المـلاك الجريـح
للفنان الفنلندي هوغـو سيبمبـيرغ، 1903
ترى هل يمكن أن يُجرح ملاك؟ والى أين يمكن أخذه بعد ذلك؟
هل يصوّر الرسّام هنا حلما أم يعبّر عن حالة شعورية من خلال الرمز؟
في أشهر لوحاته، يرسم هوغو سيبمبيرغ ملاكا بهيئة فتاة صغيرة تحملها عربة يقودها صبيّان يرتديان ملابس داكنة اللون.
عينا الفتاة معصوبتان برباط ابيض وعلى احد جناحيها تبدو آثار دم. نظرات الصبيّ إلى اليمين حادّة وربّما مستفزّة. قد لا تشي هذه النظرات بتعاطف ما وقد توحي بعدم اكتراثه أو لا مبالاته بما حدث.
ملابس الصبيّين تبدوان اكبر من عمرهما. وهيئتهما وهما يمشيان ربّما تدلّل على أنهما غير جادّين في مهمّتهما لإنقاذ الفتاة.
جوّ اللوحة بشكل عام حزين ومقبض. وما يعمّق هذا الإحساس شكل الطبيعة التي لا توفّر سوى قدر يسير من الراحة والعزاء.
ومن الواضح أن الرسّام أبقى على قدمي الملاك بعيدين قليلا عن الأرض، انسجاما مع الطبيعة السماوية للملائكة كما تعكسها القصص والأساطير القديمة. كما أن قدميها تبدوان حافيتين. وفي هذا إشارة ضمنية إلى أن الجروح التي لحقت بها قد لا يكون هناك أمل في شفائها. وممّا يعزّز هذا الافتراض حقيقة اقتران القدمين الحافيتين بالموت، طبقا لبعض الثقافات القديمة.
غير أن ما يلفت الاهتمام أيضا أن الفتاة تمسك بيدها اليمنى غصنا اخضر، قد يكون رمزا لإمكانية الشفاء والولادة من جديد.
يُنظر إلى هوغو سيبمبيرغ باعتباره رسّاما رمزيا. وقد تتلمذ على يد مواطنه الفنّان اكسيلي كاليلا. ومعظم لوحاته تتميّز بجمالها الحزين والمؤرّق. وموضوعه المفضّل كان الموت والظواهر الغيبية. في إحدى لوحاته بعنوان الموت ينصت، يرسم سيبمبيرغ الموت على هيئة هيكل عظمي يرتدي سترة سوداء بينما يستمع إلى عزف على الكمان يؤدّيه موسيقيّ شابّ. وفي خلفية اللوحة تظهر امرأة عجوز بملامح شاحبة وهي تحتضر. الانطباع الذي تعكسه هذه الصورة هو أن الموت جاء إلى هنا لإتمام مهمّة. غير انه مع ذلك يملك من الوقت ما يجعله ينتظر إلى حين يكمل الشابّ، ابن المرأة، عزف موسيقاه.
سيبمبيرغ كان يرفض دائما إعطاء تفسير للوحة الملاك الجريح، تاركا للناظر أن يكوّن استنتاجه الخاصّ بنفسه. لكن من المعروف أنه عانى في احد الأوقات من التهاب السحايا. وقد أصبحت اللوحة بعد أن رسمها مصدر قوّة وأمل له أثناء فترة شفائه.
هذه الجزئية من حياة الرسّام يمكن أن توفّر قراءة مجازية للوحة. إذ أن مرض السحايا يسبّب عادة تيبّس العنق والإحساس بالنوم والحساسية. وبناءً عليه، هناك احتمال أن تكون صورة الملاك انعكاسا لحالة الرسّام نفسه بعد تجربته مع المرض. كما يجوز النظر إلى اللوحة باعتبارها رمزا لانتصار الفنّان على ظروف المعاناة والألم.
كان سيبمبيرغ يحبّ هذه اللوحة كثيرا، كما كان يتمنّى أن يلامس موضوعها المشاعر الداخلية للناس.
وقد بلغ من افتنانه بها انه رسم نسخة كبيرة منها على جدار إحدى الكاثدرائيات في هلسنكي.
ومنذ أربع سنوات اختيرت اللوحة كأيقونة وطنية لـ فنلندا. كما أصبحت موضوعا لأغنية مشهورة لإحدى الفرق الغنائية الفنلندية.