سيّـدة تكتـب رسـالة
للفنان الهولندي يوهـان فيـرميـر،1665
للفنان الهولندي يوهـان فيـرميـر،1665
عاش يوهان فيرمير قبل أكثر من ثلاثمائة عام. وحتى اليوم لا يُعرف عنه أو عن حياته سوى الشيء القليل. خبراء الفنّ المعاصرون فحصوا السجلات المدنية القديمة في بلدة ديلفت حيث عاش، بحثا عن معلومات عنه أو عن عائلته، لكنهم لم يجددوا الكثير. كما انه لم يترك صورة تقول لنا شيئا عن ملامحه.
لكن من المعروف انه عمل في تجارة الفنّ لبعض الوقت في شبابه مع والده البروتستانتيّ. لكنه وقع في هوى امرأة كاثوليكية تُدعى كاترينا بولنز ثم لم يلبث أن تزوّجها، الأمر الذي دفع عائلته لأن تطرده من البيت وتتبرّأ منه. فاضطرّ لأن ينتقل إلى منزل والدة زوجته في الحيّ الكاثوليكيّ من البلدة، حيث عاش هناك بقيّة حياته.
كان يوهان وكاترينا قريبين من بعضهما كثيرا. ومعظم العائلات الهولندية في ذلك الوقت كانت تكتفي بطفلين أو ثلاثة، لكنه وزوجته أنجبا احد عشر طفلا ملئا بهم البيت وعاشوا حياة فقر وعوز. وقد اضطرّ أحيانا لأن يقايض دائنيه بلوحاته.
في ذلك الوقت، غزا الفرنسيون والألمان هولندا، وكان طبيعيّا أن يعاني الناس من تردّي الاقتصاد والأحوال المعيشة نتيجة الحرب. وعندما توفّي فيرمير عام 1675 في سنّ الثالثة والأربعين كان مفلسا تماما.
ومن الصعب تصوّر فكرة أنه كان شخصا بوهيميّا أو متعطّشا للجنس، بحسب ما تصوّره السينما وبعض الروايات هذه الأيّام. فالذين درسوا حياته يقولون انه كان زوجا محبّا وأبا حنونا. ولم يكن يشغله سوى العلوم والبصريات والرسم.
وحتى ما كان بحوزته أحيانا من مال قليل لم يكن يكفي لاستئجار محترف أو الاستعانة بموديل معروفة. لذا كان من الطبيعيّ أن تكون زوجته وبناته هنّ جليساته في لوحاته. وجوههنّ النضرة وملامحهنّ الهادئة متشابهة. ومن السهل أن ترى كاترينا، الحامل أحيانا، في بعض صوره.
في هذه اللوحة، يرسم فيرمير زوجته وهي جالسة إلى طاولة في غرفة معتمة، بينما تكتب رسالة. وهي ترتدي معطفا اصفر زاهيا يزيّنه فراء ابيض مع قرطين من اللؤلؤ وشرائط شعر بيضاء.
الضوء في اللوحة يسقط من الزاوية اليسرى، ما يجعل المرأة نقطة الارتكاز فيها. وهي تمسك في يدها اليمنى بقلم، بينما تُريح ذراعها الآخر على الطاولة. لكن اهتمامها يتحوّل بعيدا عن الرسالة كما لو أن شخصا ما قاطعها فجأة. وهي تنظر باتجاهه وعلى فمها اثر تساؤل وابتسامة خفيفة.
الطاولة مؤطّرة بقماش ازرق خفيف، وعليها يستقرّ عقد من اللؤلؤ وشريط من الحرير الأصفر. وفي الخلفية، على الجدار، لوحة بالكاد يمكن رؤية تفاصيلها.
التصميم في اللوحة محكم ويكشف عن إحساس هندسيّ دقيق، وهذه هي إحدى سمات فن فيرمير. وإذا صحّت فرضية أن المرأة الظاهرة في الصورة هي زوجته، وهذا أمر مرجّح اليوم، فإنه يصبح من السهل توقّع أنها كانت عند رسمها في منتصف الثلاثين من عمرها، بالنظر إلى أنها مولودة في عام 1631.
الألوان في اللوحة هي مزيج صامت ومتناغم من الأصفر والأزرق والبنّي. والإضاءة الساحرة والنقاء الفوتوغرافيّ والوضعية الأنيقة للمرأة والقلم المعلّق فوق الورق للحظات، كلّها تؤشر إلى النوعية الممتازة للتفاصيل والأشياء والتي أصبحت علامة تميّز فيرمير.
