الرحـلة الأخيـرة
للفنان الروسي فاسيـلي بيـروف، 1865
للفنان الروسي فاسيـلي بيـروف، 1865
يُعتبر فاسيلي بيروف مؤسّس تيّار الواقعية النقدية في الفنّ الروسي. وقد عاش في عصر اتسم بالتغيير الاجتماعي والانتعاش الاقتصادي. وفنّه يحمل نقدا حادّا لمظاهر المدنيّة الحديثة. لكنّه كثيرا ما يُنتقد بسبب تركيزه على الجوانب المظلمة من الحياة.
والناس إذ يتذكّرون هذا الرسّام اليوم إنّما يتذكّرونه بلوحاته التي تصوّر الطبقة الطفيلية وفساد الإدارة البيروقراطية واستبداد الساسة وجشع التجّار ونفاق رجال الدين.
كان بيروف مدافعا دائما عن الناس العاديّين ومراقبا دقيقا لأنماط السلوك الإنساني بشكل عام. ولوحاته تستثير تعاطف الناس مع حياة الأفراد الذين يعانون من الإذلال وفقدان الكرامة الإنسانية بسبب قسوة المجتمع.
في هذه اللوحة، ينقل الرسّام إحساسا بمعنى الفقد أو الموت. إذ نرى امرأة، برفقة طفليها، وهي تنقل جثمان زوجها إلى مثواه الأخير في كفن موضوع فوق عربة يجرّها حصان.
وجه الأرملة غير واضح في الصورة لأنها تعطي ظهرها للناظر. لكنّ كتفيها المنحنيين يتحدّثان ببلاغة عن حزنها وعمق مأساتها. وضعية جلوسها متناغمة مع حركة الحصان الذي يجرّ العربة. والحصان، هو الآخر، كأنّما يحسّ بعمق الفجيعة على فراق صاحبه.
ومن الواضح أن لا أصدقاء يرافقون الميّت في رحلته الأخيرة في هذه البرّية الباردة والخاوية والمغطّاة بالثلج باستثناء زوجته وطفليه الذين يبدون متجمّدين من شدّة البرد. وثلاثتهم متوحّدون في هذه الصورة من صور الإحساس بالحزن.
الابن، إلى اليسار، يرتدي قبّعة ومعطفا وفي عينيه وملامحه آثار حزن وإنهاك، بينما تحتضن أخته التابوت. شكل الطبيعة الخاوية والمتجهّمة والسماء المنخفضة والسحب الداكنة والثقيلة والأطراف المتجمّدة للغابة، كلّها عناصر تعزّز درجة الإحساس بحزن وكآبة المنظر. وهناك أيضا غلبة اللون الرمادي بتدرّجاته المختلفة والذي يعطي انطباعا بالبرد القاتل.
اللوحة بسيطة في شكلها وكاملة في مضمونها، أي لا شيء فيها ناقص أو زائد عن الحاجة. وهي لا تحكي فقط قصّة حزينة عن مصير عائلة فقيرة تُركت وحيدة بعد رحيل معيلها، بل أيضا عن مصير ملايين الفلاحين والمحرومين الذين يعانون ظروفا مماثلة.
موضوع اللوحة استوحاه بيروف من قصيدة للشاعر الروسي نيكراسوف يتحدّث فيها عن جنازة تقام لرجل في منتصف فصل الشتاء. لكن يقال أن اللوحة أكثر إثارة للحزن من القصيدة، إذ لا جيران هنا ولا معارف أو أصدقاء.
ويُرجّح أن الرسّام رأى مرارا جنازات لفلاحين وعمّال في رحلاته ومشاويره اليومية من وإلى بلدته. كما أن معرفته القويّة بظروف معيشة الطبقة العاملة مكّنته من أن ينجح في تحويل فكرة عاديّة ومألوفة إلى عمل فنّي من الطراز الرفيع يجسّد مأساة الإنسان. وقد وضع عدّة اسكتشات تمهيدية للوحة وتجوّل في العديد من القرى وراقب مناظر الخيول التي تجرّ عربات الجليد التي تنقل الأشخاص أو أكفان الموتى.
كان بيروف أوّل فنّان روسي يرسم صورة حقيقيّة عن الحزن والفقر المدقع وقسوة حياة الفلاحين وسكّان الأرياف. وقد اكتسبت لوحته هذه شهرة عالميّة وحقّقت نجاحا كبيرا بين معاصريه. ونال عليها جائزة جمعية تشجيع الفنون، كما عُرضت مرارا في معارض فنّية داخل روسيا وخارجها.
ولد فاسيلي بيروف في يناير من عام 1834، وتعلّم الرسم في مدرسة موسكو للفنّ. وفي ما بعد زار ألمانيا وفرنسا ورسم بعد عودته إلى موسكو مناظر مستوحاة من أجواء الشوارع الأوربّية. وهو معروف بتوليفاته الواضحة والبسيطة التي يميّزها لجوؤه المتكرّر للون الواحد، أو المونوكروم، رغم انه كان معلّما بارعا في التلوين. وقد تلقّى الرسّام لقب أكاديمي ثم عُيّن أستاذا للرسم بمدرسة موسكو للفن. وظلّ يمارس التدريس إلى حين وفاته بالسلّ في يونيو 1882.
