سـوزانـا والقـاضيـان
للفنان الايطالي غـويـدو رينـي، 1625
للفنان الايطالي غـويـدو رينـي، 1625
القصص الدينية كانت دائما محلّ إعجاب واهتمام الرسّامين. وإحدى أشهر تلك القصص هي قصّة سوزانا والقاضيين التي كانت رائجة كثيرا في الرسم خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر.
هذه القصّة هي مزيج من الايروتيكية والإثارة البصرية والعفّة الأنثوية وقانون الرجل الذكوري. وكلّ من رسمها من الفنّانين رأوا فيها فرصة لإبراز الجسد العاري بنفس الروح التي كانوا يرسمون بها شخصيات أنثوية مشهورة أخرى مثل داناي ولوكريشيا. وقد تحوّلت القصّة التي أوردتها النصوص الدينية كمثال على عفاف الأنثى، تحوّلت من خلال الرسم إلى احتفال بالعري والإثارة الجنسية.
أحداث القصّة وقعت في بابل، وملخّصها أن امرأة يهودية تُدعى سوزانا (أو شوشانا كما تنطق بالعبرية) كانت متزوّجة من رجل على دينها يقال له يواكين. وكانت هذه المرأة تتمتّع بجمال مبهر. كما كانت على درجة من الأخلاق والعفاف بفضل تنشئة والديها المتديّنين لها.
وقد حدث في ذلك الوقت أن عُيّن للمدينة قاضيان مسنّان جديدان كي يفصلا في منازعات الناس بعد أن تقاعد سلفاهما. وكان هذان الرجلان يمرّان في مشوارهما اليومي إلى المحكمة بالقرب من بيت سوزانا. وقد لمحاها مرارا وهي تخرج من منزلها إلى الحديقة الملحقة به.
وشيئا فشيئا أصبح القاضيان مفتونين بجمال المرأة. وسرعان ما تطوّر هذا الشعور إلى نوع من الرغبة في الانفراد بها والتمتّع بجمالها. في البداية، كان كلّ منهما حريصا على أن يخفي حقيقة مشاعره عن الآخر. لكن عندما عرفا أنهما واقعان معا في هوى المرأة، اتفقا على أن يترجما ذلك الشعور إلى فعل وأن يظفرا ببغيتهما مهما كانت الصعاب.
وذات يوم وبينما كانا مارّين من ذلك المكان، نظرا من ثقب باب الحديقة خلسة ورأيا سوزانا وهي تستعدّ للاستحمام. فدخلا دون أن تلحظهما وكمنا وراء إحدى الأشجار. وعندما باشرت خلع ملابسها خرجا من مخبئهما واقتربا منها في اشتهاء. ثم اخبراها أن الأبواب مغلقة وان لا احد يراهم وهدّداها بأنها إن لم تقدّم لهما نفسها طواعية فإنهما سيشهدان ضدّها في المحكمة ويدّعيان أنهما رأياها تمارس الزنا مع شابّ في الحديقة. لكن المرأة رفضت كلام العجوزين الداعرين وزجرتهما بعنف فغادرا المكان وقد أعدّا في نفسهما خطّة.
في اليوم التالي، عُقدت المحكمة برئاسة القاضيين وأمرا بإحضار سوزانا ووجّها لها تهمة الخلوة مع شابّ وارتكاب جريمة الزنا، زاعمين أنهما رأيا الشابّ وهو يهرب. وقد صدّق الناس مزاعم الرجلين على أساس أنهما قاضيان متديّنان ويريدان حماية الفضيلة. ثم صدر الحكم على سوزانا بالموت. وقد بكت المرأة بصوت عال مؤكّدة براءتها ودعت الربّ بأن يكشف الحقيقة وأن يدافع عنها.
وبقيّة القصّة معروفة. فقد أرسل الله فتى شابّا إلى المحكمة وبدأ يصرخ قائلا: أنا بريء من دم هذه المرأة. ويجب استجواب الرجلين قبل الإقدام على قتل امرأة بريئة".
ولم يكن ذلك الشابّ سوى دانيال، الشخصيّة التي تظهر كثيرا في النصوص القديمة والذي يقترن اسمه بجملة من المعجزات والكرامات من بينها القصّة المشهورة التي تحكي عن نجاته من الموت افتراسا في عرين الأسود.
وقد أمر دانيال بأن يُفصل الرجلان عن بعضهما وأن يُسأل كلّ منهما عن تفاصيل ما رأياه. فاختلف وصفهما للشجرة التي ادّعيا أن المرأة التقت بالعاشق المزعوم تحتها. هذا الاختلاف في الوصف اثبت أنهما كانا يكذبان، فتأكّدت براءة المرأة ونجت من الموت رجما، بينا حُكم على الرجلين بالموت.
