ايليونورا دي توليدو وابنها جيوفاني دي ميديتشي
للفنان الايطالي انـوليـو برونـزينـو، 1545
للفنان الايطالي انـوليـو برونـزينـو، 1545
بعض اللوحات التاريخية، خاصّة إن كانت من عصر النهضة، ليست جميلة فحسب، وإنّما تعطي نظرة متعمّقة في حياة الناس الذين تصوّرهم وفي ظروف العصر الذي عاشوا فيه.
ولدت ايليونورا دي توليدو عام 1522م. والدها كان نبيلا اسبانيّا وكان يعمل نائبا للملك في نابولي. وقد تزوّجت ايليونورا من كوسيمو دي ميديتشي عام 1539 وأنجبت له ثمانية أطفال. وهي في هذه اللوحة تظهر مع ابنها الأوّل جيوفاني الذي سيصبح في ما بعد كاردينالا.
هذا، على الأرجح، هو العمل الأكثر شهرة لـ انوليو برونزينو الذي اشتهر ببورتريهاته التي رسمها لأسرة ميديتشي والتي كانت، أي البورتريهات، تخدم غرضا سياسيّا محدّدا هو إضفاء الشرعية على الأسرة كحكّام لفلورنسا والتأكيد على مكانة سلالتهم.
كان زواج ايليونورا وكوسيمو دي ميديتشي زواج مصلحة. في ذلك الوقت، كان الحكم يُرتّب من خلال لعبة التحالفات والمصالح والأوراق العائلية. ولأن أفراد أسرة ميديتشي كانوا جددا على الحكم، فقد كان هذا الزواج جذّابا لمجموعة متنوّعة من الأسباب السياسية والعائلية. فأسلاف ايليونورا القشتاليون وفّروا لأسرة ميديتشي الدم الأزرق الذي كانوا يحتاجونه وكان ينقصهم حتى ذلك الحين. وقد وضعهم الزواج على قدم المساواة مع غيرهم من العائلات الملكية الأوروبّية الأخرى. ومن خلال والدها، قدّمت ايليونورا لميديتشي صلة قويّة بإسبانيا التي كانت آنذاك تسيطر على فلورنسا، بحيث وفّر الزواج فرصة لكوسيمو لإظهار الولاء الكافي لإسبانيا.
وقبل هذا الوقت، كانت سلالة ميديتشي يتهدّدها خطر الانقراض. لكن ايليونورا، بإنجابها ورثة عديدين للعرش، أسّست شرعية لخطّ هذه العائلة الأسطورية. ومع ذلك، هناك احتمال بأن المرأة التي تحدّق من هذه اللوحة لم يكن أمامها سوى القليل من الخيارات بالنسبة لزواجها.
ايليونورا كان عمرها اثنين وعشرين عاما عندما رسمها برونزينو. ومع ذلك يكاد يخلو وجهها ووجه طفلها البالغ من العمر عامين من أيّ تعبيرات أو انفعالات. وهي في الصورة تظهر قبل كلّ شيء كأمّ، لأن عائلة ميديتشي كانت بحاجة إلى ورثة من الذكور بعد مقتل سلف كوسيمو، أي شقيقه اليساندرو، دون أن ينجب أطفالا. دور ايليونورا باعتبارها أمّاً يشير إليه الرّمان، رمز الخصوبة، المطرّز على ملابسها. ووجود الطفل في اللوحة يُقصد منه الإشارة إلى أن حكم كوسيمو سيحقّق الاستقرار في الدوقيّة لأن له ولدا سيخلفه.
في البورتريه نرى ايليونورا بجمالها الأرستقراطي الذي يمازجه قدر من الشعور بالحزن. وضعيّتها قد يكون الرسّام استوحاها من لوحة الموناليزا. لكن الملمح الذي يلفت الانتباه أكثر من غيره في اللوحة هو فستان المرأة ذو الزخارف والأنماط والتفاصيل الجميلة. اللباس أحيانا قد يكون شكلا من أشكال توظيف المنتج. وهو هنا إعلان عن إحياء الدوق، أي زوج ايليونورا، لصناعة الحرير في فلورنسا. وهذا الرسم المفصّل والبالغ الدقّة للنقوش والمنسوجات بمثل هذه البراعة قد لا نجد له مثيلا سوى في رسومات آنغر وماتيس.
