أمّ وطفلها على شاطئ البحر
للفنان النرويجي يوهـان كريستـيان دال، 1840
للفنان النرويجي يوهـان كريستـيان دال، 1840
الذي يرى هذه اللوحة الرائعة لأوّل وهلة قد يظنّها لـ كاسبار ديفيد فريدريش. ففيها ذلك المزيج من الضوء والبحر والسفن والبشر الذي كان فريدريش يرسمه ويضمّنه ذكريات وحالات ذهنية معيّنة.
والحقيقة أن هذا الافتراض له ما يبرّره. إذ يُرجّح أن يكون يوهان كريستيان دال رسم هذه اللوحة إكراما لذكرى فريدريش الذي كان معلّمه وصديقه الأثير. وقد ضمّن اللوحة عناصر مأخوذة من لوحات الأخير الذي توفّي في نفس ذلك العام. كما أن اللوحة تستدعي ليالي فريدريش على الشاطئ الصخريّ المقمر لبحر البلطيق.
في اللوحة نرى امرأة جالسة بصحبة طفل وظهرهما للناظر. المرأة ترتدي تنّورة واسعة وملابس ضدّ الجوّ العاصف، بينما تنظر هي والطفل إلى البحر أمامهما ويراقبان قارب صيد يُفترض أنه يحمل والد الطفل. ومن الواضح أن الاثنين، أي المرأة والطفل، ينتظران بشوق عودة الأب.
وفي أعلى المشهد، يطلّ القمر من وراء الغيوم الثقيلة ملقياً بوهجه الأرجواني على البحر إلى الأسفل وخالقاً نقطة ارتكاز قرب وسط اللوحة تضيء طريق عودة الأب.
هذه اللوحة تمسك بروح الليل وبضوء القمر الذي كثيرا ما استُخدم كرمز للتوق والحبّ، وهي فكرة تناسب هذه الصورة تماما. كما أن المشهد يأخذنا إلى قلب المخيّلة الرومانسية الألمانية. في ذلك الوقت، كتب الفيلسوف آرثر شوبنهاور مقالا تحدّث فيه عن القمر "رفيق الأرض الفضّي في الليل" وعن هالة الغموض التي ظلّ يفتن بها البشر منذ بدء الخليقة.
دال نفسه كتب يقول عن هذه اللوحة: ركّزت على أن أصوّر الضوء الشاحب للقمر في انعكاسه على المشهد إلى أسفل. السلام يعمّ كلّ المكان. المنظر نفسه جميل: ضوء القمر في الغيوم، الانعكاسات على الماء والليل الهادئ".
ولد يوهان كريستيان دال في النرويج عام 1788م وسافر إلى الدانمرك وهو في سنّ الثالثة والعشرين. وقد سجّل في الأكاديمية الملكية للفنون. ثمّ غادر الدانمرك في رحلة أخذته بعد ذلك إلى ايطاليا ثم ألمانيا. لكنّه أثناء ذلك لم ينس بلده أبدا، بل زارها مرارا ورسم اسكتشات عديدة لطبيعتها الوعرة والمتجهّمة. وفي عام 1824 أصبح دال أستاذا في أكاديمية درسدن للفنون.
وفي ذلك الوقت، قابل دال فريدريش الذي كان له تأثير كبير عليه. وهذا واضح من الطبيعة الليلية التي تتكرّر كثيرا في أعمال الاثنين. وقد أصبحا بسرعة صديقين. وتوطّدت صداقتهما أكثر بعد أن انتقل دال للعيش في منزل فريدريش. وكان كلّ منهما بمثابة الأب لأطفال الآخر.
كانا ملازمين لبعضهما البعض لدرجة انه لا يُذكر اسم احدهما إلا مقترنا باسم الآخر. وكانا يرسلان أعمالهما معا إلى نفس المعارض، كما كانا ملتزمين بقوّة بالرومانسية الألمانية.
لكن كانت هناك بعض الاختلافات البسيطة بين أسلوبيهما. كان دال، مثلا، يرسم بسرعة وأحيانا بوجود زوّار في بيته. وعلى العكس من ذلك، كان فريدريش يرسم بعد أيّام من التأمّل وبعد أن يتخيّل تفاصيل المشهد أمامه. وكان دائما يفضّل المحترف الفارغ حيث لا احد يمكن أن يصرفه أو يشتّت اهتمامه.