الرسّام غويدو ريني يصوّر في هذه اللوحة اللحظة التي باغت فيها القاضيان المرأة وهي تستحم. وقد رسم الفنان العجوزين في حالة تسلّل كما ابرز حسّية جسد المرأة. الرجل إلى اليسار يضع إصبعه على فمه لحثّها على أن لا تصرخ أو تبدي مقاومة بينما يزيح بيده الأخرى الرداء عن جسدها. الرجل الآخر يبدو أكثر هدوءا واقل تهديدا بينما يكتفي بسماع ما يقوله رفيقه وبالنظر عن قرب إلى جسد المرأة.
سوزانا تبدو هنا بهيئة جميلة وبالقليل من الملابس. لاحظ كيف أن الفنّان رسمها بوضع إغراء. ملامحها لا تبدو خجولة وليس على وجهها أيّ اثر للرعب أو الضعف، بينما يظهر الرجلان بملامح خبيثة ومتآمرة. حسّية العارية في شخصية سوزانا يعمّقها حقيقة أن من مارس التحرّش عجوزان يُفترض أنهما على درجة من التقى والورع.
اللوحات الأخرى المرسومة عن القصّة تتضمّن عادة معمارا أو نحتا كلاسيكيا. والبعض الآخر يركّز على الدراما والعري. وهناك من الفنّانين من رسموها لكي يظهروا قوّة تديّن المرأة وإخلاصها وثقتها بأن الربّ سيخلّصها، بينما رسمها آخرون ليركّزوا على انحلال تلك الفئة من الناس الذين يستخدمون القانون لأغراضهم الشخصيّة.
الفنّان الأمريكي توماس هارت بينتون رسم سوزانا بهيئة عصرية ونقل القصّة إلى فترة الكساد العظيم. ولم ينس أن يرسم نفسه في اللوحة كأحد الرجلين المتلصّصين.
قصّة "سوزانا والقاضيان" لها أيضا حضور قويّ في الموسيقى والأدب. الموسيقيّ فريدريش هاندل ألّف قطعة استوحاها من القصّة. وفي إحدى الأوبرات الأمريكية تنتقل سوزانا إلى القرن العشرين، وإلى الجنوب الأمريكي تحديدا. لكن خاتمة الأوبرا لا تبدو سعيدة، إذ يحلّ مكان القاضيين واعظ منافق يقوم باغتصاب سوزانا في نهاية المطاف.
هذه القصّة هي مزيج من الايروتيكية والإثارة البصرية والعفّة الأنثوية وقانون الرجل الذكوري. وكلّ من رسمها من الفنّانين رأوا فيها فرصة لإبراز الجسد العاري بنفس الروح التي كانوا يرسمون بها شخصيات أنثوية مشهورة أخرى مثل داناي ولوكريشيا. وقد تحوّلت القصّة التي أوردتها النصوص الدينية كمثال على عفاف الأنثى، تحوّلت من خلال الرسم إلى احتفال بالعري والإثارة الجنسية.
أحداث القصّة وقعت في بابل، وملخّصها أن امرأة يهودية تُدعى سوزانا (أو شوشانا كما تنطق بالعبرية) كانت متزوّجة من رجل على دينها يقال له يواكين. وكانت هذه المرأة تتمتّع بجمال مبهر. كما كانت على درجة من الأخلاق والعفاف بفضل تنشئة والديها المتديّنين لها.
وقد حدث في ذلك الوقت أن عُيّن للمدينة قاضيان مسنّان جديدان كي يفصلا في منازعات الناس بعد أن تقاعد سلفاهما. وكان هذان الرجلان يمرّان في مشوارهما اليومي إلى المحكمة بالقرب من بيت سوزانا. وقد لمحاها مرارا وهي تخرج من منزلها إلى الحديقة الملحقة به.
وشيئا فشيئا أصبح القاضيان مفتونين بجمال المرأة. وسرعان ما تطوّر هذا الشعور إلى نوع من الرغبة في الانفراد بها والتمتّع بجمالها. في البداية، كان كلّ منهما حريصا على أن يخفي حقيقة مشاعره عن الآخر. لكن عندما عرفا أنهما واقعان معا في هوى المرأة، اتفقا على أن يترجما ذلك الشعور إلى فعل وأن يظفرا ببغيتهما مهما كانت الصعاب.
