السيّـدة الملتحفـة بالفِـراء
للفنان الاسبـاني إل غــريـكــو، 1577
للفنان الاسبـاني إل غــريـكــو، 1577
معظم أعمال إل غريكو عبارة عن أجساد مشوّهة لأشخاص مكروبين ومعذّبين. وقدّيسوه ومادوناته وشهداؤه غالبا ما يظهرون بهيئات مستطيلة كما لو أنهم عُذّبوا على صفائح أو ألواح مسطّحة. لكن هذه اللوحة تبدو غريبة ومختلفة كثيرا عن أسلوب الرسّام. ومن الصعب التوفيق بين الرأس المرسوم بأسلوب جميل والرؤوس المشوّهة التي ألفنا رؤيتها في لوحاته الأخرى.
هنا امرأة حقيقية من لحم ودم، وبوجنتين متورّدتين وشفتين حمراوين. كما أن صورتها تنبض بالألوان الحمراء والزهرية الناعمة وتشتعل حيوية. ولهذا السبب، كان هناك جدل قديم حول ما إذا كانت اللوحة لـ إل غريكو فعلا. وإن صحّ أنها له، فربّما تكون هذه هي المرأة الحقيقية الوحيدة التي رسمها.
ولأن اسم المرأة غير معروف، فقد حاول الكثيرون التنقيب خلف معطفها الباذخ وملامحها الغامضة ليعرفوا السرّ الذي تخبّؤه. ملابسها الأنيقة قادت إلى محاولات عديدة لتحديد هويّتها. البعض قال إنها كاتالينا الإبنة الثانية لـ فيليب الثاني ملك اسبانيا. والبعض الآخر ذهب إلى أنها ابنة الرسّام نفسه، رغم انه لا يوجد دليل على انه كانت له ابنة، كما انه لم يتزوّج أبدا.
لكنّ هناك رواية أخرى تكتسب بعض المصداقية وتشير إلى أن المرأة في اللوحة هي هيرونيما دي لاس كويفا صاحبة الرسّام. الطريقة المتأنّقة التي رُسمت بها يد المرأة يسوقها البعض كدليل على الأسلوب المتميّز الذي عُرف به إل غريكو.
عاشت هيرونيما فترة طويلة معه، لكنّهما لم يتزوّجا أبدا. وهو يذكرها في العديد من رسائله. ويقال انه مرّ بتجربة زواج غير سعيد في شبابه، لذا لم يقدم على الزواج مرّة أخرى. وقد أنجب من هيرونيما ابنا وحيدا، وكان فخورا به كثيرا، لدرجة انه ضمّنه في لوحته الأشهر دفن كونت أورغاس ، التي كانت مثيرة زمن الرسّام وما تزال إلى اليوم احد عناصر الجذب السياحيّ في طليطلة، المدينة التي عاش وعمل فيها إل غريكو.
وإذا صحّت النظرية القائلة بأن اللوحة لعشيقته، فإن اختياره للألوان المتناغمة ورسمه لوجهها بهذه النعومة والفتنة ربّما يكشف عن مدى قربه منها وتعلقّه بها.
في زاوية اللوحة اليمنى إلى أعلى، هناك ما يشبه الممرّ أو الجدار الحجري، ما يشي بأن المرأة قد تكون رُسمت في زقاق أو في سوق ليلي مزدحم. نظراتها لا تخلو من ذكاء وفراسة، كأنها على وشك أن تواجه خطرا ما، لكنها تدرك أنها ستنتصر عليه بسبب عزيمتها وثقتها.
أهمّية هذه اللوحة تنبع من نوعيّتها النادرة بالنسبة لـ إل غريكو. وقد انتقلت من اسبانيا لتذهب إلى مجموعة الملك لوي فيليب في فرنسا قبل أن تستقرّ في اللوفر. ثمّ اشتراها عام 1853 ثريّ انجليزي كان خبيرا في الفنّ والتاريخ الاسباني اسمه وليام ماكسويل. وأخيرا أهدتها ابنته عام 1966 إلى مكتبة بولوك هاوس في مدينة غلاسغو حيث لا تزال موجودة إلى اليوم.