الروايات من تلك الفترة تكذّب المظهر الرسميّ الصارم لـ ايليونورا والذي تظهر عليه في العديد من البورتريهات. يقال مثلا أنها كانت محبّة للقمار وتتنقّل من قصر إلى قصر كما كانت توظّف عشرة نسّاجين للعمل على ملابسها. وقد تكون احتاجت للملابس الجميلة كي تخفي مظهرها المريض. إذ عند استخراج رفاتها وأطفالها في بدايات القرن الماضي، كشفت فحوص الطبّ الشرعي عن أن نقصا شديدا في نسبة الكالسيوم في جسمها ربّما سبّب لها عددا كبيرا من الأمراض بالإضافة إلى آلام الأسنان المزمنة.
ويبدو أنها كانت تحبّ هذا الفستان أكثر من غيره بدليل ظهورها فيه في بورتريهات رسمية متعدّدة. وعندما نُبش قبرها، خلص البعض إلى أنها كانت ترتدي نفس هذا الفستان في جنازتها. وهو الآن محفوظ بعهدة غاليريا ديل كوستيوم أو متحف الأزياء في فلورنسا.
برونزينو كان رسّاما وشاعرا مرموقا. ومعظم من رسمهم من فلورنسا كانوا ينتمون إلى النخب الثقافية والاجتماعية. وهو كان يرسمهم محاطين بكتاب أو تمثال صغير أو أثاث بزخارف محفورة.
في فلورنسا، كانت الفنون قد بدأت تلعب دورا حيويّا في تأكيد هويّة هذه المدينة. وكان كوسيمو دي ميديتشي يدرك المزايا السياسية والاقتصادية لتسليط الضوء على رعاية أسرته للفنون والآداب.
ولد انوليو برونزينو لعائلة فقيرة في فلورنسا عام 1503. وبرونزينو هو اسم مستعار وليس حقيقيّا. وهذا كان تقليدا شائعا في دوائر الثقافة والفنّ في ذلك العصر. وقد يكون اللقب بسبب شعره الذهبيّ، لكنه أيضا يستدعي الإحساس النحتيّ لشخوص لوحاته.
تتلمذ برونزينو على يد الرسّام الفلورنسي جاكوبو دي بونتورمو وعملا معا على جداريات عديدة. وفي عام 1539، أصبح الرسّام المهيمن في بلاط عائلة ميديتشي واستمرّ كذلك إلى حين وفاته عام 1572. وإحدى العلامات الفارقة في فنّه هي طريقته في رسم ملامح الوجه الهادئة التي تعكس الاعتداد بالنفس، وهي السمة التي كانت سائدة بين أفراد الطبقة النبيلة في فلورنسا آنذاك.
وقد رسم برونزينو العديد من البورتريهات لأسرة ميديتشي. ويمكن اعتبار تلك اللوحات بمثابة تعبير عن "حقّهم الإلهي" في أن يكونوا سلالة حاكمة. وكان برونزينو نفسه مؤمنا بذلك. وقد ألّف أشعارا تمجّد أرباب نعمته وتصفهم بالملوك والقدّيسين.
وجود ايليونورا في حياة أسرة ميديتشي قلّل إمكانية أيّ تهديد محتمل من بلدها اسبانيا ووفّر قدرا من الاستقرار السياسي لحكم أسرة زوجها. وقد ساعدت كوسيمو في إدارة شئون الدولة وكانت تكمّله وتؤازره بكلّ ما أوتيت من قوّة. وبعض الباحثين الموثوقين يصوّرونها كامرأة عطوفة وقويّة الشخصية وذكيّة، خاصّة في إشرافها على تربية أطفالها.
وبسبب اجتهادها وحمايتها لأبنائها، وُصفت ايليونورا من قبل بعض المؤرّخين كنموذج للاسترشاد والسلوك المرغوب فيه. بالداسار كاستيليوني أشار إليها في كتابه المشهور رجل البلاط وصوّرها كامرأة مثالية من عصر النهضة. فقد "كانت تعمل نائبة للحاكم في غيابه، وكانت محطّ إعجاب الجميع كامرأة ذات ذوق رفيع ومؤمنة بالمثل العليا".
توفّيت ايليونورا دي توليدو عام 1562. ومنذ وفاتها، كان هناك اتجاه لدى المؤرّخين لإغفال أهمّيتها في تاريخ فلورنسا. ولا يتمّ تذكّرها اليوم إلا باعتبارها قرينة ميديتشي المحبّة لحياة الراحة والترف. ولعدّة قرون بعد وفاتها، راجت أسطورة تقول إن ابنها جيوفاني الظاهر معها في اللوحة تعرّض للقتل عند بلوغه التاسعة عشرة على يد شقيقه غارسيا ذي الستّة عشر عاما إثر خلاف نشب بينهما عام 1562. ويقال إن والدهما كوسيمو عاقب غارسيا على فعلته وذلك بقتله بسيفه وإن ايليونورا توفّيت بعد الحادث بفترة قصيرة حزنا على ولديها. لكن الطبّ الشرعي اثبت من خلال استخراج الجثث وفحصها أن جيوفاني مات وهو وأمّه بعد إصابتهما بالملاريا عام 1562.