وذات يوم وبينما كانا مارّين من ذلك المكان، نظرا من ثقب باب الحديقة خلسة ورأيا سوزانا وهي تستعدّ للاستحمام. فدخلا دون أن تلحظهما وكمنا وراء إحدى الأشجار. وعندما باشرت خلع ملابسها خرجا من مخبئهما واقتربا منها في اشتهاء. ثم اخبراها أن الأبواب مغلقة وان لا احد يراهم وهدّداها بأنها إن لم تقدّم لهما نفسها طواعية فإنهما سيشهدان ضدّها في المحكمة ويدّعيان أنهما رأياها تمارس الزنا مع شابّ في الحديقة. لكن المرأة رفضت كلام العجوزين الداعرين وزجرتهما بعنف فغادرا المكان وقد أعدّا في نفسهما خطّة.
في اليوم التالي، عُقدت المحكمة برئاسة القاضيين وأمرا بإحضار سوزانا ووجّها لها تهمة الخلوة مع شابّ وارتكاب جريمة الزنا، زاعمين أنهما رأيا الشابّ وهو يهرب. وقد صدّق الناس مزاعم الرجلين على أساس أنهما قاضيان متديّنان ويريدان حماية الفضيلة. ثم صدر الحكم على سوزانا بالموت. وقد بكت المرأة بصوت عال مؤكّدة براءتها ودعت الربّ بأن يكشف الحقيقة وأن يدافع عنها.
وبقيّة القصّة معروفة. فقد أرسل الله فتى شابّا إلى المحكمة وبدأ يصرخ قائلا: أنا بريء من دم هذه المرأة. ويجب استجواب الرجلين قبل الإقدام على قتل امرأة بريئة".
ولم يكن ذلك الشابّ سوى دانيال، الشخصيّة التي تظهر كثيرا في النصوص القديمة والذي يقترن اسمه بجملة من المعجزات والكرامات من بينها القصّة المشهورة التي تحكي عن نجاته من الموت افتراسا في عرين الأسود.
وقد أمر دانيال بأن يُفصل الرجلان عن بعضهما وأن يُسأل كلّ منهما عن تفاصيل ما رأياه. فاختلف وصفهما للشجرة التي ادّعيا أن المرأة التقت بالعاشق المزعوم تحتها. هذا الاختلاف في الوصف اثبت أنهما كانا يكذبان، فتأكّدت براءة المرأة ونجت من الموت رجما، بينا حُكم على الرجلين بالموت.
الرسّام غويدو ريني يصوّر في هذه اللوحة اللحظة التي باغت فيها القاضيان المرأة وهي تستحم. وقد رسم الفنان العجوزين في حالة تسلّل كما ابرز حسّية جسد المرأة. الرجل إلى اليسار يضع إصبعه على فمه لحثّها على أن لا تصرخ أو تبدي مقاومة بينما يزيح بيده الأخرى الرداء عن جسدها. الرجل الآخر يبدو أكثر هدوءا واقل تهديدا بينما يكتفي بسماع ما يقوله رفيقه وبالنظر عن قرب إلى جسد المرأة.
سوزانا تبدو هنا بهيئة جميلة وبالقليل من الملابس. لاحظ كيف أن الفنّان رسمها بوضع إغراء. ملامحها لا تبدو خجولة وليس على وجهها أيّ اثر للرعب أو الضعف، بينما يظهر الرجلان بملامح خبيثة ومتآمرة. حسّية العارية في شخصية سوزانا يعمّقها حقيقة أن من مارس التحرّش عجوزان يُفترض أنهما على درجة من التقى والورع.
اللوحات الأخرى المرسومة عن القصّة تتضمّن عادة معمارا أو نحتا كلاسيكيا. والبعض الآخر يركّز على الدراما والعري. وهناك من الفنّانين من رسموها لكي يظهروا قوّة تديّن المرأة وإخلاصها وثقتها بأن الربّ سيخلّصها، بينما رسمها آخرون ليركّزوا على انحلال تلك الفئة من الناس الذين يستخدمون القانون لأغراضهم الشخصيّة.
الفنّان الأمريكي توماس هارت بينتون رسم سوزانا بهيئة عصرية ونقل القصّة إلى فترة الكساد العظيم. ولم ينس أن يرسم نفسه في اللوحة كأحد الرجلين المتلصّصين.
قصّة "سوزانا والقاضيان" لها أيضا حضور قويّ في الموسيقى والأدب. الموسيقيّ فريدريش هاندل ألّف قطعة استوحاها من القصّة. وفي إحدى الأوبرات الأمريكية تنتقل سوزانا إلى القرن العشرين، وإلى الجنوب الأمريكي تحديدا. لكن خاتمة الأوبرا لا تبدو سعيدة، إذ يحلّ مكان القاضيين واعظ منافق يقوم باغتصاب سوزانا في نهاية المطاف.