ولد إل غريكو (واسمه الأصلي دومينيكوس ثيوتوكوبولوس) في جزيرة كريت باليونان عام 1541. كانت كريت في ذلك الوقت جزءا من جمهورية فينيسيا الايطالية. وقد عمل في بداياته كرسّام للايقونات ثم انتقل إلى فينيسيا حيث درس على يد تيشيان. ومن فينيسيا ذهب إلى مدريد فـ طليطة التي ظلّ يعمل بها حتى وفاته.
أسلوب إل غريكو الدراماتيكي والتعبيريّ أثار حيرة معاصريه. بعضهم رأوا فيه موهبة خاصّة ونادرة. كان الارستقراطيون الإسبان يلاحقونه كي يرسمهم. وكان المجتمع ينظر إليه ليس باعتباره رسّاما فحسب، وإنما كشخص مثقّف وفيلسوف. وشخصيّته وفنّه كانا مصدر إلهام لرسّامين مثل ديلاكروا وجون سارجنت وبيكاسو وسيزان، ولشعراء وكتّاب مثل راينر ريلكا ونيكوس كازانتزاكيس.
ابتداءً من عام 1585، عاش إل غريكو بصحبة هيرونيما في مجمع سكنيّ مترف يضمّ ورشة فنّية ويملكه احد ماركيزات طليطلة. وقد قضى سنواته الأخيرة هناك في راحة واستمرّ يمارس الرسم. كانت له حاشية وتلاميذ ومساعدون وموسيقيون كانوا يعيشون معه حياة مرفّهة في القصر.
غير أن حظوظ الفنّان تغيّرت فجأة. إذ فقَد ثروته بعد أن دخل في قضايا ومنازعات في المحاكم مع رعاته لها علاقة بالمال. وفي ابريل من عام 1615، أصيب إل غريكو بمرض خطير لم يلبث أن توفّي على إثره ودُفن في إحدى كنائس طليطلة. لكن الكنيسة أمرت باستخراج الجثمان ودفنه في احد الأديرة. وفي ما بعد تمّ تدمير الدير واختفى معه كلّ اثر للقبر.
بعد وفاته، لم يعد الناس يتذكّرون إل غريكو سوى بالكاد واختفى اسمه من التداول طوال مائتي عام. لكنه بُعث من جديد في أواخر القرن الثامن عشر على يد مجموعة من النقّاد وجامعي الفنّ ليصبح واحدا من أشهر الرسّامين في تاريخ الفنّ.
هنا امرأة حقيقية من لحم ودم، وبوجنتين متورّدتين وشفتين حمراوين. كما أن صورتها تنبض بالألوان الحمراء والزهرية الناعمة وتشتعل حيوية. ولهذا السبب، كان هناك جدل قديم حول ما إذا كانت اللوحة لـ إل غريكو فعلا. وإن صحّ أنها له، فربّما تكون هذه هي المرأة الحقيقية الوحيدة التي رسمها.
ولأن اسم المرأة غير معروف، فقد حاول الكثيرون التنقيب خلف معطفها الباذخ وملامحها الغامضة ليعرفوا السرّ الذي تخبّؤه. ملابسها الأنيقة قادت إلى محاولات عديدة لتحديد هويّتها. البعض قال إنها كاتالينا الإبنة الثانية لـ فيليب الثاني ملك اسبانيا. والبعض الآخر ذهب إلى أنها ابنة الرسّام نفسه، رغم انه لا يوجد دليل على انه كانت له ابنة، كما انه لم يتزوّج أبدا.
لكنّ هناك رواية أخرى تكتسب بعض المصداقية وتشير إلى أن المرأة في اللوحة هي هيرونيما دي لاس كويفا صاحبة الرسّام. الطريقة المتأنّقة التي رُسمت بها يد المرأة يسوقها البعض كدليل على الأسلوب المتميّز الذي عُرف به إل غريكو.