ولدت ايليونورا دي توليدو عام 1522م. والدها كان نبيلا اسبانيّا وكان يعمل نائبا للملك في نابولي. وقد تزوّجت ايليونورا من كوسيمو دي ميديتشي عام 1539 وأنجبت له ثمانية أطفال. وهي في هذه اللوحة تظهر مع ابنها الأوّل جيوفاني الذي سيصبح في ما بعد كاردينالا.
هذا، على الأرجح، هو العمل الأكثر شهرة لـ انوليو برونزينو الذي اشتهر ببورتريهاته التي رسمها لأسرة ميديتشي والتي كانت، أي البورتريهات، تخدم غرضا سياسيّا محدّدا هو إضفاء الشرعية على الأسرة كحكّام لفلورنسا والتأكيد على مكانة سلالتهم.
كان زواج ايليونورا وكوسيمو دي ميديتشي زواج مصلحة. في ذلك الوقت، كان الحكم يُرتّب من خلال لعبة التحالفات والمصالح والأوراق العائلية. ولأن أفراد أسرة ميديتشي كانوا جددا على الحكم، فقد كان هذا الزواج جذّابا لمجموعة متنوّعة من الأسباب السياسية والعائلية. فأسلاف ايليونورا القشتاليون وفّروا لأسرة ميديتشي الدم الأزرق الذي كانوا يحتاجونه وكان ينقصهم حتى ذلك الحين. وقد وضعهم الزواج على قدم المساواة مع غيرهم من العائلات الملكية الأوروبّية الأخرى. ومن خلال والدها، قدّمت ايليونورا لميديتشي صلة قويّة بإسبانيا التي كانت آنذاك تسيطر على فلورنسا، بحيث وفّر الزواج فرصة لكوسيمو لإظهار الولاء الكافي لإسبانيا.
وقبل هذا الوقت، كانت سلالة ميديتشي يتهدّدها خطر الانقراض. لكن ايليونورا، بإنجابها ورثة عديدين للعرش، أسّست شرعية لخطّ هذه العائلة الأسطورية. ومع ذلك، هناك احتمال بأن المرأة التي تحدّق من هذه اللوحة لم يكن أمامها سوى القليل من الخيارات بالنسبة لزواجها.
ايليونورا كان عمرها اثنين وعشرين عاما عندما رسمها برونزينو. ومع ذلك يكاد يخلو وجهها ووجه طفلها البالغ من العمر عامين من أيّ تعبيرات أو انفعالات. وهي في الصورة تظهر قبل كلّ شيء كأمّ، لأن عائلة ميديتشي كانت بحاجة إلى ورثة من الذكور بعد مقتل سلف كوسيمو، أي شقيقه اليساندرو، دون أن ينجب أطفالا. دور ايليونورا باعتبارها أمّاً يشير إليه الرّمان، رمز الخصوبة، المطرّز على ملابسها. ووجود الطفل في اللوحة يُقصد منه الإشارة إلى أن حكم كوسيمو سيحقّق الاستقرار في الدوقيّة لأن له ولدا سيخلفه.
في البورتريه نرى ايليونورا بجمالها الأرستقراطي الذي يمازجه قدر من الشعور بالحزن. وضعيّتها قد يكون الرسّام استوحاها من لوحة الموناليزا. لكن الملمح الذي يلفت الانتباه أكثر من غيره في اللوحة هو فستان المرأة ذو الزخارف والأنماط والتفاصيل الجميلة. اللباس أحيانا قد يكون شكلا من أشكال توظيف المنتج. وهو هنا إعلان عن إحياء الدوق، أي زوج ايليونورا، لصناعة الحرير في فلورنسا. وهذا الرسم المفصّل والبالغ الدقّة للنقوش والمنسوجات بمثل هذه البراعة قد لا نجد له مثيلا سوى في رسومات آنغر وماتيس.
الروايات من تلك الفترة تكذّب المظهر الرسميّ الصارم لـ ايليونورا والذي تظهر عليه في العديد من البورتريهات. يقال مثلا أنها كانت محبّة للقمار وتتنقّل من قصر إلى قصر كما كانت توظّف عشرة نسّاجين للعمل على ملابسها. وقد تكون احتاجت للملابس الجميلة كي تخفي مظهرها المريض. إذ عند استخراج رفاتها وأطفالها في بدايات القرن الماضي، كشفت فحوص الطبّ الشرعي عن أن نقصا شديدا في نسبة الكالسيوم في جسمها ربّما سبّب لها عددا كبيرا من الأمراض بالإضافة إلى آلام الأسنان المزمنة.