من الأشياء الأخرى اللافتة أيضا في اللوحة التحوّل السلس للألوان والذي ينتج حوافّ ناعمة. وليس هناك أشكال ولا خطوط محدّدة أو واضحة، هناك فقط إيحاء بالأشكال. وتنفيذ مثل هذه المهارات يتطلّب عادةً وقتا وجهدا كبيرين، حتى لو كان الرسّام بارعا فيها من الأساس.
الرسائل هي عادةً عن الحبّ والعلاقات الحميمة. واللوحة تُظهر أن الكتابة فعل مريح وممتع وله نفس أهميّة الأشياء الماديّة الثمينة التي تعامَل أحيانا كالكنوز وتُحفظ بعيدا عن متناول الآخرين. وجوّ اللوحة يعطي الانطباع بأن هذه المرأة التي عاشت قبل أكثر من ثلاثة قرون يمكن أيضا أن تنتمي إلى عالمنا.
من الأشياء اللافتة أيضا في اللوحة أن المعطف الذي ترتديه المرأة هو نفسه الذي يظهر في بعض لوحات الرسّام الأخرى مثل امرأة تعزف الغيتار . وحتى نفس عقد اللؤلؤ والخزانة الخشبية الصغيرة في الخلفية يظهران في لوحات أخرى له، ما يرجّح فرضية أن فيرمير كان يرسم من مجموعة ثابتة من الأقمشة والإكسسوارات التي كان يحتفظ بها دائما ضمن مقتنياته الخاصّة.
تجدر الإشارة إلى أن هناك ستّ لوحات أخرى لفيرمير تناول فيها نفس الموضوع وتصوّر نساءً إمّا يقرأن أو يكتبن. ويقال أن أوّل من روّج لفكرة المرأة التي تكتب هو مواطنه الرسّام جيرارد تير بورش.
المعروف أن فيرمير لم يترك توقيعا على أيّ من لوحاته، لكنه ترك تواريخ على ثلاث منها فقط. ويبدو أن تأثيره على الكثير من الرسّامين الذين أتوا بعده، بالإضافة إلى كثرة اللوحات المزوّرة المنسوبة له، شكّلا تحديّا كبيرا لخبراء الفنّ الذين حاولوا أن يثبتوا أصالة بعض أعماله وصحّة نسبتها إليه.
لكن من المعروف انه عمل في تجارة الفنّ لبعض الوقت في شبابه مع والده البروتستانتيّ. لكنه وقع في هوى امرأة كاثوليكية تُدعى كاترينا بولنز ثم لم يلبث أن تزوّجها، الأمر الذي دفع عائلته لأن تطرده من البيت وتتبرّأ منه. فاضطرّ لأن ينتقل إلى منزل والدة زوجته في الحيّ الكاثوليكيّ من البلدة، حيث عاش هناك بقيّة حياته.
كان يوهان وكاترينا قريبين من بعضهما كثيرا. ومعظم العائلات الهولندية في ذلك الوقت كانت تكتفي بطفلين أو ثلاثة، لكنه وزوجته أنجبا احد عشر طفلا ملئا بهم البيت وعاشوا حياة فقر وعوز. وقد اضطرّ أحيانا لأن يقايض دائنيه بلوحاته.
في ذلك الوقت، غزا الفرنسيون والألمان هولندا، وكان طبيعيّا أن يعاني الناس من تردّي الاقتصاد والأحوال المعيشة نتيجة الحرب. وعندما توفّي فيرمير عام 1675 في سنّ الثالثة والأربعين كان مفلسا تماما.
ومن الصعب تصوّر فكرة أنه كان شخصا بوهيميّا أو متعطّشا للجنس، بحسب ما تصوّره السينما وبعض الروايات هذه الأيّام. فالذين درسوا حياته يقولون انه كان زوجا محبّا وأبا حنونا. ولم يكن يشغله سوى العلوم والبصريات والرسم.
وحتى ما كان بحوزته أحيانا من مال قليل لم يكن يكفي لاستئجار محترف أو الاستعانة بموديل معروفة. لذا كان من الطبيعيّ أن تكون زوجته وبناته هنّ جليساته في لوحاته. وجوههنّ النضرة وملامحهنّ الهادئة متشابهة. ومن السهل أن ترى كاترينا، الحامل أحيانا، في بعض صوره.
