المـمـرّ
للفنانة الأمريكية كاثـريـن سيـج، 1956
كانت كاثرين سيج شاعرة ورسّامة أمريكية. وقد ولدت لعائلة ثريّة من نيويورك. وبعد انفصال أبويها وهي بعد صغيرة، هاجرت هي ووالدتها إلى أوربا حيث استقرّا أوّلا في ايطاليا.
في روما، درست الرسم ثم لم تلبث أن وقعت في حبّ كونت ايطالي فتزوّجته. ويبدو أن حياة الثراء والدعة لم ترق لها كثيرا فقرّرت الانفصال عنه والتفرّغ لتحقيق طموحاتها الفنية. فذهبت بمعيّة أمّها إلى باريس، وهناك تعرّفت على مجتمع الرسّامين السورياليين وأصبحت عضوا في حركتهم.
وقد اُعجب بموهبتها الرسّام السوريالي الفرنسي إيف تانغي ثم تحوّل ذلك الإعجاب بسرعة إلى انجذاب عاطفي.
كانت السوريالية في الأساس فكرة ظهرت وتبلورت من خلال فنّانين من الرجال. لكن الحركة استقطبت العديد من الفنّانات النساء. لكنّهن إجمالا لم يحظين بشيء من الشهرة التي حقّقها زملاؤهن من الرسّامين الرجال. وكنّ في الغالب يقنعن بوظيفة الملهمة أو العشيقة أو الزوجة.
بعد نشوب الحرب العالمية الثانية قرّرت سيج وأمّها العودة إلى الولايات المتّحدة. وبعد فترة قصيرة لحق بها تانغي إلى هناك حيث تزوّجا وأسّسا لهما بيتا ومحترفا.
كان إيف تانغي أشهر كثيرا من سيج. غير أن بعض النقّاد يقولون إنها كانت موهوبة أكثر منه، لكن مشكلتها أنها تزوّجته وعاشت في ظلّه.
وقد امتدح فنّها اندريه بريتون زعيم السورياليين ومنظّرهم. ويقال انه عندما رأى بعض لوحاتها لم يصدّق أن من رسمها امرأة، بالنظر إلى قدرتها التعبيرية الكبيرة.
وبشكل عام كانت سيج متأثرة بأسلوب زوجها الذي كان معجبا كثيرا بأسلوب جورجيو دي تشيريكو.
بعد وفاة تانغي متأثرا بنزيف في الدماغ عن 54 عاما، حزنت عليه سيج حزنا شديدا وأثّر ذلك بعمق على حياتها وفنّها.
ويمكن اعتبار هذه اللوحة بورتريها رسمته الفنانة لنفسها وعبّرت من خلاله عن حزنها على وفاة زوجها. وفيه تظهر من الخلف وهي عارية جزئيا بينما تحدّق في طبيعة جافّة وقاحلة. المنظر يوفّر نوعا من التأمّل الصامت في حالة العزلة.
التفاصيل البنيوية والمعمارية في اللوحة هي انعكاس لما كانت قد تعلّمته الفنانة في روما. فالطبيعة تتحوّل إلى ما يشبه الصناديق والكتل المكسورة. الألوان باردة ومتناغمة والضوء حادّ والحوافّ قاطعة ونظيفة.
لوحات سيج الأخرى لا تختلف كثيرا عن هذه اللوحة. فعوالمها البديلة مفصّلة جدّا ويمكن تمييزها والتعرّف عليها بسهولة.
ومواضيع الرسّامة وجودية غالبا، إذ تعمد إلى وضع الشخوص فيها داخل هياكل وأقفاص ضيقة وخانقة.
بعد وفاة زوجها، أصبحت سيج تفضّل الانسحاب شيئا فشيئا من العالم الخارجي وتميل إلى حياة الهدوء والعزلة.
وفي سنواتها الأخيرة، صارت تركّز على كتابة الشعر. وقد تركت أربعة دواوين شعرية. وقصائدها لا تختلف كثيرا عن لوحاتها من حيث أنها تتضمّن هي أيضا نفس الرؤى اليائسة والأفكار المظلمة والمتشائمة.
وقد عانت في تلك الأثناء من مشاكل في الإبصار. وبرغم خضوعها للعديد من العمليات الجراحية إلا أن بصرها كان يتدهور باستمرار.
ومع ازدياد معاناتها مع الاكتئاب وضعف الإبصار، أقدمت كاثرين سيج على الانتحار في احد أيّام شهر يناير من عام 1963 وذلك بإطلاق النار على نفسها.
وكانت قبيل وفاتها قد تبرّعت بلوحاتها والعديد من لوحات زوجها إلى عدد من المتاحف الأمريكية.