ومن الناحية الشخصية، كان دال شخصا دافئا اجتماعيا، بينما كان فريدريش انطوائيا ومتحفّظا بسبب تأثّره بنشأته البروتستانتية الصارمة. كان فريدريش يركّز على تأمّل الخلاص ويبحث عن المقدّس في الطبيعة. دال كان مختلفا عنه. كانت مواضيعه المفضّلة هي حبّ العائلة والعودة الآمنة إلى الوطن وما إلى ذلك. وبشكل عام، كان دال يركّز على التجربة الشخصية وليس على الحقائق الكونية أو الكلّية.
وقد وصف دال ذات مرّة فريدريش بأنه شخص لا يتكلّم كثيرا، لكنّه كان يبدو سعيدا دائما. كان فريدريش يكبره بخمسة عشر عاما وكان وقتها في أوج شهرته. وقد أحسّ دال بأنه قريب من فريدريش أكثر من أيّ شخص آخر.
عاش دال حياة هادئة، وإن لم تكن تخلو من المنغّصات. تزوّج أوّلا عام 1820 وأنجب أربعة أطفال. وقد توفّيت زوجته أثناء ولادتها بطفلهما الأخير عام 1827م. وبعد ذلك بعامين، توفّي ولده وابنته بالحمّى القرمزية. وفي العام التالي، تزوّج من إحدى تلميذاته. لكنها ماتت في نهاية تلك السنة وهي تضع مولودها الأوّل. وبعد ذلك عهد إلى خادمة بتربية ابنه وابنته من زواجه الأوّل.
هذه اللوحة قد لا تكون تحيّة لـ فريدريش فقط، بل أيضا إحياءً لذكرى المرأتين اللتين كانتا تعنيان لـ دال الشيء الكثير، وكذلك لأطفاله الذين كان عليهم أن يموتوا وهم في سنّ مبكّرة.
لكن رغم المآسي التي قد تكون مرتبطة باللوحة، فإنها تحمل بعض الرموز المتفائلة: حركة الطفل المفرحة، والغيوم التي تتبدّد لتكشف عن ضوء القمر وتفسح المجال للحظة من لحظات السعادة.
توفّي يوهان كريستيان دال في درسدن بألمانيا عام 1857 عن عمر ناهز السبعين. وبعد ستّين عاما من وفاته أعيدت رفاته إلى النرويج حيث دُفنت هناك.
والحقيقة أن هذا الافتراض له ما يبرّره. إذ يُرجّح أن يكون يوهان كريستيان دال رسم هذه اللوحة إكراما لذكرى فريدريش الذي كان معلّمه وصديقه الأثير. وقد ضمّن اللوحة عناصر مأخوذة من لوحات الأخير الذي توفّي في نفس ذلك العام. كما أن اللوحة تستدعي ليالي فريدريش على الشاطئ الصخريّ المقمر لبحر البلطيق.
في اللوحة نرى امرأة جالسة بصحبة طفل وظهرهما للناظر. المرأة ترتدي تنّورة واسعة وملابس ضدّ الجوّ العاصف، بينما تنظر هي والطفل إلى البحر أمامهما ويراقبان قارب صيد يُفترض أنه يحمل والد الطفل. ومن الواضح أن الاثنين، أي المرأة والطفل، ينتظران بشوق عودة الأب.
وفي أعلى المشهد، يطلّ القمر من وراء الغيوم الثقيلة ملقياً بوهجه الأرجواني على البحر إلى الأسفل وخالقاً نقطة ارتكاز قرب وسط اللوحة تضيء طريق عودة الأب.
هذه اللوحة تمسك بروح الليل وبضوء القمر الذي كثيرا ما استُخدم كرمز للتوق والحبّ، وهي فكرة تناسب هذه الصورة تماما. كما أن المشهد يأخذنا إلى قلب المخيّلة الرومانسية الألمانية. في ذلك الوقت، كتب الفيلسوف آرثر شوبنهاور مقالا تحدّث فيه عن القمر "رفيق الأرض الفضّي في الليل" وعن هالة الغموض التي ظلّ يفتن بها البشر منذ بدء الخليقة.