في هذه اللوحة، يرسم فيرمير زوجته وهي جالسة إلى طاولة في غرفة معتمة، بينما تكتب رسالة. وهي ترتدي معطفا اصفر زاهيا يزيّنه فراء ابيض مع قرطين من اللؤلؤ وشرائط شعر بيضاء.
الضوء في اللوحة يسقط من الزاوية اليسرى، ما يجعل المرأة نقطة الارتكاز فيها. وهي تمسك في يدها اليمنى بقلم، بينما تُريح ذراعها الآخر على الطاولة. لكن اهتمامها يتحوّل بعيدا عن الرسالة كما لو أن شخصا ما قاطعها فجأة. وهي تنظر باتجاهه وعلى فمها اثر تساؤل وابتسامة خفيفة.
الطاولة مؤطّرة بقماش ازرق خفيف، وعليها يستقرّ عقد من اللؤلؤ وشريط من الحرير الأصفر. وفي الخلفية، على الجدار، لوحة بالكاد يمكن رؤية تفاصيلها.
التصميم في اللوحة محكم ويكشف عن إحساس هندسيّ دقيق، وهذه هي إحدى سمات فن فيرمير. وإذا صحّت فرضية أن المرأة الظاهرة في الصورة هي زوجته، وهذا أمر مرجّح اليوم، فإنه يصبح من السهل توقّع أنها كانت عند رسمها في منتصف الثلاثين من عمرها، بالنظر إلى أنها مولودة في عام 1631.
الألوان في اللوحة هي مزيج صامت ومتناغم من الأصفر والأزرق والبنّي. والإضاءة الساحرة والنقاء الفوتوغرافيّ والوضعية الأنيقة للمرأة والقلم المعلّق فوق الورق للحظات، كلّها تؤشر إلى النوعية الممتازة للتفاصيل والأشياء والتي أصبحت علامة تميّز فيرمير.
من الأشياء الأخرى اللافتة أيضا في اللوحة التحوّل السلس للألوان والذي ينتج حوافّ ناعمة. وليس هناك أشكال ولا خطوط محدّدة أو واضحة، هناك فقط إيحاء بالأشكال. وتنفيذ مثل هذه المهارات يتطلّب عادةً وقتا وجهدا كبيرين، حتى لو كان الرسّام بارعا فيها من الأساس.
الرسائل هي عادةً عن الحبّ والعلاقات الحميمة. واللوحة تُظهر أن الكتابة فعل مريح وممتع وله نفس أهميّة الأشياء الماديّة الثمينة التي تعامَل أحيانا كالكنوز وتُحفظ بعيدا عن متناول الآخرين. وجوّ اللوحة يعطي الانطباع بأن هذه المرأة التي عاشت قبل أكثر من ثلاثة قرون يمكن أيضا أن تنتمي إلى عالمنا.
من الأشياء اللافتة أيضا في اللوحة أن المعطف الذي ترتديه المرأة هو نفسه الذي يظهر في بعض لوحات الرسّام الأخرى مثل امرأة تعزف الغيتار . وحتى نفس عقد اللؤلؤ والخزانة الخشبية الصغيرة في الخلفية يظهران في لوحات أخرى له، ما يرجّح فرضية أن فيرمير كان يرسم من مجموعة ثابتة من الأقمشة والإكسسوارات التي كان يحتفظ بها دائما ضمن مقتنياته الخاصّة.
تجدر الإشارة إلى أن هناك ستّ لوحات أخرى لفيرمير تناول فيها نفس الموضوع وتصوّر نساءً إمّا يقرأن أو يكتبن. ويقال أن أوّل من روّج لفكرة المرأة التي تكتب هو مواطنه الرسّام جيرارد تير بورش.
المعروف أن فيرمير لم يترك توقيعا على أيّ من لوحاته، لكنه ترك تواريخ على ثلاث منها فقط. ويبدو أن تأثيره على الكثير من الرسّامين الذين أتوا بعده، بالإضافة إلى كثرة اللوحات المزوّرة المنسوبة له، شكّلا تحديّا كبيرا لخبراء الفنّ الذين حاولوا أن يثبتوا أصالة بعض أعماله وصحّة نسبتها إليه.