ديكور منزليّ مع امرأتين وخزانة ملابس
للفنان الهولندي بيتـر دي هـوك، 1663
للفنان الهولندي بيتـر دي هـوك، 1663
عُرف عن الهولنديين منذ القدم افتتانهم برسم الصور واقتناء اللوحات الفنّية وتعليقها في بيوتهم. وكانت مداخيل نسبة كبيرة من سكّان المدن والبلدات الهولندية تسمح لهم بأن ينفقوا الفائض من دخلهم على أثاث البيوت، بما فيه الصور واللوحات الفنّية.
كان حبّهم للصور والفنون نتيجة مباشرة لارتباطهم القويّ بأرضهم وحبّهم الكبير للحياة واهتمامهم بالبيئة. ويقال أن كلّ منزل هولنديّ لم يكن يخلو من لوحة واحدة على الأقلّ، وأن ما يُقدّر بثمانية ملايين عمل فنّي أنتج هناك خلال ما عُرف بالعصر الذهبيّ للرسم الهولنديّ والذي دام حوالي مائة عام.
كان كلّ شيء في المجتمع الهولنديّ له مكانته المميّزة والخاصّة. وكانت منازلهم مثالية إلى حدّ كبير، وكانوا يحبّون أن يروا أنفسهم كمواطنين محترمين يعيشون في بيوت نظيفة ومرتّبة، وليس من الضروريّ أن تكون فخمة أو فارهة.
اهتمام الهولنديين بالبيوت وهَوَسُهم بالنظافة كان من بين العوامل المهمّة التي أدّت إلى رواج وانتشار ما عُرف بلوحات الديكور المنزليّ التي تؤكّد على أهميّة ومركزية الحياة المنزلية في ذلك العصر.
وقد ظهرت هذه النوعية من اللوحات لأوّل مرّة في هولندا في القرن السابع عشر. وبرأي بعض مؤرّخي الفنّ أنها كانت امتداد وتطوّرا لرسم المواضيع الدينيّة.
والمواضيع المفضّلة لرسّامي الديكور كانت متنوّعة، كالموسيقى والقراءة وإعداد الطعام وممارسة الحرف اليدوية وخلافها. وكانت هذه الأنشطة وغيرها تُصوَّر ضمن التفاصيل الداخلية للبيت وبما يسمح للرسّام أن ينقل في عمله فكرة عن الفضائل المنزلية ورفاهية الأسرة.
ومن أشهر من رسموا مناظر الديكور المنزليّ بيتر دي هوك الذي كان معاصرا لفيرمير. وكان الاثنان متخصّصين في رسم هذا النوع من المناظر، كما عملا في نفس المدينة، أي ديلفت.
في هذه اللوحة، يرسم دي هوك جزءا من ديكور منزل تظهر فيه إلى اليسار امرأتان تضعان ملابس غُسلت وكُويت للتوّ داخل خزانة خشبية. وطبيعة لباس كلّ من المرأتين يوفّر دليلا على دور كلّ منهما. فالمرأة إلى اليسار ترتدي معطفا ومريولا اسود، ما يوحي بأنها خادمة. وهي تتناول الملابس من المرأة الأكثر أناقة والتي يُرجّح أنها سيّدتها، أي ربّة البيت.
في زمن الرسّام، كانت مثل هذه المناظر تجسّد الفضائل والقيم المنزلية في بيوت الهولنديين. فالسيّدة التي تساعد خادمتها كانت تُعتبَر ربّة بيت مخلصة وحريصة. ومثل غيره من الرسّامين الهولنديين، كان دي هوك يحرص على إيصال مثل هذه الرسائل الأخلاقية في لوحاته.
أيضا في اللوحة يركّز الرسّام على العناصر المعمارية ويوظّف تفاصيلها، من بلاط وأثاث وشبابيك بالإضافة إلى طريقة وقوف المرأتين، ليشيّد اللوحة ويرتّب فراغاتها.
ورغم أن الصورة تفتقر للتأثيرات اللامعة والمضيئة التي اشتهر بها دي هوك، إلا أن تفاصيلها لا تخلو من سحر المظهر الواقعيّ وجمال ومثالية الرسم والتشطيب.
والديكور في اللوحة يتألّف من عدّة طبقات عبارة عن ممرّات ضيّقة وأبواب وصور ضمن صور تفصل العالم الخاصّ عن الخارجيّ.
