. البوذية مثلا تحكي عن أسطورة سيدهارتا الذي يتأمّل تحت شجرة قبل أن يبلغ مرحلة الاستنارة. وأثناء تأمّله يغريه شيطان برؤى عن الشرّ والشهوة. لكن السلام الروحي عند سيدهارتا قويّ بما يكفي لقهر كافّة أشكال الإغواء.
التركيز على قصّة إغواء القدّيس انطونيوس لم يبدأ سوى في القرون الوسطى. ويقال إن كثيرا من هذه القصص المروية عنه مبالغ فيها وأن رواتها وناقليها كانوا من الناس البسطاء وأنها قد لا تكون أكثر من تهيّؤات وخيالات ناتجة عن العزلة الطويلة وربّما الشعور بالاكتئاب.
الجدير بالذكر أن القدّيس أوصى قبيل وفاته بأن يُدفن في قبر سرّي وبلا علامات تميّزه خوفا من أن يصبح قبره مزارا أو محجّا للناس. وقد دُفن في مكان ما على رأس الجبل الذي كان قد اختاره ليعيش فيه في أخريات حياته. وفي ما بعد، اكتُشفت رفاته ثم نُقلت إلى الإسكندرية. وفي وقت لاحق نُقلت إلى القسطنطينية. وفي القرن الحادي عشر أخذت رفاته إلى فرنسا حيث ظلّت فيها إلى اليوم.