عاشت هيرونيما فترة طويلة معه، لكنّهما لم يتزوّجا أبدا. وهو يذكرها في العديد من رسائله. ويقال انه مرّ بتجربة زواج غير سعيد في شبابه، لذا لم يقدم على الزواج مرّة أخرى. وقد أنجب من هيرونيما ابنا وحيدا، وكان فخورا به كثيرا، لدرجة انه ضمّنه في لوحته الأشهر دفن كونت أورغاس ، التي كانت مثيرة زمن الرسّام وما تزال إلى اليوم احد عناصر الجذب السياحيّ في طليطلة، المدينة التي عاش وعمل فيها إل غريكو.
وإذا صحّت النظرية القائلة بأن اللوحة لعشيقته، فإن اختياره للألوان المتناغمة ورسمه لوجهها بهذه النعومة والفتنة ربّما يكشف عن مدى قربه منها وتعلقّه بها.
في زاوية اللوحة اليمنى إلى أعلى، هناك ما يشبه الممرّ أو الجدار الحجري، ما يشي بأن المرأة قد تكون رُسمت في زقاق أو في سوق ليلي مزدحم. نظراتها لا تخلو من ذكاء وفراسة، كأنها على وشك أن تواجه خطرا ما، لكنها تدرك أنها ستنتصر عليه بسبب عزيمتها وثقتها.
أهمّية هذه اللوحة تنبع من نوعيّتها النادرة بالنسبة لـ إل غريكو. وقد انتقلت من اسبانيا لتذهب إلى مجموعة الملك لوي فيليب في فرنسا قبل أن تستقرّ في اللوفر. ثمّ اشتراها عام 1853 ثريّ انجليزي كان خبيرا في الفنّ والتاريخ الاسباني اسمه وليام ماكسويل. وأخيرا أهدتها ابنته عام 1966 إلى مكتبة بولوك هاوس في مدينة غلاسغو حيث لا تزال موجودة إلى اليوم.
ولد إل غريكو (واسمه الأصلي دومينيكوس ثيوتوكوبولوس) في جزيرة كريت باليونان عام 1541. كانت كريت في ذلك الوقت جزءا من جمهورية فينيسيا الايطالية. وقد عمل في بداياته كرسّام للايقونات ثم انتقل إلى فينيسيا حيث درس على يد تيشيان. ومن فينيسيا ذهب إلى مدريد فـ طليطة التي ظلّ يعمل بها حتى وفاته.
أسلوب إل غريكو الدراماتيكي والتعبيريّ أثار حيرة معاصريه. بعضهم رأوا فيه موهبة خاصّة ونادرة. كان الارستقراطيون الإسبان يلاحقونه كي يرسمهم. وكان المجتمع ينظر إليه ليس باعتباره رسّاما فحسب، وإنما كشخص مثقّف وفيلسوف. وشخصيّته وفنّه كانا مصدر إلهام لرسّامين مثل ديلاكروا وجون سارجنت وبيكاسو وسيزان، ولشعراء وكتّاب مثل راينر ريلكا ونيكوس كازانتزاكيس.
ابتداءً من عام 1585، عاش إل غريكو بصحبة هيرونيما في مجمع سكنيّ مترف يضمّ ورشة فنّية ويملكه احد ماركيزات طليطلة. وقد قضى سنواته الأخيرة هناك في راحة واستمرّ يمارس الرسم. كانت له حاشية وتلاميذ ومساعدون وموسيقيون كانوا يعيشون معه حياة مرفّهة في القصر.
غير أن حظوظ الفنّان تغيّرت فجأة. إذ فقَد ثروته بعد أن دخل في قضايا ومنازعات في المحاكم مع رعاته لها علاقة بالمال. وفي ابريل من عام 1615، أصيب إل غريكو بمرض خطير لم يلبث أن توفّي على إثره ودُفن في إحدى كنائس طليطلة. لكن الكنيسة أمرت باستخراج الجثمان ودفنه في احد الأديرة. وفي ما بعد تمّ تدمير الدير واختفى معه كلّ اثر للقبر.
بعد وفاته، لم يعد الناس يتذكّرون إل غريكو سوى بالكاد واختفى اسمه من التداول طوال مائتي عام. لكنه بُعث من جديد في أواخر القرن الثامن عشر على يد مجموعة من النقّاد وجامعي الفنّ ليصبح واحدا من أشهر الرسّامين في تاريخ الفنّ.
موضوع ذو صلة: دفن كونت اورغاس