والناس إذ يتذكّرون هذا الرسّام اليوم إنّما يتذكّرونه بلوحاته التي تصوّر الطبقة الطفيلية وفساد الإدارة البيروقراطية واستبداد الساسة وجشع التجّار ونفاق رجال الدين.
كان بيروف مدافعا دائما عن الناس العاديّين ومراقبا دقيقا لأنماط السلوك الإنساني بشكل عام. ولوحاته تستثير تعاطف الناس مع حياة الأفراد الذين يعانون من الإذلال وفقدان الكرامة الإنسانية بسبب قسوة المجتمع.
في هذه اللوحة، ينقل الرسّام إحساسا بمعنى الفقد أو الموت. إذ نرى امرأة، برفقة طفليها، وهي تنقل جثمان زوجها إلى مثواه الأخير في كفن موضوع فوق عربة يجرّها حصان.
وجه الأرملة غير واضح في الصورة لأنها تعطي ظهرها للناظر. لكنّ كتفيها المنحنيين يتحدّثان ببلاغة عن حزنها وعمق مأساتها. وضعية جلوسها متناغمة مع حركة الحصان الذي يجرّ العربة. والحصان، هو الآخر، كأنّما يحسّ بعمق الفجيعة على فراق صاحبه.
ومن الواضح أن لا أصدقاء يرافقون الميّت في رحلته الأخيرة في هذه البرّية الباردة والخاوية والمغطّاة بالثلج باستثناء زوجته وطفليه الذين يبدون متجمّدين من شدّة البرد. وثلاثتهم متوحّدون في هذه الصورة من صور الإحساس بالحزن.
الابن، إلى اليسار، يرتدي قبّعة ومعطفا وفي عينيه وملامحه آثار حزن وإنهاك، بينما تحتضن أخته التابوت. شكل الطبيعة الخاوية والمتجهّمة والسماء المنخفضة والسحب الداكنة والثقيلة والأطراف المتجمّدة للغابة، كلّها عناصر تعزّز درجة الإحساس بحزن وكآبة المنظر. وهناك أيضا غلبة اللون الرمادي بتدرّجاته المختلفة والذي يعطي انطباعا بالبرد القاتل.
اللوحة بسيطة في شكلها وكاملة في مضمونها، أي لا شيء فيها ناقص أو زائد عن الحاجة. وهي لا تحكي فقط قصّة حزينة عن مصير عائلة فقيرة تُركت وحيدة بعد رحيل معيلها، بل أيضا عن مصير ملايين الفلاحين والمحرومين الذين يعانون ظروفا مماثلة.
موضوع اللوحة استوحاه بيروف من قصيدة للشاعر الروسي نيكراسوف يتحدّث فيها عن جنازة تقام لرجل في منتصف فصل الشتاء. لكن يقال أن اللوحة أكثر إثارة للحزن من القصيدة، إذ لا جيران هنا ولا معارف أو أصدقاء.
ويُرجّح أن الرسّام رأى مرارا جنازات لفلاحين وعمّال في رحلاته ومشاويره اليومية من وإلى بلدته. كما أن معرفته القويّة بظروف معيشة الطبقة العاملة مكّنته من أن ينجح في تحويل فكرة عاديّة ومألوفة إلى عمل فنّي من الطراز الرفيع يجسّد مأساة الإنسان. وقد وضع عدّة اسكتشات تمهيدية للوحة وتجوّل في العديد من القرى وراقب مناظر الخيول التي تجرّ عربات الجليد التي تنقل الأشخاص أو أكفان الموتى.
كان بيروف أوّل فنّان روسي يرسم صورة حقيقيّة عن الحزن والفقر المدقع وقسوة حياة الفلاحين وسكّان الأرياف. وقد اكتسبت لوحته هذه شهرة عالميّة وحقّقت نجاحا كبيرا بين معاصريه. ونال عليها جائزة جمعية تشجيع الفنون، كما عُرضت مرارا في معارض فنّية داخل روسيا وخارجها.
ولد فاسيلي بيروف في يناير من عام 1834، وتعلّم الرسم في مدرسة موسكو للفنّ. وفي ما بعد زار ألمانيا وفرنسا ورسم بعد عودته إلى موسكو مناظر مستوحاة من أجواء الشوارع الأوربّية. وهو معروف بتوليفاته الواضحة والبسيطة التي يميّزها لجوؤه المتكرّر للون الواحد، أو المونوكروم، رغم انه كان معلّما بارعا في التلوين. وقد تلقّى الرسّام لقب أكاديمي ثم عُيّن أستاذا للرسم بمدرسة موسكو للفن. وظلّ يمارس التدريس إلى حين وفاته بالسلّ في يونيو 1882.