لعبة دي هوك المفضّلة كانت تتمثّل في خلق عمق في اللوحة يسمح للممرّات بأن تلتقط جزءا من منزل على الطرف الآخر في الخلفية، من خلال نافذة مفتوحة أو باب مُشرع، مثلما فعل في هذه اللوحة.
لاحظ أيضا المتضادّات في الصورة: عالم الكبار مع عالم الطفولة، والعمل واللعب، والديكور الداخليّ والعالم الخارجيِّ.
لوحات الديكور المنزليّ توفّر فكرة عن طبيعة الحياة اليومية للناس من مختلف الطبقات في هولندا القرن السابع عشر. وبعضها عبارة عن ترجمة للأمثال والأقوال الهولندية التي كانت شائعة آنذاك وتتضمّن رسائل أخلاقية من نوع ما.
وجزء كبير من تلك اللوحات تستعرض الأنشطة اليومية لربّات البيوت، مثل قراءة أو كتابة الرسائل وأداء الموسيقى أو رعاية الأطفال وشغل الخياطة والإشراف على العمالة المنزلية.. إلى آخره.
وكان فيرمير أوّل من بدأ تقليد رسم الديكور المنزليّ. في ذلك الوقت كان اقتصاد هولندا قد بدأ في التعافي بعد انتهاء الحرب مع اسبانيا وسيصل إلى أوج ازدهاره في السنوات القليلة التالية.
في القرن العشرين، تضاءل اهتمام رسّامي الحداثة بتصوير المنازل والديكور، ربّما لأنهم كانوا يرون في الديكور الداخلي انعكاسا لحالة لزوم الناس لمنازلهم معظم الوقت خلال القرن السابع عشر وما بعده.
كان من عادة الناس وقتها أن يقفلوا أبوابهم على أنفسهم ويعيشوا لوحدهم. ولهذا السبب لم يظهر الديكور المنزليّ كثيرا في لوحات القرن الماضي. وعندما يُرسم، فإنه لا يُرسم كملاذ داخليّ، ولكن باعتباره مكانا محكوما بقوى خارجية وكصورة لعلاقة مضطربة مع العالم ومع الذّات.
وبالنسبة للفنّانين الحداثيين، ينبغي أن يكون رسم الديكور المنزليّ بيانا عن حالة الشخص الذهنية ومكانا يشيّد نفسه بنفسه، والفرد فيه موجود في عالم خاصّ به ومن صنعه.
كان حبّهم للصور والفنون نتيجة مباشرة لارتباطهم القويّ بأرضهم وحبّهم الكبير للحياة واهتمامهم بالبيئة. ويقال أن كلّ منزل هولنديّ لم يكن يخلو من لوحة واحدة على الأقلّ، وأن ما يُقدّر بثمانية ملايين عمل فنّي أنتج هناك خلال ما عُرف بالعصر الذهبيّ للرسم الهولنديّ والذي دام حوالي مائة عام.
كان كلّ شيء في المجتمع الهولنديّ له مكانته المميّزة والخاصّة. وكانت منازلهم مثالية إلى حدّ كبير، وكانوا يحبّون أن يروا أنفسهم كمواطنين محترمين يعيشون في بيوت نظيفة ومرتّبة، وليس من الضروريّ أن تكون فخمة أو فارهة.
اهتمام الهولنديين بالبيوت وهَوَسُهم بالنظافة كان من بين العوامل المهمّة التي أدّت إلى رواج وانتشار ما عُرف بلوحات الديكور المنزليّ التي تؤكّد على أهميّة ومركزية الحياة المنزلية في ذلك العصر.
وقد ظهرت هذه النوعية من اللوحات لأوّل مرّة في هولندا في القرن السابع عشر. وبرأي بعض مؤرّخي الفنّ أنها كانت امتداد وتطوّرا لرسم المواضيع الدينيّة.
والمواضيع المفضّلة لرسّامي الديكور كانت متنوّعة، كالموسيقى والقراءة وإعداد الطعام وممارسة الحرف اليدوية وخلافها. وكانت هذه الأنشطة وغيرها تُصوَّر ضمن التفاصيل الداخلية للبيت وبما يسمح للرسّام أن ينقل في عمله فكرة عن الفضائل المنزلية ورفاهية الأسرة.