ويبدو أنها كانت تحبّ هذا الفستان أكثر من غيره بدليل ظهورها فيه في بورتريهات رسمية متعدّدة. وعندما نُبش قبرها، خلص البعض إلى أنها كانت ترتدي نفس هذا الفستان في جنازتها. وهو الآن محفوظ بعهدة غاليريا ديل كوستيوم أو متحف الأزياء في فلورنسا.
برونزينو كان رسّاما وشاعرا مرموقا. ومعظم من رسمهم من فلورنسا كانوا ينتمون إلى النخب الثقافية والاجتماعية. وهو كان يرسمهم محاطين بكتاب أو تمثال صغير أو أثاث بزخارف محفورة.
في فلورنسا، كانت الفنون قد بدأت تلعب دورا حيويّا في تأكيد هويّة هذه المدينة. وكان كوسيمو دي ميديتشي يدرك المزايا السياسية والاقتصادية لتسليط الضوء على رعاية أسرته للفنون والآداب.
ولد انوليو برونزينو لعائلة فقيرة في فلورنسا عام 1503. وبرونزينو هو اسم مستعار وليس حقيقيّا. وهذا كان تقليدا شائعا في دوائر الثقافة والفنّ في ذلك العصر. وقد يكون اللقب بسبب شعره الذهبيّ، لكنه أيضا يستدعي الإحساس النحتيّ لشخوص لوحاته.
تتلمذ برونزينو على يد الرسّام الفلورنسي جاكوبو دي بونتورمو وعملا معا على جداريات عديدة. وفي عام 1539، أصبح الرسّام المهيمن في بلاط عائلة ميديتشي واستمرّ كذلك إلى حين وفاته عام 1572. وإحدى العلامات الفارقة في فنّه هي طريقته في رسم ملامح الوجه الهادئة التي تعكس الاعتداد بالنفس، وهي السمة التي كانت سائدة بين أفراد الطبقة النبيلة في فلورنسا آنذاك.
وقد رسم برونزينو العديد من البورتريهات لأسرة ميديتشي. ويمكن اعتبار تلك اللوحات بمثابة تعبير عن "حقّهم الإلهي" في أن يكونوا سلالة حاكمة. وكان برونزينو نفسه مؤمنا بذلك. وقد ألّف أشعارا تمجّد أرباب نعمته وتصفهم بالملوك والقدّيسين.
وجود ايليونورا في حياة أسرة ميديتشي قلّل إمكانية أيّ تهديد محتمل من بلدها اسبانيا ووفّر قدرا من الاستقرار السياسي لحكم أسرة زوجها. وقد ساعدت كوسيمو في إدارة شئون الدولة وكانت تكمّله وتؤازره بكلّ ما أوتيت من قوّة. وبعض الباحثين الموثوقين يصوّرونها كامرأة عطوفة وقويّة الشخصية وذكيّة، خاصّة في إشرافها على تربية أطفالها.
وبسبب اجتهادها وحمايتها لأبنائها، وُصفت ايليونورا من قبل بعض المؤرّخين كنموذج للاسترشاد والسلوك المرغوب فيه. بالداسار كاستيليوني أشار إليها في كتابه المشهور رجل البلاط وصوّرها كامرأة مثالية من عصر النهضة. فقد "كانت تعمل نائبة للحاكم في غيابه، وكانت محطّ إعجاب الجميع كامرأة ذات ذوق رفيع ومؤمنة بالمثل العليا".
توفّيت ايليونورا دي توليدو عام 1562. ومنذ وفاتها، كان هناك اتجاه لدى المؤرّخين لإغفال أهمّيتها في تاريخ فلورنسا. ولا يتمّ تذكّرها اليوم إلا باعتبارها قرينة ميديتشي المحبّة لحياة الراحة والترف. ولعدّة قرون بعد وفاتها، راجت أسطورة تقول إن ابنها جيوفاني الظاهر معها في اللوحة تعرّض للقتل عند بلوغه التاسعة عشرة على يد شقيقه غارسيا ذي الستّة عشر عاما إثر خلاف نشب بينهما عام 1562. ويقال إن والدهما كوسيمو عاقب غارسيا على فعلته وذلك بقتله بسيفه وإن ايليونورا توفّيت بعد الحادث بفترة قصيرة حزنا على ولديها. لكن الطبّ الشرعي اثبت من خلال استخراج الجثث وفحصها أن جيوفاني مات وهو وأمّه بعد إصابتهما بالملاريا عام 1562.