دال نفسه كتب يقول عن هذه اللوحة: ركّزت على أن أصوّر الضوء الشاحب للقمر في انعكاسه على المشهد إلى أسفل. السلام يعمّ كلّ المكان. المنظر نفسه جميل: ضوء القمر في الغيوم، الانعكاسات على الماء والليل الهادئ".
ولد يوهان كريستيان دال في النرويج عام 1788م وسافر إلى الدانمرك وهو في سنّ الثالثة والعشرين. وقد سجّل في الأكاديمية الملكية للفنون. ثمّ غادر الدانمرك في رحلة أخذته بعد ذلك إلى ايطاليا ثم ألمانيا. لكنّه أثناء ذلك لم ينس بلده أبدا، بل زارها مرارا ورسم اسكتشات عديدة لطبيعتها الوعرة والمتجهّمة. وفي عام 1824 أصبح دال أستاذا في أكاديمية درسدن للفنون.
وفي ذلك الوقت، قابل دال فريدريش الذي كان له تأثير كبير عليه. وهذا واضح من الطبيعة الليلية التي تتكرّر كثيرا في أعمال الاثنين. وقد أصبحا بسرعة صديقين. وتوطّدت صداقتهما أكثر بعد أن انتقل دال للعيش في منزل فريدريش. وكان كلّ منهما بمثابة الأب لأطفال الآخر.
كانا ملازمين لبعضهما البعض لدرجة انه لا يُذكر اسم احدهما إلا مقترنا باسم الآخر. وكانا يرسلان أعمالهما معا إلى نفس المعارض، كما كانا ملتزمين بقوّة بالرومانسية الألمانية.
لكن كانت هناك بعض الاختلافات البسيطة بين أسلوبيهما. كان دال، مثلا، يرسم بسرعة وأحيانا بوجود زوّار في بيته. وعلى العكس من ذلك، كان فريدريش يرسم بعد أيّام من التأمّل وبعد أن يتخيّل تفاصيل المشهد أمامه. وكان دائما يفضّل المحترف الفارغ حيث لا احد يمكن أن يصرفه أو يشتّت اهتمامه.
ومن الناحية الشخصية، كان دال شخصا دافئا اجتماعيا، بينما كان فريدريش انطوائيا ومتحفّظا بسبب تأثّره بنشأته البروتستانتية الصارمة. كان فريدريش يركّز على تأمّل الخلاص ويبحث عن المقدّس في الطبيعة. دال كان مختلفا عنه. كانت مواضيعه المفضّلة هي حبّ العائلة والعودة الآمنة إلى الوطن وما إلى ذلك. وبشكل عام، كان دال يركّز على التجربة الشخصية وليس على الحقائق الكونية أو الكلّية.
وقد وصف دال ذات مرّة فريدريش بأنه شخص لا يتكلّم كثيرا، لكنّه كان يبدو سعيدا دائما. كان فريدريش يكبره بخمسة عشر عاما وكان وقتها في أوج شهرته. وقد أحسّ دال بأنه قريب من فريدريش أكثر من أيّ شخص آخر.
عاش دال حياة هادئة، وإن لم تكن تخلو من المنغّصات. تزوّج أوّلا عام 1820 وأنجب أربعة أطفال. وقد توفّيت زوجته أثناء ولادتها بطفلهما الأخير عام 1827م. وبعد ذلك بعامين، توفّي ولده وابنته بالحمّى القرمزية. وفي العام التالي، تزوّج من إحدى تلميذاته. لكنها ماتت في نهاية تلك السنة وهي تضع مولودها الأوّل. وبعد ذلك عهد إلى خادمة بتربية ابنه وابنته من زواجه الأوّل.
هذه اللوحة قد لا تكون تحيّة لـ فريدريش فقط، بل أيضا إحياءً لذكرى المرأتين اللتين كانتا تعنيان لـ دال الشيء الكثير، وكذلك لأطفاله الذين كان عليهم أن يموتوا وهم في سنّ مبكّرة.
لكن رغم المآسي التي قد تكون مرتبطة باللوحة، فإنها تحمل بعض الرموز المتفائلة: حركة الطفل المفرحة، والغيوم التي تتبدّد لتكشف عن ضوء القمر وتفسح المجال للحظة من لحظات السعادة.
توفّي يوهان كريستيان دال في درسدن بألمانيا عام 1857 عن عمر ناهز السبعين. وبعد ستّين عاما من وفاته أعيدت رفاته إلى النرويج حيث دُفنت هناك.