ومن أشهر من رسموا مناظر الديكور المنزليّ بيتر دي هوك الذي كان معاصرا لفيرمير. وكان الاثنان متخصّصين في رسم هذا النوع من المناظر، كما عملا في نفس المدينة، أي ديلفت.
في هذه اللوحة، يرسم دي هوك جزءا من ديكور منزل تظهر فيه إلى اليسار امرأتان تضعان ملابس غُسلت وكُويت للتوّ داخل خزانة خشبية. وطبيعة لباس كلّ من المرأتين يوفّر دليلا على دور كلّ منهما. فالمرأة إلى اليسار ترتدي معطفا ومريولا اسود، ما يوحي بأنها خادمة. وهي تتناول الملابس من المرأة الأكثر أناقة والتي يُرجّح أنها سيّدتها، أي ربّة البيت.
في زمن الرسّام، كانت مثل هذه المناظر تجسّد الفضائل والقيم المنزلية في بيوت الهولنديين. فالسيّدة التي تساعد خادمتها كانت تُعتبَر ربّة بيت مخلصة وحريصة. ومثل غيره من الرسّامين الهولنديين، كان دي هوك يحرص على إيصال مثل هذه الرسائل الأخلاقية في لوحاته.
أيضا في اللوحة يركّز الرسّام على العناصر المعمارية ويوظّف تفاصيلها، من بلاط وأثاث وشبابيك بالإضافة إلى طريقة وقوف المرأتين، ليشيّد اللوحة ويرتّب فراغاتها.
ورغم أن الصورة تفتقر للتأثيرات اللامعة والمضيئة التي اشتهر بها دي هوك، إلا أن تفاصيلها لا تخلو من سحر المظهر الواقعيّ وجمال ومثالية الرسم والتشطيب.
والديكور في اللوحة يتألّف من عدّة طبقات عبارة عن ممرّات ضيّقة وأبواب وصور ضمن صور تفصل العالم الخاصّ عن الخارجيّ.
لعبة دي هوك المفضّلة كانت تتمثّل في خلق عمق في اللوحة يسمح للممرّات بأن تلتقط جزءا من منزل على الطرف الآخر في الخلفية، من خلال نافذة مفتوحة أو باب مُشرع، مثلما فعل في هذه اللوحة.
لاحظ أيضا المتضادّات في الصورة: عالم الكبار مع عالم الطفولة، والعمل واللعب، والديكور الداخليّ والعالم الخارجيِّ.
لوحات الديكور المنزليّ توفّر فكرة عن طبيعة الحياة اليومية للناس من مختلف الطبقات في هولندا القرن السابع عشر. وبعضها عبارة عن ترجمة للأمثال والأقوال الهولندية التي كانت شائعة آنذاك وتتضمّن رسائل أخلاقية من نوع ما.
وجزء كبير من تلك اللوحات تستعرض الأنشطة اليومية لربّات البيوت، مثل قراءة أو كتابة الرسائل وأداء الموسيقى أو رعاية الأطفال وشغل الخياطة والإشراف على العمالة المنزلية.. إلى آخره.
وكان فيرمير أوّل من بدأ تقليد رسم الديكور المنزليّ. في ذلك الوقت كان اقتصاد هولندا قد بدأ في التعافي بعد انتهاء الحرب مع اسبانيا وسيصل إلى أوج ازدهاره في السنوات القليلة التالية.
في القرن العشرين، تضاءل اهتمام رسّامي الحداثة بتصوير المنازل والديكور، ربّما لأنهم كانوا يرون في الديكور الداخلي انعكاسا لحالة لزوم الناس لمنازلهم معظم الوقت خلال القرن السابع عشر وما بعده.
كان من عادة الناس وقتها أن يقفلوا أبوابهم على أنفسهم ويعيشوا لوحدهم. ولهذا السبب لم يظهر الديكور المنزليّ كثيرا في لوحات القرن الماضي. وعندما يُرسم، فإنه لا يُرسم كملاذ داخليّ، ولكن باعتباره مكانا محكوما بقوى خارجية وكصورة لعلاقة مضطربة مع العالم ومع الذّات.
وبالنسبة للفنّانين الحداثيين، ينبغي أن يكون رسم الديكور المنزليّ بيانا عن حالة الشخص الذهنية ومكانا يشيّد نفسه بنفسه، والفرد فيه موجود في عالم خاصّ به ومن صنعه.